وضع داكن
24-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 159 - لا حسد إلا في اثنتين….
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الأخوة:
 لا زلنا في كتاب القرآن، والحديث اليوم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((لا حسد إلا في اثنتين ))

قبل أن نتابع الحديث ما الحسد ؟ .
 الإنسان أيها الأخوة فطر أو جُبل على أن يغار ممن تفوق عليه، هذه الفطرة وتلك الجبلة لصالحه، وهذه الفطرة وتلك الجبلة حيادية، قد تجد إنسان متفوق في الدين تغار منه فتسير في طريقه كي تنافسه، فتنتفع في الدنيا وفي الآخرة .
والحقيقة أن الإنسان مخير، ولأنه مخير كله خصائصه حيادية، بمعنى أن كل خصيصة من خصائصه، وكل حظ من حظوظه يمكن أن يوظف في الخير كما يمكن أن يوظف في الشر، بالضبط .
 يقول بعض الجهلة الله خلقنا نحسد، لا مستحيل وألف ألف مستحيل أن يبرمج الإنسان على معصية، لكن يبرمج على خاصة حيادية، قد ترقى به إلى أعلى عليين، وقد تهوي به إلى أسفل سافلين، الخاصة حيادية، الخاصة إنك تتمنى أن تكون كمن سبقك مطلقة، فإذا رأيت إنسان سبقك في أعمال الآخرة له علم كبير، له دعوة كبيرة، له أعمال صالحة، له إنفاق تتحرك على أن تكون مثله، فيأتيك خير الدنيا والآخرة، أما إذا حسدت زانياً على مغامراته الجنسية وقلدته تهوي معه إلى أسفل سافلين .
 التمني أن تكون كمن سبقك خاصة حيادية، جبلة حيادية، مبرمجة حيادية، فإما أن توظف في الخير وإما أن توظف في الشر، تماماً كالمال يمكن أن تبلغ بمالك أعلى درجة في الجنة، بإنفاقه في كل وجوه الخير، ويمكن أن يسقط الإنسان بماله إلى الدرك الأسفل في النار، إذا كان فتح ملهى أو كازنو وكل المعاصي والآثام ترتكب في هذا الملهى، في حياته وبعد موته تصبح صدقة جارية بعد موته، فهو في أسفل سافلين، فحينما تتمنى أن تكون كإنسان سبقك في الآخرة هذا التمني يرفعك إلى عليين، وحينما تتمنى أن تكون كإنسان سبقك إلى شهوات الدنيا وإلى المعاصي والآثام عندئذٍ تهوي معه إلى أسفل سافلين .
فالتمني أن تكون كمن سبقك خاصة حيادية، توظف في الخير أو توظف في الشر .
 الحسد أيها الأخوة إذا وظف في الشر من الأمور المذمومة، فقد يتمنى إنسان أن تزول النعمة عن أخيه وتتحول إليه، فهذا هو الحسد، أنعم عليه بشيء، بوظيفة، بعمل تجاري، بزوجة صالحة، يتمنى أن تتحول عنه إليه، هذا مستوى من الحسد، هناك مستوى أسوأ من هذا، أن تتمنى أن تتحول النعمة عن أخيه دون أن تصل إليك، بغية إضراره فقط في مستوى أسوأ، المستوى الأسوأ أن تكتب تقرير كاذب بحقه، أن تسعى لمن بيده الأمر أن تنحيه عن هذا العمل وهو صادق .
 والله دعيت قبل يومين دعوة نادرة وغريبة، رجل في دائرة ذات علاقة بالمواطنين حساسة جداً، أنا أظنه صالحاً ولا أذكي على الله أحداً، أظنه في خدمة المساجد وفي خدمة بيوت الله، وفي خدمة كل مظلوم، في وشاية حوله كبيرة جداً، دخل من أجلها السجن بقي سنة وشهرين، خرج من السجن بريء، كل التهم التي ألصقت به فالقرار برأه منها، أحد الأخوة الكرام أقام حفل في بيته تكريماً له، ودعا كل علماء دمشق، أنا أول مرة أحضر حفل نوعه فريد، إنسان مسلم، مستقيم، نزيه، فاتهم تهمة باطلة، ثم ظهرت براءته فكرمه علماء دمشق، ألقيت كلمات رائعة جداً .
فأيها الأخوة:
 هذا الحسد، طبعاً حسده أناس ليسوا على شاكلته، والصقوا به تهماً لكن القضاء الحمد لله كان نزيهاً، وبرءه تبريئاً من كل التهم، وخرج معه وسام شرف، والحقيقة نجاحه أو براءته من هذه التهمة، هي وسام شرف للمؤمنين، المؤمن صادق، المؤمن نزيه المؤمن عفيف .
فهذه المقدمة أيها الأخوة، الحسد خصيصة أودعها الله في الإنسان، هي حيادية توظف بالخير فتبلغ بها أعلى الدرجات، وتوظف في الشر فتهوي بها أقل الدركات، يقول عليه الصلاة والسلام من باب المجاز:

(( لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه اللَّه القرآن ))

 رجل آتاه الله هذا الكتاب، القرآن الكريم، يعني آتاه تلاوته، وآتاه فهمه، وآتاه تدريسه .

 

(( رجل آتاه اللَّه القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ))

 قراءه، وجوده، وحفظه، وفهمه، وطبقه، وعلمه .

 

 

(( خيركم من علم القرآن أو تعلمه ))

 

[ رواه محمد بن جعفر عن عثمان بن عفان ]

(( ورجل آتاه اللَّه مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ))

 يعني النبي الكريم يحسد مجازاً، لكن نحن بالغة نسمي الحسد في الخير غبطة أنا أغبطك، وأنا لا أصدق إنسان يلتقي بإنسان حافظ لكتاب الله إلا ويغبطه، أو آتاه الله علماً يغبطه، آتاه مالاً ينفقه في طاعة الله، يغبطه، هذه الغبطة، لكن أحياناً في استعارة تهكمية واستعارة أخرى، فالله عز وجل قال:

 

﴿ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21)﴾

 

( سورة الانشقاق )

 العذاب لا يبشر به، أنا استخدمت استعارة قبل قليل قلت أن هذا الملهى صدقة جارية، في صحيفته إلى يوم القيامة، صدقة جارية، هذه استعارة تهكمية أحياناً .
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 

(( لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه اللَّه القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه اللَّه مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ))

أنا والله يا أخوان ما في شيء يدعوني للعجب إلا من إنسان مسلم غني بإمكانه بهذا المال أن يصل به إلى أعلى الدرجات .
 يعني واحد حسب الحديث، واحد دارس أربعين خمسين سنة حتى استوعب القرآن، جالس على ركبه سنوات طويلة، حضر آلاف دروس العلم، قارئ مئات الكتب حتى يتمكن يتكلم كلام عن كتاب الله واضح بيين مقنع، يأتي واحد قد يكون أمي آتاه الله مالاً فينفق هذا المال في طاعة الله، وفي خدمة المؤمنين فيرقى إلى مستوى هذا العالم، هكذا الحديث " لا حسد إلا في اثنتين " يعني إن لم تكن عالماً بإمكانك أن تعلم الناس أنفق من مالك الحلال، فترقى إلى مستوى العالم .
 أكاد أقول طبعاً كنتيجة أن هذه الجنة، للتقريب، مدينة جميلة جداً مدينة الأحلام كلها قصور، كلها حدائق، كلها مطاعم، ومن دخل هذه المدينة له القصور وله المطاعم وله المركبات، يمكن أن تدخل لهذه المدينة على دراجة، أو مشياً، أو بدراجة نارية، أو بدراجة أعلى من نارية، أو بسيارة بسيطة جداً، أو بسيارة غالية جداً، أو بطائرة، بعد أن يدخل هؤلاء المدينة، الوسائل لا قيمة لها، انتهت، يعني يستوي بالجنة واحد أنفق ماله وواحد أنفق علمه، واحد كان طبيب مخلص نفع المسلمين بطبه، واحد كان بائع ما غش في البيع والشراء بل نصح المسلمين، كل الطرق توصل إلى الله عز وجل، الأبوة الصالحة طريق والبنوة الصالحة طريق، والزوجة الصالحة طريق، والتاجر النصوح مع النبيين، والدعاة طريق والذي أشاد هذا البناء، تجد شخص يعني عنده خبرة عالية بالبناء، يعمر جوامع بساحة نفسه الرمل والبحص والاسمنت والإحضارات والحسابات والهندسة هذا أيضاً للجنة ذاهب، إنسان تاجر نصوح للجنة، إنسان طبيب ما غش المسلمين أبداً للجنة، يعني الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، ما في عذر لإنسان .
 والله يا أخوان قصة غير معقول أن أذكرها بالدرس، لكن رجل لا يملك من الدنيا شيئاً، لا مال ولا علم، أراد التقرب إلى الله ماذا يفعل ؟ يأتي على المساجد ينظف دوراة المياه، لوجه الله، هذا عمل، والله قد يصل به إلى أعلى عليين .

 

إخفاء الصور