وضع داكن
28-03-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 188 - لا يكون اللعانون شفعاء.....
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسـلام على سـيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام:
 ورد في صحيح مسلم من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( لا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَوْمَ القِيامَةِ ))

 هذا الحديث أيها الأخوة على إيجازه، وقد لا ننتبه إلى أبعاده، من هو اللعان ؟ الذي لا يألف الناس، فإذا رأى منهم نقصاً أبعدهم، وأسقطهم من حسابه، ولم يعبأ بهم، اللعان صيغة مبالغة، يعني كثير اللعن، أي خطأ يُرتكب معه يهدر كرامة هذا الإنسان ويقسو عليه في الكلام ويصرفه، هذا اللعان لا يمكن أن يكون هادياً إلى الله، المعنى المعاكس أن الذي يتصدى لهداية الخلق يجب أن يكون صدره رحباً، ونفسه طويلاً، وقلبه كبيراً، وحلمه كثير، عليه أن يستوعب الناس، أن يترفق بهم، مثل من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام:
 هل يستطيع شاب في حضرة النبي أن يقول له ائذن لي بالزنا، والزنا من الكبائر أمام أصحاب النبي، فالصحابة هاجوا وماجوا، فقال دعوه، تعال يا عبد الله، النبي ما لعنه ولا أبعده، ولا طرده، ولا وبخه، ولا أمر بضربه، ولا أمر بإخراجه، تعال يا عبد الله أتحبه لأمك ؟ تصور أمه يُزنا بها، فاحمر وجهه، قال له لا، قال له ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، أتحبه لأختك ؟ قال لا، قال أتحبه لابنتك ؟ قال لا، قال أتحبه لعمتك ؟ قال لا أتحبه لخالتك ؟ قال لا، يقول هذا الشاب دخلت على رسول الله وليس شيء أحب إلي من الزنا، وخرجت من عنده وليس شيء أبغض إلي من الزنا.
 إذاً لم يلعنه، ولم يوبخه، ولم يطرده، ولم يسبه، الآن تجد إنسان إذا شاهد آخر ترك جزئيات السنة يقيم الدنيا ولا يقعدها، قال له عيد مبارك، قال له يركب عليك جمل هذه الكلمة لم ترد عن رسول الله، ماذا فعل لك ؟ ماذا قال لك ؟ نبه بلطف.
 شاب يصلي وإلى جانبه شيخ وقور، يبد أن هذا الشيخ أعجبته صلاة هذا الشاب فأثنى عليه، ودعا له أن يرزقه الله صلاة في الحرم المكي، طبعاً الدعاء طويل اختصره بكلمة واحدة، قال له حرماً إن شاء الله، جحظت عينا الشاب، وانتقع لونه، وأحد فيه النظر وقال هذا لم يرد عن رسول الله، أن تقول له حرماً، هذه بدعة، قال له وهل ورد عن رسول الله قلة الذوق ؟.
 هذا الحديث دقيق جداً، يجب أن يكون قلبك كبير جداً، ونفسك طويلاً، وصدرك رحباً، ورحمتك غالبة، أن تحب الناس جميعاً على أخطاءهم، أن تأخذ بيدهم، أن تتلطف معهم، أن تترفق بهم، أن تعدهم مرضى وأنت طبيبهم، لذلك ورد في أحد الأحاديث القدسية:

 

(( إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ))

 فهذا اللعان القناص، الذي يكثر اللعن والإبعاد، هذا لن يكون باباً إلى الله، لن يوظفه الله في الدعوة إليه، الذي يضع نفسه تحت قدمه، ويتواضع لمن حوله، قال تعالى:

 

 

﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً (79)﴾

 

( سورة الإسراء )

 ويقول في آية ثانية:

 

﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)﴾

 

( سورة الشعراء )

 ما لم يطبق الدعاة أخلاق رسول الله، أو ما يقلدوا أخلاق رسول الله، لن يستخدمهم الله ليكونوا باباً له، لذلك " لا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعاءَ " لن تستطيع أن تهدي إنساناً وأنت تلعنه.
جيء بشارب خمر إلى رسول الله، وقد لعنه أصحابه، قال لا تلعنوه، إنه يحب الله ورسوله، شارب خمر ! مغلوب على أمره، النبي فرق بين معصية الكبر، ومعصية الغلبة، إبليس قال:

 

﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾

 

( سورة الأعراف الآية: 12 )

﴿ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (61)﴾

( سورة الإسراء )

 استنكف أن يعبد الله عز وجل، هذه معصية الكبر، لكن سيدنا آدم قال:

 

﴿ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (115)﴾

 

( سورة طه )

﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)﴾

( سورة البقرة )

 يعني أهون ألف مرة أن تقصر غلبة من أن تستنكف أن تعبد الله عز وجل، فالنبي قال لا تلعنونه إنه يحب الله ورسوله، والتي زنت وكانت محصنة، وجاءت النبي عليه الصلاة والسلام، تطلب إقامة الحد عليها، مع أنه في الحكم الشرعي ليست مكلفة أن تفضح نفسها، وما دام الله قد سترها ليست مكلفة، وليس كل إنسان مكلف أن يرفع للإمام من زنا لا، إلا أن الإمام إذا بلغه ذلك قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( لا عفا الله عنه إن عفا ))

 فجاءت النبي عليه الصلاة والسلام ليقيم الحد عليها، فقال، انتظري حتى تلدي ولدت، قال انتظري حتى تفطميه، فطمته، ثم جاءت وبيد ابنها كسرة خبز، يعني أكل فأقام عليها الحد، تنفيذاً لأمر الله عز وجل، بعض الصحابة لعنوها، قال لا تلعنوها، والله تابت توبة لو وزعت على أهل بلد لكفتهم.
أيها الإخوة الكرام:

 

 

(( لا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَوْمَ القِيامَةِ ))

 يعني ما ممكن الله يستخدمك بالدعوة وعندك حقد، لا يمكن الله يستخدمك بالدعوة وعندك قسوة، لا يمكن الله يستخدمك بالدعوة وأنت لا تحب الناس.
إحدى مديرات المدارس الخاصة، إن أرادت أن تعيين معلمة تسألها هذا السؤال هل تحبين الصغار ؟ إن كنت لا تحبين الصغار لا يمكن أن تنجحي عندي.
 أقول لكم هذه الكلمة الأب يجب أن يحب أولاده، الأب الحاقد دائماً ينقد على أولاده لن يكون هادياً لهم أبداً، المعلم يجب أن يحب طلابه، الداعي يجب أن يحب إخوانه، لما يدخل الحقد، والنقد، واللعن، والقسوة، والإبعاد، والتكفير، والتشريك، والتبديع، انتهى الداعية، نحن لسنا أوصياء على الناس، نحن دعاة ولسنا قضاة، أنت لست قاضي، خالق الكون الذي حياتنا بيده، وكن فيكون، وزل فيزول، قال:

 

 

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾

 

( سورة البقرة الآية: 256 )

 أفأنت أيها الإنسان تكره الناس على أن يكونوا مؤمنين ؟ ادعوهم.

 

﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾

 

( سورة النحل الآية: 125 )

 واحد دخل على ملك قال له سأعظك وأغلظ عليك، قال له لا يا أخي، ومن أنت ؟ لقد أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني، أرسل موسى إلى فرعون، ومع ذلك قال:

 

﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)﴾

 

( سورة طه )

 إذاً لم يُبعث النبي لعاناً، بُعث هادياً، والدليل أنه في الطائف بالغوا بإيذائه وبالغوا بتكذيبه، وبالغوا بالسخرية منه، ومع ذلك لما جاءه ملك الجبال، وقال يا محمد أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك، لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين، قال:

(( لا يا أخي اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله ))

 دققوا في هذا الكلام: أولاً قال: " اللهم اهدي قومي " ما تخلى عنهم، ماذا قال النبي الكريم ؟ " اللهم اهدي قومي " ما تخلى عنهم، واعتذر لهم ودعا لهم، قال " اللهم اهدي فإنهم لا يعلمون " ورجا الله أن يخرج من أصلابهم من يوحده، هذه أخلاق النبوة.
 حاطب بن بلتعة، ارتكب خيانة عظمة، قال لقريش إن محمداً سيغزوكم فخذوا حذركم، هذه خيانة عظمى في جميع أنظمة العالم، جاء به، قال ما هذا يا بلتعة ؟ جاء بالكتاب قال له سيدنا دعني اضرب عنق هذا المنافق، قال له لا يا عمر، إنه شهد بدراً لمَ فعلت هذا يا حاطب ؟ قال والله يا رسول الله ما كفرت ولا ارتدت، ولكني لصيق في قريش أردت بهذا الكتاب أن أحمي أهلي ومالي، وأنا واثق من نصر الله لك، فقال عليه الصلاة والسلام: إن صدقته فصدقوه، ولا تقولوا فيه إلا خيراً.
 هذه أخلاق النبوة، فالذي يريد أن يكون داعية إلى الله يجب أن يتخلق بأخلاق رسول الله في الدعوة إلى الله " لا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَوْمَ القِيامَةِ " فإذا كان في القلب حقد ونقد وقسوة واستعلاء وكبر، سيد الخلق وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، وسيد الأنبياء، وسيد المرسلين، أوتي الوحي، أوتي القرآن، أوتي المعجزات، أوتي الفصاحة أوتي الجمال، أوتي النسب، كل هذه الصفاة يقول الله له أنت أنت يا محمد:

 

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾

 

( سورة آل عمران الآية: 159 )

 الآن تجد واحد لا هو نبي، ولا رسول، ولا يوحى إليه، ولا معه معجزة، ولا معه قرآن، ولا جميل الصورة، ولا فصيح اللسان، وغليظ

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾

أيها الإخوة:
 هذا الحديث على إيجازه، وعلى قصره دقيق جداً، الذي يلعن لا يستخدمه الله في هداية الخلق، ما لم تضع نفسك تحت قدمك لله.

﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18)﴾

( سورة الجن )

 هذا المسجد لله، وهذا المنبر منبر رسول الله، وهذا الكرسي كرسي الدعوة.

إخفاء الصور