وضع داكن
19-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 191 - الترغيب في العزلة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام:
 الترغيب في العزلة لمن لا يأمن على نفسه الاختلاط، وقد قيل الجليس الصالح خير من الوحدة والعزلة، لكن العزلة أفضل ألف مرة من الجليس السوء، بعد أن تؤمن بالله واليوم الآخر بقي عليك أن تحيط نفسك بأناس يرقون بك إلى الله، قيل لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله، ولا يدلك على الله مقاله، ولو تتبعت الانحرافات التي تجدها في الأفراد أو النكسات التي يعاني منها من سلك طريق الإيمان لعل في معظم الأسباب تعود إلى رفقاء السوء، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تشعر بثغرات الإيمان وأنت مع أهل الفسق والفجور، من هنا تأتي الآية الكريمة:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾

( سورة التوبة )

 كأن الله عز وجل يبين لنا أنه لن تستطيع أن تطيع الله إلا إذا كنت مع الصادقين والآية الثانية:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)﴾

( سورة الكهف )

بالمناسبة أيها الإخوة:
 المعصية محببة، فيها ثمر عاجلة، وفيها كآبة آجلة، ثم فيها عذاب مستمر بعد الموت، يعني دائماً أضرب هذا المثل، أضربه كثيراً:
 راكب دراجة، يمشي في طريق مستوي، ثم واجه طريقين، طريق هابط، وطريق صاعد، الآن بالكلام المعاصر معطيات البيئة الواقعية، طبيعة الإنسان، خصائص الإنسان، حاجات الجسد أن يسلك الطريق الهابط، يتوقف الجهد، تأتي النسمات اللطيفة الطريق معبد، الأشجار على الطريقين، الحدائق الغناء، أما الطريق الصاعد يحتاج إلى جهد كبير، والشيء الغريب أن الطريق الصاعد ترابي، وفيه عقبات، وفيه أحجار، وفيه حفر وفي عرق، وفي تعب، وفي جهد، فكل ما في الطريق الهابط يقول لك اسلك هذا الطريق وكل ما في الطريق الصاعد يقول لك ابتعد عن هذا الطريق، هذا اسمه لسان الحال، فالذي يحكمه الواقع يسلك الطريق الهابط، لكن لو رأيت لوحة جنب الطريق الصاعد يقول لك إن هذا الطريق ينتهي بعد عشرين كم، إلى قصر منيف هو لمن دخله، وفي هذا القصر ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، لم تصدق، في صور، موضوعة، مشاهد من أبهاء القصر، والطعام في القصر، والشرفات في القصر، والحوريات في القصر، في مشاهد، وفي نص، وإلى جانب الطريق الهابط في لوحة، هذا الطريق الهابط على جماله ويسر سيره ينتهي بحفرة سحيقة ما لها من قرار فيها وحوش لم تأكل من شهر، وهي تنتظر من تأكله هذه اللوحة هنا، وتلك اللوحة هناك، ألا ينبغي إذا كنت عاقلاً أن تتخذ قراراً معاكساً 180 درجة، هذه القصة كلها.

(( وإن عمل الجنة حزن بربوة. ألا وإن عمل النار سهل بسهوة ))

[ رواه أحمد عن ابن عباس ]

(( حفت الجنة بالمكاره ))

[ أخرجه أحمد وصحيح مسلم والترمذي عن أنس و عن أبي هريرة وعن أحمد و ابن مسعود ]

 صلاة الفجر متعبة، نائم للساعة الثانية، وتحب أن تنام للساعة العاشرة ثاني يوم النوم مريح، وإطلاق البصر شيء ممتع، أنت تتملى بمحاسن النساء، والحديث في فضائح الناس شيء ممتع أكثر، وأخذ المال بأي طريق ممتع وممتع، لكن الطبع يقتضي أن تأخذ المال والتكليف أن تدفعه، وسمي التكليف تكليفاً لأنه ذو كلفة، لذلك التكليف يتناقض مع الطبع، هذا التكليف لأنه ذو كلفة، ولأنه يحتاج إلى صراع وإلى جهد هو ثمن الجنة:

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)﴾

( سورة النازعات )

فلذلك هذه اللوحة النصية مع بعض المشاهد، وتلك اللوحة النصية مع بعض المشاهد هذه ينبغي أن تعكس قرارك، فأنت أحد شخصين، إما أن يحكمك الواقع، وإما أن يحكمك النص، مثل آخر:
 أنت ذاهب إلى حمص في أيام الشتاء لك قبضة مليون ليرة، هدفك حمص، رأيت في دوما لوحة وضعتها إدارة المرور كتب الطريق إلى حمص مغلقة، بسبب تراكم الثلوج في النبك، لو قرأ اللوحة ملون إنسان عاقل وهدفه حمص وليس النبك، يرجع، هذا الذي في رأسه عقل ما حكمه ؟ النص، دابة ماشية الطريق جاف، والشمس مشرقة، أما الثلجات بالنبك، أين تقف الدابة ؟ في النبك، ما الذي حكم الدابة ؟ الواقع، ما الذي حكم العاقل ؟ النص.
 مثل آخر من حياتنا اليومية: الذي يترك الدخان بعد إصابته بسرطان الرئة دابة أما الذي يترك الدخان بعد قناعته أنه انتحار بطيء، ومحرم شرعاً يكون عاقل، هو كل إنسان بعد وقوع الذي توعد الله به يؤمن، الدليل أكفر كفار الأرض فرعون حينما أدركه الغرق قال:

﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)﴾

( سورة يونس ).

