وضع داكن
28-03-2024
Logo
موضوعات لغير الدكتور - محاضرة للشيخ يوسف القرضاوي في مكناس - المغرب : 14 - واجبات الشباب المسلم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
تاريخ  المحاضرة 18-03-2013
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وبفضله تتحقق المقاصد والغايات ، الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .
وأزكى صلوات الله وتسليماته على الرحمة المهداة ، والنعمة المجزاة ، البشير النذير ، والسراج المنير ، سيدنا ، وإمامنا ، وأسوتنا ، وحبيبنا ، ومعلمنا ، وقائد رَكبنا محمد بن عبد الله ، وعلى آله وصحبه الذين آمنوا به ، وعزروه ، ونصروه ، واتبعوا النور الذي أُنزل معه .

﴿  أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)  ﴾

[   سورة البقرة  ]

ورضي الله عمن دعا لدعوته ، واهتدى بسنته ، وجاهد جهاده إلى يوم الدين .
 

دلالات اجتماع الناس لحضور مجالس العلم :

 

1 ـ  الأمة الإسلامية لن تموت ما دام الإسلام أساسها ومحمد حياً في ضمائرها :

خير ما أحييكم به أيها الأخوة والأخوات ؛ بالأصالة عن نفسي ، وبالنيابة عن إخوانكم في المشرق تحية الإسلام ، وتحية الإسلام السلام ، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وإنها لفرصة طيبة مباركة أن ألتقي بهذه الوجوه التي أضاءت بنور الإيمان ، وأشرقت بشمس الإسلام ، التي صممت على أن تعيش لهذا الدين ، وتموت على هذا الدين ،  وتموت على هذا الدين .
إنني سعيد أن ألتقي بهذه الوجوه التي تجمعت من كل حَدب وصوب ، لا لعرض من أعراض الدنيا ، ولا لغرض من أغراضها ، فلا خيل عندي أهديها ولا مال ، ولكنهم اجتمعوا ليسمعوا كلمة الله ، ومعنى كلمة الله ؛ أي الكلمة المستمدة من كتاب الله ، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وإني لمسرور كل السرور ، ومزهو كل الزهو بهذه الجموع الحاشدة ، التي أراها في كل مكان أصل إليه في أرض المغرب الحبيب ، في الدار البيضاء ، في طنجة ، حتى في مفاز ، حيث مررت مروراً عابراً ، وفي هذا البلد الكريم مكناس ، هذه الجموع كلها تدلني على أمور في غاية الأهمية ، أول هذه الأمور أن هذه الأمة بخير ، أن هذه الأمة حية ولن تموت ، أن هذه الأمة مؤمنة بربها ، وبقرآنها ، ومحمدها ، إن الذين يزعمون أن هذه المجتمعات كافرة ، وأنهم يريدون أن يعلموها الإسلام من جديد ، هؤلاء واهمون ، هذه الأمة حياتها بالإسلام ، وحياتها للإسلام ، ولا يقودها شيء كما تقودها كلمة الإيمان ، ولا يحركها شيء كما تحركها كلمة الإسلام ، هذه طمأنتني بحمد الله ، المغرب بخير ، المغرب مسلم ، كله مسلم ، وليس المغرب وحده أيها الأخوة ، كل بلد زرتها ، زرت الجزائر ، وزرت مصر قبل أن آتي ، دُعيت إلى محاضرة في نادي أعضاء هيئة التدريس بالقاهرة ، فحضر من الشباب ما صعب عليّ أن أدخل إلى مكان المحاضرة ، لم أدخل إلا بمشقة ، قال الذين حضروا هذا اللقاء : لقد حضره عشرة آلاف ، أقل ما قيل فيه سبعة آلاف ، وكم يجلسون على الأرض ؟! معظمهم يجلسون على الأرض ليس هناك كراسي ، ولا مقاعد تسع هذه الآلاف ، جلسوا على الأرض وهي متربة ، هذا يدل على أن هذه الأمة لا تزال بخير ، وأن الذين يظنون أن هذه الأمة قد ماتت أو وهنت ، أقول لهم : لا ، هذه الأمة لم تهن ، ولن تموت أبداً ما دام الإسلام هو أساسها ، وما دام المصحف أمامها يتلى ليلاً نهاراً ، وما دام محمد صلى الله عليه وسلم حياً في ضمائرها .
أيها الأخوة ؛ هذا ما أراه الدلالة الأولى لهذه الجموع .

2 ـ الأمة لا تزال على بصيرة تميز بين الطيب والخبيث وبين الصادق والزائف :

الدلالة الثانية لهذه الجموع : إن هذه الأمة لا تزال على بصيرة ، لم تنطمس عين بصيرتها ، لم تصبها الغشاوة ، لا زالت تميز بين الطيب والخبيث ، وبين الصادق والزائف ، لا زالت تحترم العلماء ، وتحب العلماء الذين يأتمنون على رسالات الله ، لا يبيعون دينهم بدنياهم ، ناهيك أن يبيعونه بدنيا غيره . 

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (39)  ﴾

[  سورة الأحزاب ]

وأرجو أن أكون في صف في مؤخرة هؤلاء العلماء . 

3 ـ اعتماد العلماء على منهج الوسطية والاعتدال أثناء حديثهم عن الإسلام :

الأمر الثالث : إن هذه الجموع الحاشدة لا تقدم يوسف القرضاوي ، ولا تحب يوسف القرضاوي لذاته أو لشخصه ، إنما هي احتشدت من أجل المنهج الذي يدعو إليه يوسف القرضاوي ، يوسف القرضاوي يدعو إلى منهج عرفه الناس ، وتميز عندهم ، وأحبوه ، وساروا وراءه ، وأصبح الناس يلهجون بذكر المنهج ويتحدثون عنه في كل مكان ، ذلكم هو منهج الوسطية والاعتدال ، المنهج الذي يقدم الإسلام للناس باسم الوجه وليس عبوساً قمطريراً ، الذي يقدم الإسلام في صورة الحب لا البغض ، في صورة التسامح لا التعصب ، في صورة التعارف لا التنافر ، في صورة الأخوة لا التشاحن ، في صورة التعاون على البر والتقوى لا التعاون على الإثم والعدوان ، في صورة الحوار البنّاء لا في صورة المغاضبة للآخرين ، هذا المنهج يبني ولا يهدم ، ويجمع ولا يفرق ، ويحيي ولا يميت ، يؤمن بالتجديد في الأصول ، والتيسير بالفروع ،   يجمع بين ثوابت الشرع ومتغيرات العصر ، يتبنى المرونة في الوسائل والآليات ، والثبات في الأهداف والغايات ، هذا هو المنهج الذي أؤمن به ، الذي أدعو إليه ، والذي أصبح معلماً متميزاً.
أعتقد أن هذه الجماهير لم تأتِ لتحييني إنما جاءت لتحيي هذا المنهج ، وتعلن إيمانها به ، وسيرها خلفه ، وهذا بحمد الله نعمة من نعم الله الكبرى أن هذه الأمة لا زالت ملتزمة بما سماه القرآن الصراط المستقيم ، الذي لا يميل إلى اليمين ، ولا يميل إلى اليسار ، ولا إلى الغلو ، ولا إلى التطويق .

﴿  وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)﴾  

[ سورة الأنعام  ]

كانت هذه خواطر أيها الأخوة لابد من أن أمدكم إياها قبل أن أتحدث عن موضوع هذه الليلة ، وهو رسالة إلى الشباب المسلم .
 

تعريف الشباب :


من هم الشباب ؟ يقولون إن الشباب ما كان من الخامسة عشرة إلى الخامسة والأربعين ، وقد يزيد بعضهم عن الخامسة والأربعين ، ولكني أرى هنا أناساً فوق الخمسين ، وفوق الستين ، هل هؤلاء يخرجون من القاعة لأن الرسالة ليست موجهة إليهم ؟ لا ، لأمرين ؛ الأمر الأول ؛ لأن الشباب ليس بالسن ، هناك أناس يشيخون وهم في العشرينات والثلاثينات من عمرهم ، هم شباب في السن ولكنهم شيوخ في الهمة والعزيمة ، هؤلاء ينبغي أن يخرجوا من هذه القاعة ، وهناك أناس يبلغون الستين والسبعين والثمانين وأكثر من ذلك ولكنهم يظلون شباباً كما قال أحد الشعراء :

جسمي إلى التسعين يبلى مسرعاً والروح ثابتةٌ على العشرين

***

اليوم صار يبلى ابن العشرين ، هذه واحدة .
الثانية : إن الرسالة إلى الشباب هي حديث إلى الشباب ، ماذا يريد من الشباب ؟ وحديث مكمل له ماذا يريد منا الشباب ؟ نحن نريد من الشباب أشياء ، والشباب يريدون منا أشياء ، إذاً نحن مسؤولون مع الشباب ، فالرسالة موجهة إلى الشباب ، وإلى الشيوخ معاً ، الشباب أيها الأخوة هو مرحلة الوسط من العمر ، والوسط في كل شيء خياره ، خيار الأمور أوسطها ، وخيار العمل وسطه ، الشباب هو مرحلة القوة بين ضعفين ، ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة ، كما أشار ذلك القرآن الكريم حينما قال : 

﴿  اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)﴾

[   سورة الروم ]

 أي ضعف الطفولة ( ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً ) فالشباب مرحلة القوة بين الضعف الأول ، والضعف الثاني ، ولذلك كان على الشباب من الأعباء ما ليس على غيرهم لأنهم يملكون من القوة ما لا يملكه غيرهم ، ودائماً الأعباء والواجبات على قدر المكنة ، والقوة ، والنعمة ، والسلطة ، ما يجب على العالم ما لا يجب على الجاهل ، ما يجب على الغني أكثر مما يجب على الفقير ، ما يجب على الحاكم أكثر مما يجب على المحكوم ، وما يجب على القادر أكثر مما يجب على العاجز ، ما يجب على الصحيح أكثر مما يجب على المريض ، وكذلك ما يجب على الشاب الفتي أكثر مما يجب على الشيخ الكبير ، ولذلك كان التوجه إلى الشباب ، كل المصلحين ، وكل الموجهين وجهوا رسائلهم إلى الشباب ، وجه إليهم الإيمان .
 لحسن البنا رحمه الله وجه رسالة معروفة يعرفها شباب الأخوان المسلمين وشيوخهم ، اسمها رسالة إلى الشباب ، وقال : إن الذي يقوم بالدعوات والنهضات في كل عصر هم الشباب ، الشباب في كل أمة عماد نهضتها ، وحامل رايتها ، وسر قوتها ، لأن النهضات والرسالات لا تقوم إلا بالإيمان القوي ، وبالعقل الذكي ، وبالشعور القوي ، وبالعزم الفتي ، وهذه كلها لا توجد إلا في الشباب . 

نماذج من القرآن لشباب ثاروا على الباطل : 


لهذا عرض القرآن لنا نماذج من الشباب ، لكي ترنو أعيننا إليهم ، نتطلع إليهم كنماذج ، كمثل عرض لنا القرآن نموذج الشاب الثائر على الباطل ، الداعي إلى الحق ، الذي لا يبالي في سبيل الحق لومة لائم ، هذا الشاب سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي أبى إلا أن يحطم الأصنام ، حلف أن يحطمهم :

﴿  وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)﴾

[   سورة الأنبياء ]

وفعلاً بعد أن ولوا مدبرين ذهب بفأسه إلى هذه الآلهة التي يعبدونها .

﴿ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)﴾

[ سورة الأنبياء ]

فتتها تفتيتاً ( إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ) إبراهيم حينما حطم الأصنام لم يكن شيخاً ، كان فتى .

﴿ قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60)﴾  

[ سورة الأنبياء ]

فتى ، وهذا الفتى الذي حطم الأصنام في عهده الفتوة والشباب .
ذكر لنا القرآن نموذجاً للشاب الذي يضحي بنفسه في طاعة الله ، يقدم عنقه لله ، ذلكم هو إسماعيل بن إبراهيم الذي ابتلاه الله تعالى حينما أشار عليه بذبحه برؤيا ، ورؤيا الأنبياء حق ووحي ، وكان إبراهيم يتوق إلى ولد له ، ورزقه الله بهذا الولد وهو في الثمانين من عمره ، كما قال تعالى :

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) ﴾

[ سورة الأنبياء ]

ولذلك حينما ولد الولد تعلق قلب أبيه به ، وكلما كبر نما حبه في قلب أبيه ، فلما بلغ معه السعي أصبح قادراً على أن يساعد أباه .

﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) ﴾

[ سورة الصافات ]

حتى لم ليقل افعل بي ما تؤمر ، لم يذكر نفسه ، كأنما فني عن نفسه ، عن ذاته ، نفذ الأوامر التي عندك ( افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ) ولم يقل ذلك ادعاء للبطولة ، ولكن قال : ( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ  الصَّابِرِينَ ) وفعلاً قدم عنقه ، أسلم الوالد ولده ، وأسلم الولد عنقه .

﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) ﴾

[  سورة الصافات ]

هذا نموذج أيضاً للشاب .
وقدم القرآن لنا نموذجاً آخر لشاب ابتلي بمحن شتى فصبر ، ابتلي بأن يلقى في الجب ، وأن تتعرض له الفتنة تسعى إليه راكضة .

﴿  وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)﴾

[  سورة يوسف ]

هذا الشاب الذي صبر على الفتنة ، وصبر على السجن الذي دخله ظلماً ، ولذلك قال في نهاية القصة حينما كشف عن نفسه أمام أخوته ، قال : 

﴿  قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)﴾  

[  سورة يوسف ]

وذكر لنا القرآن قصة الشاب يحيى .

﴿  يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً (12) وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً (13)﴾

[  سورة مريم ]

وذكر لنا أهل الكهف :

﴿  نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)﴾  

[ سورة الكهف ]

كل هذا ليضع القرآن نماذج أمام الشاب المسلم .
 

العناية بالشباب لأنهم الثروة العظمى للأمة :


لهذا كان على الشاب المسلم أن يتبين الغاية التي من أجلها يعمل ، والطريق الذي له يسلك لأنه مسؤول عن عمره عامة ، وعن شبابه خاصة ، ونحن نعلم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :

(( عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه : أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تزولُ قدَمَا عبد يومَ القيامة ، حتى يُسألَ عن أربع : عن عُمُره فيم أفناه ؟ وعن عِلْمِهِ ما عمِل به ؟ وعن ما له من أين اكتسبه وفيم أنفقه ؟ وعن جسمه فيم أبلاه ؟ ))

[ أخرجه الترمذي ]

المهم أنه يسأل عن العمر عامة ، وعن الشباب خاصة ، وهو مرحلة من العمر ، إنما يسأل عنها خاصة ، لهذا كان لا بد أن نتحدث عن الشباب ، ونتحدث إلى الشباب ، ونوجه رسالتنا إلى الشباب وخصوصاً أن أكثر أبناء الأمة الإسلامية هم من الشباب ، في بعض الشباب ، أظن في الجزائر قالوا لي : الشباب يمثلون سبعين في المئة ، بعد حرب الشهداء مليون ، أو نصف مليون ، أو أكثر ، أو مليون ونصف أو أكثر ، أصبح الشباب هم الأغلبية في الأمة ، وكثيراً ما نجد الشباب ، وكذلك العناية بالشباب هي العناية بالثروة العظمى للأمة ، ثروة الأـمة الحقيقية ، ليست في الذهب الأسود النفط ، ولا في الذهب الأبيض القطن ، ولا في الذهب الأصفر المعروف ، الذهب الحقيقي هم الشباب ، هم ثروة الأمة ، إذا أردت أن تعرف مستقبل أمة ، هل لهذه الأمة مستقبل أم لا انظروا إلى شبابها ، إذا وجدت شباباً ضائعاً ، منحلاً،  ليس له غاية يعيش من أجلها ، ليس له رسالة يحيا لها ، فاعلم أن هذه الأمة لا مستقبل لها ، أمة ضائعة  وإذا رأيت شباب هذه الأمة يحيا للرسالة ، ويعيش للهمة ، ويجند نفسه لتحيا أمته ، فاعلم أن الأمة بخير ، ومستقبلها بخير . 

واجبات الشباب :


أول ما يجب أن يهتم به الشباب ، ماذا نريد من الشباب ؟ أول ما نريد من الشباب أن يعيش لغاية ، ألا يحيا ضائعاً ، هناك أناس تعيش وتموت وليس لها غاية ، لا يعرف لماذا هو يعيش ، ولكن أيام نقضيها نأكل ونشرب ، ونأكل من التراب ، ونمشي على التراب ، وندفن في النهاية في التراب ، أرحام تدفع وأرض تبلع ، ولا شيء وراء ذلك ، هؤلاء ليس لهم قيمة ، هم حطب جهنم ، الله تعالى قال : 

﴿  وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)﴾  

[ سورة الأعراف ]

غافلون عن مصيرهم ، غافلون عن وجودهم ، غافلون عن سرّ حياتهم ، فهم ( كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ) من الأنعام .
لماذا كانوا أضل من الأنعام ؟ أولاً لأن الأنعام لن تؤتِي ما أوتي هؤلاء ، لم تركب فيهم العقول التي تفكر ، لم يؤتوا الإرادات التي ترجح ، ليس عندهم المواهب والملكات الروحية والنفسية ، إلى آخره ، لم تؤتَ الأنعام ولكن هؤلاء أوتوا هذه العقول ، وهذه الإرادات ، وهذه الملكات .
الأمر الثاني : إن الأنعام لها مهمة تؤديها ، الأنعام لم تتمرد على رسالتها ، هل رأيت بقرةً تمردت على أن تُحلب ؟ هل رأيت حماراً تمرد على أن يُركب ؟ الحمار خلق للركوب وهو يؤدي أمره في الركوب ، الجمل يحمل الأثقال ، البقرة تُدر الحليب ، هذه مهمة الأنعام ، إنما الإنسان خُلق لمهمة كبيرة خُلق ليعرف الله تعالى .

﴿  اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12)﴾

[   سورة الطلاق ]

لماذا ( لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ) لنعرف الله ، خلقنا الله لنعرفه ، وهذا يغنينا عن الحديث : " كنت كنزاً مخفياً ، فأردت أن أُعرف ، فخلقت الخلق لكي أعرف " فهو حديث موضوع ، وهو غلط في اللغة .
الآية خلق هذا الكون ( لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ ) خلقنا لنعرفه ، وخلقنا لنؤدي له حقه في العبادة .

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( 56 )﴾

[ سورة الذاريات ]

وخلقنا لنخلفه في الأرض .

﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)﴾

[ سورة البقرة ]

﴿  قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)﴾

[   سورة الأعراف ]

وخلقنا لعمارة الأرض .

﴿  وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61)﴾  

[ سورة هود  ]

هذه مهمة الإنسان ، الإنسان الذي لا يؤدي هذه المهمة بفروعها المختلفة يكون ( كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ) من الأنعام . 

﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44)﴾  

[ سورة الفرقان ]

 

الإسلام يجب أن يكون غاية كل مسلم :


لا نريد من الشاب المسلم أن يكون كالأنعام ، بل لابد من أن يكون إنساناً يعقل ، ويفكر ، ويعرف لنفسه غاية ، لماذا يعيش ؟ إنه يعيش لغاية كبرى ، يجب أن يحدد غايته ، هناك غايات قصيرة المدى ، وغايات بعيدة المدى ، نسميها الغاية العليا ، أو الغاية القصوى ، ممكن تسأل الطالب : ما هي غايتك ؟ لماذا تذاكر وتتعب ؟ يقول لك : والله غايتي أن أنجح في آخر العام ، ولكن هذه ليست غاية ، ولماذا تنجح آخر العام ؟ يقول : لأحصل في نهاية الدراسة على شهادة ، بكالوريوس ، أو لسانس ، ولماذا تحصل على هذه الشهادة ؟ يقول : لأحصل بها على وظيفة ، ولماذا تحصل على وظيفة ؟ لأحصل بها مالاً أعيش به ، ولماذا تعيش ؟ العيش ليس غاية ، العيش وسيلة ، لماذا تعيش ؟ إذا الإنسان له غاية من وراء العيش ، العيش له معنى ، وإلا تكون الحياة لا مذاق لها ، ولذلك الناس الذين لا يعرفون لهم غاية يعيشون بؤساء  تعساء ، وهم كثيراً ما يتخلصون من حياتهم بالانتحار والعياذ بالله ، يشعرون بالضياع ، يجدون أن الحياة تافهة لا تستحق أن تعاش ، فينتهي بأن يرمي بنفسه من وفق برج ، أو يضرب نفسه بالرصاص ، أو نحو ذلك .
المسلم هو الذي يعرف لنفسه غاية يعيش لها ، أما الإنسان الضائع فهو الذي لا يعرف ، هناك أناس لهم غايات ، لكنها غايات تافهة ، كما قال أبو النواس : إنما الدنيا طعام وشراب ومنام ، فإذا فاتك هذا فعلى الدنيا السلام ، يأكل ، ويشرب ، وينام ، هذا كل شيء ، هذه هي الحياة ؟! هناك من يعيش ليكون صاحب جاه ، وصاحب منصب ، يعز ويذل ، يأمر وينهى ، مصيرك سوف تترك هذا المنصب وتصبح كسائر الناس ، الغاية التي ينبغي أن يعيش لها ، أن يعيش الإنسان لله ، أن يعيش المسلم للإسلام ، هذه هي أعظم الغايات ، وأشرف الغايات ألا تعيش لنفسك ، ولكن تعيش لربك ، وإذا عشت لربك فقد عشت لدينك ، وعشت لأمتك ، وعشت لوطنك ، وعشت للإنسانية جمعاء ، هذه هي الغاية التي نريد من الشاب المسلم أن يحيا لها ، أول شيء حدد غايتك ، يجب أن يكون لك رسالة ، يجب أن يكون لك هدف ، لا تعيش ضائعاً قل : أنا لي رسالة عرفتها والحمد لله ، أنا أعيش للإسلام ، وأعيش بالإسلام ، وأموت على الإسلام .

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)﴾

[   سورة آل عمران ]

معنى ( وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) أي عيشوا على الإسلام ، وموتوا على الإسلام ، لأن الإنسان يموت على ما عاش عليه ، فمن عاش على الباطل مات على الباطل ، ومن عاش على الحق مات على الحق ، ومن عاش على الإسلام مات على الإسلام ، أول ما نطلب من الشاب المسلم أن يكون له غاية يعيش لها ، وهي الإسلام .
 

على المسلم أن يحسن فهم الإسلام :


كما نطلب من الشاب المسلم بعد ذلك أن يحسن فهم الإسلام ، يوجد أناس كثيرون يقولون : نحن مسلمون ونعيش للإسلام ، ونحيا للإسلام ، ولكنه لم يحسن فهم الإسلام ، لم يحسن الفهم عن الله ورسوله ، أساء فهم هذا الدين ، قلب الأوضاع فيه ، صغر الكبير ، وكبر الصغير ، عظم الهين ، وهون الخطير ، أخر ما حقه التقديم ، وقدم ما حقه التأخير ، هذه هي البلوى ، وهذه التي دعوت إليها من قديم ، قلت : لابد من أن أصحح هذا ، كنت سميته في كتابي : الصحوة الإسلامية بين اللحود والتطرف فقه مراتب الأعمال ، يجب أن نعرف مراتب الأعمال ، نعرف العمل رقم واحد في الدين ، والعمل رقم اثنين ، والعمل رقم ثلاثة ، لا نزيل الحدود بين الأصول والفروع ، وبين الكليات والجزئيات ، لا ، هناك كل عمل له تسعيرة في الإسلام ، لا تصغر الكبير ، ولا تكبر الصغير ، الله تعالى يقول :

﴿  أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)﴾

[   سورة التوبة ]

والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الإيمان بضع وسبعون شعبة أرفعها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ))

[ أخرجه الطبراني  ]

الله ! يوجد أعلى ، ويوجد أدنى ، سبعون شعبة ، وطبعاً بين الأعلى والأدنى يوجد مراتب في الوسط فلا يجوز أن تجعل الأعلى أدنى ، والأدنى أعلى ، كثير من الشباب المسلم لا يعرف هذه الحقيقة ، ما سميته بعد ذلك : فقه الأولويات ، تضع كل شيء في مرتبته ، لا يجوز أن تهتم بالمكروهات ، والناس واقعة في المحرمات ، لا يجوز أن تهتم بالصغائر والناس تقترف الكبائر ، لا يجوز أن تهتم بالسنن والناس ضيعت الفرائض ، هذا ما نراه من الكثير ، أناس يقيمون المعارك ، في كل مكان أذهب إليه أجد بعض الناس يشغلون الناس بالجدل الطويل ، وبالمعارك الجانبية ، وبالحروب التي لا ينتهي ولا ينطفئ نارها من أجل قضايا جزئية ، من أجل قضايا خلافية ، من أجل قضايا تعتبر من الشبهات ، أو من المكروهات ، يا أخي أولاً اجمع الناس على الأساسيات ، أنا يهمني من المسلم العادي أن يؤدي الفرائض ويجتنب الكبائر ، إذا أدى المسلم الفرائض الأساسية صلى ، وزكى ، وصام ، وحج ، واجتنب الكبائر ، أحب أن أقول هنا : بعض الناس يظن أن الكبائر فقط هي الزنى ، وشرب الخمر ، هناك كبائر كثيرة يضيعها الناس ولا يلقون لها بالاً ، تزوير الانتخابات من أكبر الكبائر ، تقييد الحريات من غير مبرر من أكبر الكبائر ، كبت الشعوب حيث لا تستطيع أن تقول : لا بملء فيها من أكبر الكبائر ، التخلف في هذه الأمة من أكبر الكبائر ، الأمية من أكبر الكبائر ، هذه كلها ينبغي أن نضعها في الحساب ، لا ننشغل بما ينشغل به هؤلاء الذين ضيعوا الأوقات حول الأمور الخلافية ، ومعروف بإجماع العلماء من كل المذاهب والمدارس أنه لا إنكار في المسائل الخلافية ، المسائل التي اختلف فيها العلماء ، وصار فيها أكثر من قول ، ولم يحدث فيها إجماع يقيني ، لا ينبغي أن تُنكر فيها ، ولكن هؤلاء ليس لهم إلا هذا ، الجدال كله حول الغناء ، والموسيقى ،  والتصوير ، ونقاب المرأة ، ودخول السينما ، هذه الأشياء ، افرض أنا أتبع مذهباً من المذاهب   لماذا تنكر عليّ ؟ أنا أخذت من مذهب الإمام الغزالي ، مذهب الإمام الشافعي ، لماذا تنكر علي ؟ ولكن هؤلاء ينكرون على الناس ، ويريدون أن يجعلوا من أنفسهم المذهب الوحيد ، هم ينكرون المذاهب ويريد كل منهم أن يجعل من نفسه إمام مذهب ، أي يريد أن أترك مالكاً ، وأبا حنيفة ، وأتبع هذا الفتى الصغير .
شيخنا الشيخ الغزالي رحمه الله ، كان من أئمة الدعاة في هذا العصر ، وضاق ذرعاً في السنين الأخيرة بهؤلاء الذين يعيشون على الجزئيات والخلافيات ، مرة شخص جاء قال له : ما رأيك بالذي يصلي وهو مسبل يديه عن يمينه وعن شماله ؟ قال له : يا أخي أنا يهمني المسلم أن يصلي ، يضع يده على صدره  يضعها فوق الصرة ، تحت الصرة ، على اليمين والشمال ، المهم يقول : الله أكبر ، ويأتي إلى المسجد ويصلي .
نريد من الشاب المسلم أن يحسن الفهم في الإسلام ، بأن يأخذ إسلامه عن العلماء الثقات ، لا أقول : خذ من يوسف القرضاوي وحده ، و لا من محمد الغزالي وحده ، اقرأ ، وحكّم عقلك ، وكن مسلماً مستنير البصيرة ، المسلم إذا استنارت بصيرته ، واستقام طريقه ميزه والله بين الصواب والخطأ ، وبين القول الضعيف والقول الراجح ، يعرف هذا ، وإذا اشتبه عليك الأمر اسأل العلماء ، اسأل العلماء غير المتعصبين ، وغير المنغلقين ، وغير المتسيبين أيضاً .
كانت محاضرتي في طنجة عن الاجتهاد المعاصر بين الانغلاق والتسيب ، وإنما ضعنا بين أهل الانغلاق ، وأهل التسيب ، ونحن أهل الوسطية والانضباط ، اسأل العلماء الثقات حتى تحسن ، اقرأ ، واقرأ ، واقرأ باستمرار حتى تكوّن لنفسك ثقافة عميقة ، لا تكتف بالثقافة السطحية ، لا تكتف بقراءة كتب أو اثنين أو ثلاثة ، لا تكتف بمجرد سماع أشرطة ، اقرأ الكتب العميقة ، أتعب نفسك ، أجهد نفسك في تعلم الإسلام حتى تتعلم الإسلام الحقيقي ، كما أنزل الله تعالى ، وكما بعث به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ، وكما فهمه أصحابه ، وكما طبقه السلف الصالحون ، والراشدون في هذه الأمة . 

الاستقامة على الإسلام :


ثم على الشاب المسلم بعد أن يعرف غايته ، ويحسن فهم إسلامه أن يعمل بهذا الإسلام ، أن يستقيم على هذا الإسلام .

﴿  إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)﴾  

[  سورة فصلت ]

(( عن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحداً بعدك ، قال : قل : آمَنْتُ بالله ، ثم استقم ))

[ أخرجه مسلم ]

الإسلام إيمان وعمل ، لابد من أن تعمل بهذا الدين ، أن تكون صورة لهذا الإسلام ، تؤدي ما أمر الله به ، وتبتعد عما نهى الله تعالى عنه ، وسترتقي ، أنا قلت : بحسب من المسلم العادل أن يؤدي الفرائض ، ويجتنب الكبائر ، ولكن هذا في أول الطريق ، حينما تؤدي الفرائض ستجد بعد مدة تقول : ولماذا يا أخي ! لماذا لا أصلي ركعتين قبل الصبح وركعتين قبل الظهر  وركعتين بعد الظهر وركعتين قبل العصر وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وأختم بالوتر؟ أنت نفسك ستجد نفسك مقصراً ، تحاول أن ترقى بنفسك ، المسلم دائماً يطلب الرقي ، كان بعض السلف يقول : من كان يومه مثل أمسه فهو مغبون ، ومن كان يومه شراً من أمسه فهو ملعون والعياذ بالله ، اليوم مثل الأمس ، مثل غد ، مثل بعد غد ، لا يتقدم ، هذا مغبون ، لأنه باق على رأس ماله لا يربح ، يخشى أي حاجة تصيبه تنال من رأس المال ، فلذلك يحاول دائماً أن يضيف من رأس ماله ، لا يكتفي بالفرائض ، بالفرائض يصل إلى مرتبة القرب ، والحديث القدسي :
" ما تقرب إليّ عبدي بأفضل مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها " .
إلى آخر الحديث ، الفرائض توصلك إلى منزلة القرب ، والنوافل توصلك إلى منزلة الحب ، إذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، ترتقي ، فلا ترض بالدرجة الهينة ، حاول أن ترتقي 

  وصايا الدكتور القرضاوي للشباب المسلم :

 

1 ـ الطموح إلى المعالي :

لذلك مما أوصي به الشباب المسلم بعد ذلك الطموح أن يكون الشاب المسلم طامحاً إلى المعالي يتطلع دائماً إلى الأفق الأعلى ، لا يرضى بالدون ، ولا بالأمر الهون ، حاول أن ترتقي إلى الأعلى دائماً ، القرآن يقول :

﴿  وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)﴾

[ سورة هود ]

ذكرت في القرآن ثلاث مرات ( أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) كأن التنافس ليس بين السيئ والحسن ، ولكن بين الحسن والأحسن ( أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) يتنافس الناس في الأحسن ( أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) ويقول القرآن دائماً : اتبعوا الأحسن .

﴿  ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96)  ﴾

[ سورة المؤمنون  ]

﴿  ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)  ﴾

[ سورة النحل  ]

﴿  وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)  ﴾

[ سورة الأنعام  ]

فالمسلم يبحث عن الأحسن ، ويقول :

﴿  وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) ﴾

[ سورة الزمر  ]

﴿  وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)  ﴾

[ سورة الزمر  ]

ولذلك وصيتي للشباب أن يتطلعوا إلى الأحسن ، وإلى الأعلى دائماً كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم قال :

(( " إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس ، فإنه أعلى الجنان ، وفوقه عرش الرحمن " . ))

لا تقل : يا ربِ أدخلني الجنة مع أصحاب اليمين ، لا ، قل : يا رب أدخلني الجنة مع السابقين المقربين ، اطلب الفردوس ، أعلى درجة في الجنة ، هكذا يعلمنا المصطفى ، هذا في أمر الدين وفي أمر الدنيا ، لا أريد من الشاب المسلم أن يقول : بحسبي أن أنجح ، ولو بدرجة د ،  بدرجة مقبول ، لماذا يا أخي لا تنجح بدرجة جيد ؟ ولماذا لا تكون بدرجة جيد جداً ؟ بل لماذا لا تنجح بدرجة ممتاز ؟ ما دامت عندك المؤهلات ، وعندك المواهب ، والملكات ، والقدرات ، فلماذا ترضى بالدون ؟ حاول دائماً أن تطمح إلى الأعلى ، هذا ما أوصي به الشباب المسلم . 

2 ـ التآخي في سبيل الله :

أوصي الشباب المسلم أن يتآخوا في سبيل الله ، ألا يعيش الشاب وحده ، من عاش وحده ضاع ، اعمل بوسط جماعة ، الجماعة قوة على الطاعة ، وحماية من المعصية ، النبي عليه الصلاة والسلام قال :

(( عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : يَدُ اللهِ مع الجماعةِ  ))

[ أخرجه الترمذي  ]

(( عن معاذ بن جبل رضي الله عنه : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والناحية ، وإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد  ))

[ أخرجه الطبراني في المعجم الكبير والإمام أحمد  ]

 الذئب لا يأتي إلى الشاة بوسط القطيع ، ويحاول أن يأكلها ، لا ، هو يبحث عن الشاة التي تشرد عن القطيع ، يجدها وحدها فيسارع إليها ويفترسها ، إنما هي في وسط القطيع محمية به ، أنت احمِ نفسك بالجماعة ، وصن نفسك بأن تكون مع الجماعة ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : خطبنا عمر بالجابية ، فقال : يا أيُّهَا الناسُ  إِني قُمتُ فيكم كَمقَامِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فينا قال : أُوصِيكُم بأصْحَابي ، ثُمَّ الذينَ يَلونَهم ، ثم الذين يَلُونهم ، ثم يفْشُو الكذبُ حتى يَحْلِفَ الرَّجُلُ ولا يُسْتَحْلَفُ ، ويَشهدَ الشاهدُ ، ولا يُسْتَشهدُ ، أَلا لا يَخْلُوَنَّ رجل بامرأة إِلا كانَ ثالثَهُمَا الشيطانُ ، عليكم بالجماعةِ ، وإِيَّاكُم والفُرْقَةَ ، فَإِنَّ الشيطانَ مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعدُ ، مَنْ أَراد بُحْبُوحَةَ الجنة فليلزم الجماعةَ ، مَنْ سَرَّتْهُ حسنتُه ، وسَاءَتْه سَيِّئَتُه : فذلكم   المؤمنُ  ))

[ أخرجه الترمذي  ]

ومن الثلاثة أبعد وأبعد ، وكلما كثرت الجماعة بَعُد الشيطان عنهم ، فأوصي الشباب أن يعملوا بالجماعة ، وأن يتضامن بعضهم إلى بعض ، وخصوصاً أن المسلم لا يستطيع أن يحقق هدفاً كبيراً بالعمل الفردي ، الأعمال الكبيرة لا تتم إلا بتضافر جهود جماعية ، هذا ما علمنا إياه الإسلام .

﴿  وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) ﴾  

[   سورة آل عمران  ]

﴿   يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) ﴾  

[   سورة المائدة  ]

(( يَدُ اللهِ مع الجماعةِ )) وما علمنا إياه الواقع ، الناس يقولون : يد على يد تزيد ، واليد وحدها لا تصفق ، يجب أن تجمع الأيدي بعضها على بعض ، لا بد من أن تتجمع الجهود ، في عصرنا اخترعوا نظاماً اقتصادياً يجمعون به الأموال الكثيرة من الأموال القليلة المتفرقة ، الشركات المساهمة ، هذه الشركات المساهمة هي تجميع للأموال المتفرقة بأيدي الناس ، الذي عنده عشرة ، والذي عنده مئة ، والذي عنده ألف ، وبعدها تجمع مليارات ، التجميع هذا هو الذي يمكن أن يقيم المشروعات الكبرى ، ما يقال في عهد الصناعة أو في منطق الصناعة يقال في منطق الحياة كلها ، لا نستطيع أن نحقق أهداف الإسلام الكبرى ، أهداف الأمة الكبرى ، لا نستطيع أن نحرر أمتنا من الاستعمار القديم والجديد ، لا نستطيع أن نحرر أمتنا من الصهيونية المتحكمة في ديارنا ، لا نستطيع أن نوحد أمتنا من الفرقة ، لا نستطيع أن نقوي أمتنا من ضعف ، لا نستطيع أن ندخل عصر التكنولوجيا المتطورة إلا إذا عملنا متجمعين لا متفرقين ، متوحدين لا مختلفين ، القوى المبعثرة لا تصنع شيئاً ، إنما القوى المتجمعة . 

3 ـ  اجتماع الشباب مع بعضهم البعض : 

أوصي الشباب أن يجتمع بعضهم مع بعض ، وأريد أن أقول أيها الأخوة الشباب ، وليس معنى هذا إلى الذكور ، كلمة الشباب تعني الذكور والإناث معاً كلهم شباب ، بل نحن أحياناً ربما نريد من المرأة أكثر مما نريد من الرجل ، هم يقولون : المرأة نصف المجتمع ، وأنا علقت على هذا وقلت : صحيح هي نصف المجتمع من ناحية العدد ، ولكن ربما كانت أكثر من النصف بتأثيرها في زوجها ، وفي أولادها ، فهنا في الحقيقة ربما المرأة أخذت أكثر من النصف ، فإذا قلت الشباب فلا ينبغي أن يعتبر الأخوات هنا والبنات الصالحات أني أوجه كلامي إلى الذكور ، وإلى الرجال وليس إلى النساء ، الأمة برجالها ونسائها ، وشبانها وشاباتها ، فهذان هما جناحا الأمة التي لا تطير إلا بهما .
 

على الشباب المسلمين أن يحددوا أهدافهم ويحسنوا فهم دينهم :


أيها الأخوة ؛ الكلام عما نريده من الشباب كثير ، ولكن أعتقد أن ما قلته هنا يكفي بالنسبة للشباب ، نريد من الشباب أن يحدد غايته ، وليس للشباب غاية إلا الإسلام ، إلا العمل بدين الله ، أن يحيا لله ويموت لله ، وأن يكون شعاره :

﴿  قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) ﴾  

[   سورة الأنعام ]

لابد أن يحدد هذا الهدف ، لابد أن يحسن الفهم لهذا الدين ، بعد أن أساء فهمه الكثيرون ، أساؤوا فهمه ، وأساؤوا تطبيقه ، للأسف ، لا بد من أن يعمل بهذا الدين ، وأن يستقيم على الطريق .

﴿  اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)﴾

[   سورة الفاتحة ]

أن يطمح إلى المعالي دائماً ، أن يضع يده في يد أخيه ، وبهذا ينفتح له الطريق ، وتتفتح أمامه الأبواب ، وتنفتح أمامه الآمال ، لن يقف شيء في طريقه إلى الله أبداً ، هذا شباب هذه الأمة قادر على أن يصنع المعجزات ، وما يشبه المعجزات ، كما صنع شبابنا الأوائل ، الذين فتحوا الفتوح ، كانوا شباباً ، كان هناك أربعة قادة يفتحون آفاق العالم .
مسلمة بن عبد الملك على أبواب الصين ، قتيبة بن مسلم الباهلي على أسوار سمرقند ، محمد بن القاسم بن محمد على أبواب الهند ، موسى بن نصير ومعه طارق بن زياد الأمازيغي يفتح الأندلس ، محمد بن قاسم قائد الجيوش الإسلامية في فتح الهند ، قال المؤرخون : إنه كان ابن سبع عشرة سنة ، سبع عشرة سنة وقاد الجيوش كما قادها أسامة بن زيد من الصحابة رضي الله عنهم ، قال فيه الشاعر :

إن السماحة والمروءة والنـــــــدى لــمحمد بن القاسم بن محمدِ

قاد الجيوش لسبع عشرة حجةً         يا قرب ذلك ســؤدداً من مولد

***

نحن قادرون أيها الأخوة على أن نحقق أهداف هذه الأمة ، إذا كان الشباب في المقدمة ، ولا بد أن يكون الشباب في المقدمة ، وقد رأينا ماذا صنع أخوتنا في حزب الله ، إسرائيل الذي زعموا أنها القوة التي لا تقهر ، والشوكة التي لا تكسر ، والجيش الذي لا يهزم أمام بضعة مئات أو آلاف أخواننا من فطنتهم وحسن سياستهم لا يعرف أحد كم ، الذي يقول : عشرون ألفاً ، والذي يقول : أربعون ألفاً ، والله أعلم كم ، هم يموتون من الرعب ، الشباب المؤمن وقفوا ولم يبالي ، أيقع على الموت أم يقع الموت عليه ، وقفوا أمام إسرائيل ، ودوخوا إسرائيل ، ولم تستطع إسرائيل أن تحقق هدفاً ، أو تنجز إنجازاً عسكرياً ، وعادت بالخيبة مدحورةً مذمومة وعليها لعنة الله ، وعليها لعنة الناس والملائكة أجمعين .
وقبل أخوتنا في لبنان لا ينبغي أيها الأخوة أن ينسينا انتصار لبنان ما فعل الأخوة ، وما زالوا يفعلون في فلسطين ، الأخوة في فلسطين صنعوا بطولات ، صنعوا روائع ، الرجال  والنساء والفتيان والفتيات والأمهات والآباء الذين كانوا يستقبلون الشهداء بالزغاريد ، ولا يقبلون العزاء بل يقبلون التهنئة فيمن سقط شهيداً في سبيل الله ، ولا زال هؤلاء يُحاربون في أرزاقهم ، يُحاربون في إيصال الأموال إليهم ، يحالون أن يركعوا ، وأن يذلوا هذا الشعب ، ولكن هذا الشعب المؤمن البطل أبى أن يقبل الركوع وقال : الجوع ولا الركوع .
 

على الأسرة أن تكون عوناً لأبنائها لأنهم كنز عظيم :


أيها الإخوة ؛ إن شبابنا إذا عرف مهمته ، وتقدم الصفوف ، وترك الخنا ، وترك الميوعة ، وترك الخلاعة ، وترك تقليد الشبان في الغرب ، الذين ليس لهم غاية ، وليس لهم رسالة ، هؤلاء لا يُقلَدون ، الشاب الذي يحاول أن يكون مثل الشاب الغربي ضاع ، ضيع نفسه ، ضيع حياته ، ضيع مصيره ، بدل أن تقلد هؤلاء قلد أسامة بن زيد ، قلد محمد بن القاسم بن محمد ، قلد الشافعي الذي أفتى وهو ابن سبعة عشر عاماً ، قلد مالكاً الذي وقف في المسجد وهو قبل العشرين ، قلد هؤلاء الأئمة العظام ، بدل أن تقلد هؤلاء الضائعين ، لماذا نقلد هؤلاء ؟ نحن في غنى عن أن نقلد ، وعلينا نحن أيها الآباء ، أيها الشيوخ ، أيتها الأمهات ، علينا أن نعين شبابنا على هذه الرسالة ، وعلى هذه المهمة ، أنا أقول للأسف : إن بعض الأسر تقف عقبةً في سبيل أبنائها إذا أرادوا أن يلتزموا ، وفي سبيل بناتها إذا شئن أن يلتزمن ، رأيت بعض الأمهات تقف ضد ابنتها ، وهي تريد أن تتحجب ، هي للأسف عجوز أكل الدهر عليها وشرب ، ولكنها تلبس الجبونيز ، وتلبس المكروجيب ، والميني جوب ، والزفت جبي ، وهذه الأشياء ، البنت هداها الله ، وعرفت الطريق ، وتريد أن تلبس الخمار وتهتدي بأمر الله عز وجل ، تقول لها : يا بنيتي لن يأتي أحد ليخطبك ، والحقيقة البنت بعدما التزمت ، أصبح الشباب يدورون حولها ، حتى بعض الذين لا يلتزمون الصراط المستقيم ، بعض الشباب يوم يصلي ويوم لا يقولون : دينه سكر خفيف أي ليس متديناً تماماً ، يقول : أنا أتزوج هذه ولا أتزوج تلك المتبرجة المتعرية ، الكاسية العارية ، لأن هذه لا أطمئن إليها ولكن هذه أضمنها ، وأطمئن إليها .
يجب أن تكون الأسرة معاونة لأبنائها ، ولبناتها ، وليعلموا أن الابن المستقيم والبنت المستقيمة هما كنز عظيم ، ينفع الآباء والأمهات في الدنيا ، ويدفع لهم في الآخرة ، أحياناً الابن أو البنت يمكن أن يأخذ بيد أبيه إلى الجنة ، ويشفع له عند الله عز وجل ، هذا ما نريده ، نريد من المجتمع أيضاً أن يعين الشباب على الالتزام ، وعلى الاستقامة ، كثيراً ما يقع الشاب في محنة بين ضميره وواقعه ، بين ما تأمره به عقيدته وبين ما يراه في المجتمع ، وصدقاً أن مجتمعاتنا للأسف تعيش حياة مزدوجة ، نحن نقول : المغرب مسلم ، والبلاد العربية مسلمة ، ولكن ليس إسلاماً كاملاً ، ولا إسلاماً خالصاً ، يوجد نوع من الشركة ، نوع من الازدواجية ، لا نجد مسلماً صلاته ، ونسكه ، ومحياه ، ومماته لله ، ومسلماً في المسجد ، ومسلماً في السوق  ومسلماً في الوظيفة ، ومسلماً في المكتب ، ومسلماً في الجامعة ، ومسلماً في المزرعة ، ومسلماً في المصنع ، ومسلماً في المحكمة ، لا ، هو في المسجد مسلم ، ولكن خارج المسجد شيء آخر .
حدثني بعض الأخوة ونحن في طنجة أن أحد العلماء دعي إلى طنجة ، فاجتمع عليه عدد كبير جداً من الناس ليسمعوا موعظة ، وقال : الحمد لله الناس بخير ، ثم مرّ على الشاطئ  وجد العراة والعاريات ، ونصف العاريات ، ونصف كذا ، وبعدها قال : يظهر أنه يوجد أناس أجانب كثر يعيشون هنا ، فقال له بعض رفاقه : يا سيدنا الشيخ ! هؤلاء الذين على الشواطئ هم الذين كانوا عندك بالأمس في المسجد ، قال : هذه نقرة ، وهذه نقرة .
مجتمعاتنا لم تصحح الإسلام ، لم تدرب نفسها للإسلام الصحيح ، يجب أن نعيش مسلمين حقاً ، أن ننتصر على شهوات أنفسنا ، أن نعيش دائماً مسلمين في كل مكان .

﴿ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)  ﴾

[ سورة البقرة ]


الإيمان برسالة الأمة والنهوض بها : 


اتقِ الله حيثما كنت ، في المسجد كنت ، في البيت كنت ، في الطريق كنت ، في أي مكان كنت ، لتكن تقوى الله تعالى شعارك ، هذا ما نريده من مجتمعنا أن يعين شبابنا على الإسلام ، وأن يوجههم إلى الإسلام ، وأن يشجعهم على الإسلام ، وبذلك تنهض الأمة برسالتها ، وبذلك تؤدي الأمة دورها ، وبذلك تتبوأ الأمة مكانتها تحت الشمس ، أمتنا لا ينقصها شيء ، لتتقدم وليكن محلها في رأس القافلة كما كانت عبر عشرة قرون مضت هي سيدة العالم ، ومعلمة الدنيا ، الأمة لا ينقصها شيء ، ولكن ينقصها الذين يؤمنون برسالتها ، الذين يوجهونها إلى الخير ، الأمة قادرة على أن تتبوأ مكانتها تحت الشمس ، كل مقومات القوة موجودة عند هذه الأمة ، الكثرة ، العددية ، القوة ، الطاقة البشرية ، الطاقة الاقتصادية ، الطاقة الحضارية ، الطاقة الروحية ، لا ينقصنا شيء إذا توجهنا لنصنع من أنفسنا أمةً بين الأمم ، لا يجوز أن ننزل على إرادة الآخرين ، أو نستجيب إلى ما يريده منا الآخرون ، أو الأجانب سمِّهم ما تسميهم ، الغربيون ، الأمريكان ، الصليبيون ، الصهاينة ، الآخرون هؤلاء لا يريدون بالأمة خير ، يريدون أن يذيبوها ، أن يذيبوا هويتها ، أن يلغوا شخصيتها ، أن يلغوا تاريخها وانتماءها ، لا يريدون حتى اسم الأمة هذه ، لا يريدونها أمة عربية ، ولا أمة مسلمة ، ولكن أمة اسمها الشرق الأوسط ، الشرق الأوسط الكبير ، الشرق الأوسط الجديد ، وينبغي أن نصمم ونعلن أن هذه الأمة لن تكون شرق أوسط كبيراً ولا جديداً ، وإنما ستظل أمة العروبة والإسلام حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
هذه هي الأمة التي نحيا لها ، ونعيش في سبيلها ، ونؤمن برسالتها ، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل يومها خيراً من أمسها ، ويجعل غدها خيراً من يومها ، ويجمع كلمتها جميعاً ، حكاماً ومحكومين ، أغنياء وفقراء ، عرباً وأمازيغ ، أياً كانوا ، مسلمين ومسيحيين ، كلنا نريد أن يجمع الله كلمة هذه الأمة على الخير ، والحق ، والهدى ، والتقى ، وأن يهيئ لها من أمرها رشدا.
أقول قولي هذا أيها الأخوة والأخوات ، وأستغفر الله تعالى لي ولكم .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

إخفاء الصور