وضع داكن
25-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 008 - لا حسد إلا في أثنتين.....
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة:
 لازلنا في إتحاف المسلم لما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم، ونحن في كتاب العلم.

(( عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا))

[ البخاري، مسلم، ابن ماجة، أحمد ]

 أي المركزان المرموقان في حياة الناس رجلان: واحد يعلم والآخر ينفق، وهما في الأجر سواء، لأن حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، فإذا طلبت العلم تمكنت من إلقائه، وإذا كسبت المال الحلال تمكنت من إنفاقه. وأحد الصحابة الكرام يقول: حبذا المال أصون به عرضي وأتقرب به إلى ربي، فلسفة المال أن تصون به عرضك، وأن تتقرب به إلى ربك، مرة كنت في تعزية، وبعد أن انتهت التعزية، طبعاً البيت يفوق حد الخيال، قال لي صاحب البيت: هذا الباب كلفني أربعمائة ألف للباب فقط، وقد بذخ بذخاً في كسوة بيته، يبدو أن والدته توفيت وشعر أن هذا حرام، فسألني: قلت له: أنا سأجيبك إجابة تجارية، لأنه تاجر.
 إذا كان معك مائة مليون وأخذت بيتاً بستة وسبعين مليوناً وسيارة شبح بأربع وعشرين مليوناً وانتهوا، من أين ستصرف بعد ذلك، لو كنت أخذت بيتاً بعشرة ملايين، وبمليونين سيارة، وتوظف الباقي في شركة تعطي أرباحاً بالمائة مليار عند الله عز وجل، فكل إنسان عنده مال متاح له أن يصل إلى أعلى درجات الجنة، الناس في بؤس، ممكن أن تفتح ميتم، أن تفتح مستشفى، أن تفتح مستوصف، مرة كنت خارج دمشق وشخص أعرفه يحتاج إلى مستشفى، فذهبت إلى الصبورة وسألت، أين توجد مستشفى قيل يوجد مستوصف، دخلت ولم أصدق كأنني في أمريكا والله مستوصف فيه خمسة أطباء أدوية من أعلى مستوى، سيارة الإسعاف هي للمستشفى، بيت للسائق مناوب، طبيبين مناوبين، طبيب قلبية، وطبيب هضمية، وطبيب عظمية، قيل بأن المحسنين تبرعوا بذلك، هذا في الصبورة، داخل المستشفى كأنك في أمريكا هذا عمل صالح، والأجرة رمزية وهي مائة ليرة فقط، أكبر حكمة مع الأدوية مئة ليرة، فممكن أن تبني مستوصف، أو أن تبني مستشفى، أو مدرسة، أو معهد شرعيُ، أن تزوج شاب، أو أن تنفق على فقير، أن ترعى أرملة، أن تعلم العلم، أن تتبنى داعية، أن تنفق على طلاب العلم، أبواب الخير المتاحة للأغنياء لا تعد ولا تحصى، ولكنهم مع الأسف ينفقونها على شهواتهم ـ بعضهم طبعاً ـ وعلى مظاهرهم الفارغة، عرس في الشيراتون كلف خمسة وثمانين مليوناً، كم شاب يتزوج بهذا المبلغ ؟ كم أسرة تُنْشَأ ؟ كم بيت يؤَسَس؟ كم فتاة يُجبَر خاطرها بالزواج ؟ النبي الكريم وصف أهل الدنيا أنهم إذا أمسكوا المال امسكوه بُخلاً وتقتيراً، وإن أنفقوه أنْفقوه إسرافاً وتبذيراً.
 والله مرة دُعيت إلى حضور تعزية، شخص مقيم خارج القطر وأصله من بلدنا، من مدينة في الجنوب، أخوه صديقي، والأخ بعث لي بخبر مع موظف عنده أن يتمنى أن آتي إليه لأُعزِّيه، والمكان بعيد، وأنا في الطريق سألت عن وضع الميت، فقيل لي أنه ترك أربعة آلاف مليون، وما صلى فرض صلاة في حياته، وكان مقيم في دول البترول ولم يحج أو يعتمر، وعمره خمسة وخمسين عاماً وتوفي بأزمة قلبية، قلت لنفسي: ما هذه الحياة ؟ رجل معه أربعة آلاف مليون قضية دقيقة بالقلب تُنهي حياته، أين المبلغ الذي جمعه ؟ تركه وذهب، أما لو وظَّف هذا المبلغ في الحق، كم مشكلة فقير يحِلُّ هذا المبلغ، كم مستشفى يفتح، كم معهد شرعي يؤسِس، كم طالب علم، فالحديث يا إخوان مهم جداً، قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( لا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ ))

 

[ البخاري، مسلم، ابن ماجة، أحمد ]

 والله الغني المؤمن له أجر لا يعلمه إلا الله، لأنه يحل مشاكل الناس، يهيئ عملاً، فرص عملٍ، يزوج شباباً، ينفق على طلاب علم، أما إن كان غنياً وماله لملذاته وشهواته، الله يعينه.

 

(( وَرَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا ))

 

[ البخاري، مسلم، ابن ماجة، أحمد ]

 إذاً هناك مجالَين تتفوق بهما، إما أن تكسب المال الحلال وتنفقه في سبيل الله، وإما أن تطلب العلم الشرعي وتعلمه في سبيل الله:

 

(( النَّاسُ عَالِمٌ وَمُتَعَلِّمٌ وَلا خَيْرَ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ ))

هذا الحديث رواه البخاري ومسلم، هذا أرقى أنواع الأحاديث، ما رواه الشيخان، أو اتفق عليه الشيخان، ويقولون متفق عليه.

 

 

((عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا ))

 

[ البخاري، مسلم، أحمد ]

 في الطائفة الأولى هذا أرقى إنسان تعلَّم وعلَّم، كسب المال وأنفق، أخذ وأعطى، وفي الطائفة الثانية هذا شخص نقل الفقه إلى من هو أفقه منه، في الحياة أناس كثيرون يسمعون هذه الدروس، ويسجلونها، ويوزعونها على غيرهم وهم لا يفهمون شيئاً منها، ولكن أحبوها فقط ومن سمع هذه الأشرطة التزم وعمل أعمالاً جيدة وتفوق، هذا معنى قول النبي:

 

(( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ))

 

[ الدارمي ]

 فالثاني هو أرض أجادب، أي أرض صخرية أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، هناك الكثير من الأشخاص الذي لا يملكون إمكانية إعادة الدرس و لا أن يشرحوا، ولكن عندهم إمكانية أن يشتروا الأشرطة ويوزعونها، والله أعرف أشخاص اهتدى المئات عن طريقهم بواسطة الأشرطة، وهم غير قادرين على إعادة الحديث ولا يعرفون كيف، ولكن أحبوا أن يعملوا خيراً فصاروا يشترون ويوزعون، قال:

 

(( وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كَلأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ ))

 

[ البخاري، مسلم، أحمد ]

 أرض رملية امتصت هذه المياه ولم تترك شيئاً، الجهة الثالثة التي لم تًمسك الماء ولم تنبت الكلأ، فنحن أحد هؤلاء الثلاثة، أرقى شيء أن تتعلم وتُعلِّم، مثلاً عندما قال النبي الكريم:

 

(( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ))

 

[ البخاري، الترمذي، ابن ماجة، أحمد، الدارمي ]

 أنت ألم تصلي الجمعة في الجامع، ماذا قال الخطيب ؟ هل من المعقول أنك لم تفهم ولم تسمع شيئاً من الخطبة، مثلاً بصراحة أعرف أشخاصاً يسكنون في المهاجرين، في الشتاء والجو بارد يقوم بتحمية السيارة لمدة ربع ساعة من أجل أن يأتي بكيلو فول من الميدان، عندك استعداد أن تُحَمِّي سيارتك لربع ساعة وتنتقل من حي لآخر لتأتي بكيلو فول تأكله مع أهلك، وليس عندك استعداد أن تبحث عن جامع لك ثقة بخطيبه لتتعلم منه شيئاً في يوم الجمعة، يقول لك: صليت في جامع قريب من البيت، والحمد لله لقد وصلت في آخر لحظة وصليت آخر ركعة، أين الخطبة ؟ عندما قال تعالى:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾

 

[ سورة الجمعة: الآية 9 ]

 افتح جميع التفاسير، ما معنى ذكر الله ؟ أي الخطبة، وكما تعلمون:

 

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ ))

 

[ البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، أبي داوود، ابن ماجة، أحمد، مالك، الدارمي ]

 لم يعد هناك تسجيل، فماذا بقي لمن يأتي في الركعة الثانية يوم الجمعة ؟ هناك جامع يسمى جامع السيرانجية، يقف أمامه سيارات تجد فيها الفحم ومعدات السيران وزوجته جالسة في السيارة بانتظاره، والخُطبة لدقيقتين أو ثلاثة، كلمتين، أقم الصلاة، صلى ركعتين، وانتهى الأمر، هذا كرجل جاء فقط ليثبت وجوده كي لا يُلام ثم ذهب.
فيا أيها الإخوة:

 

(( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ))

 

[ البخاري، الترمذي، ابن ماجة، أحمد، الدارمي ]

 أي تعال إلى جامع تثق بخطيبه، تنتفع من خطبته، اكتب رؤوس أقلام، اكتب الآيات والأحاديث.
 ذات جمعة دعتك ابنتك إلى طعام الغداء فقلت لها: لقد كنا اليوم في جامع كذا وتحدث عن موضوع كذا، دعاك صديقك إلى سهرة، عندك جمعة بكاملها فيها لقاءات، وزيارات، وصحبة، وسفر أحياناً فبَلِّغ ما سمعته تكون داعية عندها، هكذا قال النبي:

 

(( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ.))

 

[ الدارمي ]

 ابحث عن جامع تنتفع به، تأتي بكيلو فول من الميدان، هل كيلو الفول أغلى من دينك ؟ قال لي صديق أنا آكل فول من الميدان كل جمعة لي مشوار، من المهاجرين إلى الميدان، هل دينك أرخص عليك من كيلو الفول ؟ هناك ظاهرة عجيبة يقول لك هناك جامع فيه إمام أفتاها لنا ولكن هذا دين، هل دينك سهل إلى هذه الدرجة ؟ أنت إن كان عندك بيت تريد بيعه وعندما خرجت وجدت أمامك رجلاً لا تعرفه قال لك: إنه يساوي مليون ليرة، هل تبيعه إياه في الحال، لا، أنت تسأل على الأقل خمسين رجلاً تقول لنفسك: بيتٌ ليس معه لعبة، أريد أعلى سعر، لماذا في دينك تأخذ فتوى أقرب شخص ولا تعرف اسمه، هذا كله مأخذ علينا أيها الإخوة.
الحديث الآخر:

 

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ))

 

[ مسلم، الترمذي، النسائي، أبي داوود، أحمد، الدارمي ]

 هذه الأعمال التي تبقى، مَن عنده ولد ممكن ألا يموت إطلاقاً، إذا مات، ابنه من بعده يدعو له، تأتيه الخيرات في الآخرة، كل شخص لديه ولد ممكن عن طريقه أن يكون في أعلى العلِّيين في الجنة، ممكن أن يكون عن طريق ابنه إذا رباه تربية صالحة وكان ولداً صالحاً يدعو له من بعده، ممكن أن تأتيه خيرات لا يعلمها إلا الله، يسأل والدته: هل أكل؟ تقول له: نعم، هل كتب وظائفه ؟ تقول له: نعم، هل سألها هل صلى العشاء ؟ ليس مشكلة، ما يهمه فقط صحته ودراسته، كل الآباء هكذا، صحته ودراسته، ودينه ؟ مع من سهر ؟ من هم رفاقه؟ ليس مهماً كثيراً، تهمه مصلحته.
 هذا صدقة جارية جامع، معهد، علم يُنْتَفَع به، ترك مؤَلَّف، ترك أشرطة، ترك شيء، الآن يوجد كثير من العلماء تحت أطباق الثرى دروسهم في كل مكان تُذاع، في أكثر من إذاعة، كل واحد ترك أحد، ثلاثة لم يمت، حي يرزق في قبره، وأيضاً هناك أناس لايموتون، المغنين مثلاً، ولكن من نوع آخر باستمرار أغانيهم تذاع في الإذاعات، أو علم يُنتفع به أو ولد صالح يدعو له.

 

 والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على محمد النبي الأمِّي، وعلى آله وصحبه وسلم.

إخفاء الصور