وضع داكن
19-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 007 - من سلك طريقا يلتمس فيه علما.....
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة:
 لازلنا في إتحاف المسلم لما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم، وكتاب اليوم كتاب العلم، والباب الأول الترغيب في العلم وطلبه وتعلمه وتعليمه، وما جاء في فضل العلماء والمتعلمين، كتقديم لهذا الباب، قد يركب الإنسان مركبة تقوده إلى أن يتسلم أعلى منصب في العالم، البيت الأبيض مثلاً، في مركبة تقوده إلى البيت الأبيض، وقد يركب مركبة تقوده إلى المشنقة، فالبطولة أن تعرف إلى أين أنت سائر، في طريق يفضي بك إلى الجنة، أم طريق يفضي بك إلى النار، من هذا المعنى يقول عليه الصلاة والسلام:

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.))

[ مسلم، الترمذي، أبي داوود، ابن ماجة، الدارمي، أحمد ]

 هذا الأمر ينطبق على الأطباء، يأتيهم إنسان مكروب بمرض، وقد آتى الله الطبيب علماً، فيصف له الدواء الناجع فيُشفى من مرضه، وينطبق على محامي مؤمن، إنسان مكروب بقضية والمحامي بإخلاصه وعلمه أعطاه حقه وزيادة، ينطبق على إنسان يقدم من ماله مبلغاً يمسح بها دموع البائسين، يقدم من ماله مبلغاً يزوج بها المتزوجين الشباب.

 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ))

 

[ مسلم، الترمذي، أبي داوود، ابن ماجة، الدارمي، أحمد ]

 تزوجها في الشهر الخامس وحملُها ليس خمسة أشهر، وإنما تسعة أشهر، إذن الحمل ليس منه، بإمكانه أن يسحقها، ويفضحها، ويطلقها. لكنه لجأ إلى الله عز وجل ماذا أفعل ؟ هل بإمكاني أن أجعلها تتوب، وأن أسترها فجاء بالممرضة، بالمُوَلِّدة وولَّدَتْها، وحمل الطفل ووضعه تحت إبطه ودخل المسجد بعد أن نوى الإمام الفرض، ووضعه على طرف الباب، واقتدى بالإمام فلما انتهت الصلاة، بكى الطفل تجمع المصلون حوله، جاءهم كأنه لا يعلم ماذا به، قال: ما الأمر، قالوا: هذا طفل وجدناه هنا، قال: أنا أكفله أعطوني إياه، فأخذه ودفعه إلى أمه وسترها وجعلها تتوب وجعلها امرأة صالحة، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ))

 

[ مسلم، الترمذي، أبي داوود، ابن ماجة، الدارمي، أحمد ]

 الكافر يفضح، والمؤمن يستر، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، اسمعوا هذه الحقيقة، والله من تجربة شخصية، إما أن ترقد في خدمة الخلق، وإما أن ترقد في حل مشكلاتهم، الإنسان إذا خدم الخلق تولى الله حل مشكلاته، وإذا اهتم بذاته ونسي الخلق أشغله الله بمشكلاته، فإما أن تشد قدميك في خدمة الخلق وهم كما قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( الخلق كلهم عيال الله وأقربهم إليه أنفعهم لعياله ))

 وإما أن تشغل نفسك، من طبيب إلى طبيب، من مشكلة إلى مشكلة، والمشكلات قد تنبع نبعاً، ولا شيء من قِبَلِك مسبباً له.

 

 

(( وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ))

 

[ مسلم، الترمذي، أبي داوود، ابن ماجة، الدارمي، أحمد ]

 مثلاً ارتدى ثيابه وركب السيارة العامة أو الخاصة، وجاء لدرس علم، هل تصدقون أن هذا طريق الجنة ؟

 

(( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ))

 

[ مسلم، الترمذي، أبي داوود، ابن ماجة، الدارمي، أحمد ]

 هناك طريق إلى الملهى إلى النار، طريق إلى القمار إلى النار، طريق إلى الزنى إلى النار، طريق إلى المسجد إلى الجنة.

 

(( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا ـ علماً بالله وشرعه وواجباته تجاه خلقه ـ سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ))

 

[ مسلم، الترمذي، أبي داوود، ابن ماجة، الدارمي، أحمد ]

(( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ))

[ مسلم، الترمذي، أبي داوود، ابن ماجة، الدارمي، أحمد ]

 موطن الشاهد في هذا الحديث الطويل، وعلاقة هذا الحديث بباب العلم:

 

(( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ))

 لذلك العبرة في الخاتمة، هناك أشياء ممتعة تنتهي إلى النار، ممتع أن تسهر إلى منتصف الليلُ َتِّقلب في المحطات الفضائية، ولكن هذه المتعة مُحَرَّمة، ولا سيما إذا كنت تطّلع على عورات، وعلى عُري، وعلى أفلام فاضحة، فهذا طريق ممتع في الدنيا، لكنه طريق يودي إلى النار، طريق الاختلاط، طريق أكل المال الحرام، طريق منصب رفيع لكن مبني على سلبيات لا يحبها الله عز وجل، هذه الطرق كلها قد تُفضي إلى النار، بينما طريق الجنة أن تلتمس علماً نافعاً، تعرف به من أنت ؟ ولماذا خلقت ؟ وماذا بعد الموت ؟ وماذا ينبغي أن تعمل ؟ أجمل جلسة على الإطلاق هكذا أخبرنا النبي عن الله عز وجل، أجمل جلسة على الإطلاق أن تجلس مع إخوانك المؤمنين تتدارسون كتاب الله:

 

 

(( وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ ))

 يقول لك أحدهم: والله جلسنا جلسة كأننا في الجنة، إذا ذُكِر الله في هذه الجلسة، الدنيا تُفَرِّق، الآخرة تُجَمِّع، مثلاً والله أنا سافرت والفندق الفلاني أرقى فندق في العالم ليلته بعشرة آلاف، أقمنا فيه خمسة أيام دفعنا خمسين ألف ليرة، أكلنا كذا وشربنا كذا، عندها أنت تتحسر وتقول في نفسك أنا لا أستطيع أن أنزل في فندق بخمسة نجوم، فالدنيا تُفَرِّق، والتكلم في الدنيا يُفَرِّق، صار هناك حقد وألم وحرمان، تحدث عن الله تجتمع القلوب، اجعل همك أن تكون ذاكراً لله، لأن ذكر الله عز وجل يجلب الفرح والأمن والرحمة والسكينة، والله كلام دقيق، حفّتهم الملائكة، المَلَك يُلْهِمَك الخير، ونزلت عليهم السكينة ـ هناك راحة نفسية هامة جداً ـ وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه.
 بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأُمِّي وعلى آله وصحبه وسلم.

 

إخفاء الصور