وضع داكن
20-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 154 - إنما الأعمال بالنيات ......
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين،
أيها الأخوة الكرام : لا زلنا في باب الجهاد، ولا زلنا في الترغيب في إخلاص النية في الجهاد .

(( عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ))

(صحيح البخاري)

 أحياناً الناس لضعف إيمانهم يؤخذون بالمظاهر لكن مقياس الإخلاص عند الله من أدق المقاييس، فقد يكون لك عمل ضخم تبتغي به الدنيا أو الذكر أو رفعة الشأن أو أن تشد الناس إليك أو تصرف وجوههم إليك أو تحتل مكان مرموق في حياتك، الإنسان ذكي وطريق العلو في الأرض معروف .
 أيها الأخوة: الإنسان عنده ثلاث دوافع قوية أي إنسان على وجه الأرض عنده دافع للطعام والشراب وهذا الدافع ليبقى حياً، قد يكون في المركبة مؤشرات تحتاج إلى رؤية، قد ترتفع حرارة المحرك دون أن تنتبه فيحترق المحرك، في المركبات الحديثة مع ارتفاع المؤشر يصدر صوت ينبهك ويصرفك للوحة العدادات، لو فرضنا اللوحة والصوت معطلين الحادث محقق، لو الحاجة للطعام لها مؤشر بصري وأنت لم تنتبه تموت من جوعك ! لو كان مع المؤشر البصري مؤشر سمعي تموت !
الإحساس بالجوع عجيب، ما هذا الإحساس ؟ كيانك كله يحتاج للطعام هذا من أجل أن نبقى أحياء ليست القضية باختيارك، الجوع يدفعك ما هو الجوع ؟
 قد يكون محل تجاري له أربع جدران كلها رفوف من الأرض للسقف وكلها ممتلئة بالبضاعة ويوجد مخزن، الجوع ما هو نقص بالنسب النظامية في الدم، لو فحصت دم جائع نسب البروتينات والسكريات تامة الجوع نقص بالمستودع، عندما تنقص كمية السكر في الكبد والشحوم والبروتينات تشعر بالجوع، والدليل: يكون الإنسان جائع جوع شديد يتلقى خبر مؤلم ينسى الطعام ! ويتمتع بنشاط وحيوية تفوق حد الخيال أو خبر سار، فالخبر السر أو المؤلم يعطل الإحساس بالجوع، صنعة دقيقة متقنة حينما تقل كميات الدسم والبروتينات والسكريات بالمستودعات تشعر بالجوع، فالجوع هو الدافع الأول لبقاء الفرد، الآن يوجد دافع جنسي وهو لبقاء النوع، لو لم يكن الزواج لانقرض الجنس البشري ! لكن أودع الله في قلب كل رجل الرغبة أن يلتقي بالمرأة، حتى في الأنبياء، هذه رغبة دون أن نشعر، من أجل أن نحقق هذه الحاجة للطرف الآخر تستمر البشرية، فالدافع للجنس دافع لبقاء النوع والدافع للطعام والشراب دافع لبقاء الفرد والدافع الثالث هو مشكلة المشاكل الدافع لبقاء الذكر، أنت آكل شارب ساكن في بيت مطمئن دخلك كبير متزوج عندك رغبة أن تلفت النظر إليك، أنا مهم، يعبر عن هذا الدافع بإيذاء الخلق يكون موظف يتلذذ بإزعاج المواطنين، يشعر بقوة وأهميته قمت بتعذيبه أحضرته مائة مرة ينقصها توقيع صدقها، وقد لا يحتاج لهذا كله، هذا تأكيد بالشعور للأهمية، هذا الدافع حيادي إما أن ترقى بها لأعلى عليين وإما أن تهوي به إلى أسفل سافلين .

 

(( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ ))

 

(مسند الإمام أحمد)

 أراد خدمة وهداية الخلق فرفع الله ذكره، والنقطة الدقيقة: أن كل مؤمن له من الآيات التي يظن أنها خاصة لرسول الله نصيب، الله عز وجل قال:

 

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾

 

(سورة الشرح)

 أي إنسان مؤمن يستقيم يطلب العم يخطب ود الله عز وجل يرفع الله له ذكره، بقدر إيمانه واستقامته، فالآيات التي يتوهم أنها خاصة برسول الله هي لكل المؤمنين بقدر إيمانهم وإخلاصهم، فدافع الذكر يمكن أن ترقى به لأعلى عليين تطلب العلم تخدم الخلق تبذل من مالك من وقتك من صحتك من علمك وخبرتك تحرص على هداية الناس وتحمل هم المسلمين وتخفف عنهم، الله عز وجل يرفع ذكرك ويعلي قدرك وإنسان أحياناً يريد أ، يصل لرفعة الذكر عن طريق إيقاع الأذى بالناس كما ترون في العالم الغربي عندما يقولون هذه قنبلة إنشطارية مساحة كيلو متر تدمر كل شيء، يشعرون باعتزاز هؤلاء كلهم عباد الله عز وجل، لهم رب سيحاسب، فيوجد إنسان والعياذ بالله تأتيه النشوة حينما يوقع الأذى في الخلق، هذه الحالات في علم النفس تسمى سادية كلما أوقع أذى ..... الذين يعذبون الناس هؤلاء من هؤلاء، الذين يبنون مجدهم على أنقاض الناس هو دافع تأكيد الذات نسميه تأكيد الذات والأهمية وبقاء الذكر، اجلس مع أي إنسان يمدح نفسه والله لم أسمع كلامهم يعني أنه لا يهمه والله بهدلته وحطمته وحقرته مزقت الضبط، هذا كله شعور مرضي لتأكيد الذات، ممكن تؤكد ذاتك بمعرفة الله وطاعته وخدمة عباده وتكون أب و أخ أو تاجر أو مؤمن مثالي يرفع الناس لك قدرك .
 والله أيها الأخوة: سمعت قصة تروى: في حمص تاجر صالح كثيراً مستقيم ورع يخدم كل الناس، جاء موظف تموين كتبه ضبط في اليوم الثاني السوق كله أغلق تضامناً معه، فالمحافظ طلبهم فأخبروه: أن هذا الإنسان له مكانة كبيرة عندنا ! فاعتذر منه، أي بلد المستقيم له شأن .
فيا أيها الأخوة: تأكيد الذات يحتاج للإخلاص لاحظ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ يريد أن يأكل ويشرب ويترفه هذا الدافع الأول الحفاظ على الفرد . وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ آكل شارب غني لكن يحب أن يقال عنه الناس شجاع وأبلى بلاء حسن، إذا عمل أحد عمل صالح ولم يقدره الناس ينزعج كثيراً، يعني أنت لست مخلص، إذا لم يثني عليك الناس يعني أنك لست مخلص فانزعجت، لذلك استنبط العلماء مقاييس للإخلاص، عملك إذا زاد على الثناء وضعف على عدم الثناء لست مخلص هذه واحدة، إذا في مديح وتقدير وتصفيق وكتاب شكر بالجرائد طبيب عمل عملية وكتابين شكر بالصحف لا بأس، أما إذا ما شكره المريض يأتي في المرة الثانية منزعج منه، إذا عملت عمل ولم يثنوا عليك ....... لذلك العمل الملخص لا يتأثر لا بالمديح ولا بالذم أبداً .
العمل المخلص لا يتأثر لا في جلوتك ولا في خلوتك، الله معك، أما كثيراً من الأعمال لا تكن إلا بين الناس أما في خلوة الإنسان لا يفعلها، يعني مراءي .
إخواننا الكرام: الإخلاص الإخلاص !

((الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ))

 فالإنسان ليس له حق أن يقاتل تحت راية عمية فهو ليس في سبيل الله، طبعاً هذا الحديث يدعمه حديث متواتر هو أصل من أصول الدين:

 

 

(( سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهم عَنْهم عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ))

 

 

(صحيح البخاري)

