وضع داكن
22-02-2025
Logo
ندوات تلفزيونية - قناة الأنيس الفضائية - الجزائر : وقفات تدبريّة
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

المقدمة:


مقدمة قد تكون غير متوقعة: كنت مرة في بلد بعيد، بلد أول في العالم دُعيت أن أزور معمل سيارات من الطراز الأول، قال لي المرافق والمترجم: هذه السيارة فيها 300 ألف قطعة بالتمام والكمال، أنا لفت نظري كراكب أنّ لها أصلاً معدنياً، وسقفاً، ومقاعد، وعجلات، ومحركاً، وبنزيناً، ومكبحاً، نزلوا من 300 ألف إلى سبعة.
هذا الدين كم عالم فيه بالأرض؟ من النبي الكريم حتى الآن، كم مؤسسة؟ كم جامعة؟ كم كتاب مؤلَّف؟ بالمليارات، ممكن أن نضع لهذا الكمّ غير المعقول -عدداً، ونوعاً، وتسلسلاً، إلى آخره- كليات؟ نعم.

كليات الدين:


الكلية الأولى: العقيدة:

الدين فيه أربع كليات؛ أول كلية: العقيدة، إن صحّت صحّ العمل، أو المنطلق النظري، أو الإيديولوجيا، كلمات متعددة لمُسمّى واحد، الجانب العَقَدي، تصوّرك للدين، تصوّرك للجنة، النار، وحي السماء، وحي الأرض، التصوّر، الفهم، المنطلق النظري، الإيديولوجيا، كلها كلمات لمسمى واحد، هذه تُطلب طلباً، كيف؟ 

الإنسان عقلٌ يدرك، وقلبٌ يحب، وجسمٌ يتحرك:


أمامي طاولة؛ طول، عرض، ارتفاع، وزن، حجم، هذا الجماد، أما النبات؛ يزيد عليه بالنمو، أما الكائنات المتحركة تزيد عليهما بالحركة، الهرة تمشي، والإنسان؛ له من الجماد: وزن، حجم، طول، عرض، ارتفاع، وله من النبات النمو، ومن بقية المخلوقات المتحركة الحركة، بماذا فُضِّل؟ فُضِّل هذا الإنسان بقوة إدراكية هي العقل، هذه القوة الإدراكية مُعقَّدة جداً، ومُيسَّرة جداً، فالإنسان عقلٌ يدرك، وقلبٌ يحب، وجسمٌ يتحرك، العقل غذاؤه العلم، والقلب غذاؤه الحب الذي يسمو به، والجسم غذاؤه الطعام والشراب، فإذا لبّى الإنسان حاجة عقله إلى العلم الصحيح المؤصَّل، وإلى الشعور بالحب الذي يسمو بك، ثم إلى الحاجة الأساسية الثالثة، تفوّق فإذا اكتفى بواحدة تطرَّف.
إذاً الكليات: أول كلية العقيدة، فحتى يقدر الإنسان أن يضع قبل اسمه "د." يعني دكتور يحتاج كم سنة دراسة؟ 23 سنة حتى يضع "د." قبل اسمه، وحتى يستحق جنة الله إلى أبد الآبدين:

(( فِيهَا ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ ))

[ صحيح مسلم ]

أَيُعقل أن ينسى آخرته!

الإنسان المخلوق المكرَّم:


إخواننا الكرام الأحباب ذكوراً وإناثاً، أكثر ما ورد في القرآن الإيمان واليوم الآخر، تؤمن بالله كي تطيعه، وتؤمن باليوم الآخر كي لا تؤذي مخلوقاً، يوجد جانب إيجابي الإيمان بالله واليوم الآخر، فإخواننا الكرام الإنسان المخلوق الأول بالكون، الدليل- لا تقبل شيئاً بالإيمان دون دليل:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

لأنه في عالم الأزل، نحن الآن في عالم الصور، أما النفوس كلها دُعيت إلى الله، 

﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) ﴾

[ سورة الإسراء ]

الإنسان في عالم الأزل حينما عُرضت عليه الأمانة ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ﴾ الآن هناك كلمتان يُقرآن بطريقتين: ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ ؟ استفهام إنكاري، يعني إذا أب ميسور وعنده عشرة أولاد، وأعطى كل ولد بيتاً، وسيارة، ودخلاً جيداً جداً، ولكنه قال لهم: إذا أتاني أحدٌ منكم بدكتوراه من بلد بعيد في إدارة الأعمال أعطيه نصف المعمل، واضحة؟ وإذا لم يحصل على الدكتوراه سأجعله يتسول، لم يعد هناك حلاً وسطاً.
رُكّب الملك من عقل بلا شهوة، ورُكّب الحيوان من شهوة بلا عقل، ورُكّب الإنسان من كليهما فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان.
لم يعد هناك حلاً وسطاً، إما أنك فوق الملائكة، أو أقل من أحقر حيوان، رُكّب الملك من عقل بلا شهوة، ورُكّب الحيوان من شهوة بلا عقل، ورُكّب الإنسان من كليهما، فلما قبل هذا الإنسان في عالم الأزل -ونحن في عالم الصور- قبل حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول والمُفضَّل والمُكرَّم والمُكلَّف، مُكلَّف بالعبادة.

تعريف العبادة:


والعبادة من أدق تعاريفها: طاعة طوعية: ليست قسرية، الذي خلقنا حياتنا بيده، الموت بيده، الصحة بيده، المرض بيده، الغنى بيده، الفقر بيده، الوسامة بيده، الدمامة بيده، كل شيء بيده ومع كل كل كل ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً فقال:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) ﴾

[ سورة البقرة  ]

أراد أن تكون علاقة الحب أصلاً في التعامل مع الله، قال تعالى: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾

[ سورة المائدة ]


الفرق بين الحب في الله والحب مع الله:


صار عندنا حب في الله، وحب مع الله، الحب في الله عين التوحيد، والحب مع الله عين الانحراف، عين الشرك. 
الحب في الله: أن تحب الله، أن تحب الأنبياء جميعاً، العلماء الربانيين، أن تحب الطاعة، أن تحب المساجد، أن تحب بيوت الله، أن تحب بر الوالدين، ممكن أن أتكلم لساعة عن الموضوع، الحب في الله عين التوحيد. 
والحب مع الله عين الشرك؛ أن تحب جهة قوية منعتك أن تصلي فاستجبت لها طمعاً فيما عندها، الحب في الله عين التوحيد، والحب مع الله عين الشرك، فأنت يجب أن تعلم من أنت، أنت الإنسان الأول، والمُكلَّف، والمُفضَّل، والمُكرَّم، والمُكلَّف بعبادة الله، والعبادة مرة ثانية: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
هذه الكلية الأولى العقيدة، الفكر، إيديولوجيا، منطلق نظري.

الكلية الثانية: الحركة:

الحركة الثانية: الشهوة؛ أودع الله فينا الشهوات، وما أودع فينا الشهوات إلا لنرقى إلى رب الأرض والسماوات، كيف يعني صفيحة بنزين الآن سائل متفجر وغالٍ جداً، إذا وُضع في المستودع المُحكَم، وسال في الأنابيب المُحكَمة، وانفجر في البستونات في الوقت المناسب، والمكان المناسب ولّد لك حركة رائعة أخذتك في العيد إلى مكان جميل، بنزين، الصفيحة نفسها صبها على السيارة وأعطها شرارة أحرقت المركبة ومن فيها.
إذاً: ما أودع الله فينا الشهوات إلا لنرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، يعني للتقريب:

فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي     رأوه لما وليت عنا بغيرنا

ولو سمعت أذناك حسن خطابنا  خلعت ثياب العجب عنك وجئتنا

ولو ذقت من طعم المحبة ذرة    عذرت الذي أضحى قتيلا بحبنا

ولو نسمت من قربنا لك نسمة        لمت غراما واشتياقا لقربنا

ولو لاح من أنوارنا لك لائح        تركت جميع الكائنات وجئتنا

فما حبنا سهل وكل من ادعى         سهولته قلنا له قد جهلتنا

فأيسر ما في الحب للصب قتله   وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا

[ علي بن محمد بن وفا ]

والله العبد الفقير درّست الصحابة الكرام في بلدي في الشام عدة مرات، لفت نظري شيء لا يُصدَّق؛ أنهم جميعاً من دون استثناء كانوا في أسعد لحظات حياتهم عند الموت، "واكربتاه يا أبتاه، قال لها: "لا كرب على أبيك بعد اليوم، غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه" .
يعني للتفصيل المزعج: تسكن ببيت وتحب زوجتك، أولادك، بناتك، أصهارك، كنائنك، سهرات، ولائم، نزهات، سيارات، بعدها يوجد قبر، يعني القصة لها أحياناً تأثير استثنائي، كان عندي مدير لثانوية أحبه كثيراً والله، جلست عنده ذات مرة لمدة ساعة، فقال لي: أحببت أن أبشرك ببشارة، فقلت له: بشّرني، قال: سمحوا لي أن آتي إلى هذا البلد-هذه اسمها في الشام إعارة، إعارة يعني يعطونه خمسة أمثال الراتب، قال لي أقضي خمس سنوات، تكلم عن تفاصيل سأقولها لكم، قال: أنا معي أربع إجازات صيفية لخمس سنوات، ولن أنزل إلى الشام، سأقضي إجازة صيفية في فرنسا، والثانية في إيطاليا، والثالثة في بريطانيا، والأخيرة في ألمانيا، أعود إلى الشام أغير بيتي أبيعه وأشتري بيتاً أكبر، لأن بيتي صار صغيراً بالنسبة لي، وسأؤسس محلاً تجارياً لأولادي لا علاقة له بالتموين "محل تحف" وأنا أداوم قبل الظهر، وهم بعد الظهر، والله خمسين دقيقة بالتمام والكمال يحدثني عن مشاريعه كلها، وهي كلها مشروعة، ولا غلط فيها إطلاقاً، انتهت الساعة، وأنا ذهبت لأتابع تدريسي، وبعد أن انتهيت ذهبت إلى البيت وتناولت طعام الغداء، وعدت إلى مدرسة ثانية، وبعد أن أنهيت دوامي ليلاً، عدت إلى بيتي مشياً كي أمارس الرياضة، فقرأت نعوته على الجدار باليوم نفسه.

كل مخلوق يموت   ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت

****

والليل مهما طال    فلا بد من طلوع الفجر

والعمر مهما طال   فلا بد من نزول القبر

****

علة وجودنا العمل الصالح:


إخواننا الكرام، أخطر حدث بحياتنا؛ أن ننتقل من المثوى المؤقت إلى المثوى الأخير، كل ذكائك، وكل عبقريتك، وكل نجاحك، وكل توفيقك أن تُعدّ لهذا اليوم عدته، دقق الآن:

﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾

[ سورة المؤمنون ]

قرآن، يعني العمل الصالح علة وجودك في الدنيا بعد الإيمان بالله واليوم الآخر، سبب وجودك ﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا﴾ الآن:

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) ﴾

[ سورة الأنعام ]

الثالثة:

﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) ﴾

[ سورة فاطر ]

يعني كلنا إن شاء الله أهل إيمان بإذن الله، علة وجودنا في الدنيا العمل الصالح، الأدلة الثلاثة: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي * أَعْمَلُ صَالِحًا﴾ ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا﴾ والغنى والفقر بعد العرض على الله.

أنواع الحركة:


الحركة السلبية "الاستقامة"
أيها الإخوة، الكليات إذاً: العقيدة، الحركة؛ نصفها سلبي: أنا ما أكلت مالاً حراماً "ما" أنا ما كذبت، ما غششت، ما أذيت مخلوقاً، أنا ما دست نملة، هذه الاستقامة.
الحركة الإيحابية "العمل الصالح"
العمل الصالح: أنفقت من وقتي، من جهدي، من خبراتي للآخرين، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، وسُمّي العمل صالحاً؛ لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً وصواباً؛ خالصاً ما ابتفي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة.
صار لدينا العقيدة والحركة؛ السلبية استقامة، والإيجابية العمل الصالح.

ثالثاً: الثمرة: 

الثمرة: 

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) ﴾

[ سورة طه ]

إنك إن صليت ذكرت الله، قرأت الفاتحة:

﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(6 (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) ﴾

[ سورة الفاتحة ]

بعدها يوجد آية:

﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) ﴾

[ سورة النور ]

أنت حينما قلت:

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) ﴾

[ سورة الفاتحة ]

جاء الجواب الإلهي بآيات بما بعد الفاتحة، حتى في الأثر النبوي:

(( لِكُلِّ سورةٌ حظُّها منَ الركوعِ والسجودِ ))

[ صحيح الجامع ]

ما هو الركوع؟ أنا يارب خاضعٌ لمشيئتك "الخضوع" ما هو السجود؟ "الاستعانة"، بالركوع الخضوع، بالسجود الاستعانة، هذه الصلاة؛ عماد الدين، وعصام اليقين، وسيدة القربات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات، هذه الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين.
يعني أنت كائن حادث، خائف، طماع، سُمح لك أن تتصل بالذات الإلهية، أصل الجمال والنوال والكمال، صاحب الأسماء الحسنى، والصفات العُلا، الذات الإلهية معقول أن تخاطبه! إنك إن أردت أن تخاطبه فادعُه، وإن أردت أن يخاطبك فاقرأ القرآن.

