وضع داكن
28-03-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 183 - الترهيب من الغضب والترغيب في دفعه وكظمه.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الترهيب من الغضب والترغيب في دفعه

أيها الإخوة الكرام، ننتقل إلى الترهيب من الغضب، والترغيب في دفعه وكظمه، وما ينبغي أن نفعله عند الغضب.
 أيها الإخوة، تظهر دراسات نفسية سميت بأسماء مختلفة، لكن من أشهر أسمائها البرمجة العصبية اللغوية، مجموعة حقائق علمية إن أخذت بها يتضاعف إنتاجك، وتقلّ أخطاؤك، من أبرز الأخطاء التي يقع فيها بعض الناس، ويعبر عنها بكلمة حديثة الخارطة خلاف الواقع، فهناك تصور وهناك واقع، الإنسان المتخلف تصوراته بعيدة عن الواقع، ينطلق من تصورات غير صحيحة، وأوهام، فيغضب، ويرغي ويزبد ويتوعد، ويبطش، ويهدم بيته بيده، طبعاً يضرب على هذا الوضع قصة منتزعة لا من حياتنا نحن، من حياة الغربيين، فلو أن فيها سلوكًا لا يتناسب مع سلوك المسلم، لكن ذات تعبير كبير جداً، يضربون على ذلك مثلا:
 أن امرأة تريد أن تسافر عبر المطار، هناك وقت إقلاع الطائرة، فاشترت صحيفة يومية، واشترت علبة بسكوت، وطلبت فنجان قهوة، وجلست على طاولة في مكان الانتظار، وعلى هذه الطاولة رجل آخر، أمسكت بالصحيفة هكذا، وبدأت تقرأ، والفنجان أمامها، وأخذت منه بعض الرشفات، وعلبة البسكويت أمامها، بدأت تأخذ من هذه العلبة واحدة تلوى الأخرى، فإذا بهذا الرجل الذي أمامها يمد يده لهذه العلبة، ويأخذ قطعة، بنظامهم وقيمهم تغضب أشد الغضب، وترى أن امتداد اليد لأخذ قطعة بسكوت وقاحة، وسوء أدب، وسوء تربية، وتجاوز، وتطاول، تحملت قطعة أخذها وأكلها، فإذا بيده تمتد ثانية لتأخذ قطعة أخرى، يزداد غضبها، ويزداد هيجانها، فإذا بهذه اليد تأخذ قطعة ثالثة، ورابعة وخامسة، وكأن هذه العلبة له، وفي النهاية بقيت قطعة واحدة، فمد يده، وأخذها ، وقسمها نصفين، أكل النصف الأول، وأعطاها النصف الثاني، وابتسم، بلغ غضبها وحمقها وهياجها، وألمها أعلى درجة، فوقفت من أجل أن تبصق في وجهه، وأن تعنفه بأقصى العبارات، فإذا بالنداء إلى الطائرة يعلو صوته، فتحت محفظتها كي تضع فيها الجريدة، فإذا بالمحفظة علبة البسكويت التي اشترتها، وهذه ليست لها، بل هي لهذا الذي أمامها.
مثل هذه القصة تقع آلاف المرات في حياتنا، يبنى غضب، يحلف طلاق يرغي ويزبد، وتصوراته عن الموضوع غير صحيحة، لو أن كل مسلم بلغه خبر سيئ فتحقق منه كما قال الله عز وجل:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)﴾

( سورة الحجرات )

لم تقع المشاكل.
 والله أيها الإخوة، بيوت تهدم، زواج يفسخ، شركات تنهار، مصالح تتحطم بسبب غضب متسرع مبني على معلومات غبر صحيحة.
 في باكستان وجدوا سيارة تضع متفجرات في جامع سني، ويهدم الجامع، وتوزع النشرات بعدها أن الشيعة هم اللذين هدموا هذا المسجد، والسيارة نفسها، تذهب إلى جامع شيعي، وتفجره، وتوزع نشرات أن السنة هم اللذين هدموا هذا المسجد.
نحن بحاجة إلى وعي، نحن بحاجة أن نتمثل قوله تعالى:

﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27)﴾

( سورة النمل )

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾

 ، لذلك حينما سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم:
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي، قَالَ:

 

(( لَا تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: لَا تَغْضَبْ ))

 

[ رواه البخاري]

 لكنه مسموح لك أن تتغاضب، التغاضب سياسة، والتغاضب حكمة، أما إذا غضبت حقيقة فتفقد السيطرة على أعصابك، والقرار الذي تتخذه وأنت غاضب غير صحيح.
 عوّدوا أنفسكم أيها الإخوة أنك إذا غضبت فينبغي ألا تتخذ قراراً، الأمر بعد ساعة أو ساعتين أو ثلاثًا، أو اليوم الثاني أو الثالث، هذه الحقيقة من أين جاءت ؟ من أسلوب تطليق المرأة، الزوج غضب أشد الغضب، فطلق امرأته، فهذه الطلقة تعني أنها تبقى في البيت، وتتزين لزوجها، الزوج نفسه بعد يوم أو يومين يلوم نفسه، كان مبالغاً، هي جيدة، وأهلها جيدون، فدون أن يشعر تخف حدة الغضب، وتزيد المودة التي كانت بينه وبين زوجته، لذلك الله عز وجل قال:

 

﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾

 

( سورة البقرة الآية: 229 )

 كيف أصبح الآن الطلاق مرة واحدة ؟ الطلاق بالثلاث، الله عز وجل:

 

﴿ لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً (1)﴾

 

( سورة الطلاق )

 وقال:

﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾

 معنى ذلك أن الله يعلم، وهو الخبير أنك قد تغضب، وتتخذ قرارًا يهدم أسرتك، هذا القرار إن اتخذته فيجب أن تتخذه بطلقة واحدة، وهذه الطلقة علاجها أنه بعد حين حينما تندم يكفي أن تقول لامرأتك: راجعتك حتى تعود إليك، بل يكفي أن تضع يدك على يدها فتعود إليك، فلذلك مشكلة المسلمين في أنهم يتصورون أشياء غير صحيحة.
تأتيني أخبار لا أساس لها من الصحة، لولا أن الإنسان أكرمه الله بالعقل والهدوء لاختل توازنه،

﴿ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾

 فنحن في هرج ومرج، ونحن في معلومات غير صحيحة، وتصورات غير صحيحة، وهذه يبنى عليها مواقف، والمواقف تؤدي إلى عداء، والعداء يؤدي إلى قطيعة، فنحن مجتمعنا ممزق، نحن أمة واحدة، لكن في الواقع مئات الأمم، أما الأعداء فيعتبروننا أمة واحدة، أعداءنا يحاسبوننا على أننا أمة واحدة، ونحن في الواقع لسنا أمة واحة.
 المشكلة الآن مشكلة نكون أو لا نكون، لا نكون بفرقتنا، ونكون بوحدتنا، وأحد كبار العلماء قال: " نتعاون فيما اتفقنا، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا "، الموقف الكامل أن نتعاون فيما اتفقنا، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا، أضاف أحدهم إلى هذه المقولة: نتعاون فيما اتفقنا، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا، ونتناصح فيما اختلفنا، ونتحاور فيما اختلفنا.
أنا الآن لا أرى أن لا شيء يعلو على وحدتنا إطلاقاً، هي الحقيقة، وحدتنا فرض، وهي الآن فرض ديني، وضرورة واقعية.
 كنت في مصر في مؤتمر، فقيلت فتوى أعجبتني جداً، أن ثمة جامعًا اختلفوا على عدد ركعات التراويح، بين 8 ـ و20، اختلفوا، وتناقشوا، وعلا صوتهم، وتصايحوا، ثم تماسكوا، ثم ضرب بعضهم بعضاً، ثم رفع أمرهم إلى أحد كبار العلماء في ذلك البلد وفي ذلك الزمان، فأصدر فتوى بإغلاق المسجد، فتوى غريبة جداً، كيف ؟ فقال: وحدة المسلمين فرض، والتراويح سنة.
أنت الآن في الحج تجد رجلا يهجم على الحجر الأسود وكأنه وحش، ويضرب ، ويرفس، ويلمز، إلى درجة غير معقولة إطلاقاً، ليقبل الحجر الأسود.
 والله أنا مرة لا من باب التشاؤم كنت في بعض الحجج، وبقيت فترة طويلة بعد انتهاء الحج، إلى أن فرغ الحرم من الحجاج، في الظهر أو العصر تجد عددا قليلا جداً، فأردت أن أقبل الحجر، عددت الحاضرين فهم بين 20 أو 30 رجلا، توقعت أنهم جميعاً يقبلون الحجر إذا وقفوا بالدور خلال خمس دقائق، كلهم بين الضرب والرفس والقتال، حتى أن امرأة خرجت كما خلقها الله، كلكم عشرون رجلا، فأنا قلت كلمة قاسية جداً قلت: هذه الأمة لا يخافها أعداؤها في هذا الوضع .
يا لطيف تجد على الطائرة فيها 300 راكب، وكل راكب له محل لا يتغير، ولم تقلع من دون الراكب، القتال على السلم، شيء غير طبيعي، فنحن في حالة تخلف كبيرة.
 إخوانا الكرام، كفى مديحًا رجاء، واجهوا الحقيقة المرة، لا تمدحونا، نحن الآن لا نستحق المدح، نحن في الدرجة الدنيا، لا تقولوا: الأستاذ متشائم، هذا هو الواقع، وما لم نعترف بالواقع فلن نتقدم، وقالوا: إن تحديد المشكلة يسهم في حلها، نحن في مشكلة، في مشكلة وعي، في مشكلة محبة، في مشكلة تطبيق، في مشكلة عرض الإسلام عرضًا حضاريًّا راقيًّا، فمن غير المعقول أن تضيع وقتك في حكم صلاة إنسان وقد وقعت بعوضة على ردائه، وأثر دم البعوضة فيه، ما حكم هذه الصلاة ؟ ودماء المسلمين تراق كل يوم، لا يمكن في خطبة جمعة من ثاني يوم من سقوط بغداد أن تكون حول كسر همزة إن وفتحها، خطبة بأكملها، العالم الإسلامي أصيب بإحباط حتى الموت، موضوع الخطبة كسر إن أو فتحها، هذا موضوع لغوي فقط.
 لا يمكن لهذه الفتاة التي دخل جندي إسرائيلي في جنين ليقتل أخاها، والأب يرجوه أن يقتله، لكن خارج البيت، فهذا الجندي الوحش أصر على قتله أمام أمه وأبيه، فقتله، وهو يشرب الشاي، أخته محامية ملتزمة، ومحجبة لا أدرِي ماذا حصل في نفسها ؟ في اليوم التالي ارتدت ثياب فتيات باريس الضيق، والبطن، والشعر، والمكياج، والعطور، واستطاعت عبر هذا الزي أن تصل إلى حيفا، وأن تفجر مطعمًا كان فيه قائد البحرية، وأنا والله في كل صلاة أدعو لها أن يقبل اجتهادها، ومات قائد البحرية وأولاده وأحفاده، أما بعض العلماء في بعض البلاد فقال: هذا الذهاب خطأ، ليس معها محرم.
 تجد تفكيرًا ساذجا، تفكيرًا محدودًا، عقلا مثل الصخر لا يلحلح، نحن متى ننتصر بهذه العقلية ؟ امرأة لم تحتمل أن يدخل جندي، وأن يرجو أبوها هذا الجندي أن يقتله، لكن خارج البيت، أبى إلا أن يستفز هذه الأسرة، وأن يقتل هذا الشاب ضمن البيت، فانتقمت أشد أنواع الانتقام، والقصة مشهورة، هذا الإنسان الذي أثر في معظم الفتيات، وحمل الآلاف على أن يحجبهن، إذا أنت ما استطعت أن تؤثر فلماذا تحسده، أنت ما عندك قوة التأثير، اسمح له أن يؤثر، لابد أن تفرح، وأن تثني عليه.
 نمط آخر من الدعاة نمط مدني، مثلاً، ما المانع ؟ أناس عندهم رغبة أن يكونوا على نمط عصري، فجاء هذا الداعية، وغطى هذه الحاجة، فهذا الحسد، وهذه الغيرة، وهذه الأفكار المحدودة، والأحكام الحادة، والضيقة، هذا كله شيء يحطم مسيرة المسلمين، أنا طبعاً مع الانضباط بالشرع، مع التمسك بقواعد الشرع، أنا لست أدعو إلى التحلل، معاذ الله، لكن ثمة أشياء كثيرة، والقضية حجمها صغير جداً، فلا نقيم عليها النكير.
 أنا والله في الحج أرى الناس يهجمون على الحجر الأسود، ويرفس بعضهم بعضا، شبهت أبًا عنده عشرة أولاد، أحد أولاده من المتفلتين، فيريد أن يقبل يد أبيه، فمسك أول أخ وضربه، ووضعه في الأرض، الثاني ضربه بكوعه، والثالث برأسه، ويقبل يد أبيه، فقال له: تُضرب أنت وهذا التقبيل !! هذا لسان حال الأب، تقبيل الحجر سنة، وعدم إيذاء المسلمين فرض، الآن المسلمون لم يفرقوا بين السنة والفرض، من أجل سنة يتقاتلون، والفرض الأساسي تركوه.

 

إخفاء الصور