وضع داكن
28-03-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 063 - ُعمَّار المساجد
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

كن من أولياء الله :

 رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:

((إن الله تعالى إذا أنزل عاهة من السماء على أهل الأرض, صُرفت عن عمار المساجد))

 يعني: قال تعالى:

﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾

[سورة الأنبياء الآية:88]

 المؤمن له معاملة خاصة.
 الإنسان -أحياناً- ينتمي إلى جماعة, له ميزات كثيرة, ينخرط في سلك له ميزات كثيرة , يدخل في وزارة الخارجية؛ له جواز دبلوماسي, وله مهمات, وله ميزات كثيرة, لا يوجد إنسان ينضم لجامعة, أو لسلك, إلا له ميزات ليست لكل الناس.
 أنت إذا انضممت إلى الله عز وجل, وكنت من أوليائه, أول ميزة: أن الله جل جلاله يصرف عنك المصائب التي تنزل على العباد, لقوله تعالى:

﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾

[سورة الأنبياء الآية:88]

من شواهد القرآن على أن المؤمن له معاملة خاصة إذا استقام على أمر ربه :

1- قصة يونس عليه الصلاة والسلام

   القصة الشهيرة: قصة سيدنا يونس -عليه الصلاة والسلام- لما وجد نفسه فجأة في بطن الحوت في ظلمات ثلاث؛ ظلمة الليل, وظلمة بطن الحوت, وظلمة أعماق البحر:

﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾

[سورة الأنبياء الآية:87]

﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾

[سورة الأنبياء الآية:88]

 هذه قصة, الله عز وجل قلبها إلى قانون. قال:

﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾

[سورة الأنبياء الآية:88]

 فكلما ألمت بك ملمة, تصور سيدنا يونس, كيف أنه في بطن الحوت, احتمال النجاة صفر.
 يعني بطن حوت, وجبته المعتدلة أربعة طن, كل الإنسان وزنه مئة كيلو, الوجبة المعتدلة عصرونية أربعمئة طن, وزنه مئة وخمسون طن, يعني شيء مخيف, نبي كريم, رأى نفسه في بطن الحوت:

﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ﴾

[سورة الصافات الآية:142]

﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ﴾

[سورة الأنبياء الآية:87]

 بحسب المعطيات: الأمل صفر, إنسان التقمه الحوت, بقي دقائق, ثوان, حتى يُصبح في بطنه, في معدته, وحتماً: العصارات حارقة, العصارات الهاضمة التي في بطن الحوت تحرقه حرقاً.
 أحياناً الإنسان: يستعمل كلور, يعني يحفر الرخام؛ الكلور, المعدة فيها حمض كلور الماء, وبطن الحوت على أشد, لأنه يبتلع أسماكاً كبيرة؛ هي, وعظامها, وكل ما فيها, وحراشفها , كلها تُهضم.
 سيدنا يونس:

﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾

[سورة الأنبياء الآية:87]

﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾

[سورة الأنبياء الآية:88]

 الآن قانون:

﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾

[سورة الأنبياء الآية:88]

 يعني: أي مؤمن إلى يوم القيامة؛ في أي مكان, وفي أي زمان, ربنا جل جلاله: ينجيه من عذاب الدنيا, فضلاً عن عذاب الآخرة.
 فالمؤمن يجب أن يشعر أنه حينما آمن, واصطلح مع الله, وتاب إليه, واستقام على أمره, وأقبل عليه: له معاملة خاصة.

2-قصة لوط عليه الصلاة والسلام :

 قال تعالى:

﴿فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ﴾

[سورة الحجر الآية:57]

 -هذا شاهد آخر-:

﴿قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ﴾

[سورة الذاريات الآية:32]

﴿لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ﴾

[سورة الذاريات الآية:33]

﴿مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ﴾

[سورة الذاريات الآية:34]

﴿فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾

[سورة الذاريات الآية:35]

﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾

[سورة الذاريات الآية:36]

 معنى أول شيء: الله عز وجل أخرج المؤمن, الذي لا يستحق العذاب, فهل من الشيء السهل: أن تكون لك معاملة خاصة عند الله؟.

 

ما السبيل للخروج من هذه المصائب التي تحيق بالإنسان من كل جانب؟ :

 أيها الأخوة, الحياة كلها مصائب, وكلها حروب أهلية, وكلها تشرد, وكلها فقر, وكلها أمراض وبيلة.
 والله الإنسان من دون إيمان بالله, يوجد مليون سيف فوقه؛ سيف الحوادث, حادث شل نصفه الأيمن, سيف القهر, في قهر سيف الفقر, سيف الخصومات, سيف العقوق, سيف الزوجة اللئيمة, مليون سيف, أنت حينما تؤمن بالله, وتستقيم على أمره, لك عنده معاملة خاصة:

 

﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾

[سورة الأنبياء الآية:88]

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾

[سورة النحل الآية:97]

 هذه الميزة, لك عند الله حياة طيبة, وهذه حق لك.

 

الدليل من السنة على أن الله لا يعذب عباده إذا هم عبدوه :

 والله سبحانه وتعالى, أروع ما في السنة: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان قد أردف خلفه معاذ بن جبل, قال:

 

((يا معاذ, ما حق الله على عباده؟ قال: الله ورسوله أعلم, سأل ثانية, وثالثة, وهو يقول: الله ورسوله أعلم, ثم قال عليه الصلاة والسلام: حق الله على عباده: أن يعبدوه, ولا يشركوا به شيئاً –جيد, يعني أن يطيعوه- ثم سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- سيدنا معاذاً, قال: يا معاذ, فما حق العباد على الله إذا هم عبدوه؟ –طبعاً: سأله مرة, ومرتين, وثلاثة, ويقول سيدنا معاذ: الله ورسوله أعلم-, يقول عليه الصلاة والسلام: حق العباد على الله إذا هم عبدوه: ألا يعذبهم))

 يعني الله عز وجل: أنشأ لك حق عليه, إنك إن عبدته, لك عليه حق؛ ألا يعذبك لا في الدنيا, ولا في الآخرة.

 

الدليل من الكتاب على أن الله لا يعذب أحبابه :

 أيها الأخوة, هل هناك في دليل قطعي: أن الله لا يعذب أحبابه؟ دليل قطعي:

 

﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾

[سورة المائدة الآية:18]

 يعني: أنتم لستم أحبابه, ولستم أولاده, لأنه يعذبكم, فلو أنه أقركم على دعواكم, لما عذبكم, لو أنه أقركم على دعواكم: أنكم أبناء الله, وأحباؤه, لما عذبكم, لأن الله لا يعذب أحبابه.

 

الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق :

 فأنت إذا وصلت إلى مرتبة: أن يحبك الله عز وجل, ومحبة الله بيدك, وسائلها بيدك, وفي أشخاص من بني البشر إمبراطور مثلاً, لن تستطيع أن تصل إليه, لا يوجد أمل إطلاقاً, ولا أن تلتقي معه, ولا أن تقدم له هدية, الملك إذا قدمت له هدية, يكافىء أضعافاً مضاعفة, هل يتاح لأي إنسان: أن يصل إلى ملك, ليقدم له هدية؟ ممنوع.
 لو أن الله -سبحانه وتعالى, جل جلاله- لم يخلق لنا وسائل القرب منه, والله مشكلة, لا يوجد حل؛ كل السعادة عنده, كل الخير عنده, كل الأمن عنده, طريق له لا يوجد, لم يجعل لك طريق له, أما ربنا عز وجل جعل لك:
الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق.
 وأنت في البيت, يوجد طريق إلى الله, إذا الزوج عاون زوجته.
 كان -عليه الصلاة والسلام-: في مهنة أهله.
 هذا الطريق؛ إذا ربى أولاده, نصحهم, أمرهم بالصلاة, صبر عليهم, أنفق عليهم, أحسن ترتبيهم, إذا برَّ أمه, هذا طريق إلى الله, إذا بر أباه هذا طريق إلى الله, خرج من بيته إلى دكانه, في الطريق: كلما غضضت بصرك عن امرأة طريق إلى الله, وصلت للمحل التجاري, كلما صدقت مع إنسان, ونصحت المسلمين, ورحمتهم, طريق إلى الله.
 الله جعل لك ألف طريق وطريق, مليون طريق وطريق؛ في الطريق, وفي المحل, وفي السفر, وفي الإقامة, وفي الحزن, وفي الفرح, وفي زواجك, وفي تزويج أولادك, وفي كل شؤون حياتك, هناك وسائل تصل بك إلى الله؟ معنى ذلك: إن الله أرادنا أن نقبل عليه, والدليل: جعل لنا وسائل.

 

 

ما أمرك أن تدعوه إلا ليجيبك :

 ما أمرك أن تدعوه إلا ليجيبك.
 إلا ليستجيب لك؛ لو أنه لا يستجيب لأحد, ما فتح لنا باب الدعاء, ما فتح على عباده باب الدعاء إلا ليجيبهم, ليشعرهم أنه يسمعهم.
 الآن: أنت تدعو من؟ هل تدعو إنسان غير موجود؟ مستحيل, المؤمن لمجرد أن يدعو الله عز وجل, معنى ذلك: أنه مؤمن بوجوده, ومعنى ذلك: أنه يسمعه –اثنان- ومعنى ذلك: أنه مؤمن أنه قادر على تلبية طلبه –ثلاثة- ومعنى ذلك: أنه يحبه, قد يكون قادراً, ولا يلبيك, لا يحبه؛ موجود, ويسمع, وقادر, ويحب, هذا الدعاء:

 

﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً﴾

[سورة الفرقان الآية:77]

الطرق إلى ملوك البشر غير سالكة أما الطرق إلى الله عز وجل سالكة :

 أيها الأخوة, في طرق إلى الله عز وجل, أما أقوياء الناس, ملوك البشر: الطرق إليهم غير سالكة, مغلقة, لا يوجد أمل ......
 أحياناً: تجد مدير دائرة, تأتي أول يوم, ثاني يوم, ثالث يوم, رابع يوم؛ مشغول, اجتماع, مهمة, ليس متفرغاً, لن تستطيع أن تصل إليه, أما ربنا عز وجل قال:

﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ﴾

[سورة الكهف الآية:110]

 تريد موعداً:

﴿فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾

[سورة الكهف الآية:110]

 يا الله ما أجمل الآية! طريق:

﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾

[سورة الكهف الآية:110]

محور الدرس :

 محور هذا الدرس: أن المؤمن حينما آمن بالله, وحينما اصطلح معه, واستقام على أمره, وتاب من ذنوبه, وأقبل عليه مخلصاً, له معاملة خاصة, هناك وعود كثيرة في كتاب الله:

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾

[سورة الحج الآية:38]

 يدافع عنك وأنت لا تشعر, يهيىء أشخاصاً بالوقت المناسب, بالمكان المناسب, والعبارة المناسبة: يدافعون عنك:

﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾

[سورة البقرة الآية:194]

 بشارة ثانية؛ معك بالحفظ, والتأييد, والنصر, والتوفيق. بشارة ثالثة:

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً﴾

[سورة مريم الآية:96]

 أنت في مودة الله عز وجل:

﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾

[سورة الطور الآية:48]

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾

[سورة فصلت الآية:30]

 لا خوف, ولا حزن, ولا ضلال, ولا شقاء, والله يدافع عنك, ويدعمك, ويؤيدك, وينصرك, ويحفظك:

﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾

[سورة الرعد الآية:11]

 لذلك:

((إن الله تعالى إذا أنزل عاهة من السماء على أهل الأرض, صُرفت عن عمار المساجد))

هل يعقل أن يكون المؤمن كالكافر؟!! :

 أيها الأخوة, معقول أن يكون المؤمن كالكافر!!:

﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾

[سورة السجدة الآية:18]

﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾

[سورة القلم الآية:35]

﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾

[سورة القلم الآية:36]

﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾

[سورة القصص الآية:61]

إليكم هذه الآيات التي تشعر المؤمن بالثقة بربه على أن مستقبله مضمون :

 هذا الشعور, شعور الثقة بالله عز وجل:

﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾

[سورة التوبة الآية:51]

 كتب لنا, وليس كتب علينا؛ لنا: تفيد التملك, لمن هذه الساعة؟ تقول: هي لي, على من هذه المخالفة؟ على جاري, ليس لي علاقة, على من؟ على فلان, لمن؟ لي؛ فاللام: تفيد التملك والاختصاص, أما على: تفيد القهر:

﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾

[سورة البقرة الآية:286]

 لها وعليها:

﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾

[سورة التوبة الآية:51]

 معنى ذلك: أن المستقبل مضمون, المستقبل فيه مخاوف كبيرة جداً, في شلل, أقرب الناس إلى الإنسان يتمنى موته, في افتقار مفاجىء.

 

بادر إلى الأعمال الصالحة حتى لا تتفاجأ بهذه المصائب :

 يقول عليه الصلاة والسلام:

 

((بادروا بالأعمال الصالحة, فماذا ينتظر أحدكم من الدنيا؟ -لو أن الإنسان ترك منهج الله, أعرض عن الله, أدار ظهره للحق, ماذا ينتظر من الدنيا؟ قال:- هل تنتظرون إلا فقراً منسيا, أو غنى مطغيا, أو مرضاً مفسدا, أو هرماً مفنّدا, أو موتاً مجهزا, أو الدجال فشر غائب ينتظر, أو الساعة والساعة أدهى وأمر؟))

 قلت لكم مرة: كان في رجل يعمل في الطب النسائي, لم يكن في الشام كلها غيره, بالثلاثينات لم يكن في سيارات, لا يخرج من بيته إلا بليرة إنكليز أم الحصان وعرباية, قد يُضطر أن يبيع الفراش من تحت المرأة, ولادة عسيرة, خطرة, لا يخرج إلا بعرباية وليرة إنكليز, جمع ثروة طائلة, أشاد بناء بنوري باشا, وبناء أجمل بناء, كله حجر مزخرف, بالخمسينات أصيب بالشلل, أمرت زوجته المصون أن يُوضع في القبر, لئلا يزعجها بصياحه ورائحته, فكانت الزوجة ترسل له الخادمة, لتأمين طعامه وشرابه, يقول لها: أين المدام؟ أين هي؟ قلت لها, والله يا سيدي, لم ....... تأتي كل أسبوع مرة تشتمه, وتعود إلى البيت, بعد عدة سنوات نقلته إلى قبو بعيد عن البناء. هذا مطب كبير جداً.
 يعني: الإنسان إذا ما استقام, في أمامه بالخريف ......

((هل تنتظرون إلا فقراً منسياً, أو غنى مطغياً, أو مرضاً مفسداً, أو هرماً مفنّداً؟))

 يخرف, يقول لك: أبي خرفان, الأولاد يتكلمونها: أبي مخرف؛ أبوك أنجبك, ورباك, وأعطاك, وعلمك, وسلمك محل وأنت شاب, أبي خرفان يقول له, أو هرماً مفنّدا:

﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً﴾

[سورة الحج الآية:5]

 ففي أمام الإنسان الشارد؛ الشارد, الفاسق, الفاجر, المنحرف, الجاهل, في أمامه غنى مطغي, أو فقر منسي, أو مرض مفسد, أو هرم مفند, –خرف يعني- أو موت مجهز, وإذا نجا من كل هذه: الدجال فشر غائب ينتظر, وإذا نجا من كل هؤلاء: أو الساعة, والساعة أدهى وأمر.
 هذا الذي شرد عن منهج الله, أما الذي عرف الله في شبابه, واستقام على أمره, وبنى حياته على منهج الله, وبيته على منهج الله, وعمله على منهج الله, هؤلاء لهم شيخوخة, والله يشتهي كل منا أن يكون مثله.

 

زيارة إلى حلب :

 أنا ذهبت إلى حلب, يعني: نعزي أحد الأخوة الكرام العلماء في موت ابنه, فأخذنا إلى شيخه, شيخ وقور بالتسعين, والله لم أر في حياتي إنساناً في عز, وفي جاه, وفي جمال, وفي نورانية, كهذا الشخص, ملك جالس في بيته؛ أخوانه من حوله, أولاده من حوله, كلام منفذ فوراً, الأنوار في وجهه.
 يا بني! حفظناها في الصغر, فحفظها الله علينا في الكبر, من عاش تقياً, عاش قوياً.
 من منا يحب أن يكون في كبره -لا سمح الله– مشلول, أو معذب, أو فقير؟.

 

 

زيارة من الجولان إلى دمشق :

 والله زارني أخ من الجولان, قال لي: كان عندي مئتا وخمسون دونماً, قال لي: كل يوم ذريف للبيت, ومختار قرية, وله جاه كبير, دائماً في ولائم ببيته, كل يوم في وليمة, يذبح خروف كل يوم, قال لي: يوجد حولك أعمل ناطوراً بثلاثة آلاف ليرة؟ لا يوجد معي ثمن طعام.
 هذه غنى مطغياً, أو فقراً منسياً, أو مرضاً مفسداً, أو هرماً مفنّداً, أو الدجال فشر غائب ينتظر, أو الساعة والساعة أدهى وأمر.