 أم قيس امرأة جميلة جداً كانت في مكة وقد أسلمت، طلب يدها إنسان من أهل مكة اشتطت عليه أن يهاجر فهاجر سموه الصحابة مهاجر أم قيس، تسمع فلان أسلم، اسأله يقول: لا أعرف لأنه حب فتاة مسلمة ! فكثير من الأعمال هدفها الدنيا .
 سمعت قصة لا تصدق: واحد قدم خمس دنومات لجامع ما شاء الله ما هذا العمل الصالح ؟ هذا كل أراضيه غير منظمة فإذا قدم قسم منها للتنظيم تنظم بأكملها وإذا نظمت بأكملها يضاعف سعرها هو لا يصلي أساساً، قدم الأرض ونظمت المنطقة وخصص محاضر فيها وباعها وربح ملايين مملينة، فيوم القيامة يقول: يا رب قدمت لك جامع يقول كذبت قدمت هذه الأرض ليرتفع سعر أراضيك وقد كان ذلك خذوه للنار، هذه مظاهر الدين لا قيمة لها أبداً .
 إخواننا الكرام: أشهدكم أحياناً بمثل لكنه غير واقعي لكن صارخ: واحد منتوف لا شيء عنده يوجد على طاولته ورقة مستطيلة مقلوبة على خلفها خلفها أبيض اعتقدها بيضاء كتب عليها اثنان ضرب ثلاثة جمع طرح ثم مزقها ورماها فإذا بها شيك بمليون دولار لكن على خلفه !!! ماذا يحصل له ؟ هذا معنى قوله تعالى:

 

﴿ اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾

 

(سورة التوبة)

 أحياناً إنسان يعمل بالدين، وقد يكون مجاله مربح، فإذا عم به ولم يكن صاحب دين يكون اشترى بآيات الله ثمناً قليلاً، كثيراً من القنوات الإذاعية يضعون القرآن أولاً الجماعة صاحبين دين ثم كل عام وأنتم وبخير نهدي تهانينا للعالمين العربي والإسلامي بقدوم شهر رمضان المبارك ويذبحون المسلمين من الوريد إلى الوريد، هل هذا دين ؟ لا .
 إخواننا الكرام: الإخلاص الإخلاص ! قال بعضهم: هناك إخلاص يحتاج للإخلاص ! إذا قام أحدنا الليل يخبر الجميع بهذا يصوم يومين نفل كلما وجد أحد ألست صائم أنت اليوم ؟ فهمنا أنك صائم لا ! يريد أن يقيّم كل الناس في هذا اليوم، فإنسان يعمل عمل طيب لكن بقدر ما يتكلم به ....إذا واحد أراد أن يمتحن إخلاصه يوجد دليل: أنف نفقة ولا تخبر أحد ماذا فعلت لا يستطيع أن يخبرك الشيطان أنك غير مخلص، قم صلي الليل ولا تقل لأحد ماذا فعلت، كانوا السلف الصالح إذا لهم قيام ليل لا يتكلمون لأحد أبداً بينهم وبين نفسهم لا يستطيع الشيطان أن يأتي عليه ماذا يقول له ؟ أنا لم أخبر أحد، غض البصر عبادة الإخلاص لا يوجد قانون في الأرض يمنعك أن تنظر، ولحكمة أرادها الله في بعض الأوامر الإلهية ما يقابلها بالقوانين، السرقة محرمة وبالدين محرمة وبالقانون، فإذا موظف لم يسرق من مؤسسة قد يكون عندها مدير قوي ومنتبه وعنده ضبط شديد ليس لأنه خائف من الله بل من عبد الله، أما غض البصر لا يوجد قانون في الأرض يمنعك أن تنظر، فإذا غضضت البصر عن محاسن امرأة ليست حلالاً لك ما تفسيرها هذه؟
 إذا كان رمضان في شهر آب والحرارة ست وخمسين ومن الساعة العاشرة لا يستطيع المتابعة ودخل الحمام وصنبور عداد الماء بارد مثل الثلج شرب كأسين حتى ارتوى من يمنعه من يراه ؟ هل يستطيع الصائم وضع نقطة ماء بفمه بأيام الصيف الحارة ؟ هذا إخلاص، فالصيام عبادة من العبادات التي خصها الله بالإخلاص حتى تقنع نفسك أنك مخلص، وغض البصر إخلاص، يجلس رجل في غرفة في شرفة بالبناء الثاني خرجت امرأة بثياب شفافة هو يجلس في غرفة مظلمة هي لا تراه أبداً إذا ملأ عينيه من محاسنها من يحاسبه في الأرض ؟ ولا أحد فإذا غض بصره عنها يعني أنه يراقب الله عز وجل .
فغض البصر والصيام عبادة الإخلاص،

(( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ))

 فقال الصحابة الكرام كلما رأوا هذا الذي هاجر من أجل امرأة ينكحها: سموه مهاجر أم قيس هاجر من أجلها

إخفاء الصور