نتائج العبادة:


هذه الكليات العقيدة والصلاة، الآن النتائج، قلت قبل قليل: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ فتأتي آية تحيرك:

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) ﴾

[ سورة البقرة ]

إنكم إن صليتم ذكرتموني، والإله العظيم صاحب الأسماء الحسنى، والصفات العلا قال: ﴿أَذْكُرْكُمْ﴾ إذا ذكرك منحك السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، السكينة ذاقها النبي في الغار، مكان خطِرٌ على حياته، ذاقها إبراهيم في النار، ذاقها يونس في بطن الحوت، الحوت 150 طناً، وجبته العادية 300 كيلو، يوجد بحث طويل عنه.
إخواننا الكرام، هذا الدين حياتنا، مصيرنا، آخرتنا، سعادتنا، توفيقنا، إن لم يقل المسلم بأي وضع مكاني، وزماني، واقتصادي: ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون هو أتقى مني هناك مشكلة.
إذاً: الكليات: الأولى الإيديويوجيا والثانية الحركية، والثمرة: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ فإذا ذكرتكم منحتكم السكينة تسعدون بها ولو فقدتم كل شيء، ويشقى الإنسان بفقدها ولو ملك كل شيء، هذه كليات الدين، مليون كتاب، مليون جامعة، مليون داعية، هذه الكليات: فكر، حركة؛ سلبية "استقامة"، إيجابية "عمل صالح" ، ثمرة: ذكر الله -عز وجل- ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ 

الدين قضية أساسية:


لذلك إخواننا الكرام، الدين ليس قضية ثانوية، أنت أحياناً المركبة لها أشياء تحسينية ما اشتريتها لا مشكلة، أما أن تلغي المحرك ما عادت مركبة، وقّافة صارت، هناك اساسيات في الدين، فهذا الدين لكل إنسان؛ للتاجر، للمعلم، لللغني، للفقير، سبحان الله: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ .

تعريف القانون: 


إذاً: نحن الآن أمام الكليات: كلية عقدية، حركية، ثمار، الآن ما هو القانون؟ نهاية العلم القانون، ما هو القانون؟ علاقة مقطوع بها بين متغيرين، تطابق الواقع، عليها دليل ، هذا القانون، التمدد والانصهار وكل شيء، دقيقة الفكرة، علاقة بين متغيرين، تطابق الواقع، عليها دليل، إن ألغيت الدليل صار تقليداً، الله ما قبل التقليد منك، قال:

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ(19) ﴾

[ سورة محمد  ]

ما قبل التقليد، علاقة مقطوع بها: إذا لم يكن مقطوع بها؛ وهم 30%، شك 50%، ظن 70%، غلبة ظن 90%، القطع 100%.
علاقة مقطوع بها، تطابق الواقع: إن لم تطابق الواقع صار جهلاً
عليها دليل: بلا دليل تقليد، هذا قانون. 

السنن في الإسلام تقابل القانون:


دققوا الآن، ماذا يقابل القانون في الإسلام؟ السنن:

﴿ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) ﴾

[ سورة فاطر ]

لذلك السنة مثل القانون تماماً، سنأخذ السنن بكتلتين كبيرتين:

أولاً سنن الدعوة إلى الله "الدفع":

سنن الدعوة إلى الله، الدفع إلى الله: أولاً هذه السنة العطاء؛ أي العمل الصالح أنت أعطيت من وقتك، من علمك، سنن الدفع إلى الله: 
الهدى البياني: هذه المحاضرة، بياني سمعت درساً، سمعت خطبة من عالم رباني، سمعت حواراً على الشاشة بين عالمين ربانيين، الهدى البياني هذا أول سنة؛ حكي، محاضرة، كتاب قرأته، مناظرة حضرتها، الهدى البياني الموقف الكامل منه: الاستجابة

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) ﴾

[  سورة الأنفال  ]

الهدى البياني: محاضرة، خطاب بالجامع، كتاب قرأته، يعني تلقيت شيئاً عن الله، الموقف الكامل الاستجابة، والآية واضحة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ .
التأديب التربوي: إذا لم يستجب يأتي التأديب التربوي:

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) ﴾

[ سورة السجدة ]

أخ بالشام عليه زكاة عشرة آلاف ليرة، يبدو أن زوجته ضغطت عليه ضغطاً شديداً أن يطلي البناء بدل الزكاة، ويبدو أن الزوجة قوية أقوى منه، فاستجاب لها وطلى البناء، فتعرض لحادث سير، فقال لي: -من فمه لأذني- الفاتورة الرقم نفسه، رسالة من الله، تأديب من الله.
إكرام، استجابة، الآن تأديب تربوي، الهدى البياني أنت استجبت، أكمل موقف الاستجابة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾.
ما استجاب، أرسل الله له مشكلة من أجل أن يتوب، ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ لا هذه ولا تلك، الآن هذه دقيقة:
إكرام استدراجي: إكرام استدراجي، تأتيه الدنيا فجأة، دخل كبير فينسى دينه، وينسى الصلاة، أعرف شخصاً بمكان معين أرسل لزوجته رسالة أن تأتي إليه بالبنطال بلا حجاب.
القصم: هدى بياني، تأديب تربوي، إكرام استدراجي، بالأولى: استجابة، بالثانية: توبة، بالثالثة: شكر، لا استجاب لهذهن ولا لهذه ولا لتلك يأتي القصم.

ثانياً: سنن الردع:

المصائب: هذه سنن الدفع، أما سنن الردع عكسها: المصائب؛ المصيبة للأنبياء كشف، بنفسه من الكمالات لا تبدو إلا بحالة استثنائية، يعني سراقة تبعه ليقتله؛ لأن هناك مئتي ناقة لمن يأتي به، ما معنى ناقة؟ يعني مرسيدس 600 كي تفهموا علي، يعني أغلى نوع، قال له: "يا سراقة كيف بك إذا لبست سوار كسرى؟" إنسان مهدور دمه، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، يعني أنا سأصل إلى المدينة، وسأنشئ دولة، وسأحارب أكبر دولة في الأرض، وتأتيني الغنائم إلى هنا، ولك منها سوار كسرى، سيدنا عمر طلب هذا الصحابي الجليل، وألبسه سوار كسرى، قال: "بخٍ بخٍ أعيرابي من بني مُدلِج يلبس سوار كسرى"
وعود الله ثابتة يا إخوان، لا تتغير لأي لحظة، لذلك موضوع الاستقامة بهذا الزمان صعب، كل شيء فيه معاصٍ، سأقول كلمة في حياتنا ثلاث شاشات؛ شاشة الحائط، والآيباد، والهاتف إن لم تُضبَط لا يوجد توبة في البيت أبداً، من الرأس إلى الأسفل، أو من الأسفل إلى الرأس، ضبط الشاشة شيء مهم جداً، الغرب ما نجح معنا بالكلمة غلبناه، نجح معنا بالصورة.
كنت مرة ببلدة بسوريا، بيت يفوق حد الخيال، 450 متراً، ثريات، سجاد، بزخ مخيف، وفيه خمر، ويجلس مع صديقات زوجته بثياب فاضحة جداً، هذا ما صوره الفيلم؛ أحلى بيت، وأجمل فرش، وأحلى مكانة، رشاقة، مع المعاصي والآثام، ويصورون شيخاً أفُقه ضيق جداً، معه انفصام شخصية، زوجته وزنها 150 كيلو، أولاده عند الجيران، هم لم يفعلوا شيئاً ولم يتكلموا بالدين ولا كلمة، ولكن أعطوك أبشع صورة للرجل المسلم، وأحلى صورة للثاني، الحرب الآن حرب إعلامية.
إخواننا الكرام، حقيقة مرة؛ شاشة الحائط والآيباد والهاتف إذا لم تُضبَط لا يوجد توبة.
هذه سنن الردع المصائب، 
والمصائب ثلاث مستويات: للأنبياء كشف، للمؤمنين: دفع ورفع، لغيرهم: ردع وقصم. 

ملخص دعوة الأنبياء جميعاً:


لذلك ممكن أن نلخص دعوة الأنبياء جميعاً بجملة واحدة؟

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)﴾

[ سورة الأنبياء ]

ما إعراب "من"؟ أقول لطلابي مثلاً 50 طالباً لكل واحد منكم جائزة غداً، لكن هناك اثنان غائبان ليس لهما جائزة، لو قلت: ما من طالبٍ في هذا الصف إلا وله جائزة، تشمل الغائبين، إذاً "من" إعرابها لتغليب أنواع الجنس كلها ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ الآن ضُغطت الشرائع كلها، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ يعني العبادة: طاعة طوعية،ـ ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.

دعاء:


أرجو الله عز وجل أن يحفظ لكم إيمانكم، وأهلكم، وأولادكم، وصحتكم، ومالكم، أما آخر دعوة أخطر دعوة واستقرار بلادكم، هذه نعمة لا تُعرَف إلا إذا فُقِدت.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور