وضع داكن
29-03-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 190 - لا يدخل الجنة نمام........
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام:
 من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الاجتماعية قوله صلى الله عليه وسلم:

(( لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّام ))

[ رواه البخاري ومسلم عن أبي حذيفة رضي الله عنه ]

 النمام هو الذي يفسد علاقات البشر، يفسد علاقة أخ بأخيه، وشريك بشريك وأم بابنها، وابن بأمه، وأب بابنه، وابن بأبيه، وجار بجاره، هذه العلاقات كيف تفسد ؟ الشيء الذي يلفت النظر تجد مجتمع المسلمين يلفت النظر، على مستوى الأسرى على مستوى العائلة، على مستوى الحي، على مستوى القرية، كل تجمع سكني فئات ومحاور، وأحزاب، وتيارات، وكل واحد يكيل التهم للطرف الآخر بغير حساب، والأحقاد تتولد.
بادئ ذي بدء:
 هذه العداوة والبغضاء بين البشر يحكمها قانون قرآني:

 

﴿ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾

 

( سورة المائدة الآية: 14 )

 يعني لو سألت عن تفسير علمي جامع مانع لهذا التفتت في المجتمعات البشرية هو أن كل طرف على معصية، ما دام على معصية لا يرجو الله، صار في مصالح، صار في تنازع مصالح، صار في رغبة بالسيطرة، إما لكسب مال، أو لكسب حظ، أو لكسب هيمنة، فتجد المجتمعات الإسلامية مع شيوع المعاصي فيها بأسها بينها، قوتها صفر الإنسان متى يقوى ؟ إذا وقفنا جميعاً صفاً واحداً، كيف نخرق ؟ للشروخ التي بين أفراد المجتمع، يعني مثلاً لما يكون في ظلم اجتماعي، يكون في استغلال أحياناً، يكون في طبقية مقيتة، واحد يملك مليون، ومليون لا يملكون واحداً، المجتمع ينشأ فيه خلل خطير، وهذا الخلل يدعو إلى خرقه، فتجد المجتمعات المتخلفة خرقها سهل جداً، يعني بدقائق ينتهي مجتمع بأكمله.
 فلذلك أيها الإخوة أحد أكبر أسباب الخلخلة في المجتمع، والانشقاق في صفوف المؤمنين، هو النميمة، إنسان غضب من إنسان، اتهمه بشتى التهم، المستمع لماذا ينقل هذا للطرف الآخر ؟ بدافع من شيطانه.

 

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً (83)﴾

 

( سورة مريم )

 هو الإنسان يحقق هدف مصلحي مقبول تصرفه، أيام يفسد العلاقات دون أن يكسب شيئاً، تدخل امرأة إلى بيت تسأل الزوجة على الولادة ماذا قدم لك زوجك ؟ تقول والله ما قدم لي شيء، مسكينة تستاهلي والله، لا يعرف قيمتك، وطلعت، ألقت بذور العداوة بينها وبين زوجها، تدخل امرأة ثانية إلى بيت صغير، كيف ساكنة فيه هذا ؟ غير معقول هذا البيت، لا يسكن هذا البيت، فدائماً الطرف الآخر الفسقة، الكفار، المنافقون، همهم عن وعي أو غير وعي، أو همهم بعقلهم الباطن تفتيت المجتمع، شريكين متفاهمين ثلاثين سنة يأتي إنسان ويزورهم، ماذا يعطيك ؟ والله الثلث بثلثين، ما بصير يجب أن تأخذ النصف انتهى العلاقة فسدت، أحياناً يبعث الزوج زوجته إلى بيت أهلها، تلتقي بخالتها أو بعمتها ترجع مقلوبة قلب، سيئة، غضبانة، تحاول أن تزعج زوجها بأي طريقة، هذه مشكلة المشاكل أيها الإخوة.
 لذلك " لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّام ٌ" لأنه أمتن علاقة بين المؤمنين حطمها، التواصل والمحبة، الآن أنت لاحظ بالمجتمع، يحكي لك شخص عن صديقه، أو عن أخوه، أو عن جاره، يحكي ساعة، هات صديقه لماذا يريد أن يسمعه تصبح الساعة دقيقة، لأنه كله كذب الذي يحكيه، فأنت أيضاً نصيحة كأب، كمعلم، كصاحب مصلحة، لا تقبل كلام واحد على واحد إلا في حضرته، إذا كنت صادق تكلم أمامه، تجد القضية تقلصت للعشر، تقلصت لـ1 % نحنا أكثر شيء يفتتنا النميمة، نقل الكلام، تجد شخص تحترمه ويحترمك، بغيبتك من هذا ؟ غير فهمان، حكاها وغلط، من الذي سبب بالقطيعة ؟ الذي نقل، ممكن أن يكون لك صديق حميم، توده، وفي عمل رائع بينك وبينه، وبساعة من ساعات الغفلة قام ذمك ممكن أن يذمك، وما حصل شيء، أما هذا الذي نقل، هكذا قال فيك، أنت تحقد انتهى قطعته، بالنهاية تجد المجتمع ممزق، المجتمع مشرذم، لذلك ورد في بعض الأحاديث:

 

(( وَإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخْطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقِي لَها بالاً يَهْوِي بِها في جَهَنَّم ))

 

[ رواه البخاري عن أبي هريرة ]

 كلمة، وحينما تعد كلامك من عملك تنضبط، الآن الناس يفهمون أنه كلام بكلام من قال لك كلام بكلام ؟ يجب أن توقن أن كلامك جزء من عملك، لأنه في كلمة ترقى بها إلى أعلى عليين، وفي كلمة تهوي بها إلى أسفل السافلين، في كلمات تجعل الإنسان كالبركان ولا سيما إذا كان المتحدث عنه امرأة، في شرفها، ورد في بعض الآثار:

 

(( إن قذف المحصنة يهدم عمل مئة سنة ))

 

[ رواه الطبراني والبزار وفيه ليث بن أبي سليم ]

 فقبل أن تقول، قبل أن تشير، قبل أن تتحرك هكذا، فلانة الله أعلم ؟ حكيت وخلصت، تكلمت وخلصت وانتهى الأمر.
أيها الإخوة:
 ما لم نتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في موضوع الغيبة والنميمة، والبهتان والزور، مثلاً:

 

(( بِحسْبِ امْرِىءٍ مِنَ الشرّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلمَ ))

 

[ رواه الترمذي عن أبي هريرة ]

 كفى بك إثماً أن تقول كل ما سمعت، أن تروي كل ما سمعت، في شيء لا يقال، لا يروى، في شيء غير صحيح، في شيء ما له دليل، في تجني، في تسرع.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)﴾

 

( سورة الحجرات )

 القرآن يجب أن يعلمنا لما سيدنا سليمان جاءه الهدهد قال:

 

﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27)﴾

 

( سورة النمل )

