وضع داكن
24-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 184 - الآداب الاجتماعية في الإسلام.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الآداب الاجتماعية في الإسلام

 أيها الإخوة الكرام، نحن في معرض الآداب الاجتماعية التي أمر النبي بها صلى الله عليه وسلم، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بدين يعزز العلاقات الاجتماعية، بل إن في القرآن الكريم إشارات إلى أنه لا بد من أن تكون في جماعة، فإذا قال الله عز وجل:

 

﴿ سَابِقُوا﴾

 

( سورة الحديد الآية: 21 )

 هل هناك سباق فردي ؟ مستحيل، السباق جماعي.

 

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)﴾

 

( سورة الكهف )

 وهناك إشارة في القرآن الكريم إلى ضرورة أن تكون مع الجماعة، فنبي كريم سيدنا داود حينما جاءه متخاصمان، وقال أحدهما:

 

﴿ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)﴾

 

( سورة ص)

 فقال سيدنا داود:

 

﴿ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ﴾

 

( سورة ص الآية: 24 )

 فالله عز وجل عاتبه، ومن أجمل ما قاله المفسرون في هذه القصة: أن هذا النبي الكريم هواه أن يكون مع الله دائماً، فلما جاءه متخاصمان وقطعا عليه خلوته مع الله، أجاب إجابة سريعة دون أن يسأل الآخر، الآخر عنده تسع وتسعون نعجة، أشفق على أخيه أن يمضي وقتاً طويلاً في رعاية واحدة فقال له:

﴿ أَكْفِلْنِيهَا ﴾

  فتوهم سيدنا داود أنه قال له: أعطني إياها، قال له:

﴿ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ ﴾

  فالله عز وجل قال له: يا داود أعرض عن الهوى، حتى الهوى المقدس الذي تكون في قمة سعادتك مع الله أنت في الدنيا من أجل العمل الصالح فنوع من العتاب، يقابل ذلك أن سيدنا سليمان قال:

 

﴿ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي﴾

 

( سورة ص الآية: 32 )

 أحياناً الدعاة يغرق بعضهم في الدعوة والأعمال الصالحة، والإنجازات، وتضعف عبادته، فإذا ضعفت عبادته يضعف تأثيره، لأن الشحن قد ضعف، ونحن جميعاً بحاجة إلى شحن، كالهاتف المحمول، يحتاج من حين لآخر إلى شحن، وإلا يسكت، فسيدنا سليمان ترك الأَولى، وسيدنا داود بالعكس، أحب أن يكون مع الله على حساب أدائه لواجباته الاجتماعية.
إذاً الله عز وجل أرادنا أن نكون في مجتمع، والحقيقة أن المجتمع يمتحنك، فأنت تمتحن وأنت في جماعة.
لو عاش إنسان في رأس جبل في صومعة هل يكون أميناً أم غير أمين ؟ لا نعرف.
 مثلاً: الآن في العالم الغربي هناك أسواق ضخمة جداً، أيّ سلعة عليها مادة لو لم يدفع ثمنها لأصدرت الصالة أصواتًا كبيرة جداً، وأغلقت الأبواب آلياً، وسيق هذا الذي يحمل هذه السلعة وأراد أن يأخذها دون أن يدفع ثمنها إلى السجن، لذلك الشيء الثابت أنه ما إنسان يدخل إلى هذه المجمعات إلا ويدفع الثمن، هل هم أمناء، لا نعرف، يا ترى الانضباط انضباط إلكتروني أم انضباط ديني ؟ هنا ألغي الامتحان، ما دام هناك انضباط حديث جداً فهو يلغي الاختيار، إذاً الأمر ليس واضحاً، لكن الله سبحانه وتعالى حينما أمرك أن تعمل، فامتحنك في أثناء العمل، أنت مع الناس تصدق أم تكذب، تنصح أم تغش، تفي بالوعد أم لا تفي، تنجز العهد أم لا تنجز، ترحم أم لا ترحم، تقسو أم ترق، إذاً أنت ممتحن.

 

العلاقات الاجتماعية كشفٌ لحقيقة الناس

 فلذلك تكتشف حقيقة الإنسان بعلاقاته الاجتماعية، ويظهر جوهره، لذلك ما من شيء يقرب المؤمنين من بعضهم بعضاً إلا أمرهم الله به، وما من شيء يبعدهم عن بعضهم بعضاً إلا نهاهم عنه، ونحن بالمناسبة لا نعيش المجتمع الإسلامي، المجتمع الإسلامي أن تعيش به كأنك في جنة، كما قال الله عز وجل:

 

 

﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً﴾

 

( سورة النور الآية: 31 )

 مرة حدثني أخ عن قصة في الثلاثينيات، أو بالأربعينيات، وله قريب يعمل بالهاتف، وعرض عليه هاتفًا، قال لي: رفضت، قلت له: لماذا ؟ قال لي: ما من إنسان ممن أعرفه عنده هاتف، ماذا أفعل به ؟ لكن لو أنه كل من يعرفه عند هاتف فله وظيفة كبيرة، هذا مثلٌ.
لما تكون أمينًا وحدك، وكل من حولك ليسوا أمناء، أنت صادق، وحولك ليسوا صادقين، لا تسعد بهذا المجتمع، هل تنجو من عذاب الله ؟ تنجو، لكنك لا تسعد في هذا المجتمع، الله عز وجل قال:

﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا ﴾

 فمن أجل أن تقطفوا ثمار التوبة يجب أن تكون التوبة شاملة لكل الناس، فأنت تعيش في مجتمع إسلامي شكلاً، لكن تخاف أن تشتري حاجة، ويكون هناك قنص أو غش، دائماً أعصابك متوترة، أما لو تعاملت مع مؤمنين يربحون عليك، لكن لا يغشونك، لا يخدعونك، لا يطعنونك في الظَّهر.
إذاً نحن لو عشنا في مجتمع مسلم حقيقي لكنا في حال غير هذا الحال، لكن نحن إطارنا إسلامي، أما علاقاتنا فليست كما ترضي الله عز وجل، وكل إنسان خائف من الثاني، هذه حياة ليست مسعدة، حياة فيها شقاء وقلق وخوف.
 بالمناسبة، أجدادنا أحد أسباب تمتعهم بصحة عالية جداً أنهم مكلفون بجهد عضلي كبير، حياتهم خشنة كانت، وعندهم راحة نفسية عالية، وأسباب الصحة جهد عضلي، وراحة نفسية، الآن كل شيء أتوماتيكيي، كل شيء آلي، حتى المركبة فهيا رفع النافذة يدوي، تتضايق، تحب أن تضغط على الزر فقط فيصعد البلور، هذا الكسل العضلي وراء أمراض القلب، والاحتشاء، والجلطة، مع الشدة النفسية، هذا الذي يعانيه الناس، ونحن عندنا تصور أن الجلطة تأتي في السبعين أو الستين، الآن في 38 و25، شدة نفسية، وكسل عضلي، ليس هناك بذل جهد أبداً.
فلذلك أيها الإخوة، المجتمع الإسلامي مجتمع مسعد، وأن تعيش في مجتمع مسلم أنت والله في جنة، أعصابك مرتاحة، لا تخاف غدراً، ولا قنصاً، ولا طعناً في الظهر، ولا وشاية، ولا تقريراً، لكن مجتمع البعد عن الله عز وجل فيه تماسك ظاهري، الله عز وجل قال:

 

﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾

 

( سورة الحشر الآية: 14 )

 لأن الله سبحانه وتعالى يقول:

 

﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً﴾

 

( سورة آل عمران الآية: 103 )

 لا بد من شيء نعتصم به، إذا كان هذا الشيء حبل الله فالاعتصام يأتي أكله ضعفين، أما أي اعتصام آخر تجد خلافات على مستوى الأسرة الواحدة، على مستوى السوق، على مستوى أصحاب الحرف، لأنه بخلاف قانون الله عز وجل الذي ذكره في القرآن الكريم:

 

﴿ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾

 

( سورة المائدة الآية: 14 )

قانون العداوة والبغضاء

 عد علماء التفسير هذه الآية قانون العداوة والبغضاء،

﴿ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾

 ما دام ليس ثمة التزام بالدين فالمشكلات تنبع، والخلافات تزداد، والأحقاد تنتشر، والخصومات تطفو على السطح، وكل إنسان ضد الثاني ضمن الأسرة الواحدة، بين الزوجين، بين الشريكين، بين الأخوين، بين حيين، بين مدينتين، هذا قانون العداوة والبغضاء،

﴿فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾

 وهناك تعليل علمي دقيق: أنت مثلاً تجلس مع شخص لا تستطيع أن تجالسه أكثر من خمس دقائق، أنت مؤمن، وهو غير مؤمن، أنت منضبط بلسانك، هو فاحش بكلامه، أنت منضبط بجوارحك، تغض البصر، هو متفتح في جواره، هو يأكل ما يشاء، يلتقي مع من يشاء، يسخر ممن يشاء، مثل هذا الإنسان القواسم المشتركة معه عديدة جداً، لذلك لا تستطيع أن تجالسه أكثر من دقائق.
 بينما تجد أخًا مؤمنًا تمضي معه ساعات طويلة، وأنت في قمة السعادة، السبب العلمي أن القواسم المشتركة كبيرة جداً، أنت مؤدب، وهو مؤدب، أنت ورع، هو ورع ، أنت عفيف، هو عفيف، أنت تبتغي رضوان الله، هو كذلك، لذلك كلما كثرت نقاط الاشتراك بين الشخصين ازدادت محبتهما، فإذا كان الشخصين متفلتين من منهج الله، وكل واحد أخذ نقاطًا عكس الثاني فالعداوة طبيعية جداً، أولها التنافس على الدنيا، تجد في الدائرة إذا جاء الموظف الجديد الكل ضده، الكل يصغرونه، ينقلون إلى الإدارة أخطاء ما ارتكبها إطلاقاً، يشعر نفسه بين أعداء، هذا المجتمع المتفلت، الذي لا رحمة فيه.
 الآن وسع الأمر على مستوى العالم، ما الذي يحصل الآن ؟ أنا الذي أراه استنباطًا بعد معاينة طويلة جداً، أنا لا أرى أمامي في العالم إلا شيئين، سيناريو وصفقة، لا مبادئ، ولا قيم، ولا إنسانية، ولا دين، ولا رحمة، ولا حياء، ولا خجل، إنها تمثيلية متقنة يقابلها صفقة كبيرة، فلذلك كَفَر الإنسان بالكلمة، لكن الإسلام دين مبادئ، ودين قيم.
 سيدنا عمر لما جاءه جبلة بن الأيهم مسلماً، وهذا جبلة ملكُ الغساسنة وأثناء طوافه حول الكعبة، بدوي داس طرف ردائه، فالتفت نحوه، وضربه ضربةً هشمت أنفه ، فذهب إلى عمر، واشتكى له، سيدنا عمر استدعى جبلة، وسأله: أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟
قال: لست ممن ينكر شيًّا، أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيديّ.
قال له: أرضِ الفتى، لا بد من إرضائه، مازال ظفرك عالق بدمائه، أو يهشمن الآن أنفك، وتنال ما فعلته كفك .
قال: كيف ذاك يا أمير، هو سوقة، وأنا عرش وتاج، كيف ترضى أن يخر النجم أرضا.
قال له: نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية قد دفناها، وأقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيدا.
قال: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني.
فقال له: عالم نبنيه، كل صدع فيه يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
 هذا عصر المبادئ، ضحّى بملِك ولم يضحِّ بالعدل، وهناك عَصر هو عصر الأشخاص، أحيانًا هناك طغاة، فرعون طاغية، استالين طاغية، وهناك عصر الأشياء، المال، الأدوات، الطائرات، الأجهزة الكهربائية الغالية جداً، فنحن مع الأسف الشديد في عصر الأشياء، قيمة المرء متاعه، تستمد كل مكانك من نوع سيارتك فقط، تستمد كل مكانتك من ثمن ثيابك، يقول لك: هذا أحدث شيء، وكأنه وحد المسلمين بهذه الكلمة.
 الحقيقة أن مقياس الإسلام قيمة المرء ما يحسن، أما في مقياس المادة فقيمة المرء متاعه، وفي الأثر عن آخر الزمان تكون: قيمة المرء متاعه، حاجاته، بيته، مركبته، ودخله.

 

إخفاء الصور