وضع داكن
23-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 064 - اذهب فاحتطب ولا أراك خمسة عشر يوما فجعل يحتطب ويبيع......
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أيها الأخوة الكرام: لا زلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم ، وتحدثنا البارحة عن فضل عمل اليد ، وأن نبياً كريماً من أنبياء الله كان يأكل من عمل يده.
هناك قصة وردت في كتب الصحاح ذات مغزى كبير: أن سائلاً سأل النبي مالاً فقال له:

(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ فَقَالَ لَكَ فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ قَالَ بَلَى حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَدَحٌ نَشْرَبُ فِيهِ الْمَاءَ قَالَ ائْتِنِي بِهِمَا قَالَ فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ قَالَ مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ))

 من هنا أُخذت مشروعية المزايدة ، قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ وَقَالَ اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي به استنبط العلماء أن الإنسان لا ترتاح نفسه إلا إذا اطمأن على أهله ، أولاً مما عنده لم يعطه شيئاً ، أخذ القعب والمرط وباعهما بدرهمين وكلفه أن يشتري بدرهم طعاماً فينبذه إلى أهله ، وكلفه أن يشتري بدرهم آخر قدوماً وأن يأتي به إليه ، عندما جاءه بالقدوم شد النبي بيد الشريفة عليه عصى ، القدوم حديد فقط يحتاج إلى عصى ، فالنبي الكريم بنفسه وبيده الشريفة شد عليه عصى، وقال:

 

(( اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَلَا أَرَاكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَجَعَلَ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ اشْتَرِ بِبَعْضِهَا طَعَامًا وَبِبَعْضِهَا ثَوْبًا ثُمَّ قَالَ هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ وَالْمَسْأَلَةُ نُكْتَةٌ فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ دَمٍ مُوجِعٍ ))

 

(سنن ابن ماجة)

 أنا أقول لكم أيها الأخوة: والله لا يوجد إنسان يسأل وجه الله الكريم مباشرة وليس بينك وبينه حجاب.
لا تسـألن بني آدم حاجـة واسـل الذي أبوابه لا تغلق
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حينما يُسأل يغضب
كن عزيزاً قال: ما أروع عطاء الأغنياء للفقراء ، والأجمل منه تعفف الفقراء على الأغنياء.
 كنت مرة في الحج أخ كريم عنده موظف في مركز الإقامة أوصاه أن يخدمني ، يؤمن لي سيارة للحرم ، أنا بعد موسم الحج تمنيت أن أقدم له مكافأة والله بكل ما أوتيت من قوة وبكل ما أملك من وسائل بكل الرجاء لم يقبل شيئاً ، وقد أخبرني صاحب الإقامة أنه في فاقة شديدة ، لم يمر علي إنسان عنده كرامة وشهامة وعزة ، هذا الذي حدثتكم عنه ابنته تحتاج لعملية قلب ، وهناك من تبرع لها بثمن العملية ، وأخبروا الطبيب الجراح قال: لا أنا عندي ما أبيعه ، اجعل هذا المبلغ لمن ليس عنده لا يبيعه ، وباع ورشته وعالج ابنته وعاد صانع بعد أن كان معلم !
الصحابة الكرام الأنصار حينما أعطوا نصف أملاكهم ونصف بيوتهم وبساتينهم ودكاكينهم للمهاجرين لم يسجل التاريخ أن مهاجراً أخذ شيئاً من أنصاري كانت قولتهم المشهورة: بارك الله لك في مالك ولكن دلني على السوق.
أيها الأخوة الكرام:

 

(( عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْد ِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ ))

 

(صحيح البخاري)

 وفي رواية أخرى:

 

(( عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِي اللَّهم عَنْهم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ ))

 

(صحيح البخاري)

العمل ليس فيه عار أبداً ، العار أن تعصي الله ، أحياناً الإنسان يضطر لأن يعمل ، أي عمل مشروع في الأصل يعد عملاً شريفاً.
 قصة في جامع النابلسي في درس الفجر الآن موقف مؤقتاً أحد الحاضرين عامل تنظيفات ، والله يرتدي ثياباً نظيفة جداً ، ويتعطر وكثيراً ما يبكي حينما يتحدث ، ففضلوا أن يقيموا وليمة وفيها وجهاء أساتذة في الجامعات وأغنياء وأصحاب مناصب رفيعة وكان أحد المدعوين وهو عامل تنظيفات!
هذا هو الإسلام يا إخوان ، الإسلام ليس فيه طبقية ولا مراتب ، جميع المسلمين عند الله واحد سواسية كأسنان المشط ، وهذا الدين ، وبهذا نتفوق عندما أجلس مع فلان دون مستواي من أنت ؟
 والله أيها الأخوة: أُدعى إلى عقود قران في أطراف ريف دمشق والطريق طويل والمشقة كبيرة والجلوس في الطريق ، ومرة كنا بعقد قران وبالطريق جاء بائع على طنبور وزبّل البغل أمامنا ، وكأس من الشاي كالقطر وأشعر بروحانية والله تفوق أفخر صالة في دمشق ، هذا بسبب الإخلاص.
أذكر عقد قران بدوما ثلاثين واحد جاءوا إلى الجامع على أثر كلمة ألقيتها تدخل إلى المحلات ترى الشخص ستسامحوني بهذه الكلمة يقرف ويُقرّف ‍، من كثرة الترف.
فاللهم احشرنا مع المساكين ، أنا أقول تلبية دعوة الفقراء والضعفاء عمل صالح.
 مرة قال لي طالب تركي: أستاذ إذا دعوتك هل تلبي الدعوة ؟ والله مدعو كنت بذاك اليوم إلى أفخر مكان بدمشق دعوة ثمينة جداً قلت له: نعم ألبي الدعوة ، خرجت أن بيته ؟ أول جادة من الأعلى بالجبل ، دخلت لبيته إسفنجة سماكتها اثنان سنتيمتر ، والطاولة جرائد على الأرض ، وشربنا الماء بكأس من الشاي ليس عنده كاسات كبيرة ، وضع لنا طعاماً.
 مرة زرت تركيا وزرت أهل زوجته فوجدتهم أغنياء جداً سألته أين عمك ؟ قال: عنده فيلة على البحر الأسود ، كيف رضوا بأن يناسبهم لا يوجد تناسب ؟ ‍! فسألته بصراحة فقال: زوجتي تريد طالب علم ، ولن تقبل غير طالب علم ! وجعلها تسكن في هذا المنزل ، فعندما يريد الإنسان الله يضحي بكل شيء ، فأنا شعرت بسعادة في هذا اللقاء والله وكأنني في جنة أجلس ، مع أنه مشقة طويلة حتى وصلت ، والطعام خشن جداً ، لكن والله سررنا بالطعام ، أكلة بندورة ، وشربنا الماء بكأس من الشاي ، وجلسنا على إسفنجة رفيعة ، والطاولة الفخمة عبارة عن جرائد وضعهم.
فالله قادر أن يغمرك بالسعادة وأنت في أخشن حالة ، وقادر أن يسكنك في أفخم بيت وأنت شقي ، هذه السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء.
 مرة دعانا أخ إلى بيت برأس الجبل أيضاً ، أنا لي بعض الملاحظات الأرض عدسة ، كان قبل خمسين سنة بساط شراطيط ، كل ما يتبقى من قصائص من معامل القماش يصنع بساط ، بيت غرفة ونصف برأس الجبل أرض عدسة ، رأيت هذا البيت قطعة من الجنة ، له ابن جميل جداً يوجد بالبيت أناقة كن يوجد فقر ، وجدت هذا الزوج وزوجته والطفل يمكن أسعد زوجين بالأرض ، فهذه من حكمة الله عز وجل ، يسعد إنسان بحياة خشنة ببيت ضيق ويشقيه ومعه ملايين مملينة.
 أحد إخواننا جاءته امرأة سائلة تريد ألف ليرة بالشهر أجرة بيت بداريا ، أخبرها أنه عنده اجتماع مساء مع اللجنة بداريا قال: دخلت إلى رجل بالحريقة هكذا قال لي وهو عندي صادق: والله حجمه المالي يفوق أربعة آلاف مليون آ قال: بقدر ما اشتكى تعبت ، لا يوجد سوق ولا بيع ولا شراء وابنه لا يعجبه وزوجته لا تعجبه ، والبلد لا يستطيع العيش فيها ، قال: من كثرة ما اشتكى لي همومه كدت أجلس ، خرج إلى المحل وجد هذه المرأة تريد ألف ليرة بالشهر قال: مساء كنت بجمعية خيرية بداريا قال: يوجد إنسانة فقيرة نريد أن نساعدها وهذا عنوانها ، وطلبوا منه المجيء معهم فوافق ، قال: دخلنا لبيت تحت درج فقط بالمنطقة الكبيرة غرفة والصغيرة حمام وفسحة هذا البيت هذا أجرته ألف ليرة ، يجلس في هذه الغرفة إنسان يبدو فقير لكن مريض وزوجته محجبة وعندهم ثلاثة أولاد قال: لماذا أحببت هذا البيت لا أعرف ؟ ‍! فيه روحانية ، فتعاطفوا معها وأعطوها ألفين ، قالت: لا أريد ألفين ألف تكفيني ، أعطوها لغيرنا ، معاش زوجي يكفينا طعام ، لكن ينقصنا أجرة هذا البيت ، قال: وازنت بين الذي يملك أربعة آلاف مليون وكدت أعجز من همومه وآلامه ، وهذه الأسرة الفقيرة التي تسكن تحت الدرج الحمام من يدخل إليه يجب أن يركع، أما الغرفة واقف ، وهنا فسحة صغيرة.
فالعبرة أن تكون مع الله إذا كنت مع الله يكفيك أخشن طعام ويكفيك أضيق منزل.
كان عليه الصلاة والسلام سيد الخلق وحبيب الحق وكان إذا أراد أن يصلي الليل لا تتسع غرفته لصلاته ونوم زوجته ، فكان يدعوها أن تنزاح جانباً حتى يصلي.
 مرة زرت أخ غرفة الضيوف مجلسين وف الوسط طاولة بينهما مسافة مقدار ركبة إنسان تجلس تدق ركبتك بالطاولة ، قال: لا تؤاخذني منزلي صغير فقلت له: بيت سيد الخلق أصغر منه ! ولم يستحي فيه ، وكان يقول إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة ، وكان يأكل كما يأكل العبد ، وكان يأكل جالساً ، وكان يتواضع لكل الناس ، وكان إذا صافحه صحابي لم يسح يده ، وكانت تستوقفه امرأة في الطريق تسأله عن حاجتها هكذا كان عليه الصلاة والسلام، لكن مقاييس الحضارة الحديثة يجب ألا نلتفت إليها بل إلى مقاييس.....
ألقيت خطبة إذاعية هذا مضمونها: عاد وثمود كانوا أقوى أمة قالوا: من أشد منا قوة ؟ وعاد وثمود لم يخلق مثلها في البلاد تفوقوا في كل المجالات وكانوا أذكياء ومستبصرين هذه الثالثة وعاد وثمود كانوا أقوياء قال:

﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)﴾

(سورة الشعراء)

 وبنوا مقاصف ومصانع وبيوت وقصور.

 

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)﴾

 

(سورة الفجر)

﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)﴾

(سورة الشعراء)

 وعاد وثمود أشاد الله بعظمة عمرانهم وقوتهم العسكرية وتفوقهم وذكائهم ولكنهم عند الله ساقطون أخلاقياً ودينياً.

 

﴿ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)﴾

 

(سورة الحاقة)

 وقلت لهم وأية أمة تشبه عاداً وثمود مصيرها كعاد وثمود ، دول العالم الثالث لا ينبغي أن ترى الغرب مارد جبار يفعل ما يريد والله من ورائهم محيط.

 

﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾

 

(سورة يونس)

 والله يدعو إلى دار السلام.

إخفاء الصور