1995-02-19
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الهجرة :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ الآية الواحدة والأربعون من سورة النحل وهي قوله تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾
هذه الآية لها مدلول كبير، بمعنى أن الإنسان إذا خشي أن يذهب دينه، وأن تفسد عقيدته، وأن يفسد أولاده، في مجتمع ما، فحفاظاً على دينه، وعلى أخرته، وعلى سلامة إيمانه، عليه أن يهاجر.المعنى الحقيقي للهجرة :
فكيف إذا هاجر الإنسان من أجل الدنيا ؟﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾
وعد إلهي قطعياً.﴿ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾
في الدنيا، قبل الآخرة، ما دام الإنسان ترك هذا البلد، أو أي بلد خشي فيه من الفتنة، أو على دينه، أو على أولاده، وذهب إلى مكان يعبد الله فيه، مكافئة له في الدنيا قبل الآخرة.﴿ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾
مفهوم الجماعة :
أيها الأخوة؛ الإنسان اجتماعي، ولا يخف أثر البيئة الكبير على الإنسان، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول:(( الجماعة رحمة، والفرقة عذاب ))
هل تصدقون؟ أن في القرآن تشريعاً لصلاة الخوف؟(( الجماعة رحمة، والفرقة عذاب ))
(( عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ))
(( قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ ثَلاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ، وَلا بَدْوٍ، لا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاةُ، إِلا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ ))
((عَنْ عُثْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ، وَمَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ))
لأن صلاة الجماعة تعدل صلاة الفرد سبعاً وعشرين ضعفاً، لأنه في جماعة، في أنس بالجماعة، تقوى العزيمة، بالجماعة تسدد الخطى تصحح المسيرة، الإنسان وحده يبكي على كيفه، تتكون عنده قناعات غير شريعة، إذا انعزل عن المجتمع، وعاش لحاله، يفتي لنفسه، يتخذ آراء غير صحيحة، يتجاوز الحدود، يتساهل في العبادات، لكن عزيمته، ونشاطه، ينموان في الجماعة، فلذلك إذا كان الله جل جلاله شرع لنا صلاة الجماعة في أثناء مواجهة العدو، والعدو على الطرف الآخر، صلاة وردت في القرآن الكريم، والفقهاء شرحوها في التفصيل فالمقصود من هذه الصلاة، أن نعرف قيمة الجماعة، وهنا الآية بالعكس، إذا كانت الجماعة مفسدة، وضالة مضلة، وخاف الإنسان على نفسه، عليه أن يعتزل، والله سبحانه وتعالى يقول:﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً﴾
يعني بمعنى مخفف، إذا المجتمع فسد، إذا الطرقات فسدت، أنت الزم مسجدك، والزم بيتك، وعليك بخاصة نفسك، وخذ ما تعرف ودع ما تنكر، ودع عنك أمر العامة، الأمكنة العامة، الاحتفالات العامة، الفنادق، الطرقات، الأسواق التي تعج بالنساء.﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ﴾
رمضان شهر الطاعات .
نحن مقدمون على شهر فضيل، هذا الشهر شهر عبادة، معظم الناس يتحركون في هذا الشهر على شكل ثمانات؟!! كيف؟﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ﴾
النبي الكريم سن لنا في هذا الشهر الاعتكاف، الاعتكاف بالمساجد صعب الآن، إذا الإنسان خفف علاقاته في هذا الشهر، في مشكلة أخر حلها إلى ما بعد رمضان، لقاء يخشى على نفسه انسحب منه، حاول إذا كان ميسور، وكلف ابنه مكانه بالعمل، ويقدر ينسحب من عمله، ضمن الطاقة، هذا الشهر شهر عبادة، شهر اعتكاف، شهر شحنة سنوية.الصلاة :
الصلاة أيها الأخوة شحنة يومية، تصلي الظهر تمدك هذه الصلاة بشحنة روحية إلى صلاة العصر، العصر للمغرب، المغرب للعشاء، العشاء للصبح، الصبح للظهر، شحنة يومية.خطبة الجمعة :
أما خطبة الجمعة، هذه شحنة أكبر، هذه شحنة أسبوعية، تمدك أسبوع.أيام البيض :
لكن صيام ثلاثة أيام من كل شهر هذه شحنة شهرية، كما سن النبي عليه الصلاة والسلام.
رمضان :
أما رمضان شحنة سنوية ثلاثين يوم، ثلاثين يوم قيام الليل، يعني تراويح، ثلاثين يوم فجر في جماعة، ثلاثين يوم ترك الطعام والشراب، ثلاثين يوم ضبط الجوارح، ثلاثين يوم ضبط اللسان قفزة، هذه الشحنة لعلها تمدك بطاقة روحية إلى رمضان الثاني.(( الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِر ))
معنى كفارة ؛ إما بالمفهوم الوقائي، أو المفهوم العلاجي.المفهوم الوقائي :
إذا كان الشحنة كبيرة في رمضان، تمدك بطاقة روحية تحول بينك وبين المعصية طوال العام.المفهوم العلاجي :
لو صار في أخطاء فيما بين الرمضانيين، وجاء رمضان الثاني، فهو مناسبة لتكفير الذنوب.(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))
فنحن مقبلون على شهرٍ مناسبة سنوية، أولاً لفتح صفحة مع الله جديدة، أيام التاجر يكون حساب قديم تصافوا، يتسامحوا، بجيب خرازة يخرز الحساب القديم، يقول له نحن الآن من أول وجديد، فأنت مع الله عز وجل، إذا كان في لك دفتر حسابات مع الله، يفتح لك في رمضان صفحة جديدة، الماضي كله يعفي عنك فيه، الإنسان يحرص يكون في هذا الشهر في أعلى درجة، كما يحب الله عز وجل.﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾
لا تعقد الأمور أنت، ما بدها مرقعيه، ولا ريالة شاطة، ولا بدها واحد مجذوب، الإنسان في أعلى درجات الفهم، والذكاء، والعلم والإنتاج، والعمل، والإيجابية، والعمل الطيب، إذا كان عرف الله عز وجل، واتقى أن يعصيه فهو ولي من أولياء الله.﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾
ما في محجوب، الآن أدعِ إنسان للطعام، صحون، ثلاث صحون، وست شوكات، وست معالق، بس ما في شيء على الأكل يأتي لعندك مرة ثانية، يعتذر، خلص ما أكل شيء لأنه، طاولة في صحون في، معالق في، شوكات في، بس ما في أكل، إذا الإنسان صلى وما صار له صلة، يمل من الصلاة، يقوم إلى الصلاة كسالى السبب هو الحجاب، هذا الحجاب الذي بينك وبين الله، هذا الحجاب قد لا تكون أسبابه كبيرة، ما في كبائر، بس في صغائر، لذلك الصغيرة إذا أصررت عليها انقلبت إلى كبيرة، لا صغيرة مع الإصرار، فنحنا لما في رمضان نعمل صلح مع الله، متين، ونضبط أمورنا ضبط شديد جداً، ونقطف ثمار رمضان، هذه الثمرة اليانعة، تعيننا على متابعة السير بعد رمضان، الإنسان إذا ما ذاق طعم القرب، ما شعر أن الله راضي عنه، ما شعر أن الله يحبه، فمشكلته في الدين كبيرة، محجوب والمحجوب ما قطف شيء من الثمار.﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾
اللغو هو ما سوى الله، عامة الناس يدعون الطعام والشراب المؤمنون يدعون ما نهى الله عنه، أما الأتقياء لا يشغلوا أنفسهم إلا بالله عز وجل، الآية لفت نظري.﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾
الله سبحانه وتعالى وعدهم أن:﴿ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾
والحمد لله رب العالمين