1998-01-18
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الحبّ هو الفرق بيننا و بين أصحاب رسول الله :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه ))
والله أيها الأخوة؛ لو أن الناس أخذوا بهذا الحديث لكنا في حال آخر.تفسير الحديث السابق على طريقتين الأولى متشددة و الثانية غير متشددة :
إلا أن هذا الحديث يفسره المفسرون على طريقتين، طريقة متشددة، والله أنا معها، وطريقة أقل تشدداً.
الطريقة المتشددة:
((لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ..))
نفى عنه أصل الإيمان، أنت مؤمن أن لهذا الكون خالقاً، وأن هؤلاء الناس جميعاً عبيده، فكيف تستسيغ لنفسك أن تسيء إليهم، وهو يراك، آمنت بوجوده، لكنك تؤذي عباده؟ هل تستطيع أن تقبل عليه؟ لا والله، هل تستطيع أن تتصل به؟ لا والله، مقطوع عنه، لأنك مسيء إلى عباده.((لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخيه ... ))
التفسير الثاني المتشدد: أخوه في الإنسانية، لأن المطلق على إطلاقه، أخ يجمعك معه أنه من بني آدم، لا تنظر إلى هوية الإنسان، لأنه:﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ﴾
لو أن عدوك استنصحك.﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ﴾
والتفسير المتشدد ينفي النبي صلى الله عليه وسلم أصل الإيمان عن الذي لا يحب لأخيه في الإنسانية ما يحب لنفسه.الدين قضية كبيرة جداً :
هذا الحديث أصل مع أنه مشهور يدور على كل لسان، المشكلة أن شدة القرب حجاب، الأحاديث المشهورة جداً، المألوفة جداً، التي تقرؤها ولا تعبأ بها من شدة دورانها على ألسنة الناس لكنها مركزية، مفصلية، لا يمكن أن يحبك الله إن آذيت خلقه، إن غششتهم، إن احتلت عليهم، إن خوفتهم، يكون موظفاً صغيراً يكبر المشكلة لدرجة أن المواطن لا يستطيع أن يقف على قدميه، يعطيه رقماً للضريبة ثم يخففها عنه شيئاً فشيئاً مقابل شيء، أنت خوفته بهذا التصرف، ضعضعته، كم بيت فيه مشكلة؟ كم بيت فيه انهيار؟ كم أسرة شردت من جهة أو من أخرى بسبب القسوة؟ فهذا الذي ليس في قلبه رحمة لا تعبأ به، والله لو صلى قيام الليل كل يوم، والله لو صام كل يوم طوال العام، ما دام في قلبه قسوة، ما دام يعامل الخلق بقسوة، من دون رحمة، لا يعبأ بسعادتهم، ولا بسلامتهم، ولا باستقرارهم، ولا بدخلهم، الإنسان عندما تحتكر بضاعة، ويرفع سعرها، ماذا فعل؟ كم موظف دخله محدود حرمته هذا البضاعة؟ حرمت أولاده دون أن تشعر، أنت رفعتها، من الآن الذي ينتفع بها؟ الأغنياء فقط، إذا السعلة احتكرتها ورفعت سعرها وهي أساسية من ينتفع بها؟ الأغنياء، والفقراء حرموا منها، فهذا الذي يرفع السعر هكذا مزاجاً ليحصل على أكبر كمية من المال ويحرم الفقراء هذا إنسان بعيد عن الإيمان، المؤمن يفرح إذا رخصت الأسعار، أما الذي هو بعيد عن الإيمان فيفرح بارتفاع الأسعار، يحقق ربحاً كبيراً، لكن لا يدري أن المجتمع انشطر شطرين؛ شطر محروم، وشطر مترف، وهذا وضع غير صحي، وضع مرضي، شطر مترف، العرس بخمسمئة مليون، وخمسمئة ألف شاب لا يجدون غرفة في قرية يسكنونها، صار هناك ترف.﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾
الدين منهج متكامل :
أيها الأخوة، إذا لم يكن هناك تجديد بالدين، كيف كانوا الصحابة؟ كانوا متناصحين، متحابين، متوادين، متباذلين، كيف أن الإنسان يعد للمليون قبل أن ينطق بكلمة، لعلها تؤذي، استقامتهم على مستوى.(( يا عائشة، لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته ))
شخص يبيع البرتقال، وكان قد قطع عشرين برتقالة ذات لون أحمر داكن، ماوردي، وبذكاء بارع، و الحبات الأولى كانت كبيرة، جاء لعنده شخص قال له: أخذت من عندك كيليين، ولا برتقالة حمراء، فيجيبه: اختر برتقالة لأقسمها لك نصفين، كلام فارغ، يبيع بهذه الطريقة ليغش الناس، الغش سيصبح سلوكاً ثابتاً بحياة المؤمن، الأصل هو الغش، يغش ويكذب، ويأكل مالاً حراماً، عندئذ يضع صلاته بالحاوية.﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾
يخادع الله، يصلي له ما بقي عليه، أقول لكم: بعض الشركات يوجد عندها مندوبو مبيعات، هذا المندوب أين دوامه؟ بالأسواق، يأتي الساعة الثامنة والنصف إلى الشركة يسجل حضوره ويتلقى التعليمات ويخرج، مساء يقبض الأجرة واحد بالمئة، علاقته بمركز الشركة علاقة تلقي تعليمات وقبض الثمن فقط، والمؤمن علاقته بالجامع يتلقى التعليمات ويقبض الثمن بالصلاة بالجامع، لكن مجيئك إلى الجامع ليس معنى هذا أنك دين؟ إطلاقاً، دينك بدكانك، دينك بصيدليتك، دينك بعيادتك، دينك بالسوق، دينك بالطريق، دينك في بيتك، هذا مجال للتطبيق، أما الجامع فهو مجال لأخذ التعليمات فقط، تتلقى التعليمات بالمسجد، الله عز وجل أتيت بيته ضيفاً أعطاك شحنة روحية وتعليمات، انطلق وطبقها في عملك، دخلت إلى المسجد:((اللَّهمَّ افْتح لي أبواب رحمتك))
خرجت من المسجد:((اللَّهمَّ إني أسألك من فضلك))
يا ربي أعمل أعمالاً صالحة، علينا أن نفهم الدين فهماً عميقاً، نفهم أن الدين سلوك متكامل، الدين منهج تقريباً فيه مئة ألف نبد، بأكلك، بشربك، بجلوسك، بعلاقتك مع زوجتك، مع أولادك، بطريقك، بغض بصرك، بضبط لسانك، بضبط أذنك، المذياع في طاعة لله عز وجل، هناك إنسان يسمع القرآن، يسمع الأخبار، وإنسان يسمع أشياء أخرى، كل شيء تتعامل معه فيه مجال للطاعة والمعصية.الأعمال السيئة حجاب بين العباد و ربهم :
قضية الدين قضية كبيرة جداً، قضية اتجاه، واحد منا يتصور أن الله سيعطيه الجنة ببساطة وهو مرتكب المعاصي؟ يمشي مع أهوائه لكنه يصلي، هذه أصبحت فلكلوراً، الصلاة شيء من التقاليد والعادات، ليست هذه الصلاة التي أرادها الله عز وجل.(( قال: يا ربي كم عصيتك ولم تعاقبنِي؟ قال: عبدي كم عاقبتك ولم تدرِ))
أنت تعصي والله ينزل بالناس العقاب؟ أما لو كان الحديث مطبقاً لكنا في حال غير هذا الحال، الله أعزنا، رفع مكانتنا، استخلفنا في الأرض، مكنا في الأرض، طمأننا.﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾
عملياً لا يوجد استخلاف، ولا تطمين، ولا تمكين، لكن يوجد قهر، وبعد، وضيق، ودائماً يفسرون الأمور تفسيراً خاطئاً، أن هناك شحاً بالمياه في العالم، إذاً هناك حرب مياه، هناك شح بالمواد الغذائية إذاً هناك شح غذاء، لا.﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾
الله إذا أعطى أدهش. هذا كله كلام فارغ، ليس له معنى إطلاقاً، أنا مرة أمسكت سنبلة في الغوطة، حبة قمح واحدة أنبتت خمساً و ثلاثين سنبلة، أخذت سنبلة فرطتها وعددت قمحها فكانت خمسين حبة، ضربت خمسين بخمس وثلاثين كان الجواب ألفاً وسبعمئة وخمسين حبة من حبة، إذا الله أحبّ يعطي.الدين بالمعمل و البيت و الطريق أما الجامع فلتلقي التعليمات :
القضية كبيرة جداً، الدين منهج كامل، أنت عندما تتعامل مع الله بإخلاص وصدق تجد وضعك اختلف اختلافاً كلياً، لذلك الدين بعملك، وببيتك، وبالطريق، والدين بالجامع لتلقي التعليمات، وقبض الثمن فقط، مثل مندوب المبيعات، يتلقى التعليمات ويقبض الثمن وانتهى، حينما نفهم هذا، صناعتنا صلحت، زراعتنا صلحت، مثلاً المزارع فيها هرمونات محرمة دولية ممنوع استيرادها، فيأتي المزارع بالهرمون تهريباً، يبخ مكان العقد تخرج البندورة كبيرة، ولونها غامق، ومغرية جداً، لكنها مسرطنة، لأن الهرمونات دخلت فيها، لماذا ارتفع السرطان بالمئة عشرة أضعاف؟ شيء يحير، من أغذيتنا، كلها أغذية غير معقولة، يأتي معمل غذاء مسموح أن يضع واحداً بالألف من بنزوات الصوديوم، يضعهم ثلاثة بالألف، حتى يضمن سلامة البضاعة، الثلاثة أصبحت مسرطنة، لا يهمه موضوع الناس وسلامة صحتهم.من عامل الناس بإحسان فالطريق إلى الله سالك :
أيها الأخوة؛ هذا الحديث أساسي من أسس الدين:((لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخيه ... ))
أي أخ؟ في الإنسانية، و لو كان مجوسياً، أليس عبداً من عباد الله؟ دعه يرى معاملة راقية، حتى يحب الإسلام، بين أن يدخل الناس:﴿ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً ﴾
وبين أن يخرجوا منه أفواجاً، إذا المسلمين كانوا محسنين، متقنين، يدخل الناس:﴿ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً ﴾
وإن برعوا بالكذب، والغش، والاحتيال، خرجوا منه أفواجاً.((.. حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه ))
هذا أعلى أنواع الأحاديث، وله رواية ثانية:(( حتى يكره لأخيه ما يكره لنفسه ..))
والله يا أخوان يوجد حديثان، هذا واحد منهم، الثاني:((عامل الناس كما تحب أن يعاملوك))
طبعاً هو فقرة من حديث، إذا أنت عاملت الناس كما تحب أن يعاملوك، وأحببت لهم ما تحب لنفسك، هذا الدين كله، الآن الطريق إلى الله سالك، الآن يوجد توفيق، ونصر، وتأييد، وإعزاز، و تكريم، كل ثمار الدين تقطفها إذا طبقت هذا الحديث.