وضع داكن
24-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 047 - إن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل...
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أيها الأخوة الكرام: لا زلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم، والموضوع اليوم الترهيب من نوم الإنسان إلى الصباح وترك قيام شيء من الليل.

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ نَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ قَالَ ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ أَوْ قَالَ فِي أُذُنِهِ ))

(صحيح مسلم)

(( حَدَّثَنِي عَبْد ُاللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِي اللَّهم عَنْممَا قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَبْد َاللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ ))

(صحيح البخاري)

 ماذا نستنبط من هذين الحديثين ؟

 

(( عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ))

 

(صحيح البخاري)

 الأعمال الصالحة والعبادات إذا داومت عليها تنامت ثقتك بنفسك وتنامت صلتك بالله عز وجل.
 أما في نمط آخر شاب يقبل على الدين إقبال عجيب لا ينام الليل، يقرأ كل يوم خمسة أجزاء ثم ينطفئ فجأة، الاندفاع العاطفي من دون خطة محكمة أو معقولة يعقبه نكسات قوية جداً، أنفق ماله كله، قال تعالى:

 

﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾

 

(سورة البقرة)

 إن أنفقتم مالكم كله.

 

(( أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ))

 

(( عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ قَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَتْ فُلَانَةُ تَذْكُرُ مِنْ صَلَاتِهَا قَالَ مَهْ عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَادَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ ))

(صحيح البخاري)

 لزمت درس علم استمر فيه، أما السبت والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس بعد هذا ترك دروس العلم كلها، هذا التذبذب والثورة ثم الهمود هذا ليس في صالح إيمان إنسان.

 

((أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ))

 

((عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ قَالَ قُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الْأَيَّامِ قَالَتْ لَا كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطِيعُ ))

(صحيح مسلم)

 اقتطعت من دخلك مبلغ صدقة شهرية داوم عليه، اخترت درس علم تفاعلت به انتفعت منه داوم عليه، لك صلة رحم لأقربائك ثابتة داوم عليها، أي عمل صالح إذا داومت عليه تتنامى ثقتك بنفسك.
ورد في بعض الآثار: أن الثقة كنز رسول الله، أن تشعر أن الله يحبك، وأنك بعين الله وأنك بحفظ الله هذا سببه أن يكون عملك الصالح دينة.

 

((أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ))

 فالذي ألاحظه من خبرتي الطويلة في الدعوة إلى الله، تعاملت مع أناس كثر أقبلوا على الدين إقبال عجيب ثم اختفوا فجأة، وعادوا إلى ما كانوا عليه من اختلاط ومن تقصير وترقيع صلاة وانغماس في المذلات ومتابعة للمسلسلات، أين هذه الفورة التي فارت ؟ كل إنسان له فورة، ثم تهمد هذه الفورة إذا همدت على طاعة فأنت بنعمة كبيرة، أما إذا همدت على معصية فأنت في نكسة خطيرة، لا شك إنسان ينتقل من جو حار لا يطاق إلى صالة مكيفة، خلال ربع ساعة يشعر بحاجة عجيبة، لكن بعد أن يستمر في هذه الصالة يألف البرودة، تصبح جزءاً من حياته، قد تكون في مكان بارد جداً، تدخل إلى بيت مدفأ تدفئة مركزية، تشعر بالراحة هذه الراحة مؤقتة، إلى أن تألفها، لذلك أي إنسان ينتقل نقلة مفاجئة من الكفر إلى الإيمان من المعصية إلى التوبة، من الإساءة إلى الإحسان، يشعر بسعادة لا توصف، لكن لو تابع استقامته وتوبته وإقباله يتناقص الشعور بهذه السعادة هي قائمة، يتناقص الشعور بها، يقول لك أحدهم: أنا أنكر قلبي.
 سيدنا الصديق قال: بكينا حتى جفت مآقينا، طبعاً الإنسان له عمر مديد في العمل الصالح وفي طاعة الله وفي طلب العلم، يصبح إنسان متوازن، أما لعله في بدايات صلحه مع الله كلما استمع إلى كتاب الله يبكي، كلمـا وقف ليصلي يبكي، هذه فــورة لا بد منها لكنها لن تدوم، ما الذي يدوم ؟ العلم المنهج الكتاب السنّة، هذه تدوم، أما الانفعالات والأحوال رائعة ومسعدة لكنها لا تدوم، وطن نفسك أن الفورة التي ذقتها في مقتبل صلحك مع الله هذه لم تستمر، يجب أن يستمر عملك الصالح ودعوتك إلى الله.
 قد يقوم طالب علم في أول أيام صلحه مع الله قيام الليل فيبكي ويبكي حتى تبتل الأرض من بكائه، لكن سيدنا خالد حينما كان يعد لهذه الفتوح العظيمة ولهذه الخطب العسكرية ما كان يبكي وقتها، لكنه سلك منهجاً وسلك طريقاً إلى الله وحمل رسالة، ليست كل حياتنا بكاء، ما الذي تقدمه للمسلمين ؟
 كلمة لعلها قاسية: العابد فقط أناني، يهتم براحته النفسية، أما يوجد إنسان له أعمال صالحة يحمل هموم المسلمين يحاول تخفيف مشكلاتهم يحاول مسح دموع البؤس عن جباههم عن خدودهم، فالعابد إنسان يحمل همه فقط لذلك عندما جاء رجل لى النبي الكريم شكى شريكه الذي قصر في أداء بعض ما عليه فقال له النبي:

 

 

((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ أَخَوَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآخَرُ يَحْتَرِفُ فَشَكَا الْمُحْتَرِفُ أَخَاهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ ))

 

(سنن الترمذي)

 طالب العلم يتعلم لنفع الناس (ورد في الأثر)

 

(( أما عندما رأى عابداً بين الصلاتين بالمسجد قال: من يطعمك ؟ قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك !))

فأنا مع أن يكون لك حال مع الله، لكن هذا الحال لا يستمر.
 للتوضيح: بالضبط مثل محرك السيارة والسيارة واقفة، يوجد دوران لكن خفيف يكاد يكون معدوم، لكن المحرك غير منطفئ، أما في الصعود فيه صوت مرتفع جداً، فالإنسان قد يبدأ بصوت مرتفع بمحركه الإيمان، لكن بعد حين يصبح محركه على الحد الأدنى وله عمل صالح كبير.
لاحظ عندما سيدنا داوود عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام حينما أرسل الله له ملكين يحتكمان بين يديه فاستمع من الأول ثم قال:

 

 

((......لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ........ ))

 

(صحيح البخاري)

 يبدو كان مع الله وفي حال رائع جداً وفي قمة النشوة مع الله يريد أن ينهي الحكم على أجل قال: (يا داود أعرض عن الهوى ) أي هوى ؟ الهوى المقدس أعرض عنه واحكم بين الناس بالعدل، سيدنا سليمان بالعكس آثر حب الخير عن ذكر الله فعاتبه الله، فهذان النبيان الكريمان كل منهما ترك الأولى، أما الذي فعله النبي الكريم كان توازن كامل بين أن تكون مع الناس وبين أن تكون مع الله، لو كان كل وقتك مع الناس ضعفت صلتك بالله، ولو كان كل وقتك مع الله منشغلاً كلياً بصلواتك وعباداتك لضعف عملك الصالح، والأنبياء مشوا في الأسواق وعالجوا قضايا الناس واهتموا بهم، بل إن الأنبياء كانوا في برج عاجي أخلاقي، ولم يكونوا في برج عاجي فكري، كانوا مع الناس لحل مشكلاتهم والأخذ بيدهم، ولكنهم في أخلاقهم كانوا في برج عاجي، هم ما سقطوا في وحل البشر، ولكنهم كانوا مع البشر، كانوا معهم في كل مشكلاتهم، لكن ما سقطوا في وحولهم فالبطولة هذا التوازن، بين أن تكون مع الناس تعمل صالحاً تقدم لهم خدمات وبين أن تكون مع الله في قلبك وفي اتصالك به، من السهل جداً التطرف، من السهل أن تنغمس في أعمال وقد تبدو صالحة، وتضيع صلواتك وذكرك وصلتك بالله، ومن السهل أن تنقطع إلى الله عز وجل انقطاعاً كلياً، وأن تدع العمل الصالح وأن تعيش في برج عاجي فكري، وهذا ما أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
لأن تخالط الناس وتصبر على أذاهم خير من أن لا تخالطهم وألا تصبر على أذاهم.
ورد في بعض الآثار:

 

(( أن اصنع المعروف مع أهله ومع غير أهله، فإن أصبت أهله أصبت أهله، وإن لم تصب أهله فأنت أهله ))

 فهذان الحديثان انطلقت منهما لأتمنى عليكم أن يكون عملك ديمة.

 

 

(( أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ))

 

(( قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَبْدَاللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ ))

 انتكس، كانت تضع الحجاب فخلعت الحجاب أفضل ألف مرة أن تمضي المرأة ردحاً من عمرها بلا حجاب ثم تتحجب وتموت محجبة من أن يكون حجابها تقليدياً قمعياً ثم يموت أبوها فتخلع الحجاب وتنتكس إلى جهنم، لذلك من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام: اللهم اجعل خير ايامنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا.
 شاب خدم والدته اثنا عشرة سنة ثم ضجر وفي ساعة غضب اسمعها كلمات قاسية، ليس لك أولاد غيري ؟ فبكت واتصلت بأحد أولادها وطلبت منه أن تنتقل إلى بيته وبعد يومين توفاها الله ! هذا تقريباً خسر كل عمله الصالح.
 إنسان آخر أعرفه رجل صالح جداً كان يرعى أرملة في جامع من جوامع المهاجرين ليس لها أحد، في الجامع غرفة مقيمة فيها، يأتيها كل يوم بطعامها وشرابها وينظف لها غرفتها، ثم انتقل من حي المهاجرين إلى المزة وعمره ثمانين سنة فأصبح يذهب كل يوم إلى هذه المرأة، فأهله ضاقوا به زرعاً، خدمتها عشرون سنة كفى، اترك مجال لغيرك، قال: لا يصح هذا عمل التزمت به، عمره ثمانين سنة يصعد من باص إلى باص ويسير فلما رأوه مصراً على خدمتها قالوا: إئتي بها إلينا فجاء بها إلى بيته بعد سبعة أيام توفاها الله، هذا العمل الطيب ختم له بالتمام والكمال.
وازن بين هذين الرجلين، فهكذا الإيمان:

(( أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ))

كان عمل النبي صلى الله عليه وسلم ديمة

إخفاء الصور