- أحاديث رمضان
- /
- ٠01رمضان 1415 هـ - قراءات قرآنية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
التكذيب بالحق سببه عدم النظر في ملكوت السموات والأرض :
في سورة ق علاقة دقيقة جداً بين آيتين :
﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾
﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ ﴾
ربنا سبحانه وتعالى كيف ردّ عليهم تكذيبهم ؟ قال :
﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا﴾
التكذيب بالحق سببه عدم النظر في ملكوت السموات والأرض . في سورة :
﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ﴾
الحقيقة نفسها :
﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ * كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ﴾
معنى هذا أن الإنسان عندما يكذب بالحق فذلك بسبب ضعف تفكيره في خلق السموات والأرض ، إذاً ما هو الشيء الثابت لو أردت أن تناقش إنساناً ينكر هذا القرآن ؟ لأن الله قال :
﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ﴾
إذا كان النبي معه حجة ، المؤمن على شيء من هذه الحجة ، أي إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، كل صفة تخص النبي عليه الصلاة والسلام للمؤمن منها نصيب ، بقدر إيمانه وإخلاصه .
الكمال في الخلق من لوازمه الكمال في التصرف :
بالمناسبة مستحيل مؤمن عرف الحقيقة المطلقة ، لا يوجد معه حجة ، لو أردت أن تناقش إنساناً ينكر هذا القرآن بالأصل ، كيف تناقشه ؟ ما هو الشيء الثابت الذي لا يستطيع أحد أن ينكره ؟ الكون ، هذا الكون فيه إعجاز ، فيه عظمة ، فيه روعة ، يمكن أن تستنبط من هذا الكون أن له خالقاً عظيماً ، رباً حكيماً ، إلهاً مسيراً ، موجوداً ، واحداً ، كاملاً ، فبأي حوار، أو بأي مناقشة ، الضمانة الأولى ، الشيء الثابت الذي يقر به جميع الخلق هو الكون.
الكون فيه كمال بالخلق عجيب ، فيه كمال مطلق بالخلق :
﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾
هذا الكمال في الخلق من لوازمه الكمال في التصرف ، لأن الكمال لا يتجزأ ، الكمال في الخلق من لوازمه الكمال في التصرف .
حسناً ممكن إله عظيم يخلق مخلوقاً لا يوجهه و لا يبين له ؟
شركة تصنع جهازاً ، معه نشرة ، أنا حينما أقرأ نشرات الاستعمال لأي آلة ، ألاحظ دقة بالغة ، بقدر ما الآلة دقيقة ، متقنة ، بقدر ما التعليمات دقيقة وواضحة ، وكلما كانت دقيقة وواضحة أكثر تكون الشركة راقية أكثر ، معنى هذا أحياناً بلدية تشق طريقاً ، تضع إشارات؛ فمن لوازم كمال الخلق البيان ، إذاً : وجود خطاب من السماء إلى الأرض هذا من لوازم كمال الله عز وجل .
الآن : هذا الإله العظيم الذي خلق فأتقن ، من لوازم عظمته ، وكماله ، وإتقانه أن يبين لعباده لماذا خلقهم ؟ وماذا طلب منهم ؟ وما المنهج الذي ينبغي أن يسيروا عليه ؟ لذلك : الضمانة الثانية : أنه عقلاً لا يُقبل أن يدع الله عباده بلا بيان ، بلا توجيه ، بلا خطاب .
دور العقل و النقل في معرفة الله :
الآن : جاءنا خطاب ، جاءنا من يقول : هذا خطاب الله النذير ، نريد دليلاً عقلياً محضاً ، الدليل العقلي المحض إعجاز هذا الكلام دليل أنه من الله عز وجل ، إذا أيقنا أن هذا الكتاب يستحيل على إنسان أن يأتي بمثله ، هذا الإعجاز ، لكن يمكن أن تقرأ القرآن عشر سنوات ، تقف عند آياته ، عند نظمه ، عند تشريعه ، عند سبقه العلمي ، إعجازه العلمي ، التشريعي ، البياني ، البلاغي ، التاريخي ، حينما تقرأ القرآن وتقف ، أو تضع يدك على مواطن إعجازه المتنوعة ، كل خلية بجسمك ، وكل كرية بدمك تقول : هذا كلام الله عن طريق الإعجاز، فإذا أيقنت أنه كلام الله عز وجل عن طريق الإعجاز الذي جاء به ، إذاً : أنت مكلف بعقلك فقط عن طريق الدليل العقلي فقط وحده أن تؤمن بوجود الله ، وإنزال كتابه ، وإرسال رسوله ، هذا دور العقل ، بعد ذلك يقف دور العقل ، ليأتي دور النقل .
الآن : الله أخبرك أن هناك ملائكة ، هذا شيء العقل ليس في إمكانه أن يثبت ذلك، دليل الملائكة دليل نقلي فقط ، دليل سماعي ، قال لك : هناك جن ، و هناك يوم آخر ، و هناك حساب ، و أزل في خلق الذر قبل خلق الصور .
ضرورة التفريق بين حقيقتين ؛ الحقيقة الخاضعة للمناقشة والحقيقة الخاضعة للقبول :
دائماً وأبداً هناك فرق بين حقيقتين ؛ حقيقة خاضعة للمناقشة ، وأنت مأمور أن تناقشها ، وأن تتبناها ، وحقيقة خاضعة للقبول فقط ، لعلة أن الذي أنبأك بها ، أنت آمنت بوجوده ، وآمنت بكلامه ، ومصداقيته ، فالأمر يتضح ؛ لو حاورت إنساناً إياك أن تطرق موضوع الجن ، والملائكة ، والإنس ، واليوم الآخر ، هذه موضوعات كلها إخبارية ، تؤمن بها متى ؟ إذا آمنت بالخالق ، وأسمائه الحسنى ، وكمالاته ، وإرساله الأنبياء ، وإنزاله الكتب ، هذا الشيء المنطقي ، فلذلك : الآن الله أخبرنا عن الملائكة ، لكن هذا الشيء غير خاضع للمناقشة ، خاضع للتسليم ، وإذا الإنسان فكر أنه لا يوجد ملائكة ، معنى هذا أن إيمانه بمصداقية القائد ضعيفة ، ارجع جدد إيمانك بالله عز وجل ، لا يوجد إنسان مؤمن لا توجد معه حجة قوية ، وحجة بالغة ، وقطعية :
﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ﴾
إذاً :
﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ * أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا﴾
أنا أتمنى على أخواننا إذا قرؤوا القرآن أن يكشفوا هذه العلاقة ؛ كلما جاء تكذيب ، جاء تذكير بالكون ، معنى هذا أن علاج التكذيب الإيمان بالآيات . اسمعوا الآية :
﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ﴾
يكذبون ، إذا الإنسان لم يعرف الله من خلال خلقه ، سيكذب الوحي الذي جاء به الأنبياء :
﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ * أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا﴾
﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ * كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ﴾
هذين مثلين ، أنا أعتقد أن هناك مئات الأمثلة ، مئات في كتاب الله ، حيثما جاء التكذيب جاء التذكير للكون ، صار الطريق لله أوله أن تطلق عقلك في آيات الله التي بثها في السموات والأرض .
من عظمة الخالق ثبات نظام الكون :
طبعاً الآيات :
﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا﴾
التجاذب الحركي ، قوى التجاذب ، نظام الحركة :
﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾
هذه الكواكب المتفاوتة في حجومها ، وفي أبعادها ، وفي مساراتها من بناها ؟ من نظمها؟ :
﴿وَزَيَّنَّاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾
السماء في الليل جميلة جداً ، أحياناً هناك هدف موضوعي ، هدف تزييني ، الإنسان عندما يستطيع أن يجمع بين هدفين ، يكون ذكياً ، يقول لك : ضربنا عصفورين بحجر، أما ربنا عز وجل فعنده مليون هدف يتحققون بعمل واحد ؛ فهناك بناء عظيم ، وهناك بناء جميل :
﴿وَزَيَّنَّاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾
النقطة الدقيقة ثبات نظام الكون ، هل هناك مرة اشتكى الناس من عدم شروق الشمس ؟ موضوع مفروغ منه .
الآن ساعة لندن أدق ساعة في الأرض ، كيف تُضبط ؟ تضبط على مرور نجم ، ما الشيء الذي لا يخطئ ؟ مرور النجم .
الآن يقول لك : هناك قطار بين طوكيو وأوساكا ، يصل بفارق ثلاث دقائق ، بستمئة كيلو متر ، وإذا كان أكثر ، يدفع غرامة للركاب ، لأنه أخّر مواعيدهم ، هذا الكوكب الذي سار مليارات الكيلو مترات ، نضبط عليه ساعة بيك بين ، معنى هذا أن هناك نظاماً بالكون عجيباً ، دقة ما بعدها دقة .
يوجد شيء لست منتبهاً له ، خذ التقويم و قلبه ، 13حزيران تشرق الشمس الساعة الخامسة ودقيقة ، هذا منذ متى ؟ هذا التقويم من خمسين سنة ، ليس لمليون سنة قادمة ، بل ولمليار سنة قادمة ، ولمليار سنة سابقة ، تشرق الشمس في 12 حزيران الساعة الخامسة ودقيقة، معنى هذا أن هناك حركة منتظمة بالغة الدقة ، هذا الكون :
﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ﴾
الله عز وجل اختار للأرض شكلاً كروياً ، لو كانت مكعباً وتدور ، يأتي النور فجأة، وتغيب الشمس فجأة ، لا يوجد عندنا ساعة تداخل . انظر : الله قال :
﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾
تداخل الليل مع النهار لا يكون إلا بالكرة ، تجد أن الشمس غابت ، بعد ذلك عند العشاء يغيب الشفق الأحمر ، صار هناك ظلام ، جاء وقت الفجر ظهر خط أبيض بالأفق ، هذا الخط يتعاظم ، يتعاظم ، تشرق الشمس ، تداخل الليل مع النهار ، هذا بفضل أن الله جعل الأرض كرة ، ومن لوازم الكرة أن الخط عليها لا يقف :
﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ﴾
مثلاً : ذهبت إلى حلب ، ثم إلى أنقرة ، إلى موسكو ، إلى القطب فرضاً ، ثم اتجهت إلى المحيط الهادي ، ثم إلى القطب الجنوبي ، فإفريقيا ، ثم وصلت لعمان ، تبوك ، دمشق ، بالعكس : امش باتجاه الغرب ، وصلت لغرب أوروبا ، إلى أمريكا ، إلى غرب أمريكا ، إلى طوكيو ، إلى آسيا ، رجعت :
﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ﴾
الخطوط كلها متصلة :
﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾
التفكر بآيات الله المبذولة بين يدي كل إنسان :
ثم يقول تعالى :
﴿تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾
لو أن أخاً من أخواننا يناقش إنساناً ، وقال له آيات كونية ، يقول له : أنت مختص بالجغرافيا ؟ لا والله ، مختص بالتشريع ؟ لا والله ، لأن هناك وهماً عند الناس أن هذه الموضوعات فقط خاصة بالمختصين ، هذه موضوعات خاصة بالمؤمنين ، آيات مبذولة بين أيدينا جميعاً ، يجب على كل مؤمن أن يكون له جولة بفكره بهذه الآيات . هو يقول لك :
﴿تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾
أنت انظر لبستان في الشتاء ، حطب ، أرض بنية اللون ، وشجر كالحطب اليابس تماماً ، انظر لهذا البستان في الربيع من أين جاءته هذه الأوراق الخضراء ، والأزهار ، والحشيش الأخضر ، والورود ؟ صار جنة ، كان في موت أصبح في حياة . قال :
﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾
امش بسهل من سهول حوران بالربيع ، عد أنواع الأزهار ، لا تحصى معك أنواع الأزهار ، ولا سيما على الطرقات ، هذا سؤال يلفت النظر ، الإنبات طبيعي ، لم يزرعها أحد ، لماذا الأزهار على الطرقات ؟ ادخل للحقول ، يوجد فقط شقائق النعمان ، أما على الطرقات فتجد ألف نوع ، ألفي نوع ، كل وردة لها تصميم ، ولها ألوان ، وتناسق : يا رب ، هذه الوردة تصميم من ؟ هذه الزهرة الصغيرة . قال :
﴿جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ ﴾
هذه التمرة فيها صيدلية ، ست و أربعون مادة غذائية معقمة في أصلها ، لو وقف عليها جرثوم ، تركيز السكر في التمر يمتص ماء الجرثوم فيموت فوراً ، لا يتلوث ، بالمناسبة أسرع مادة سكرية من الفم للدم هو التمر ، مهدئ ، إذا الإنسان عنده عصبية فالتمر مهدئ ، والتمر ملين ، والتمر قابض للأوعية ، لذلك :
﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ﴾
لأن المرأة حينما تلد ينفتح حوالي مئة ألف شريان صغير برحمها ، ما الذي يجعل هذه الشرايين تنقبض وتلتئم ؟ التمر ، فالتمر هو الغذاء الأمثل للتي على وشك الولادة :
﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ﴾
وهذا النخل يعمر آلاف السنين ، وأقرب نبات للإنسان هو التمر ، إذا قُطع رأسها تموت ، النخيل وحده إذا قطع رأسه النامي يموت فوراً :
﴿وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ﴾
إلى آخره .
الله عز وجل أقرب للإنسان من كل خواطره و مشاعره الداخلية :
ثم يقول الله عز وجل :
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾
إذا مسك الإنسان جهاز تسجيل ، وضمه له ، ولامسه ، وضمه ضماً شديداً ، يا ترى هو أقرب إليه أم الكهرباء التي تشغله ؟ الكهرباء .
إذاً الله عز وجل أقرب إلينا من روحنا ؛ أي كل خواطرك ، كل مشاعرك الداخلية ، كل تطلعاتك ، كل صراعاتك النفسية ، خطر ببالك خاطر :
﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾
إذا الإنسان آمن بهذه الآية يستقيم ، جاء خاطر ؛ فلان أريد الآن أن أعمل معه عقداً فقط لسنتين حتى أقوى ، وأريد أن أوهمه أنه يجب أن يكون العقد باسمي ، من أجل هكذا قضية ، الخاطر عند الله مكشوف ، كل خواطرك التي لا ترضي الله واضحة عند الله كالشمس :
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾
الموت حقيقة واقعية صارخة :
ومع ذلك يوجد ملكان ، أحياناً إنسان يقول لك : آمنت بالملائكة ، الحقيقة المعني بالملائكة هذين الملكين اللذين على كتفيك ، تقول : السلام عليكم ورحمة الله بالصلاة ، أحياناً الشيء إذا كرر يفقد معناه الداخلي .
اسأل إنساناً مصلياً : على من تسلم ؟ يقول لك : السلام عليكم ، السلام عليكم ، هو عنده السلام أن انتهت بالصلاة ، أما السلام فتسلم على كائن وكله الله بكتابة الأعمال :
﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ* مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾
أبداً :
﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾
تجد الإنسان في الدنيا كل شيء محبب له إلا الموت . لفت نظري البارحة كنت في بيروت ألقي محاضرة ، وأنا قادم في الطريق ، مكتوب : مركز بيع لوازم الموتى ، لوازم دفن الموتى ، هذا عمل جديد ، محل تجاري فيه لوازم للموتى ، قلت : لو عملوا صالة ، لا أحد يدخل إليها أبداً ، أما مفروشات فيدخل الناس ، صاغات يدخلون ، أي بضاعة ، إلا موضوع دفن الموتى ، لا أحد يدخل ، لأن هذه القضية ليس له علاقة فيها أبداً :
﴿ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾
الإنسان يحب أن يعيش ، لا يحب أن يموت ، أما الموت فحقيقة ، حقيقة صارخة ، ولا توجد حقيقة أشدّ واقعية من الموت :
﴿ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾
طبعاً عندما يكون الإنسان غير متوازن ، أموره غير واضحة ، عقيدته غير سليمة ، يتبع شهوته ، هذا الموت عنده مصيبة ، الموت ينهي كل شيء ، وإلى عذاب شديد ، أما إذا الإنسان صحت عقيدته ، واستقام عمله ، وكان عمله طيباً ، صار الموت لا أقول لك : إنه محبب ، لكن لأن الموت متوقع ، ومهيئ نفسه له ، حتى المؤمن يتمنى أن يعيش أطول فترة ممكنة ، حتى تزداد أعماله الصالحة ، لقول النبي :
((خيركم من طال عمره وحسن عمله))
إلا أن المؤمن يستعد للموت ، أدخله بحساباته اليومية ، قبل أن يقول كلمة ، قبل أن يأخذ . أسمع قصصاً أحياناً والله أعجب ؛ أن شخصاً استغل مبلغاً ، هكذا ظلماً ، لم يدخل الموت بحساباته إطلاقاً ، لأنه رأى نفسه بأعلى درجة من الذكاء ، لما اغتصب خمسة ملايين قال : المبلغ صار لي ، حسناً : بأي حق ؟ مثقف يحمل شهادة عليا ، قبض خمسة ملايين ، لما عرف أن صاحب المبلغ مات ، قال لي : المبلغ صار لي ، بأي مبدأ ؟ لأنه الآن سيتمتع بهذا المبلغ ، والموت ؟ لا يوجد عنده موت .
تشعر أن الإنسان عندما يغتصب مالاً ، يغتصب أشياء ، يأكل ما ليس له ، موضوع الموت لم يدخله بحساباته إطلاقاً ، موضوع لقاء الله ، موضوع السؤال ، والحساب ، والعذاب ، أبداً ، كأنه سيعيش إلى أبد الآبدين :
﴿ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴾
ملك يسوقها ، وشهيد يشهد عليها . أحياناً الإنسان يقول لك : هات ، لا يوجد شهود، سائقٌ يقودها قصراً ، وشاهدٌ يشهد عليها كل أعمالها :
﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾
الغفلة أخطر مرض يصيب الناس :
الحقيقة أخطر مرض يصيب الناس الغفلة ؛ غافل عن هذه الساعة ، وأعظم شيء يرفع الإنسان عند الله عز وجل هذه الصحوة ، الغفلة يقابلها صحوة ، الصحوة أن تنظر إلى المستقبل البعيد :
﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾
هذا تأكيد لدرس من يومين أو ثلاثة : أنه لا أحد يضل أحداً :
﴿مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾
هو مهيئ نفسه للضلال ، رغب بالضلال ، اختار الضلال ، اختار الشهوة :
﴿قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ* مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ * وَأُزْلِفَتِ ﴾
العاقل من خشي الرحمن بالغيب و جاء بقلب منيب :
من حكمة ربنا عز وجل كلما جاء وصف للنار وعذاب النار جاء المقابل الجنة :
﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾
إذا الإنسان رأى الخطر ، لم يعد له فضل ، إذا الإنسان رأى الخطر رأي العين ، صار حيواناً ، لأن الحيوان يتعظ إن رأى الخطر ، أما الإنسان ففضله على الحيوان أنه بعقله يدرك الخطر البعيد .
الآن : كل إنسان عندما تأتي مشكلة ، تقربه من الموت ، تجده صار ملكاً ، لكن هذه الملائكية ليس لها قيمة عند الله عز وجل ، ملائكية قهر ، لأن الخطر صار قاب قوسين ، أما وأنت في شبابك ، في أول حياتك ، بالخامسة والثلاثين ، موضوع الموت بعيد عنك الآن ، تخاف من الموت ، تخاف من لقاء الله عز وجل ، لذلك :
﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ ﴾
أي بعقله :
﴿ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾
﴿ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ* لَهُمْ مَا يَشَاؤونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾
بعضهم قال : المزيد رؤية وجه الله عز وجل . المؤمن يرى وجه الله يوم القيامة ، كما ترى البدر في تمامه ، يغيب من نشوة النظرة خمسين ألف عام :
﴿ لَهُمْ مَا يَشَاؤونَ فِيهَا ﴾
من طعام ، وشراب ، وحور عين ، وجنات ، وأنهار من عسل ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه :
﴿ وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ * وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾
القلب هنا العقل ، أي أنه :
﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا﴾
إما أن تتأمل بالحقيقة ، وتكشفها بصدقك الشديد ، أو تسمعها جاهزة ، وإما أن تطبخ ، أو تأكل أكلاً مطبوخاً خالصاً :
﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ﴾
إذا ألقيت السمع ، تأخذ شيئاً جاهزاً ، إذا عندك رغبة جامحة ، وكنت في حيرة ، لو أنك فكرت تفكيراً مخلصاً ، هادفاً ، لوصلت إلى الحقيقة :
﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