 المشكلة كلها أنه أنت خيارك مع الإيمان خيار وقت، لا خيار قبول أو رفض، دائماً وأبداً لك مع مليون موضوع خيار قبول أو رفض، عرضوا عليك تجارة وجدت الربح قليل والجهد كبير، وفي مخاطرة، ترفضها، عرضوا عليك بيت جهته شمالية، وسعره غالي وغير مناسب ترفضه، مليون موضوع لك معها خيار قبول أو رفض إلا الإيمان، لك معه خيار وقت فقط، إما أن تؤمن قبل فوات الأوان، وفي الوقت المناسب، وإما أن تؤمن بعد فوات الأوان، وفي الوقت غير المناسب، والدليل فرعون الذي قال:

 

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)﴾

 

( سورة النازعات )

 والذي قال:

 

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾

 

( سورة القصص الآية: 38 )

 آمن لكن بعد فوات الأوان الله عاتبه وقال له:

 

﴿ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ﴾

 

( سورة يونس الآية: 91 )

 لذلك في ملمح من كلام رسول الله رائع جداً هذا الملمح أنه صلى الله عليه وسلم حينما استقبل خالد بن الوليد وقد جاء ليعلن إسلامه، فقال يا خالد عجبت لك، أرى لك فكراً.
في أمثلة كثيرة واقعية، وصارخة، والدنيا عرض حاضر، والآخرة وعد صادق، يحكم فيه ملك عادل، وكل إنسان يأمن بالآخرة ويعمل لها يعد اعقل العقلاء.
 أنا تكلمت البارحة بدرس كل واحد له أقرباء يتوفون، لكن ما مرة لك قريب غني جداً، بيته ثمنه 80 مليون، تدخل للبيت فيه سجاد وكل سجادة ثمنها 800 ألف، أصفهان والثريات رشنج بلجيكية، واللوحات الزيتية، والرخام، والأونكس، وكله درجة أولى ما خطر ببالك أثناء التعزية أين جالس صاحب البيت الآن ؟ بباب صغير جالس، هذا المثوى الأخير، فهذه الحقيقة المرة، وهي أفضل ألف مرة من الوهم المريح.
 فلذلك مستحيل وألف ألف مستحيل أن تستطيع أن تستقيم، وحولك بيئة سيئة فالعزلة عزلة المجتمع أفضل وسيلة للحفاظ على استقامتك، لكن أحياناً تجد رجل عنده شخصية قوية جداً، وإيمانه قوي، متوهج، معه حجة قوية، لو جلس مع أناس وله عندهم هيبة صمتوا، اجلس معهم، وارتقي يهم إلى الله، يعني هي لعبة شد الحبل، إن شدوك إليهم ابتعد عنهم، وأن أمكنك أن تشدهم إليك، اقترب منهم ميزانك معك، عندك إمكان تؤثر بهم تغير تفكيرهم، يتأدبوا بأدب الإسلام، ينبغي أن تكون معهم، لأنه أنت لك في الدنيا مهمة يعني هذا الذي يجلس برأس جبل ماذا فعل ؟ ما فعل شيء، يأتي يوم القيامة مفلساً.
 مرة كنا بمكان جميل، وفي فيلا فخمة جداً، لها إطلالة رائعة، قال لي أحد الإخوة الكرام من باب الدعابة لو أن الله أعطانا مثل هذه الفيلا وجلسنا بها وأمضينا حياتنا كلها مناظر جميلة، قلت له تأتي يوم القيامة مفلس، لازم تجلس بمدينة كلها تلوث، وكلها عي، وكلها مشاكل، وتحل مشاكل الناس، وتأخذ بيدهم إلى الله، وتسعى لهدايتهم، وتتحمل قسوتهم أحياناً، وغلظتهم أحياناً، وتطفلهم أحياناً، وتخدمهم حتى تأتي يوم القيامة معك عمل صالح، لأن هذا السرور يوم القيامة.
 يعني ممكن طالب معلق آمال كبيرة على الدراسة يأتي بسخان للسندويش أمامه وقليل من الموالح، وكأسين عصير، وترمس شاي، وراديو صغير، وكم مجلة أثناء الدرس هذا سلوك طالب ؟ هذه تحصل عندما يتخرج، يشتري بيت، ويجلس في غرفة الجلوس ويرتب كل أموره، هذه بعد التخرج، أما أثناء الدراسة، الآن مقاعد الجامعة مقاعد خشبية ما في بالجامعة كلها مقعد بهذا الشكل، زاوية قائمة، خشب، لا في تكييف، ولا في تدفئة جيدة و سبورة وغبار وعفار ودكاترة، وتخرج من هنا طبيب، مهندس، حقوقي، مدرس، الآن الجامعة مع أنها متعبة، وفيها دوام 12 ساعة، وفيها قسوة مدرسين أحياناً، فيها وظائف شهرية، وفيها أسئلة غير متوقعة، وفيها تصحيح غير متقن، لكن تتحمل كل المتاعب، لأن في آخرة يوضع اسمك دكتور، الدكتور فلان، وفي شغل، في لقب علمي وفي شغل، أما إذا كانت دخلت إلى ملهى، الملهى أنيق جداً، الموكيت، والثريات، والديكورات، والراقصات، يخرج نوري الواحد منه، يخرج نوري من قطاع الطرق بالأخير.
أيها الإخوة الكرام:
 القضية عزلة واختلاط، العزلة أفضل ألف مرة من جليس سوء، والاختلاط أفضل ألف مرة من العزلة إذا كان مع جليس صالح.

 

(( وَيَدُ الله عَلَى الْجَماعَةِ، وَمَنْ شَذّ شَذّ إِلَى النّارِ ))

 

[ رواه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه ]

إخفاء الصور