 في تحقيق، الآن ما الذي يحصل بمستوى الأسر ؟ تأتي البنت باكية، هكذا قال لي، ضربني، سب أبي مثلاً، هذا الأب لا يفكر لثانية يستدعي صهره ويقول له ما الذي حدث، أبداً، كلام ابنته طابو، الأب يأخذ موقف، يحردونها، يحقد، قد تكون شاتمة أبوه وأمه وعائلته أمامه، وضاربته أيضاً، ما تحمل، لا يخطر ببال أب أن يسأله صهره ما الذي أزعجك من ابنتي ؟ ما في إنصاف.
 لذلك عدم التحقق، عدم التثبت، عدم المواجهة، والله أنا أتمنى لا تقبل كلمة من بنت على بنت، ولا من صهر على صهر، ولا من ابن على ابن، إلا أن يجتمعا معاً، تجد 99 % من الكلام الذي يمكن أن يقال تلاشى، لأنه أكثره كذب، والإنسان وحده سبحان الله يتكلم ما يحلو له، كل شيء لصالحه يحكيه، وكل شيء ضده لا يحكيه، فبحسب كلام الناس الكل معهم حق، حتى يروا طرفة:
 أن مرة جحة صار قاضي، حكى له أحد المتخاصمين كلام قال له والله معك حق كلام منطقي ومعه أدلة، فلما حكى الخصم قال له والله أنت أيضاً معك حق، كلام قوي ومعه أدلة، فزوجته سمعت الموقف من وراء الستار، قالت له ما هذا الحكم يا جحة ؟ قال لها والله أنت أيضاً معك حق.
 ما في تحقيق لأنه، فكل واحد يتكلم يعلم حاله ملك، مرة أخ زارني يزمع تطليق زوجته، بلغ ضجره منها حد لا يحتمل، فأنا لي أسلوب معه، قلت له يعني تخونك ؟ قال لي أعوذ بالله يا أستاذ ما هذا الكلام، شريفة، طاهرة، عفيفة، قلت له وسخة ؟ قال أعوذ بالله نظيفة جداً، طبخها سيء ؟ قال لا والله طبخها طيب، بعد هذا استدرك لوحده واستحى، كان غافل أنها عفيفة، وشريفة، وطاهرة، ونظيفة، وطبخها جيد، أما هو لوحده تراجع.
نحن أيام بدافع الشيطان لا نرى إلا الجانب السلبي، هذا ابن بلتعة ارتكب خيانة عظمى، توجب القتل، فقال سيدنا عمر للنبي الكريم دعني أضرب عنق هذا المنافق، لا يا عمر إنه شهد بدراً، النبي ما أهدر له عمله، كان صحابي جليل وشهد بدر، وأهل بدر لهم مقام عند الله، قال له لا يا عمر إنه شهد بدراً، فلما سأله قال له والله أنا ما كفرت ولا ارتدت ولكني لصيق في قريش، وأنا واثق من نصر الله لك، أردت بهذا الكتاب أن تكون لي عندهم يد بيضاء أحمي بها أهلي ومالي، فالنبي قال إني صدقته فصدقوه، ولا تقولوا فيه إلا خيراً.
 فنحن 90 % من مشاكلنا تسرع وسماع من طرف واحد، وعدم تحقق، وعدم إنصاف، ما في إنصاف، يغفر للبنت كل ذنب، أما الكنة لا يغفر لها ذنب أبداً، إذا فاقت النبت الساعة 11 مسكينة تعبانة، إذا الكنة 11 فاقت هذه قردة ملفلفة، كسلانة، لماذا هذه تعبانة وهذه كسلانة، الاثنتين بنات، ما في إنصاف، ما دام في إنصاف المجتمع في حقد يصبح، في تمزق.
أخونا الكرام:
 نحن بحاجة إلى تعامل شرعي، بحاجة إلى محبة، بحاجة إلى تعاون، بحاجة إلى تناصر، بحاجة أن نكون سداً واحداً أمام الطرف الآخر، بحاجة إلى ما يسمى بألفة اجتماعية، وهذا الحديث أحد أكبر أسباب التمزق النميمة، أن تنقل إنسان ما قال له فيه إنسان والنميمة لا تأتي إلا بالشر، والنبي قال:

 

(( فإني أُحِبُّ أنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وأنا سَلِيمُ الصَّدْرِ ))

 

[ رواه أبي داود والترمذي، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه ]

 تجد أخ له مكان عند الشيخ، محترم، يأتي شخص يقول عنه: أنه غير مليح أزعجه أن يكون له مكان، لازم أن يحطم له هذا المكان، فلذلك الذين يبحثون عن عيوب الناس.

 

(( مَنْ تَتَبّعَ عَوْرَةَ أَخيهِ المُسْلِمِ تَتَبّعَ الله عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبّعُ الله عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِه ))

 

[ أخرجه ابن أبي الدنيا عن البراء ]

 فأنا أرى الصلاة، الصوم، والحج، والزكاة، أركان الإسلام، لكن الإسلام شيء آخر، الإسلام صدق، أمانة، عفة، بعد عن الغيبة، عن النميمة، عن البهتان، عن الازدراء، عن الشماتة، عن التعيير، فإذا سلم المجتمع من هذه العيوب الاجتماعية كنا صفاً واحداً.

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) ﴾

 

( سورة الصف )

إخفاء الصور