2000-12-13
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
ضرورة امتحان كل إنسان لمعرفة حقيقته :
أيها الأخوة الكرام ، لا يعقل ، ولا يقبل أن يدّعي الإنسان الإيمان ، ثم لا يمتحن :
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾
لابد من امتحان يكشف حقيقة الإنسان ، لذلك هناك أشخاصٌ على الحافة ، أية فتنةٌ تسقطهم ، أي خطأ يرديهم ، أي ضغطٍ يفتنهم ، أي إغراءٍ يستهويهم ، فالإنسان إذا كان على الحافة وضعه خطيرٌ جداً ، لابد من أن يكون في الأعماق ، الامتحان لابد منه ، الإمام الشافعي سُئل : أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ قال : لن تُمكن قبل أن تُبتلى ، إذاً :﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ﴾
أي لا يعبأ بنار جهنم ، ولا يعبأ بوعيد الله ، بل يعبأ بتهديد إنسان من ضعف إيمانه:﴿ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ﴾
إذاً العبرة ألا تقبل بإيمانٍ سطحي ، ولا إيمانٍ ضعيف ، لأن هذا لا يصمد أمام الفتن، لا يصمد أمام الضغوط ، ولا أمام الإغراءات ، فمن أجل أن تكون في الأعماق يجب أن تطلب العلم بعمقٍ ، وأن تطبقه بإخلاصٍ حتى تكون في الأعماق ، فتنجو من الفتن ، ومن الضغوط ، ومن الإغراءات .الابتعاد عن الشرك الخفي :
ثم يبين الله لنا أن هذا الذي اتخذ من دون الله إلهاً ، ولو كان بشراً ، ولو كان قوياً ، ولو كان غنياً ، اتخذ من دون الله إلهاً يعبده من دون الله دون أن يشعر ، وهذا اسمه : الشرك الخفي ، قال :
﴿ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾
وقد اكتشف أن بيت العنكبوت ضعيفٌ ، لا لأن نسيجه ضعيف ، بل إن الفولاذ وهو أمتن عناصر الأرض لو سُحب بقطرٍ يساوي قطر خيط العنكبوت لكان خيط العنكبوت أمتن منه، لو سُحب الفولاذ بقطرٍ يساوي قطر خيط العنكبوت لكان خيط العنكبوت أمتن من الفولاذ ، ولكن العلماء اكتشفوا أن ضعف هذا البيت لأن العلاقة سيئة جداً بين العنكبوت الذكر وأنثاه ، وبين الأولاد والأم والأب ، أحياناً الضعف يأتي من الفتن ، من المنازعات ، من الخصومات ، قال تعالى :﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ﴾
نظام الإسلام أساسه الوازع الداخلي والأنظمة الوضعية أساسها الرادع الخارجي :
أما في قوله تعالى :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾
فالصلاة تعتمد على الوازع الداخلي ، بينما كل القوانين الوضعية تعتمد على الرادع الخارجي ، فهناك روادع ، أو هناك ضوابط إلكترونية عالية جداً في بلاد الغرب ، لو انقطعت الكهرباء ، ارتكبت مرةً في مدينة مئتا ألف سرقة ، والخسارة كانت بليوني دولار ، نظام الإسلام أساسه الوازع الداخلي ، والأنظمة الوضعية أساسها الرادع الخارجي ، فحينما نبني حياتنا على الوازع الداخلي أنت في بحبوحةٍ ، وفي طمأنينة ، لأن الذين حولك يخافون الله ، كما أن الله نهاك عن أن تسرق ، نهى ملياراً ومئتي مسلم أن يسرقوا منك ، نهاك عن أن تكذب ، نهى كل المسلمين ألا يكذبوا عليك ، فأنت حينما تعيش في مجتمع مؤمن تقطف ثمار هذا الإيمان ، إذاً :﴿ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾
من ذكره الله أعطاه الرحمة و الحكمة و الأمن :
ولكن الله يقول :
﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
بعض العلماء قال : ذكر الله أكبر ما فيها ، أي أكبر ما في الصلاة أن تذكر الله بإخلاص ، لقوله تعالى :﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾
لكن بعضهم قال : معنى﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
أنك حينما تصلي تذكر الله ، لكن ذكر الله لك أكبر من ذكرك له ، تذكره كي تطمئن ، تذكره كي تسعد ، لكن الله إذا ذكرك أعطاك عطاءً مدهشاً ، أعطاك الرحمة ، أعطاك الأمن ، أعطاك الحكمة ، إن ذكرته بإخلاص ، ذكره لك غير ذكرك له ، ذكر الله لك أكبر من ذكرك له .أنواع الجهاد :
الآن:﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا ﴾
من لم يجاهد ، أو لم يحدث نفسه بالجهاد مات على ثلمة من النفاق ، والجهاد أنواع هناك جهادٌ دعوي ، وهذا سماه الله جهاداً كبيراً ، قال تعالى :﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾
فإذا كان الجهاد القتالي غير متاحٍ في بعض الظروف ، أما الجهاد الدعوي فمتاحٌ دائماً ، وقبله جهاد النفس والهوى ، لذلك :﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾
اللام لام التوكيد ، والنون نون التوكيد الثقيلة ، لمجرد أن تخطو خطوة نحو الله ، الله يخطو نحوك خطوات ، إن أتيته ماشياً أتاك هرولةً ، أي استجابة ربنا للمؤمن حينما يتوجه إليه استجابة عجيبة .اهتمام المؤمن بقضايا المؤمنين :
هناك نقطة مهمة جداً ، لماذا قال الله عز وجل إن المؤمنين حينما بلغهم أن الروم قد انتصروا فرحوا ؟ ما علاقتهم بالروم والفرس ؟ قال تعالى :
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
أخٌ كريم ، ذكر لي أن في هذه الآية استنباطاً رائعاً جداً ، أن المؤمن الصادق يهمه أمر المؤمنين ، يحمل هموم المؤمنين ، ولو كانوا من دينٍ آخر ، أقرب إليه من الوثنيين ، الفرس وثنيون ، والروم أهل كتاب ، هناك قواسم مشتركة تجمع بيننا ، فالمؤمن يحمل هموم المؤمنين في كل أنحاء العالم ، هذا الذي يهتم بقضايا المؤمنين على شيء من الإيمان ، لأن عنده عواطف صادقة ، هذا مؤمن ، لذلك قال تعالى :﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
بنصر الله ، يفرحون أن الله نصر من آمن أن لهذا الكون إلهاً على من قال : هذا الكون لا إله له .أمثلة عن آيات الله الدالة على عظمته :
الآن :﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ ﴾
آية من آياته ، كيف أن الخلايا العصبية تتصل وتنفصل ، ففي الليل تتباعد ، فالسيالة العصبية إن أرادت أن تسيل تجد الطريق مقطوعاً ، أما في النهار فتتقارب ، فتتصل السيالة ، لكن لمصلحة الإنسان ، وحفاظاً على حياته ، لو كان الصوت قوياً جداً ، هذه السيالة كأنها شخص رأت ساقيةً عريضةً جداً ، لم تستطع أن تقطعها ، أما إذا كان وراءها وحشٌ كاسر تقطعها ، تقفز ، فحينما يأتي صوتٌ ضخمٌ جداً ، هذا الصوت يجعل السيالة تنتقل على الرغم من الفجوة بين الخليتين ، إذاً النوم من آيات الله الدالة على عظمته .﴿ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ ﴾
فهو يتكلم ، قال :﴿ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴾
هنا الإعجاز ، لا يمكن لأصم أن يفهم شيئاً لو أن المتكلم وراء ظهره ، أما إذا كان أمامه فيفهم ، فهو شاهد :﴿ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴾
عادات المؤمن عبادات :
ما معنى قوله تعالى :
﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ﴾
المؤمن له هدف ، والله ما من حركةٍ ، ولا سكنةٍ ، ولا شراءٍ ، ولا بيعٍ ، ولا ابتسامةٍ ، ولا وصلٍ ، ولا قطعٍ ، ولا غضبٍ ، ولا رضاً إلا ويقصد به وجه الله عز وجل ، لذلك تعد عادات المؤمن عبادات ، حركاته ، وسكناته ، وشراء حاجاته ، وإكرام أولاده ، وإيناس زوجته ، وزيارة أصدقائه ، حتى نزهته في سبيل الله ، عاداته عبادات :﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ﴾
المفعول مجهول أي واقصد في مشيك رضاء الله عز وجل ، أما الصفة الوحيدة لأهل الكفر فهي أنهم بلا هدف ، يعيشون لذواتهم ، ولشهواتهم ، ما هذه الآية المخيفة ؟ قال :﴿ ُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ﴾
سنوات :﴿ ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾
من يقبل الآن أن تعطيه خمسة ملايين ، وتقول له : اذهب إلى أين تشاء ، تمتع ، كُل واشرب ، وافعل كل الفواحش ، وادخل كل الأماكن الموبوءة ، افعل ما تشاء ، وبعدها سوف تعذب على آلاتٍ حديثة جداً خلال سنة ، لا يقبل ، ولا ساعة ، فكيف إذا كان التمتع قصيراً والعذاب أبدياً ؟﴿ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾
علم الله لا حدود له :
﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ ﴾
لتر حبر واحد يمكن أن يكفي الإنسان طوال عمره الدراسي ، الابتدائي ، والإعدادي، والثانوي ، والجامعي ، والدكتوراه ، لتر حبر واحد ، فكيف إذا كان كل ما في الأرض من شجرٍ أقلام ، وسبعة بحور تمد هذه الأقلام ما نفذت كلمات الله ، هذا عن علم الله عز وجل .من أيقن أن الموت قريب التزم منهج الله دائماً :
يروى أن الإمام مالك رأى ملك الموت ، قال له : يا ملك الموت كم بقي لي من عمري ؟ أشار له ملك الموت هكذا ، فازداد قلقاً ، يا ترى خمس سنوات ، أم خمسة أشهر ، أم خمسة أيام ، أم خمس ساعات ، أم خمس دقائق ، أم خمس ثوان أي الآن ، فسأل الإمام ابن سيرين ، وكان ممن يتقن تفسير الأحلام ، قال : يا إمام يقول لك ملك الموت : إن هذا السؤال من خمسة أسئلةٍ لا يعلمها إلا الله :
﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾
شخص عمل عقداً ليس رسمياً ، يسمونه : عقد شيخ ، وسافر إلى أمريكا بمهمة ، والمهر ملايين ، نزل من المطار ، مات بالمطار .﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾
.