وضع داكن
19-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 172 - إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله …..
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة:
 عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

(( إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه ))

 هذا الحديث أيها الأخوة منطلق لنا في موضوع الرؤيا.
 بادئ ذي بدء: هناك رؤية من الله، وهناك أضغاث أحلام، أضغاث الأحلام قضية متعلقة بالهضم، ومتعلقة بعقل الإنسان الباطن، هذه لا يعتد بها إطلاقاً، لكنه بشكل عام قضية المنام أو الرؤيا تؤكد أن للإنسان حياةً نفسية مستقلة عن حياة الجسد، فقد ينام أخوان على سرير، يرى الأول رؤية مريحة يقوم وهو في قمة النشوة، ويستيقظ الثاني وقد رأى أن ثعباناً قد يتبعه، أو سقط في حفرة، أو أجرى حادثاً مروعاً فيقوم مذعوراً، وكلاهما ينام على فراش واحد وكل الشروط التي نحيط بهما واحدة.
فكأن المنام أو الرؤيا دليل قطعي على أن للإنسان حياة نفسية مستقلة عن حياة الجسد، مثلاً:
 مثلاً: رجل هواية بالكهرباء ركب بين غرفة الضيوف وبين المطبخ أنترفون جاءه ضيوف واستثقل وجودهم، وضاق بهم ذرعاً، فذهب للمطبخ وقال لامرأته كلمات قبيحة جداً حول هؤلاء الضيوف والخط مفتوح بين المطبخ وبين غرفة الاستقبال يقول صاحب هذه القصة أعوام طويلة كلما تذكرتها ذبت خجلاً منهم، يعني سبهم وهم ضيوفه، ما الذي أزعجه ؟ ضغطه طبيعي، ونبضه طبيعي، وجسمه طبيعي، وصحته جيدة، في أيام حالات نفسية يكاد الإنسان يموت من الألم، لذلك ورد في بعض الأحاديث:

 

(( إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول: يا رب لإرسالك بي إلى النار أيسر علي مما ألقى، وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب ))

 

[ أخرجه برموز السيوطي عن جابر ]

فأول شيء بالمنام أن هناك حياة نفسية نسعد بها ونشقى بها، الآن آيتيكم بمفارقة حادة جداً:
 إنسان في السجن وفي المنفردة، وهي أصعب مكان في السجن، إذا كان مع الله فهو في جنة، وإنسان في أفخر بيت كل ما يشتهيه في هذا البيت، إذا كان مقطوعاً عن الله فهذا البيت قطعة من الجحيم، لذلك هذه السكينة التي تتنزل على قلب المؤمن يسعد بها ولو فقد كل شيء ويشقى بقدها ولو فقد كل شيء.
 فالمنام يؤكد أن هناك حياة نفسية لا علاقة لها إطلاقاً في حياة الجسد، من هنا يسعد المؤمن ولو كان فقيراً، ويشقى الكافر ولو كان غنياً، من هنا يسعد الضعيف ولو كان ضعيفاً، ويشقى القوي ولو كان قوياً، الحياة النفسية والسعادة النفسية ما لها علاقة أبداً بالشروط المادية، لذلك قال تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾

( سورة النحل الآية: 97 )

لا تعني أنه غني، ولا تعني أنه صحيح، ولا تعني أنه قوي، ولكن تعني أنه موصول بالله عز وجل فبهذه الصلة هو في قمة سعادته، هذه حقيقة أولى.
 الحقيقة الثانية: الرؤيا أيها الأخوة عملية اتصال مباشر بين العبد وربه، الله عز وجل يوحي لأنبياء، ويوري أولياءه شيئاً إما أن يبشرهم أو يحذرهم، يعني أداة اتصال مباشرة بين الله عز وجل وبين عباده، أحياناً الله يخوف، يكون مقدم إنسان على عمل سيئ الله يريه منام مخيف، أحياناً يقدم على عمل طيب الله يريه منام مريح، أحياناً في تشجيع أو في تحذير، فصار أداة اتصال مباشرة، فلذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( أن الرؤيا الصادقة جزء من 46 جزء من النبوة ))

هذه الثانية.
 الثالثة: واحد رأى رؤيا مريحة وهو ليس مستقيماً هذا تضليل من الشيطان الآن أكثر الناس يموت شخص تارك الصلاة، آكل ربا، شارب خمر، بعد يومين ثلاثة بأي لقاء تراه ابنته وجهه يطف منه النور، لابس أبيض ويطف منه النور، هذا تضليل من الشيطان المنام لا يلغي الفقه، المنام لا يلغي القرآن، المنام لا يلغي وعيد الله عز وجل، المنام لا يلغي وعد الله عز وجل ، في ضلالات لا تعد ولا تحصى في المنامات هي من الشيطان فالإنسان إن لم يكن على استقامة على أمر الله ورأى رؤية في ظاهرها مريح فهي من الشيطان تغرير، والمستقيم إن رأى رؤية فيها تخويف فهو من الشيطان تخويف، لا يعبأ بها ولا يقصها على أحد، إذا كان المنام بخلاف حالته مستقيم منام مخيف، منحرف مكان مريح من الشطان، تغرير أو تخويف، أما إذا كان مستقيم ورأى منام مريح من الرحمن تبشير إذا منحرف ورأى منام تخويف من الله تحذير.
أربع حالات، أنت يا مستقيم أو غير مستقيم، المستقيم التخويف من الشيطان والتبشير من الرحمن، والذي غير مستقيم التخويف من الرحمن والتغرير من الشيطان الأصل أنت.
 يروى أحد الأئمة رجل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام قال له يا فلان اذهب إلى المكان الفلاني واحفر وخذ كنزاً ولا تدفع زكاته، هذا الإنسان انطلق إلى المكان حفر وجد كنز، بقي الرؤيا الأخير لا تدفع زكاته، كان بعصر الشيخ العز بن عبد السلام، فالتقى به، قال يا إمام هكذا رأيت وهكذا قال لي والكنز وجدته، قال له ادفع زكاته قال له قال لي لا تدفع، قال له فتوى رسول الله في الحياة أفضل من فتواه في المنام، باليقظة قال لك ادفع زكاة، فالمنام لا يلغي الشرع.
لو أن واحداً رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي العين وقال له كلام خلاف سنته يثبت الشرع وتبطل الرؤيا، نحن ديننا ليس دين منامات، دين منهج، فالمنام لا يلغي حكم شرعي، ولا يسقط إنسان عند الله كبير، أيام من ضعف المسلمين يتوصلوا إلى إسقاط مكانة بعضهم بمنام، رجل صالح مستقيم عقيدته مستقيمة، أخلاقه عالية، له عمل طيب خصومه كيف يصلون إليه بمنام، المنام لا يجرح كرامة إنسان، ولا يرفع مكانته.
 واحد رأى رسول الله، وجاء إلى وزير الأوقاف توفي رحمه الله، قال له رأيت النبي عليه الصلاة والسلام وكلفني أن أبلغك أو تحوطني برعايتك، تهيئ لي عمل، قال له أي ساعة رأيته ؟ قال له يعني الساعة الثانية بالليل، قال له صح، أنا رأيته الساعة الثالثة وقال لي كذاب لا تصدقه.
قضية المنامات قضية سحبات لا تعبأ بها إطلاقاً، إلا أنها بينك وبين الله، هذا يسمونه بالعلاقات المالية شيك مسطر، لا يصرف إلا لصاحبه هذا المنام لك فقط، تعمل تجارة بالمنامات، يعني في دروس والعياذ بالله كلها منامات، يعني أكثرها منامات وكرامات يأتي واحد مثقف ما هذا السحب، يقول لك الدين كله سحب وخرافة ودجل، لا، أنا لا أسمح للمنام أن يكون محور لدرس، وإذا المنام طيب هو لك.
لذلك قالوا: الولي يستحي بكرامته كما تستحي المرأة بدم حيضها.
 الكرامات والمنامات تعمل اضطرابات بالعقيدة، أما إذا كان منام ورد في القرآن على العين والرأس، قرآن كلام الله عز وجل .

