وضع داكن
22-02-2025
Logo
أحاديث قدسية - الحلقة : 29 - التوبة
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 أخوتي الكرام ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، لكن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
 لذلك هذه الحلقات إن شاء الله تتمحور حول الأحاديث القدسية .
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين .

التوبة هي مخرج النجاة للإنسان :

 أيها الأخوة الأحباب ؛ لا زلنا في الأحاديث القدسية ، والحديث اليوم عن التوبة ، قال الله عز وجل :

(( إِنَّكَ ما دَعَوْتَني ورَجَوْتَني غفرتُ لك على ما كانَ مِنكَ ، ولا أُبالِي ، يا بنَ آدمَ ، لو بلغتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السماءِ ، ثم استَغْفَرتَني غَفَرْتُ لك ولا أُبالي ، يا بنَ آدم إِنَّكَ لو أتيتني بِقُرابِ الأرض خَطَايا ثم لَقِيتَني لا تُشْرِكُ بي شيئاً لأَتَيْتُكَ بِقُرابِها مَغْفِرَة ))

[ الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه]

 أيها الأخوة الكرام ؛ ركب الملك من عقل وشهوة ، كما قال علي كرم الله وجهه ، وجاء الإسلام وهو دين الفطرة ليقيم توازناً دقيقاً عن طريق المنهج الرباني ، الذي رُسم للإنسان من خلال آيات القرآن ، وسنة نبيه العدنان ، وبما أن الإنسان مُنح حرية الاختيار في دائرة التكليف والابتلاء ، وهي الأمانة التي حملها الإنسان ، وأشفقت من حملها السماوات والأرض ، مُنح حرية الاختيار ، ليثمن عمله الكسبي ، فتكون سبباً لدخوله روضات الجنات بدل التردي في حفر النيران ، وبما أن من طبيعة الإنسان أنه خلق ضعيفاً ليفتقر بضعفه فيسعد بافتقاره ، ومن لوازم ضعفه أنه ينسى ويسهو ، ويغفل ويغفو ، يضعف ويغلب ، فقد يعصي ربه ، ويخرج عن المنهج الذي رسم له ، لذلك شرع الله للإنسان التوبة ، في ساعات الضعف قد يقصر الإنسان ، قد تزل قدمه ، ما الحل ؟ منهج الإسلام متكامل ، الحل إذا زلت قدم الإنسان ، إذا فعل شيئاً لا يرضي الله ، إذا سبقه لسانه بكلمة لا ترضي الله ، إذا سبقته عينه بنظرة لا ترضي الله ، ماذا يفعل ؟ إلى من يذهب ؟
 أيها الأخوة ؛ إن التوبة هي مخرج النجاة للإنسان ، حين تحيط به خطيئاته ، إن أحاطت به خطيئاته فالتوبة مخرج ، مخرج النجاة ، وهي صمام الأمان حين تضغط عليه سيئاته، إذاً ارتفع الضغط التوبة صمام الأمان ، وهي تعديل المسار ، حينما تضله أهواؤه ، إنها حبل الله المتين ، الذي ينقذ الإنسان حينما تغرقه زلاته ، إذا غرق في زلاته فالتوبة حبل الله المتين ، إن أضلته أهواؤه فالتوبة تصحيح لمساره ، إن ضغطت عليه سيئاته فالتوبة صمام أمان، إن أحاطت به خطيئاته فالتوبة مخرج النجاة .

(( كُلُّ بَني آدمَ خطَّاءٌ وخيرُ الخَطَّائينَ التَّوابونَ))

[الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه]

لأهل الذنوب ثلاثة أنهار يتطهرون بها في الدنيا :

 أيها الأخوة ؛ باب التوبة مفتوح على مصراعيه ، لأن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، حتى تطلع الشمس من مغربها .
 أيها الأخوة ؛ قال بعض العلماء : لأهل الذنوب ثلاثة أنهار يتطهرون بها في الدنيا فإن لم تف بطهرهم طُهروا في نار جهنم .
 النهر الأول : نهر التوبة النصوح .
 والنهر الثاني : نهر الحسنات المستغرقة للأوزار المحيطة بها .
 والنهر الثالث : نهر المصائب العظيمة المكفرة للذنوب إما بتوبة نصوح ، أو بعمل صالح يمحو السيئات ، أو بمصيبة تكفر الخطايا .
 الإنسان له ثلاثة أنهار يتطهر بها في الدنيا ؛ نهر التوبة النصوح ، ونهر الحسنات المستغرقة للسيئات ، ونهر المصائب المكفرة للخطايا والآثام ، فإن لم يتطهر بأحد هذه الأنهار في الدنيا طهر بنهر الجحيم يوم القيامة .

