وضع داكن
26-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 004 - من سمع سمع الله به ومن يرائي يرائي الله به....
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام:
 لازلنا في كتاب الترغيب والترهيب وقد كان درس البارحة الترغيب في الإخلاص، واليوم الترهيب من الرياء.

(( عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ لَهُ نَاتِلُ أَهْلِ الشَّامِ أَيُّهَا الشَّيْخُ حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إلا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ "))

[ مسلم، الترمذي، النسائي، أحمد ]

 هل هناك أعلى ممن قدم روحه في ساحة المعركة ؟ و هل هناك أعلى ممن عاش عمره يعلم الناس و يقرأ القرآن ؟ و هل هناك أعلى ممن أنفق ماله للناس ؟ و مع ذلك إن كان هذا رياء فالله سبحانه و تعالى مطلع عليه و يعلم سريرته، و يعلم خبايا نفسه، و الله عز وجل يحول بين المرء و قلبه، فالإخلاص الإخلاص، نحتاج إلى أن نعرف أنفسنا، أن نستبطن مشاعرنا، أن نحلل بواعثنا، أن ندقق في نوايانا، أن نمتحن أنفسنا من حين إلى آخر، لأنه لو غفلنا عن هذه النقاط الثلاث و لو متنا في ساحة المعركة، و لو علمنا العلم طوال حياتنا و لو أنفقنا مالنا كله و لم نكن مخلصين لله عز وجل لا نكون عند الله مقبولين، لذلك قال تعالى:

 

﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2)﴾

 

[ سورة الزمر: الآية 2]

 من الظاهر عبادة، من الباطن إخلاص، فإن لم يكن إخلاص فالعبادة لا قيمة لها، إذاً هل الإخلاص نصف الدين ؟ الجواب لا، الدين كله، لو عبدت الله في الظاهر و لم تكن مخلصاً في الداخل فالظاهر لا قيمة له، إذاً الحقيقة المرة أن الإخلاص هو الدين كله و ليس نصف الدين، إن لم تكن مخلصاً لا قيمة لعبادتك الظاهرة، و لا لموتك في ساحة المعركة، و لا لإنفاقك مالك كله، و لا لتعلم القرآن و تعليمه، لذلك يقول عليه الصلاة و السلام في أحاديث الإخلاص كما قلت البارحة و قبل البارحة:

 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّه لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ))

 

[ البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد، مالك ]

 أي طائرة تحلق في الجو أصابها خلل فسقطت و مات كل ركابها، كيف يحاسبون ؟ فيها أربعمائة راكب، يقول لك: و قد مات جميع ركابها، شخص على متن هذه الطائرة يسافر من بلده إلى أمريكا ليحصّل العلم و في نيته أن يبذله للمسلمين حينما يرجع، و أن يقوي المسلمين يموت على نيته، و آخر كره أمته و كره وطنه و أراد أن يذهب إلى هناك ليستقر و يبقى فيها إلى أن يموت، يموت على نية أخرى، وآخر بلغه أن هناك في تفلت أخلاقي ويستطيع أن يفعل كل شيء دون أن يحاسب يموت زانياً أربعمائة راكب كل راكب يموت على نيته، هذه الحقيقة قالها النبي عليه الصلاة والسلام.

 

(( عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنْ الأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ ؟ قَالَ: يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ ))

 

[ متفق عليه ]

 يوجد أناس ليس منهم في الأسواق ليس لهم ذنب، لو كان الموت جماعي، لو طائرة سقطت، لو حريق شب في بناء، لو زلزال أطاح بمائة ألف كل واحد يموت على نيته، لو تساووا في الموت يتفاوتون بالنية.
رجل مقيم في مكة أعجبته امرأة مقيمةٌ في المدينة على جانب من الجمال فطلب أن يتزوجها فاشترطت عليه أن يهاجر إلى المدينة فهاجر، اسمها أم قيس، قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( يَقُولُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ))

 

[ متفق عليه ]

أيها الإخوة:
 كان عليه الصلاة والسلام في غزوة تبوك فقال أنس بن مالك رضي الله عنه رجعنا من غزوة تبوك مع النبي عليه الصلاة والسلام فقال:

((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا ولا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إلا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ ))

[ البخاري، ابن ماجه ]

 إذا تخلفت عن جهاد، أو عن صلاة، أو عن صيام بسبب مرض إذا كنت معذوراً يكتب لك أجر العبادة كما لو كنت صحيحاً، وإذا كنت معذوراً بسفر يكتب لك أجر هذه العبادة كما لو كنت مقيماً، يعني إنما الأعمال بالنيات.
لذلك هذا الذي استشهد في أرض المعركة أو تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن وقرأه، أو أنفق ماله يمنةً ويسرة وكان بهذا مرائياً يسحب على وجهه فيلقى في النار، ونعوذ بالله أن نعمل عملاً صالحاً في ظاهره يستحق النار في باطنه، لذلك ورد في بعض الأدعية أن أحد الصالحين دعا فقال: اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملاً فيه رضاك ألتمس أحداً سواك، وأن أتزين للناس بشيء يشينني عندك، وأن أكون عبرةً لأحد من خلقك، وأن يكون أحد أنفع بما علمتني مني أو أسعد مما علمتني مني، أربع أشياء قاسمات للظهر.
 أن تعلم علماً وأن توضح حقيقةً وأن تشرح آيةً وأن تشرح حديثاً فيأتي الناس فينتفعون بهذا الشرح ويطبقونه ويسعدون به والذي تكلم وشرح وبين وفصل لا يطبق هذا الحديث فشقي، أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني، وأن أقول قولاً فيه رضاك ألتمس فيه أحد سواك، وأن أتزين للناس بشيء يشينني عندك، يعني رجل يوم الجمعة لبس كلابية مكوية، وتعطر، ووضع مسك، وحمل سبحة، ولبس قلنسوة وجاء إلى المسجد متزيناً بهذا الزي الإسلامي وكان ليلة الجمعة يسهر حتى الساعة الخامسة على القنوات الفضائية يطلع على النساء العاريات، هو ماذا فعل يوم الجمعة ؟ تزين للناس بشيء يشينه عند الله، أو أن تقول قولاً حقاً من أجل أن ترضي زيداً أو عبيداً لا من أجل أن ترضي الله عز وجل، أن أقول قولاً فيه رضاك ألتمس فيه أحداً سواك.
وأن أكون عبرةً لأحد من خلقك، في بعض الأدعية:

 

(("ٍعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ ))

 

[ أبو داود، النسائي، ابن ماجه، أحمد ]

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو بِهَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الْعَدُوِّ وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ ))

[ أحمد، النسائي ]

 و أعوذ بك من عضال الداء، و من السلب بعد العطاء. و في حديث آخر:

 

((عَنْ سَلَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ جُنْدَبًا يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَهُ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ ))

 

[ البخاري، مسلم، ابن ماجه، أحمد ]

 هو هدفه السمعة، يعطيه الله هذه السمعة و ماله في الآخرة من خلاق، هدفه المراءاة يثني الناس عليه في الدنيا و ماله في الآخرة من خلاق، اعملوا ما شئتم كل عمل له جزاؤه إن في الدنيا أو في الآخرة، فإذا كان رياء كان جزاؤه في الدنيا، فإذا كان إخلاصاً كان جزاؤه في الدنيا و الآخرة.

إخفاء الصور