﴿ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾

( سورة الصافات الآية: 102 )

هذا موضوع ثاني، إذا المنام مثبت في الكتاب والسنة على العين والرأس والكرامة إذا ثابتة بالكتاب والسنة على العين والرأس لكنني لست مكلفاً، ولا مطالباً أن أصدق أية كرامة أو أي منام.
 مرةً قالي لي شخص، أحتقر الكتب، أن العلم علم لدني فقط، مع الله مباشرة هذه الكتب كلها أشياء مضيعة للوقت، قلت له ما دليلك ؟ قال لي رأيت منام أن عندي مكتبه قفلتها ورميت المفتاح بالنهر، ما هذا الكلام ؟ قال لي أي والله، هذا دليل، قلت له أنا البارحة رأيت منام بالعكس، رأيت صوت ملئ السماء والأرض:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)﴾

( سورة العلق )

أيهما أصح ؟ أنا ما رأيت المنام، لكن هيك سحبة بدو هيك سحبة، مادام تريد أن تحتقر الكتب بمنام، أنا أعظم الكتب بمنام ثاني.
 عندما ندخل بالمنامات يا أخوان ينتهي الدين، ينتهي الدين كلياً، المنام لك شيك مسطر، ممنوع تداوله، يعني إذا إنسان تحبه كثيراً ويحبك كثيراً ورأيت منام في بشارة وإذا ذكرته ما في مانع، أما للعوام، للناس كلها، تبني درس على منامات، هذا شيء مرفوض ولا يحقق أهداف إطلاقاً، والمنام بينك وبين الله.
أيها الأخوة:
 واحد تاق أن يرى رسول الله عليه الصلاة والسلام فجاء إلى عند شيخ، فقال له انظر يا بني هذا منام صعب وغير سهل، يجب أن تأكل لحمة بالصحن، قال له نعم، وتضع لها نصف أوقية ملح، قال له نعم، قال له تأكلها وتنام، ترى رسول الله، هذا نام ورأى بقين وكولا، وليمونادة، وعرق سوس، وأنهار، وشلالات، فقال له يا سيدي والله لم أره لكنني رأيت ماء، قال له طبعاً عندما تشتاق للنبي عليه الصلاة والسلام كما تشتاق إلى الماء تراه.
 مرة أحد الأئمة رأى ملك الموت قال لم يا ملم الموت كم بقي لي ؟ فقال له هكذا يعني خمسة، فلما استيقظ ازداد قلق يا ترى خمس سنوات، لما خمس شهور، لما خمس أسابيع، لما خمسة أيام، خمس ساعات، خمس دقائق، فذهب إلى ابن سيرين فكان من الذين ألهمهم الله تعبير الرؤيا، قال له يا إمام إن ملك الموت يقول لك إن هذا السؤال من خمسة أشياء لا يعلمها إلا الله .
 يعني أحيان يكون منام كرامة، أعرف شاب صالح جداً، نشأ في طاعة الله ووالده عنده مكتب براءات اختراع، بسوريا في مكتبين أو ثلاث، والطرفين الأخر ليسوا مسلمين، فتوفي فجأة، شاب بالحادي عشر، المعاملات الداخلية سهلة يعرفها، أما المعاملة الأجنبية فوق طاقته، فيها ثلاثين بند وشرط، والله وهو عندي صادق، لأنني أحبه أصدقه رأي والده بالمنام قال له افعل كذا وكذا، استيقظ ثاني يوم وكتبهم، جاءته معاملة أجنبية أجرها كبير جداً ولا يعلم عنها شيئاً، والمكتبين الأخر لا يعطونه السر، ما في طريقة فالله عز وجل أراه في المنام.
 عالم من كبار علماء طرابلس ساكن ببيت أجرة وعليه دعوة إخلاء، وصاحب البيت يريد إخراجه منه، ما له محل ثاني، أحد كبار أغنياء طرابلس رأى رسول الله في المنام قال له اشتري لفلان بيتاً، يعني أحياناً تحل مشكلات مباشرة، لكن هذه كرامات لا للتداول، وللإذاعة، ولا للتحدي، ولكن لأصحابها.

إخفاء الصور