 

هذه شيخوخة العارفين بالله :

 من منا يحب أن يكون في شيخوخته إنساناً محترماً جداً, ذاكرته قوية؟.
 يعني: كان هذا الرجل السفرجلاني -رحمه الله تعالى- في الستة والتسعين, ست وتسعون سنة, أسنانه في فمه.
 أنا أعرف رجلاً, سألت طبيب أسنان من أخواننا, متفوق جداً: مر معك إنسان لا يوجد ولا سن محشى؟ قال لي: والدي, قال لي: عمره خمس وثمانون سنة, قال لي: والله ولا سن محشى, لكن كان والده ورعاً جداً, ورعاً إلى درجة الوسوسة, لم يشرب كأس شاي بحياته في المدرسة, لأنها مسخنة على سخانة المدرسة, هذه أموال عامة, السكر منه, والشاي منه, لم يشرب أبداً, كلفوه يشتري للمدرسة وحده لجنة مبايعات, يفاصل كأنها له, ورع غير معقول, رجل حي يرزق, خمس وثمانون سنة, أسنانه في فمه.
 فالشيخ السفرجلاني: كان عمره ست وتسعون, أسنانه في فمه كلهم -ليس بدلة تهز, يضحك تقع البدلة- أسنانه في فمه, بصره حاد, سمعه مرهف, قامة منتصبة, قائم, ست وتسعون.
 يا سيدي, ما هذه الصحة التي حباك الله بها؟ يقول: يا بني! حفظناها في الصغر, فحفظها الله علينا في الكبر.

 

 

هنيئاً لكل شاب نشأ في طاعة الله :

 أيها الأخوة, لا أغبط إلا شاباً نشأ في طاعة الله, أقول: هنيئاً له, هذا له مستقبل متألق, بالخمسة عشر يغض بصره عن النساء؛ ضابط لسانه, يقرأ القرآن, يصلي, يرتاد المساجد, إذا إنسان أطاع الله وهو شاب, مخبأ له شيء جميل جداً, في خريف عمره شيء جميل جداً, وفي كبرات والعياذ بالله, يا لطيف! يا لطيف!.
 قال لي: واضع حبل على يديها ورجليها -لأمه- على الديوان, لماذا؟ قال: لو أطلقنا يديها, تأكل غائطها, وتخلع كل ثيابها أمام أولاده, وهي غائبة عن الوعي إطلاقاً, كم سنة؟ صار لها ثماني سنوات, يا لطيف!:

 

﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً﴾

[سورة الحج الآية:5]

 طاعة الله ثمينة جداً.

((إن الله تعالى إذا أنزل عاهة من السماء على أهل الأرض, صُرفت عن عمار المساجد))

 هذا الذي يغض بصره .......

 

من أيام الله :

 والله -يا أخوان- أحياناً: يأتي مرض, ينسى الإنسان حليب أمه.
 لي صديق, له صديق وصل لمعاون وزير, يحمل دكتوراه بالجولوجيا من فرنسا, ويسكن ومعه زوجة إفرنسية, ويبدو أن أهله أغنياء؛ سيارتان, ثلاثة, وبيت فخم جداً, فقد بصره, يعين, يراعوه, أبقوه شهراً في بيته: يوقع على وصف سكرتير, ماذا كتب بالمعاملة يا بني؟ يقول: كذا وكذا, موافق, وقع, بعد ذلك سرحوه, زاره صديقي -صديقي دكتور زميله- قال له: والله -يا دكتور- أتمنى أن أجلس على الرصيف, وأن أمد يدي للناس, وليس لي من الدنيا إلا هذا المعطف, وأن يرد بصري.

 

 

هل تعلم؟ :

 إذا إنسان غض بصره عن محارم الله, تظن الله يفجعه ببصره؟ أغلب الظن, لا أقول, أغلب الظن, الله لأن له حجج, لكن في الأعم الأغلب: لا, العين هذه, نزلت منها قطرة دمع خشية لله, يفجع بها؟ لا والله, إن رأى امرأة لا تحل له:

 

((من ملأ عينيه من الحرام, ملأهما الله من جمر جهنم, أما من غض بصره عن محارم الله, أورثه الله حلاوة في قلبه إلى يوم يلقاه))

 إذا إنسان اتقى الله في عينيه, واتقى الله في لسانه, واتقى الله في أذنه, واتقى الله في يده, ما لمس يد امرأة لا تحل له, أهلاً, أهلاً, يشد عليها, اشتقنا لكم, أين أنتم؟ من هذه؟ لا زوجتك, ولا أختك, ولا عمتك, ولا خالتك, رفيقة زوجته.
إذا الإنسان ورع, الله عز وجل يحفظه في الدنيا والآخرة.

 

أتريد أن يكون لك خريفاً متألقاً؟ اتق الله :

 أيها الأخوة, فإذا إنسان يرغب خريفاً متألقاً, هو بالتسعين, أولاده أمامه مؤدبين جداً, في أولاد يضربون آباءهم, أو يتطاولون عليهم, تريد أن يكون ابنك مثل الألف واقف أمامك؟ اتق الله عز وجل, تحب ما يدخل لعندك موظف يهينك, اسمح لنا بالهوية, امش معنا؟ أثناء بيع أي زبون خاف من الله, عد كل زبون وكيله الله؛ انصحه, وارحمه, ولا ترفع السعر عليه, ما دام أنت خفت الله فيما بينك وبينه, لن يخيفك من أحد أبداً, لا يسمح له يخوفك الثاني, أما إذا جاء زبون غشيم, وضعت في عنقه المسؤولية, ستوكة, بأعلى سعر ألبسناها له, يظن نفسه شاطراً.

 

والله من ورائهم محيط :

 قال لي أخ, قال لي: والله عندي سيارة, يوجد في المحرك عطل خطير, المحرك مشعور, قال لي: الحمد لله, الله فضل, البارحة ألبسناها لواحد, لا يعرف ماذا يتكلم؟ قال: الله مفضل عليه, ألبسها لواحد, باعها, -هذه بيجو- أخذ من طرطوس كولف س, لون بيج, الفرش كحلي, لون طحيني, الفرش كحلي, طار عقله, ثلاثة أيام تعطبت السيارة, جاء لعندي: هكذا صار معي في المخيم, دخل الباص من الشمعات, حطمها كلها, قلت له: ألم تقل لي البارحة: أنك ألسبتها لذاك الشخص؟.
 الله كبير, إخفاء العيب كبيرة, تحب الله عز وجل يعزك؟ يرفع شأنك؟ يحفظ لك صحتك؟ يجعل لك مكانة في بيتك؟.

 

 

ما رأيك؟ :

 قال لي واحد, كنا بجدة بعمرة, زرنا شخص في جدة هو من الشام, متضايق من زوجته, قال لي: جالس أنا على الأرض, أشاهد فيلماً بالتلفاز, هي جالسة على الكنباة, ضربتني برجلها على رأسي, قالت له: غير القناة.
 في هكذا زوجة, في هكذا, في زوجات مسيطرين, مكانتك؛ مكانتك, وصحتك, وعزتك, وكرامتك, لها قيمة, في ......

 

 

رأس الحكمة مخافة الله :

 قال له: يا بني! حفظناها في الصغر, فحفظها الله علينا في الكبر, من عاش تقياً, عاش قوياً.
 اجهد أن تطيع الله, وأن تتواضع, وأن تقف عند حدوده, وأن تخاف منه.
 رأس الحكمة مخافة الله.
 الله عنده أدوية لا تعد ولا تحصى, وكل دواء يساوي الحياة جحيماً, وكل دواء لحاله يجعل حياتك جحيماً.

 

 

خلاصة القول :

 عود على بدء:

 

((إن الله تعالى إذا أنزل على عاهة من السماء على أهل الأرض, صُرفت عن عمار المساجد))

 أبداً. والدليل:

﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾

[سورة الأنبياء الآية:88]

 ونحن في ألطاف الله عز وجل, وكل إنسان له اتصال بالله, وله خوف منه, وله طاعة له, تنطبق عليه الآية الكريمة:

﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾

[سورة الطور الآية:48]

﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾

[سورة الطور الآية:48]

 له من هذه الآية نصيب, والحمد لله رب العالمين.

 

دعاء الختام :

 بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا. وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

 

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور