وضع داكن
28-03-2024
Logo
من أجمل ما قرأ الدكتور : 26 - توحيد الأمة وإصلاحها مع الدكتور عصام البشير
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة:


الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تتنزّل الخيرات والبركات، وبتوفيقه تتحقق المقاصد والغايات، وأزكى صلوات الله وتسليماته على المبعوث رحمة للعالمين، وحجّة الله على الخلق أجمعين، نبي الرحمة، وإمام الهدى، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
الجمع الكريم بمختلف مقاماتهم الرفيعة أحييكم تحية مباركة أن السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: 

سلام من فؤاد هام عشقاً    لأهل المغرب الوضاح يرقى

يعانق منهمُ كرماً ومجداً   ويشرق فيهمُ عدلاً وصدقاً

من السودان أحمله إليكم   يسابق عاطر الأنسام سبقاً

وفي سوح الرباط يروم أهلاً  ويقطن عندهم زمناً ويبقى

فلا غربت شموس الحَبّ عن حب عنكم  ولا بدلاً بكم ذا القلب يرقى

جزاكم الله خيراً أن وطّأتم الأكناف، ومهّدتم السبيل حتى نسعد بهذا الجمع في هذا اليوم الضاحي الكريم، ولا نقول إلا كما قال الصديق: جزاكم الله عنا معشر الأنصار خيراً فوالله ما مثلنا ومثلكم إلا كمثل طفيل الغنوي إذ يقول:

جزى الله عنا جعفراً حين أشرفت    بنا رجلنا في الواطئين فزلّتِ

 أبوا أن يملونا ولو أن أمنا    نلاقي الذي يلقون منا لملت

 فذو المال موفور وكل مُعصب    إلى حجرات أدفأت وأظلت

أيها الأحباب في إشارات عجلى، التوحيد والإصلاح، التوحيد الذي اقترن بالوحدة، كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة، توحيد المعبود ووحدة العابدين:

﴿ إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَأَنَا۠ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ(92) ﴾

[ سورة الأنبياء ]


الإصلاح الذي ينبغي أن يسبقه صلاح:


الإصلاح الذي ينبغي أن يسبقه صلاح، ففي حديث الغرباء ذكر صفتين الذين يصلحون عند فساد الناس إشارة إلى الصلاح الذاتي، وإشارة إلى إصلاح الغير الذين يصلحون ما أفسد الناس، أي أنه لا إصلاح إلا بعد أن يتقدّمه صلاح، على مستوى المفاهيم، والتصورات، وعلى مستوى الممارسة والسلوك في بناء الإنسان، وتوطيد العمران، وتسخير الأكوان، ونهضة الأوطان، وتعايش الأديان، إن الإصلاح الذي ننشده وتنشدونه سنة من سنن الله في الخلق، وسنة من سنن الله في الأمر، وهو يقوم وفق السنن الإلهية الربانية، التي لا تحابي أحداً، من رعاها رعته، ومن ضيّعها ضيّعته، ومن حفظها حفظته، ومن لم يبادر بالإصلاح سيبادره الإصلاح.
الإصلاح لا بد له أولاً من قاعدة متينة أنه يقوم على إرادة التغيير وإدارة التغيير، أصدقها حارث وهمام، همام: إشارة إلى إرادة التغيير، وحارث: إشارة إلى إرادة التغيير، إدارة التغيير تنبني على إرادة التغيير، وإرادة التغيير تحتاج إلى إدارة تترجمه إلى برامج ومشاريع، تنعكس على الواقع، وتتنزّل عليه تنزُّلاً يراعي التدرج والحكمة والمرحلية وترتيب الأسبقيات.
الدائرة الثانية في الإصلاح أنه إصلاح وفق فقه الممكن، والمقدور، والمستطاع، والمُتاح، كما قال خطيب الأنبياء شعيب:

﴿ قَالَ يَٰقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍۢ مِّن رَّبِّى وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَىٰكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا ٱلْإِصْلَٰحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِىٓ إِلَّا بِٱللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ(88) ﴾

[ سورة هود ]

هناك فقه الأمثل، والممكن، والذي نطمح إليه، وهنالك فقه الممكن، والمقدور، والمستطاع، بين فقه العزيمة، وفقه الرخصة، ما يتناسب مع طبيعة البيئات، وأحسب أننا نُؤصّل لهذا الفقه الذي ينطلق من أن الخير في بني الإنسان مركوزٌ في هذه الفطرة البشرية، كما قال خطيب الأنبياء شعيب لبني قومه:

﴿ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۚ قَالَ يَٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُۥ ۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ ۚ إِنِّىٓ أَرَىٰكُم بِخَيْرٍۢ وَإِنِّىٓ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍۢ مُّحِيطٍۢ(84) ﴾

[ سورة هود ]

يعني أن الإصلاح جُهدٌ تراكمي، يبني فيه اللاحق على جهد السابق، ولكنه لا يقف لأن الإصلاح حركة تجديدية، إحيائية، انبعاثية، ومن لم يتجدد يتبدد، ومن لم يتقدّم يتقادم، ومن لم يتطور يتدهور، فتلك سنة الحياة، والماء الراكد يأسن.
الدائرة الثالثة التي نحرص عليها، والحديث إشارات عجلى لضيق الزمان، أنه يقوم على منهج الوسطية والاعتدال، وهي كلمة ليست رجراجة ولا مطاطة، ليست وسطية داجنة، ولا ماجنة، ولا آجنة، إنما هي وسطية ترتبط بالأصل، وتتصل بالعصر، وسطية تقدم الإسلام منهجاً هادياً للزمان والمكان والإنسان، موصولاً بالواقع، مشروحاً بلغة العصر، منفتحاً على الاجتهاد والتجديد، مستلهماً للماضي، معايشاً للحاضر، مستشرفاً للمستقبل، منتفعاً بكل قديم صالح، مرحّباً بكل جديد نافع، عاملاً على تعزيز المشترك الديني والإنساني والحضاري، ملتمساً الحكمة من أي وعاء خرجت.
الوسطية التي ننشدها هي ارتباط بالأصل، وهي اتصال بالعصر.

العربية هي اللسان، فمن تكلم بها فهو عربي:


وثالثاً إن هذا الإصلاح الذي ننشده لأمتنا، يقوم على الإصلاح الشامل إصلاحاً بتعزيز مسيرة الحكم الراشد، والعدل الاجتماعي، واستعادة اللُّحمة لهذه الأمة بعد أن أُريد لها على قاعدة تقسيم المُقسَّم وتجزئة المُجزَّأ، إما على أساس عرقي، يقولون في السودان صراع بين عرب وزرقة، وفي شمال إفريقيا بين عرب وبربر، وفي الخليج بين عرب وفرس، وفي العراق بين عرب وأكراد وتركمان، العروبة عندنا ليسا دماً ولا جنساً، العروبة عندنا هي اللسان، من تكلم بها فهو عربي، من الذي خدم اللسان العربي لغة وبياناً وصرفاً وبلاغة ونحواً؟ إنه سيبويه، عرّبه اللسان، من الذي خدم التفسير؟ إنه الزمخشري عرّبه اللسان، من الذي خدم الحديث؟ البخاري والترمذي عرّبهما اللسان، من الذي خدم الفقه؟ إنه أبو حنيفة، عرّبه اللسان.
إذاً: العروبة ليست لأبٍ ولا لأحدٍ ولا أم، إنما العربية هي اللسان، فمن تكلم بها فهو عربي، ننأى بأنفسنا من أن نكون معبراً، أو جسراً لتجزئة المجزأ، ولتقسيم المقسم، إما على أساس عرقي، أوعلى أساس مذهبي طائفي، أو على أساس ديني.
كلمة أخيرة أختم بها: إننا نرجو أن يكون الإصلاح ليس ردة فعل طارئ، وإنما فقه يقدم البدائل، كثيرون يحسنون لعن الظلام، وقليلون من يحسنون إضاءة الشموع، نريد لهذا الإصلاح أن يكون مشروعاً نهضوياً كاملاً لأمتنا، مشروعاً يقوم على أساس العقيدة الموافقة للفطرة، والعبادة الدافعة للعمارة، والعقل المهتدي بالوحي، والعلم المرتبط بالإيمان، والإيمان المقترن بالعمل، والعمل الملتزم بالدعوة، والأخلاق المترقّية بالإنسان، والجسد الممدود بالروح، والأسرة التي تصون الفرد، والتشريع المحقق للمصلحة، والعدل المؤيد بالإحسان، والقوة المقترنة بالحق، والآداب التي تجمل الحياة، والفن الملتزم بالقيم، والخير المتوشّح بالجمال.
أيها الإخوة المقدمة الكريمة تطاردني بين حين وآخر، وإني مشتاق إليكم ولكن لا بد أن نحترم النظام فهذا بناء مؤسسي.
أختم تحيتي بهذه الأبيات لكم معشر إخوتنا من المغرب الشقيق:

بيني وبينكم ودٌ تعهده *** ربٌّ السماء بتطهير وإكمال

الدين يجمعنا والضاد يمنعنا *** وغزة تسألنا فكًا لأغلال

إذا أردتم كريم العيش فالتفتوا *** إلى الكتاب وحثّوا كل شِملال

إن الكتاب لكم ذكرٌ وتذكرةً *** كم يضرب الله أمثالاً لأمثال

ذمّوا النفوس وأحيوها بتزكيةٍ, *** تشفي وترفع من رين وأقفال

إني كفيل لئن وفيتمو ذِمما *** أن تنزل البطشة الكبرى بأنذال

إن تنصروا الله ينصركم ويجزكمُو *** كفلاً بكفلٍ, وأسجالاً بأسجال

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخفاء الصور