2019-05-24
مقدمة :
الدكتور بلال:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلاةً وسلاماً على نبينا عليه أتم الصلاة وأتم التسليم.
أخوتي، أخواتي؛ أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بكل خير، نحن معاً في مستهل حلقة جديدة من برنامجنا: "منهج التائبين" نترسم به خطا التائبين وصولاً إلى مرضاة ربنا رب العالمين، رحبوا معي بفضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي، السلام عليكم سيدي.
الدكتور راتب :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بارك الله بكم.
الدكتور بلال:
حياكم الله سيدي.
نتابع اليوم في قضية مظاهر ضعف الإيمان، نحن سألنا سؤالاً مهماً سيدي في الحلقات أريد أن أتوب ولكن، سؤال شبابي وعام.
ولكن كان الجواب أن هناك ضعفاً في الإيمان، وتحدثناعن أسباب ضعف الإيمان ثم انتقلنا إلى مظاهر ضعف الإيمان، واليوم نتابع في مظاهر ضعف الإيمان.
من مظاهر ضعف الإيمان حب الشهرة، يريد أن يظهر في أي مكان، يريد أن يكون له شأن كبير، ما تعليقكم؟
مظاهر ضعف الإيمان :
1 ـ حبّ الشهرة :
الدكتور راتب :الفرق بين السعادة و اللذة :
الدكتور راتب :
إلا إذا عرفت الله فسعادتك متنامية، لأن الله لا نهائي، وأنت بالأصل تصميمك لا نهائي، فلما اخترت الله عز وجل، هذا الاختيار يتناسب مع طاقتك اللا نهائية، من هو الذي يمل في الحياة؟ يسأم؟ يضجر؟ لا يحتمل؟ لا يعجبه بيت، ولا سيارة، ولا مكان، ولا سهرة، ولا وليمة؟ رأى أشياء كثيرة، بتعريف دارج يَقرف ويُقرف، إلا الذي عرف الله عرف هدفه الكبير، هو مصمم ليعرف الله.
لذلك المؤمن في سعادة مستمرة، سعادة متنامية، هذه السعادة غير اللذة، اللذة شيء آخر، اللذة حسية تحتاج إلى وقت، وإلى صحة، وإلى مال، ولحكمة بالغةٍ بالغةٍ بالغة في البدايات يوجد صحة لكن لا يوجد مال، يوجد وقت و صحة لكن لا يوجد مال، بالوسط يوجد مال وصحة لكن لا يوجد وقت، تقاعد المعمل استلمه ابنه يوجد وقت ومال لكن لا يوجد صحة لحكمة بالغةٍ بالغة، اللذة تحتاج إلى ثلاثة عناصر دائماً ينقص واحدة، أما السعادة لمجرد أن تعقد علاقتك بالله فأنت أسعد الناس، وإن لم تقل: ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني هناك مشكلة، أنت مع الخالق، مع القوي، مع الجميل، مع الرحيم.
فـلو شاهدت عيناك من حسننــــا الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا
ولــــــــو لاح من أنوارنا لك لائح تركت جميع الكائنات لأجلنـــــــــــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعـــى سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنـــــــــــــا
***
﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
لماذا هذا الشح في النفس؟2 ـ الشح و البخل :
الدكتور راتب :
عندنا مرض خبيث ينهي حياة الإنسان هو الورم الخبيث، أنا أتصور كما أن المرض الخبيث ينهي حياة الإنسان الشح مرض خبيث يصيب النفس.
﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ﴾
إذا توقى الإنسان من شح نفسه فهو مفلح، وإلا كان خاسراً، فهذا البخل مرض نفسي، الشح، الأثرة، وليس المؤاثرة، حب التمتع بالحياة، حب التفوق فوق الجميع، يكون لك بيت ليس كالبيوت، هذا الشيء التمتع بالحياة الدنيا بوضع غير معتدل، بوضع أكبر مما ينبغي.﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾
أنا أقول وكأنني واثق من قولي: إن جاء لأخيك منصب، شهادة عليا، زواج ناجح، دخل جيد، إن لم تفرح له كما لو كانت لك هناك استفهام على إيمانك، لماذا؟ صفة المنافقين:﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾
شيء دقيق جداً، علامة الإيمان الصحيح أن تفرح لأخيك المؤمن، لأن قوة أخيك قوة لك.((الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن))
لكن تبقى دائرة الشبهات التي هي بين الحلال والحرام.((وبينها أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس))
ما هي الشبهات؟ كيف يقع بها الإنسان؟3 ـ الوقوع في الشبهات :
الدكتور راتب :
كلمتان خطيرتان: الشهوات، والشبهات، الشهوات سلوكية، والشبهات أيديولوجية عقدية. مثلاً لو قلنا: أعطِ فلاناً ألفاً وخمسمئة درهم، واضحة، قطعية الدلالة، أما لو قلت لأحدهم: أعطِ فلاناً ألف درهم ونصفه، الهاء على من تعود؟ إما على الألف أو على الدرهم، هذا النص الاحتمالي امتحان للإنسان، الفرائض غطاها الله بنصوص قطعية الدلالة، الفرائض والمحرمات، أما ما سوى ذلك لحكمة بالغةٍ بالغة فغُطيت بنصوص ظنية الدلالة، هذه النصوص مرنة تدور مع الإنسان في غناه وفقره، في قوته وضعفه، في صحته ومرضه، في تألقه وفي انغماره، فهذا الدوران يغطيه نصوص ظنية الدلالة، أي في بحبوحة فهم النص ألفاً وخمسمئة، في ضائقة فهمه ألفاً ونصف درهم.
الدكتور بلال:
أما المؤمن إذا وجد بالأمر شبهة ولو شيء من حرام فيدعه ولو كانت شبهات.
الدكتور راتب :
المؤمن الصادق المستقيم لأنه أحكم الصلة بربه سعد بها سعادة كبيرة، يخشى على هذه الصلة أن يخسرها.
الدكتور بلال:
ولو بشبهة من مال.
الدكتور راتب :
يبتعد عن هذه الشبهات خوفاً من ضياع هذه الصلة بالله عز وجل، أي الله كبير لو أنك آثرت مصلحة صغيرة جداً على رضاء الله هو أكبر من أن يسمح لك أن تقبل عليه.
الدكتور بلال:
أيضاً سيدي من مظاهر ضعف الإيمان، وهذه منتشرة اليوم لذلك أريد أن نركز عليها: أنه يحاكم كل الأمور إلى عقله، فالحسن ما رآه العقل حسناً، والسيئ ما رآه العقل سيئاً، فكل قضية تعرض عليه يقول لك: لم أفهمها بعقلي فيدعها، وكأنه يعبد عقله من دون الله، ما علاقة العقل بالنقل؟
4 ـ محاكمة الأمور إلى عقله فقط :
الدكتور راتب :
الحقيقة أن النقل وحي السماء، من المطلق، من اللا محدود، والعقل مقياس أرضي، لو فرضنا أيقظنا إنساناً مات قبل مئة عام، أطلعناه على جهاز كمبيوتر، هذا الكمبيوتر بتعريف حديث رفع الدقة من واحد لمليون، خفض الجهد من مليون لواحد، ارتفع سعره، تطور من دراجة إلى روز رايز، وانخفض سعره من روز رايز لدراجة، لا يقبل، لا يصدقه، لأن عقله مرتبط بوقت مماته.
فالعقل محدود بالواقع، محدود بالمعطيات التي عاشها الإنسان، وحي السماء من الله عز وجل، فعلم الله علم أزلي أبدي، علم مطلق، فأنا أتهم عقلي ألف مرة إذا اختلف مع النص الشرعي، النص الشرعي الأصل، هو وحي السماء، من المطلق، مطلق طلاقة كاملة في العلم، والحكمة، وكل شيء.
أما عقلي فمحدود، أي مثل عقل سيارة، تركبها إلى شاطئ البحر، لكن لن تستطيع السفر بها في البحر، العقل أوصلك إلى البحر، الآن أنت مع الله.
الدكتور بلال:
جزاكم الله خيراً، هذا ملمح لطيف يقوله ابن القيم رحمه الله، قال:
﴿ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾
قال هذا عقل:﴿ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾
قال له:﴿ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾
هذا نقل، قال: فلما عارض بعقله النقل:﴿ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ﴾
فكل من عارض بعقله النقل غرق في بحور الأهواء والظلمات.خاتمة و توديع :
الدكتور بلال:
جزاكم الله خيراً سيدي، وأحسن إليكم.
أخوتي، أخواتي؛ شكر الله لكم حسن المتابعة، نلقاكم دائماً على خير حال، إلى الملتقى أستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته