2020-02-23
أشكر القائمين على هذا الصرح التعليمي الكبير في بلد العلم والعلماء، والجوامع والجامعات، دعوتهم الكريمة، التي إن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم .
مقدمة
الجامعة مؤنث والجامع مذكر وفي إسلامنا العظيم الرجال قوامون على النساء أي ينبغي أن تستمد الجامعة أصول مناهجها من وحي السماء، وقد بلغني أن نظرية دارون ألغيت من مناهج الجامعات في أمريكا، وقد فاجأت طلابي في جامعة دمشق أنني في نهاية المطاف آمنت بنظرية دارون ولكن معكوسة بمعنى أن الإنسان كان إنساناً فصار قرداً والإسلام يجعل من المسلم إنساناً متميزاً يرى مالا يراه الآخرون، ويشعر بما لا يشعرون، يتمتع بوعي عميق، وإدراك دقيق، له قلب كبير، وعزم متين، وإرادة صلبة، وهدفه أكبر من حاجاته، ورسالته أسمى من رغباته، يملك نفسه، ولا تملكه، ويقود هواه ولا ينقاد له، وتحكمه القيم، ويحتكم إليها، من دون أن يسخِّرها، أو يسخَر منها، سما حتى اشرأبت إليه الأعناق، وصفا حتى مالت إليه النفوس أما حينما ينقطع الإنسان عن ربه، وينقاد إلى هوى نفسه، أو حينما ينقاد الإنسان إلى هوى نفسه فينقطع عن ربه، فعندئذ تفسد علاقته بعقله، فيعطله، أو يرفض نموَّه وتطوره، أو يسيء إعماله، فيسخره لأغراض رخيصة دنيئة، عندها يكون الجهل والتجهيل، والكذب والتزوير، وتفسد علاقته بنفسه، فتَسفُل أهدافه، وتنحط ميوله، ويبيح لنفسه أكثر الوسائل قذارة لأشد الأهداف انحطاطاً، عندها تكون أزمة الأخلاق المدمرة، التي تسبب الشقاء الإنساني، وتفسد علاقة الإنسان بأخيه فتكون الغلبة لصاحب القوة لا لصاحب الحق، وعندها تعيش الأمة أزمة حضارية تعيق تقدمها وتقوِّض دعائمها.صحة الجسد مرتكز لسلامة النفس
هل يُعقل أن تكون شخصية المؤمن الفذة التي تجمع بين رجاحة العقل وسمو النفس، هل يُعقل أن تكون هذه الشخصية مركبة في جسد عليل سقيم؟ كلا !! إن صحة الجسد مرتكز لسلامة النفس وسموِّها، ومنطلق لصحة العقل وتفوقه، فالله سبحانه وتعالى جعل صحة الجسد وقوته ورجاحة العقل، واستنارته علة الاصطفاء، فقال تعالى:﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾
الإيمان والقوة
وقد بين لنا المولى جل وعلا أن القوة والأمانة، وبلغة العصر الكفاءة والإخلاص هما المقياسان الصحيحان اللذان نقيس بهما الأشخاص حينما نقلّدهم بعض الأعمال، قال تعالى :﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾
والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنّ:(المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ وفي كلٍ خيرٌ)
ولم يقل: الإنسان القوي، لأن القوة من غير إيمان مدمرة لصاحبها وللمجتمع، ولكن القوة إذا أضيفت إلى الإيمان فإنها تصنع المعجزات، الخيرات، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
(الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وإنْ أَصَابَكَ شيءٌ، فلا تَقُلْ لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ، فإنَّ لو تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)
ولكن إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن نكون أقوياء لأن خيارات القوي في العمل الصالح لا تعد بل إن النبي عليه السلام جعل صحة الجسد ثلث الدنيا(من أصبحَ منكُم آمِنًا في سِربِه مُعافًى في جسَدِه عندَه قوتُ يومِه فَكأنَّما حيزت لهُ الدُّنيا)
أنواع الطب في الإسلام
والإمام علي كرَّم الله وجهه جعل من المرض مصيبة أشد من الفقر، وأهون من الكفر، وجعل من الصحة نعمة أفضل من الغنى، وأقلَّ من الإيمان، فقال: « ألا وإن من البلاء الفاقة، وأشد من الفاقة مرض البدن، وأشد من مرض البدن مرض القلب، ألا وإن من النعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحة البدن، وأفضل من صحة البدن تقوى القلب » الطب في الإسلام طب طبيعي، وطب نفسي، وطب وقائي، وطب علاجي، فالطب الطبيعي : « بذل الجهد صحة وسلامة » فمن الطب الطبيعي أن شخصية المسلم مرتكزة على العطاء لا على الأخذ، ومرتكزة على بذل الجهد لا على استهلاك جهد الآخرين، ومرتكزة على العمل لا على الأمل، وعلى الإيثار لا على الأثرة، وعلى التضحية لا على الحرص، وعلى إنكار الذات لا على تأكيدها، وإن بذل الجهد في حد ذاته صحة، وأية صحة، ففي بعض المؤتمرات الطبية التي عُقدت للبحث في أمراض القلب اتفق المؤتمرون على أن صحة القلب في بذل الجهد وراحة النفس، وأن طبيعة العصر الحديث تقتضي الكسل العضلي، والتوتر النفسي، وهما وراء تفاقم أمراض القلب في معظم البلدان المتقدمة تقدماً مادياً.بذل الجهد في حد ذاته صحة
إن بذل الجهد في حد ذاته صحة للقلب والأوعية، وصحة للعضلات والأجهزة، وقد كان النبي صلوات الله عليه قدوة لنا في هذا المضمار فقد وجد في بعض الغزوات أن عدد الرواحل لا يكفي أصحابه، فأمر أن يتناوب كل ثلاثة على راحلة، وقال: وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة، فلما جاء دوره في المشي توسلا صاحباه أن يبقى راكباً فقال: "مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى عَلَى المشي مِنِّي، وَمَا أَنَا بِأَغْنَى منكما عن الأجر"(عن عبد الله بن مسعود: كنَّا في غَزوَةِ بَدرٍ كلُّ ثلاثةٍ منَّا على بَعيرٍ، كان عليٌّ وأبو لُبابةَ زَميلَيْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإذا كان عُقْبةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالا: اركَبْ يا رسولَ اللهِ حتى نَمشيَ عنك، فيقولُ: ما أنتما بأقوى على المَشْيِ منِّي، وما أنا بأغنى عن الأجرِ منكما)
وحينما كان النبي الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم مع بعض أصحابه وأراد أن يذبحوا شاة ليأكلوها، فقال أحدهم: ((عليَّ ذبحها، وقال آخر: وعلي سلخها، وقال ثالث: وعلي طبخها، فقال عليه الصلاة والسلام: وعلي جمع الحطب، فقال أصحابه: يا رسول الله نحن نكفيك ذلك، فقال: قد علمت أنكم تكفونني إياه، ولكني أكره أن أتميز عليكم، ويكره الله أن يرى عبده متميزاً على أصحابه ))( وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَسْفَاره، فَأمر بإصلاح شاة، فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله عَليّ: ذَبحهَا، وَقَالَ آخر: عَليّ سلخها، وَقَالَ آخر: عَليّ طبخها، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "وَعليّ جمع الْحَطب" فَقَالُوا يَا رَسُول الله نَحن نكفيك، فَقَالَ: "قد علمت أَنكُمْ تكفوني، وَلَكِنِّي أكره أَن أتميز عَلَيْكُم؛ فَإِن الله يكره من عَبده أَن يرَاهُ متميزا بَين أَصْحَابه"، وَقَامَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجمع الْحَطب )
إن بذل الجهد صحة للقلب والأوعية، وصحة للعضلات والأجهزة، وصحة للحياة الاجتماعية، وتمتين لأواصرها، وإن بذل الجهد فهم صحيح لحقيقة الحياة الدنيا، التي هي دار تكليف، بينما الآخرة دار تشريف، هذا بعض ما في الطب الطبيعي.الطب النفسي
أما عن الطب النفسي، إن أمراضاً كثيرة جداً بعضها عضال، وبعضها مميت، كأمراض القلب والشرايين، وأمراض جهاز الهضم، والكليتين، والأمراض النفسية والعصبية إنما ترجع أسبابها الرئيسية إلى أزمات نفسية يعاني منها إنسان الشرك في العصر الحديث، فمن أشرك بالله قذف الله في قلبه الرعب، قال تعالى:﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ﴾
فتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها، وأنت من خوف الفقر في فقر، وأنت من خوف المرض في مرض وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها، قال تعالى:﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾
ويرى بعض الأطباء أن ضغط الدم ما هو في حقيقته إلا ضغط الهم، وأن الإنسان إذا غفل عن حقائق التوحيد، وسقط في هُوّة الشرك، فقد فتحت عليه أبواب من العذاب النفسي، قال تعالى :﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
فالإيمان بالله خالقاً، ومربياً، ومسيراً، وأنه:﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾
وأنه:﴿إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾
وأنه:﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾
وهو:﴿لَامُعَقِّبَ لِحُكْمِه﴾
وأنه:﴿وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾
وأنه:﴿يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْء﴾
وأنه:﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
وأنه:﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ﴾
وأنه:﴿لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
وأنه:﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
وأنه:﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾
وأنه: لن يكون:﴿أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾
وأن:﴿الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾
وأنه:أثر الإيمان في الحياة النفسية
هذا الإيمان يملأ النفس شعوراً بالأمن الذي هو أثمن ما في الحياة النفسية، ويدفع عنها القلق الذي يدمرها، والذي يجعل الحياة النفسية جحيماً لا يطاق، قال تعالى:﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾
تعقيب لغوي فإذا كانت السلامة تعني عدم وقوع المصيبة، فإن الأمن يعني عدم توقع المصيبة، قال تعالى:﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
إن الله يعطي الصحة، والمال، والذكاء، والجمال للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين.﴿ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً ﴾
وأنه:(إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)
وينجيهم من كل كرب، وينصرهم على عدوهم.(الإيمانُ بالقدَرِ يُذهبُ الهمَّ والحزَنَ)
وقد ورد في الأثر القدسي:(أوحى اللَّهُ عزَّ وجلَّ إلى داودَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : يا داودُ ! ما مِن عبدٍ يعتَصِمُ بي دونَ خلقي أعرِفُ ذلِكَ من نيَّتِهِ فتَكيدُهُ السَّماواتُ بِمَن فيها إلَّا جعلتُ لهُ من بينِ ذلِكَ مخرَجًا وما مِن عبدٍ يعتَصمُ بمخلوقٍ دوني أعرِفُ منهُ نيَّتَهُ إلَّا قطعتُ أسبابَ السَّماءِ بينَ يديهِ وأرسَختُ الهوى من تحتِ قدميهِ وما مِن عَبدٍ يطيعُني إلَّا وأَنا مُعطيهِ قبلَ أن يسألَني، وغافرٌ لهُ قبلَ أن يستَغفرَ لي)
هذه المشاعر تحقق سعادة نفسية، وسعادة لا يعرفها إلا من ذاقها فالصحة النفسية أساس صحة الجسد، قال بعض الأطباء: « إن الرحمة النفسية كافية لإعادة ضربات القلب السريعة إلى اعتدالها، وضغط الدم المرتفع إلى مستواه الطبيعي » فالإيمان بالله صحة نفسية، وهي أساس صحة الجسد.الطب الوقائي
أما الطب الوقائي سيد الطب البشري: فالطب الوقائي في الإسلام ينطلق من أن إزالة أسباب المرض أجدى وأهون من إزالة أعراضه، وأن المرض، وإن زالت أعراضه بالدواء فإن له آثاراً جانبية في وقت لاحق، تظهر على شكل أمراض قلبية ووعائية وكلوية من دون سبب مباشر.النظافة في الإسلام
والنظافة من الطب الوقائي، فالإسلام يأمر بالنظافة، فهي تقي من انتقال كثير من الأمراض المعدية التي تنتقل بتلوث الأيدي كالكوليرا والزحار، والالتهاب المعوي.﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾
وقد فهم الإمام الغزالي هذه الآية على أربع مستويات:( بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ )
والإسلام يأمر بالنظافة: ولا يخفى أن وضوء الطعام هو غسل اليدين والفم. وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم غسل الجمعة واجباً دينياً، ولو كان مُد الماء بدينار، قَالَ:( حَقٌّ لِلَّهِ علَى كُلِّ مُسْلِمٍ أنْ يَغْتَسِلَ في كُلِّ سَبْعَةِ أيَّامٍ، يَغْسِلُ رَأْسَهُ وجَسَدَهُ )
ولا أدلُّ على أهمية النظافة في الإسلام من أنه جعلها شرطاً لأول عبادة فيه، وهي الصلاة، فقال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ ﴾
وقد تفضل الله علينا بالماء الطهور، أي الطاهر المطهر لنتطهر به، فقال تعالى :﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾
الصلاة نوع من الطب الوقائي
والصلاة بحركاتها من قيام وركوع وسجود واعتدال نوع من الطب الوقائي، فقد أكد علماء التربية الرياضية أن أحسن أنواع الرياضة ما كان يومياً، ومتكرراً، وموزعاً على كل أوقات اليوم، وغير مجهد، ويستطيع أن يؤديها كل إنسان من كل جنس، وفي كل عمر، وفي كل ظرف وبيئة، وهذا كله متوافر في الصلاة.الاعتدال في الطعام والشراب
والاعتدال في الطعام والشراب وسائر المباحات من الطب الوقائي، قال تعالى:﴿ يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾
فنص الآية يأمر بالاعتدال في الطعام والشراب، لكن النهي عن الإسراف لم يقيد بالطعام والشراب، بل أطلق ليشمل كل شيء، والمطلق في القرآن على إطلاقه يَقُولُ صلى الله عليه وسلم:(ما ملأ ابنُ آدمَ وعاءً شرًّا من بطنِه حسْبُ ابنِ آدمَ أُكلاتٌ يُقمْنَ صلبَه فإن كان لا محالةَ فثُلثٌ لطعامِه وثلثٌ لشرابِه وثلثٌ لنفسِه)
قال أحدهم إن عُشر ما نأكله يكفي لبقائنا أحياء، وإن تسعة أعشار ما نأكله يكفي لبقاء الأطباء أحياءً »، وقد بين المصطفى صلوات الله عليه أن لذة الطعام لا تُحصَّل باختيار أنفس الأطعمة وأطيبها، ولكنها تُحصَّل بحالة تلابس الآكل، ألا وهي الجوع.(الحمدُ للهِ الذي أذاقني لَذَّتَه، وأَبْقَى فِيَّ قُوَّتَه، وأَذْهَبَ عني أذاه)
فالاعتدال في الطعام والشراب وسائر المباحات أصل الطب الوقائي.الطب العلاجي
وفي الإسلام طب علاجي: والطب العلاجي يعني تعاطي الدواء، والأخذ بأسباب الشفاء، والطب العلاجي موافق للعقل والشرع، فموافق للعقل، لأن في استعمال الدواء جلباً للمنافع ودفعاً للمضار، وموافقاً للشرع لقول الله عز وجل:﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾
وقد بين النبي الكريم ما تنطوي عليه هذه الآية فقال:( مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا قَدْ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ )
الشفاء مرهون بصحة تشخيص الداء، وصحة اختيار الدواء:
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الشفاء من المرض يحتاج إلى شرطين اثنين، الأول: صحة تشخيص الداء وصحة اختيار الدواء لهذا الداء، وهذا شرط لازم غير كاف، والثاني: إذنٌ من الله لهذا الدواء، أن يفعل فعله، فيزيل أسباب المرض وأعراضه، لهذا قال عليه الصلاة والسلام:(لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)
إن الطبيب له علم يدل به إن كان للناس في الآجال تأخيرُ حتى إذا ما انقضت أيام رحلته حارَ الطبيب وخانته العقاقيرُ.التداوي لا يتناقض مع الإيمان بالقدر:
وقد قال الفقهاء: « إن استعمال الدواء المقطوع بفائدته بإخبار الأطباء لعلاج مرض يقعد المريض عن القيام بواجباته تجاه الله وتجاه من حوله، أو مرض يودي بحياته أو بعضوٍ من أعضائه، واجب ديني يرقى إلى مستوى الفرض »، وهنا محل الإشارة، إلى أن الطب في الإسلام اختصاص: مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ - أي معرفة بالطب - قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ- أي مسؤول(من تطبَّبَ ولم يُعلمْ منهُ طبٌّ فهوَ ضامِنٌ)
(أيُّما طبيبٍ تَطبَّبَ على قَومٍ لا يُعرَفُ لهُ تَطَبُّبٌ قبلَ ذلكَ فأعْنَتَ فهوَ ضامِنٌ)