حقيقة التوبة هي الرجوع إلى الله عز وجل :

 أيها الأخوة ؛ تصوروا لو لم تشرع التوبة لهلك الإنسان ، ولعمّ الفساد في الأرض ، لأن الإنسان لو طرد من رحمة الله لمجرد معصية واحدة فلن يرجع إلى منهج ربه ، انعدم أمله في القبول ، ولِمَ يرجع وقد طرد من رحمة الله ؟ عندئذٍ سيعربد في الأرض انحلالاً ، وانحرافاً ، وطغياناً .
 رأى بعض العارفين في بعض سكك المدينة باباً قد فتح ، وخرج منه صبي يستغيث ويبكي ، أمه خلفه تطرده حتى خرج ، وأغلقت الباب في وجهه ، ودخلت ، فذهب الصبي غير بعيد ثم وقف مفكراً ، فلم يجد له مأوى غير بيت أمه الذي أُخرج منه ، ولا من يؤويه غير أمه ، فرجع مكسور القلب حزيناً ، فوجد الباب مرتجاً ، أي ؛ مغلقاً ، فتوسده ، ووضع خده على عتبة الباب ، ونام ، فخرجت أمه فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه ، والتزمته مقبّلة له ، تبكي وتقول : يا ولدي ، أين تذهب عني ؟ ومن يؤويك سواي ؟ ألم أقل لك لا تخالفني ؟ لا تحملني بمعصيتك على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك والشفقة عليك وإرادة الخير لك ؟ ثم أخذته ودخلت .
 الآن أيها الأخوة الكرام ؛ تصوروا لو لم تُشرع التوبة لهلك الإنسان ، ولعمّ الفساد في الأرض ، حقيقة التوبة الرجوع إلى الله عز وجل ، ولا يصح هذا الرجوع ، ولا يتم إلا بمعرفة الله بأسمائه وصفاته ، وآثارها في نفسه ، وفي الآفاق ، ومعرفة أنه كان قادراً ، أنه كان فاراً من ربه، أسيراً في قبضة عدوه ، وأنه ما وقع في مخالب عدوه إلا بسبب جهله .

تعريف العاصي :

 من هو العاصي ؟ إنسان وقع في مخالب عدوه ، وما السبب ؟ هو الجهل ، والجهل أعدى أعداء الإنسان ، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به ، كيف وقع أسيراً ومتى وقع ؟ التوبة هي الخلاص من العدو ، والرجوع إلى رب رحيم ، والسير على صراطه المستقيم ، إنها خلع ثياب المعصية ، وارتداء ثياب الطاعة ، إنها ترك المحظورات ، وفعل المأمورات ، إنها التزام فعل ما يجب ، وما يحب الله عز وجل ، وترك ما يكره ، وقد علق الله سبحانه وتعالى الفلاح كله على فعل المأمور وترك المحظور ، قال تعالى :

﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

[ سورة النور : 31]

 أي افعلوا المأمور ودعوا المحظور :

﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

[ سورة النور : 31]

 سبب فلاحكم التوبة إلى ربكم ، كل تائب مفلح ، وتارك الأمر ظالم لنفسه أشد الظلم ، وفاعل المحظور ظالم لنفسه أشد الظلم ، قال تعالى :

﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾

[ سورة الحجرات : 11]

الناس رجلان ؛ تائب وظالم :

 الناس رجلان : تائب وظالم ، مفرح بتوبته ، وظالم بعدم توبته ، ولا ثالث لهما، الناس رجلان : تائب مفلح ، وغير تائب ظالم ، وهاتان الآيتان تؤكدان هذه الحقيقة :

﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

[ سورة النور : 31]

﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾

[ سورة الحجرات : 11]

المؤمن مذنب توّاب :

 أيها الأخوة الكرام ؛ بإمكان كل مؤمن آمن بالله ، وآمن برحمته ، وآمن بمغفرته ، وآمن بقبول توبته ، بإمكان كل مؤمن باللحظة الحالية أن يفتح مع الله صفحة جديدة ، النبي الكريم يقول :

(( والله إِني لأستغفرُ الله وأَتوبُ إليه في اليومِ سَبعينَ مَرة ))

[ البخاري والترمذي عن أبي هريرة ]

 المؤمن مذنب توّاب ، وكل مؤمن له ذنب في مستوى درجته ، فالغفلة أحياناً ذنب ، والنسيان ذنب ، وعدم ذكر الله ذنب ، فكل ذنب يتناسب مع صاحبه .
 أيها الأخوة الكرام ؛ ما مضى فات ، والمؤمل غيب ، ولك الساعة التي أنت فيها ، الماضي مضى ، والمستقبل لا تملكه ، أنت لا تملك إلا هذه اللحظة ، ولا تملك أن تعيش بعدها لحظة واحدة ، ومن عدّ غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور