1995-04-24
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
حبه صلى الله عليه وسلم لحسن الأسماء وكراهيته لقبيحها :
أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الخامس والعشرين من دروس شمائل النبي صلى الله عليه وسلَّم، وصلنا في الدرس الماضي إلى حبه صلى الله عليه وسلَّم حسن الأسماء، وكراهيته قبيحها، فقد كان عليه الصلاة والسلام يحب المسلم صالح الاسم وحَسَنَهُ.(( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن يُدعا الرجل بأحب أسمائه إليه وأحب كناه))
فالمؤمن ينادي إخوانه بأحب الأسماء إليهم، وهذا من حكمته، ومن أدبه العالي، فأحياناً يكون الاسم حسنًا، أما الكنية أو الشهرة أو النسب فغير مستحبة، فالمؤمن ينادي أخاه باسمه الأول، فإذا كان اسمه الأول غير مستحب ناداه بكنيته، وعلى كلٍّ فالفيْصل أن تنادي أخاك المؤمن بأحب الأسماء إليه، هناك من يحب أن تناديه بكنيته ؛ يا أبا فلان، أو ابن فلان، وهناك من يحب أن تناديه باسمه، وهناك من له اسمٌ مركَّب، محمد سعيد، فلا يحب أن تناديه إلا بالأول، محمد، أو بالاسمين معاً محمد سعيد، وعلى كلٍ ينبغي أن يكون اختيار الاسم الذي تنادي به أخاك جزءًا من استقامتك، ومن اقتدائك برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجب أن تختار أحب الأسماء إلى إخوانك، أما هذا الذي يناديهم بأبشع الأسماء، وبالألقاب التي غير مستحبةً فقد خالف سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام في هديه، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ مَا يَسُرُّنِي أَنِّي حَكَيْتُ رَجُلًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ وَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا كَأَنَّهَا تَعْنِي قَصِيرَةً فَقَالَ:(( لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ))
إذاً إنّ جزءًا من استقامتك، ومن اقتدائك برسول الله عليه الصلاة والسلام أن تحسن اختيار الأسماء التي تنادي بها إخوانك، أما إذا كنت معلِّماً، وفي طلاَّبك اسمٌ غير مستحب، فعليك أن تبدل اسمه إلى اسمٍ مستحب، وهكذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى كلٍ أن تنادي أخاك بأحب الأسماء إليه فهذا من التكريم، ومن التحابُب، ومن التواصل، وإدخال السرور عليه.(( إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَحَسِّنُوا أَسْمَاءَكُمْ))
وهذه لفتة لطيفة، فإن اسمك هذا تُعرف به في الدنيا والآخرة، لذلك ينبغي أن يكون الأب معتنياً بتسمية أبنائه، لأنّ جزءًا من حقوق ابنك عليك أن تُحسن اسمه، والذين يعملون في التعليم يعرفون الحرجَ الشديد الذي يُصَبُّ على أطفالٍ بريئين لهم أسماء تثير الضحك والاشمئزاز، فهم يصبحون بها محطَّ سخريةٍ بين زملائهم.(( إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَحَسِّنُوا أَسْمَاءَكُمْ))
وعَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِيِّ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(( تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ ـ من الهمة ـ وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ))
الحارث هو الكاسب، والهَمَّام الذي يهم مرةً بعد مرة، وكل إنسانٍ لا ينفكُّ أن يكون كاسباً لرزقه، ويهُمُّ في مسعاه مرةً بعد مرة.(( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُغَيِّرُ الِاسْمَ الْقَبِيحَ))
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ.(( أَنَّ ابْنَةً لِعُمَرَ كَانَتْ يُقَالُ لَهَا عَاصِيَةُ فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيلَةَ))
إذاً من حق ابنك عليك أن تحسن اسمه، والآن في الأسواق كتب فيها آلاف الأسماء ؛ أربعة آلاف، أو خمسة آلاف اسم، فإذا أنجب الإنسان مولودًا، فيجب أن يبذل جهداً كبيرا ومتقناً في اختيار اسم ابنه، لأن هذا الاسم يصبح علماً على ابنك طوال حياته، وحتى في الآخرة، هذا فلان ابن فلان، كما جاء في الحديث.حبه للفأل الصالح وكراهيته للتطير:
وننتقل إلى موضوعٍ آخر من شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، ألا وهو: حبه صلى الله عليه وسلم للفأل الصالح وكراهيته للتطير، فقد روى البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ))
فكيف ينفي النبي صلى الله عليه وسلم العدوى مع أنها واقعة، ثابتة في الطب ؟! وهناك أمراضٌ مُعديةٌ، وهناك أمراضٌ ساريةٌ، وهذا شيء لا يستطيع أحدٌ أن ينكره، فكيف ينفيه النبي عليه الصلاة والسلام ؟ وكيف يقول: " لا عَدْوَى " ؟(( إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا))
والحقيقة هذا الحديث من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، ومن قديم الزمان معروفٌ أن الإنسان إذا دخل إلى بلدةٍ موبوءةٍ فربما أصيب بهذا المرض، كبلدة موبوءة بالطاعون إذا دخلها في الأعم الأغلب يصاب بهذا المرض بالعدوى، أما أن يشير النبي قبل ألفٍ وخمسمئة عام إلى أن هناك إنساناً يحمل المرض وليس مريضاً، فإذا خرج من بلدةٍ فيها طاعون، ربما كان يحمل جرثوم الطاعون في مفرزاته، ومقاومته عاليةٌ جداً، هو معافى منه، ولكنه يحمل هذا الجرثوم، فإذا كنتم في بلدٍ موبوءٍ فلا تخرجوا منه.﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾
(( لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ))
الطِيَرةُ بكسر حرف الطاء وفتح الياء التشاؤمُ، والعرب كانوا إن طار طائرٌ عن يمينهم تفاءلوا، وإن طار طائرٌ عن شمالهم تشاءموا، فالطائر الذي يطير عن اليمين اسمه السانح، والطائر الذي يطير عن الشمال اسمه البارح، فإذا طار طائرٌ عن شمالهم تشاءموا، وهذا التشاؤم ليس له أصل إطلاقاً، ولا ينطبق على الحقيقة، وهو من فعل الشيطان، فلذلك لا ينبغي للإنسان أن يتشاءم ؛ لا من رقم، ولا من يوم، ولا من شخص.﴿طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾
فالإنسان أخطاؤه وذنوبه تسبب له المتاعب ؛ واستقامته وإخلاصه تسبب له البهجة والسعادة، فسعادتك منك، وشقاؤك منك، ولا علاقة لأحدٍ بذلك، وهذه هي الحقيقة، أما أن تعزو هذا الشر إلى فلان، وهذا الشر إلى هذا الرقم، وهذا الشر إلى هذا اليوم، وهذا البيع الذي لم ينعقد إلى فلان، لما دخل لم ينعقد البيع، فهذا كله كلام لا معنى له، أما الذي يقرأ في الأبراج في المجلات فقد وقع في الكفر، وهو لا يدري، لأنَّه:(( مَنْ أَتَىْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ))
وهذه كهانةٌ لا معنى لها، وعَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً))
ولذلك فإنّ النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول:(( لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ))
ويقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(( لَا طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ قَالَ وَمَا الْفَأْلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ))
فمثلاً فلان مريض، وأنت تعرف أن في ناسًا ماتوا بهذا المرض، وناسًا عاشوا، ومّد الله في عمرهم، وزرت مريضًا بهذا المرض، فما الذي ينبغي لك أن تقوله ؟ أن تذكر له أشخاصاً أصيبوا بهذا المرض، وشفاهم الله، وهم في صحةً تامة، هذا هو الكلام الطيِّب، نَفِّس له في الأجل، فهناك أشخاص دائماً سودُ المزاج، يعطيك أحدهم الصورة القاتمة، ويُنْبِئُكَ بالشر المُحَتَّم، فهذا الإنسان يخالف سنة النبي عليه الصلاة والسلام الذي كان يحب الفأل، ويحب لك أن تتفاءل بالخير.(( لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا بَالُ إِبِلِي تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ فَيَأْتِي الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ بَيْنَهَا فَيُجْرِبُهَا فَقَالَ فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ))
ومع ذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:(( فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ))
فر من المجذوم، وخذ بالأسباب، أما إذا وقع المرض فقل: هو من الله، لا من زيد ولا من عُبيد، وإيَّاك أن تشرك.(( لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا بَالُ إِبِلِي تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ فَيَأْتِي الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ بَيْنَهَا فَيُجْرِبُهَا - وهذا شيء واقع - فَقَالَ فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ))
أول جمل أصيب بالجرب من أصابه بهذا المرض ؟ الله جل جلاله، فقد أراد النبي أن نوحِّد لا أن نشرك.(( لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ))
قال: هو اسمٌ لطيرٍ يتشاءم به الناس، يسكن في الأماكن الخربة، ويصيح ليلاً هو البوم، هناك أناسٌ يتشاءمون من البوم، اسمه هامة، قال:(( لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ))
وأحياناً العوام يتشاءمون من قطة سوداء، هذا كله ليس له أصل.(( وَلَا صَفَرَ))
وكان أهل الجاهلية يحلون صَفَرَ عاماً ويحرِّمونه عاماً، فقال عليه الصلاة والسلام:(( وَلَا صَفَرَ))
حتى شهر معين، ليس هناك تشاؤم من شهر معين.(( أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ وَلَا تَرُدُّ مُسْلِمًا فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ))
أما الآن الحديث الدقيق الذي رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(( مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ قَالَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ))
أحدهم مسافر فتشاءم من رقم، حجز بالطائرة فكان مقعده رقم ثلاثة عشر، فألغى السفر، فإذا ألغى السفر من رقم ثلاثة عشر، أو من يوم الأربعاء، أو من شخص رآه بعينه، أو من طائر معيَّن، أو ألغى إقدامه على حاجة لسبب تشاؤمي فقد قال عليه الصلاة والسلام:(( فَقَدْ أَشْرَكَ))
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(( مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ قَالَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ))
لا يوجد إلا الله عز وجل، يجب أن نعتقد هذا الاعتقاد يقيناً، وأي اعتقاد آخر فهو نوعٌ من أنواع الشرك.(( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ))
وفي رواية أخرى للبخاري عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:(( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ))
أي أن يبدأ باليمين.﴿نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾
وهذا نظام المجتمع المُسلم، نبدأ باليمين ؛ في الدخول والخروج، و الجلوس والقعود، والطعام والشراب، واللباس، فالنبي عليه الصلاة والسلام بهذا النظام ألغى الفوضى، سن البدء باليمين ورجحها على الشمال لما تقدم، فكان عليه الصلاة والسلام يبدأ باليمين في طهوره، أي تطهره، وهذا يشمل الوضوء والغسل والتيمُّم ـ في الوضوء والغسل والتيمم يبدأ في اليمين ـ وفي ترجُّله ـ أي تمشيط شعره ابدأ بالقسم الأيمن ـ وفي تنعُّله ـ ابدأ بلبس نعلك الأيمن ـ وفي سواكه ـ ابدأ بالجانب الأيمن ـوفي شأنه كله، وكان عليه الصلاة والسلام يحب التيمُّن، فيأخذ بيمينه، ويعطي بيمينه، ويحب التيمُّن في جميع أمره.(( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَثِيَابِهِ وَيَجْعَلُ شِمَالَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ))
وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(( إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ وَإِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَمْسَحْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَإِذَا تَمَسَّحَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ))
وقد روى ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(( لِيَأْكُلْ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ وَلْيَأْخُذْ بِيَمِينِهِ وَلْيُعْطِ بِيَمِينِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ وَيُعْطِي بِشِمَالِهِ وَيَأْخُذُ بِشِمَالِهِ))
وقد روى الإمام مسلم عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(( إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ))
آخر قصة... روى الشيخان واللفظ للبخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ(( أَنَّهَا حُلِبَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ دَاجِنٌ وَهِيَ فِي دَارِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَشِيبَ لَبَنُهَا بِمَاءٍ مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي فِي دَارِ أَنَسٍ فَأَعْطَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَدَحَ فَشَرِبَ مِنْهُ حَتَّى إِذَا نَزَعَ الْقَدَحَ مِنْ فِيهِ وَعَلَى يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ عُمَرُ وَخَافَ أَنْ يُعْطِيَهُ الْأَعْرَابِيَّ أَعْطِ أَبَا بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدَكَ فَأَعْطَاهُ الْأَعْرَابِيَّ الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ))
وسيدنا الصديق سيد المؤمنين، على الشمال جالس، وعلى يمينه أعرابي، ومرة غلام على يمينه، فاستأذنه، فلم يسمح الغلام إلا أن يشرب بعد رسول الله، نظام مريح، الأيمن فالأيمن.