وضع داكن
25-12-2024
Logo
المؤلفات - كتاب مقومات التكليف – المقوم الخامس : الشهوة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الشهواتُ حياديّةٌ، وهي طريقٌ إلى اللهِ تعالى.
رُكّب في كيانِ الإنسانِ هذه الشهواتُ، وقد يَفهمُ البعضُ أنّ هذه الشهواتِ أساسُ فسادِ العالَمِ، والحقيقةُ عكسُ ذلك، فلولا هذه الشهواتُ التي رُكِّبتْ فينا لما دخلنا الجنةَ، ثمّ إنّ هذه الشهواتِ حياديةٌ، إنها سُلَّمٌ يرقى الإنسانُ به إلى الجنةِ، أو دركاتٌ يهوي بها إلى النارِ، وهي بمنزلةِ محرِّكٍ يحرِّك المركبةَ، فإذا كان مع هذا المحرّكِ مِقْوَدٌ يحافظُ على بقاءِ السيارةِ على الطريقِ المعبَّدِ كان هذا المحرّكُ قوةَ دفعٍ لهذه المركبةِ، أمّا إذا كان المحرّكُ يعمل بلا مِقْوَدٍ، وفي الطريقِ انعطافاتٌ، وعلى جانِبَيْه وِدْيانٌ سحيقةٌ، فالهلاكُ حتميٌّ.
إذاً الشهواتُ حياديةٌ، وليست هي سببَ فسادِ العالَمِ، بل إنّ سوءَ استخدامِها هو سببُ فسادِ العالَمِ.
فإيّاك أن تتّهِمَ الشهواتِ، فلولاها لمَا ارتقيتَ إلى ربِّ الأرضِ والسماواتِ، ولولاها لمَا دخلتَ الجنّةَ، ولمَا تقرَّبتَ إلى اللهِ.
هل من طريقٍ آخرَ تتقرّبُ به إلى اللهِ غيرُ طريقٍ الشهواتِ ؟ المالُ محبَّبٌ، فإذا أنفقتَه حلالاً ارتقيتَ إلى اللهِ، فلو كان مع شخصٍ مبلغاً من المال فإنه يمكنه أنْ يأكلَ طعاماً نفيساً هو وأهلُه، لكنّه أعطاه لفقيرٍ، لولا أنك تحبّ هذا المبلغَ لما ارتقيتَ بإنفاقه، وأودعَ اللهُ فيك حبَّ النساءِ، فلولا أنك تحبُّ النساءَ، ومررتَ في طريقٍ على امرأةٍ سافرةٍ، وغضضتَ بصرَك عنها لا ترقى إلى اللهِ.
والإنسانُ يُصلّي في اليومِ خمسَ مراتٍ، أمّا إذا سارَ في الطريقِ المشروعِ فإنه يصلّي آلافَ المراتِ، لأنّه كلما غضَّ بصرَه عن امرأةٍ أجنبيةٍ ارتقى إلى اللهِ.
لأنّ الإنسانَ خُلقَ من نفخةٍ من روحِ اللهِ، ومن قبضةٍ مِن طينِ الأرضِ فيه نوازعُ سفليةٌ، ونوازعُ عُلْويةٌ، وهذان الاتجاهان واضحان في كلِّ إنسانٍ يتمنى أنْ يكونَ طاهراً عفيفاً، كريماً صادقاً، وفياً، وهذا الأمرُ من النوازعِ العُلويّةِ، مِن أثرِ نفخةِ روحِ الله، ويحبّ أن يأكلَ، ويشربَ، ويتزوجَ، وهذه الدوافعِ التي أساسُها أنه خُلِقَ من قبضةٍ من طينِ الأرضِ.
إنّ مِن أدَقِّ الموضوعاتِ التي يهْتَمُّ لها المؤمنُ الصِّراعَ المُسْتمرَّ بين أن يُلَبِّي حاجَةً، وأن يُطَبِّقَ أمْراً، ما مِن يومٍ، وما من ساعةٍ، وما من دقيقةٍ إلاّ وأنت بين شيئين: إمّا أن تُطيعَ، أو أن تسْتجيبَ لِنَزْعة، أو رغْبة، أو مَيْلٍ، أو هوى.
سافرَ إنسانٌ إلى بلدٍ آخرَ، وعنده في بلدِه زوْجةٌ وأولادٌ، وهو مُحْتَرَمٌ اجتماعيًّا، وله مكانةٌ، فَزَلَّتْ قَدَمُه هناك، فأُصيبَ بِمَرض، ولا يجْرؤُ أن يذكرَ هذا المرَضَ خوْفاً من أنْ يسْقطَ من عيونِ الناسِ، يقولُ مرَّةً: واللهِ عانَيْتُ منه ستَّةَ عَشَر عاماً، وأنا أتَألَّم، وكُلُّ هذا الألمِ، وهذا الحزْنِ، وهذا الخوْفِ من شَهْوةِ ساعةٍ.
ألا يا ربّ شَهْوة ساعة أورَثَتْ حزْناً طويلا
قال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾

[ القصص: من الآية 50]

المعنى المُخالفُ أنّ الذي يتَّبِعُ هواه وَفْقَ هُدى اللهِ لا شيءَ عليه ؛ اِشْتهى المرأةَ فَتَزَوَّجَ، واشْتهى المالَ فَعَمِلَ عمَلاً شريفاً، واشْتهى أن يكونَ ذا سُمْعةِ طيِّبَة فأطاعَ اللهَ عز وجل، فحَقَّقَ كُلَّ هذه الشَّهواتِ وَفْقَ منْهجِ اللهِ تعالى، فالإسْلام لا حِرْمانَ فيه، هناك تنْظيمٌ، وطهارةٌ، ونِظامٌ، وراحةٌ نفْسِيَّة عَقِبَ كُلِّ شَهْوة يفْعلها الإنسانُ وَفْقَ منهجِ اللهِ.
قد يُقاربُ الإنسانَ زوْجتَه، ويصلي قيامَ الليلِ، ويبْكي في هذا القِيامِ، لأنَّهُ ما فعلَ شيئاً خِلافَ منهجِ اللهِ، أمّا إنْ ملأَ عَيْنَيْه مِن مَحاسِن امْرأةٍ أجْنَبِيَّةٍ لا تَحِلُّ له فإنه يُحْجَبُ عن اللهِ، نظْرَةٌ فقط تحْجبه، وعلاقةٌ كاملةٌ لا تحْجبُ ! هذه وَفق منهجِ اللهِ، وتلك على خلافِ منهجِ اللهِ، فالصبرُ عن الشَّهْوةِ أسْهلُ من الصبرِ على ما توجِبُه الشَّهْوةُ.

لا حرمانَ في الإسلامِ، ولكن فيه ضبطٌ وتنظيمٌ:
إنّ الشهواتِ التي أودعها اللهُ فينا قيَّدها في الوقتِ نفسِه بمنهجٍ رسَمَه اللهُ لنا، فما مِن شهوةٍ أودعها اللهُ في الإنسانِ إلاّ وجعلَ لها قناةً نظيفةً تسري خلالَها، فلو سارتْ هذه الشهوةُ في القناةِ النظيفةِ لآتتْ أُكُلَها ضِعْفَينِ.
يمكنُ أن تتحرّكَ بالشهوةِ مئةً وثمانين درجةً، ولكنّ الشرعَ سمحَ لك بثمانين درجةً فقط ، الدينُ عمليةُ ضبطٍ، والفسادُ عمليةُ تفلُّتٍ، فكلّ رجلٍ أودعَ اللهُ فيه حبَّ المرأةِ، وكلُّ امرأةٍ أودعَ اللهُ فيها حبَّ الرجلِ، ولكنّ المؤمنَ والمؤمنةِ ينضبطان وَفقَ منهجِ اللهِ، فتكونُ هذه الشهوةُ دافعاً لهما إلى الجنّةِ، فالدّينُ كلُّه، والإيمانُ كلّه عمليةُ ضبطٍ فقط، قال تعالى:

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾

[ النازعات: الآية 40 – 41]

الوقودُ السائلُ في المركبةِ فيه قوّةٌ انفجاريةٌ، لكنه إذا وُضِعَ في مستودَعٍ مُحكَمٍ، وسالَ في الأنابيبِ المحكَمةِ، وانفجرَ في الوقتِ المناسبِ، وفي المكانِ المناسبِ، ولّدَ حركةً نافعةً تسعدُ بها، وتنقلُك أنت وأهلَك إلى مكانٍ جميلٍ، ما الذي جرى في السيارةِ ؟ انفجارٌ، لكنه انفجارٌ وفقَ المنهجِ، أما لو خرجَ هذا الوقودُ عن مسارِه، وأصابت السيارةَ شرارةٌ لأحرقتْ المركبةَ ومَن فيها.
فالإنسانُ لا يتألم من الشهوةِ، بل يتألّم من نفسِه، بشكلٍ أو بآخرَ، السُّكَّر مادّةٌ ثمينةٌ، والملحُ مادّةٌ ثمينةٌ، فلو وضعتَ الملحَ في الحلوياتِ، هل تأكلها ؟ أو وضعتَ السكرَ في طبخةٍ غاليةِ الثمنِ، هل تأكلها ؟ لقد أفسدتَ الطبخةَ، السكرُ مادّةٌ ثمينةٌ ونافعةٌ، والملحُ مادّةٌ ثمينةٌ ونافعةٌ، لكنك أسأتَ الاستعمالَ، فالفسادُ هو في إساءةِ الاستعمالِ ؛ فالمرأةُ خُلِقَتْ لتكونَ زوجةً لك، تسعدُ بها، وتسعدُ بك، وتنجبُ أطفالاً ترفرفُ بوجودِهم على البيتِ السعادةُ والهناءُ، أمّا إذا سلكتَ في قضاءِ هذه الشهوةِ طريقًا حرَّمه اللهُ شقيتَ، فالشقاءُ هو في سوءِ استخدامِ هذه الحظوظِ، وتلك الشهوةِ.

 

بالشهواتِ ترقى إلى اللهِ مرّتين ؛ صابراً وشاكراً:


إنّ هذه الشهواتِ ترقى بها إلى اللهِ مرتين، ترقى بها مرّةً صابراً، و مرّةً شاكراً، فإذا نظرتَ إلى ما يحلُّ لك ترقى شاكراً، وإذا غضضتَ عمّا لا يحلّ لك ترقى صابراً، إذا كسبتَ المالَ من وجوهِه المشروعةِ، وأنفقتَه فيما هو مشروعٌ، كأنْ تأتيَ مثلاً بالطعامِ والشرابِ والفواكهِ لأولادك، وقد أدخلتَ على قلوبِهم السرورَ، فإنّك ترقى إلى اللهِ شاكراً، فإذا امتنعتَ عن أخذِ مالٍ حرامٍ، فيه شبهةٌ، وأنت في أشدِّ الحاجةِ إليه، وقد أودعَ اللهُ في كيانِك حبَّ المالِ، ترقى إلى اللهِ صابراً، فهذه
الشهواتُ إذًا كالمنشارِ، ترقى بها مرتين، فإنْ سلكتَ القناةَ النظيفةَ التي سمحَ اللهُ لك أن تسلكَها ارتقيتَ إلى اللهِ شاكراً، وإن ابتعدتَ عن الوجهِ الذي حرّمه اللهُ عليك ترقى إلى اللهِ صابراً، فإذا امتنعَ الإنسانُ عن أخذِ المالِ الحرامِ يرقى، وإذا سلك الطريقَ المشروعَ يرقى، وإذا غضّ بصرَه عن امرأةٍ أجنبيّةٍ يرقى، وإذا نظرَ إلى امرأتِه يرقى.
هذا معنى قولِ اللهِ تعالى:

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾

[ آل عمران: الآية 14 ]

وكأن المتاعَ كلَّه في كلمة

﴿ ذَلِكَ ﴾

هذه التي بين يديك،

﴿ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾

فإذا اتقى الإنسانُ اللهَ في هذه الشهواتِ، وجاءه ملَكُ الموتِ ليقبضَ روحَه، وقد مات على الإيمانِ، وعلى طاعةِ رسول الله ، فله عودةٌ إلى اللهِ لا توصفُ من شِدّةِ السعادةِ،

﴿ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾

فحينما تؤوبُ إلى الله، وقد اتقيتَ اللهَ في هذه الشهواتِ، فلك عودةٌ لله عز وجل، وأنتَ في أسعدِ الحالاتِ.
لذلك قالوا: الموتُ عرسٌ المؤمنِ، والشيءُ الثابتُ أنَّ أسعدَ لحظاتِ المؤمنِ حين يلقى ربَّه.
فلك أن تتزوج، وأنْ تنجبَ الأولادَ، وتشتغلَ، وتكسبَ المالَ كلَّه بالطريق الحلالِ، وَفقَ المنهجِ الربَّانيِّ، ادرسْ، واحصلْ على شهاداتٍ عليا، وتاجرْ، وافتحْ محلاّتْ، ضِمْنَ المنهجِ، وكن صادقًا، لا غشّ، ولا تدليسَ، ولا ربا ، وكلُّ عملك وَفقَ المنهجِ، فاللهُ ما حرَّم عليك الدنيا، وليس بخيركم مَن تركَ دنياه لآخرته، ولا مَن تركَ آخرتَه لدنياه، إلا أنْ يتزوّدَ منهما معاً، فإنّ الأولى مطيّةٌ للثانيةِ، والدعاءُ الشريف: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ e يَقُولُ:

(( اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ ))

[ مسلم ( 2720 )]

قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ  كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ:

(( اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ ))

[ الترمذي ( 464 )، أبو داود ( 1425 )، الدارمي ( 1593 ) ]

وهذه واقعية النبي .
دقِّقوا في الآيةِ التاليةِ، فكلُّ واحدٍ من الناسِ ذاقَ نعمةَ المالِ، ونعمةَ النساءِ، ونعمةَ الزوجةِ، ونعمةَ البيتِ المريحِ، والمركبةِ الفاخرةِ، والبيتِ في المصيفِ.
ثم إنّ ربنا عز وجل يقول لكم:  قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ ، هل أنت مصدِّقٌ للهِ عز وجل:

﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ﴾

وأثمنُ من كلِّ ذلك،

﴿ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾

[ آل عمران: الآية 15 ]

لذلك ما أخذت الدنيا من الآخرةِ إلاّ كما يأخذُ المخيطُ إذا غُمسَ في مياهِ البحرِ، أخرجْ من جيبك إبرةً، واغمسْها في مياهِ البحرِ، ثم اسحبْها، واحسُب النسبةَ، كم نقصَ من ماءِ البحرِ ؟ وكذلك قال النبي :

﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾

[ النجم: الآية 3 - 4 ]

المال والنساء:
إنّ أطولَ قصةٍ في القرآنِ الكريمِ هي قصةُ سيدنا يوسفَ عليه السلامُ، ومحورُها الأساسيُّ أنّ امرأةً ذاتَ منصبٍ وجمالٍ دعتْ هذا النبيَّ الكريمَ الشابَّ الطاهرَ فقال: إني أخافُ اللهَ ربَّ العالمين.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ  قَالَ:

(( إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ ))

[ مسلم ( 2742 )، الترمذي ( 2191 )، ابن ماجه ( 4000 )، أحمد ( 11159 ) ]

هذه الشهوةُ لها قوّةُ وهجٍ، وقوّةُ جذبٍ، والإنسانُ يتأثّرُ بها عن بُعدٍ ولو بالصورةِ، أو بالشاشةِ، أو بالقراءةِ، فما لم يَدَعِ الإنسانُ بينه وبين هذه الشهوةِ هامشَ أمانٍ فإنّ أثرَها سيصلُ إليه.
بعضُ الغواصاتِ تتحرّكُ بالطاقةِ الذريةِ، بكميّةٍ بسيطةٍ من اليورانيوم يمكن أن تحرّكَها سنتين.
كأن هذه الشهوةَ الجنسيةَ في الإنسانِ كهذا اليورانيوم، تدفعُه إلى العملِ، وإلى الإتقانِ، وإلى كسبِ المالِ الحلالِ، من أجلِ أن يتزوّجَ، ويطعمَ أولادَه، فما هذه الشهوةُ التي أودعها اللهُ فينا إلا باعثٌ للعملِ، أمّا إذا أصبحتْ هدفاً بنفسِها، ولم تتقيّدْ بمنهجِ اللهِ كانت قوّةً مدمِّرةً.
يُؤخَذُ الإنسانُ من مَزلقَيْن خطيرين ؛ المالُ والنساءُ، وهما نقطتَا ضعفٍ في شخصيته، وكلّ الذين سقطوا في تاريخِ البشريةِ سقطوا من فضيحةٍ ماليةٍ، أو من فضحيةٍ أخلاقيةٍ، فلذلك أعظمُ ما في هذا الشرعِ أنّ اللهَ جعلَ بينك وبين المعصيةِ الكبرى هامشَ أمانٍ، كأنك تمشي على شاطئِ نهرٍ عميقٍ مخيفٍ، له شاطئٌ مائلٌ زلقٌ، وآخرُ مستوٍ جافٌّ، إنك إنْ مشيتَ على الشاطئِ الزلقِ فاحتمالُ السقوطِ كبيرٌ جداً، وإن مشيتَ على الشاطئِ الجافِّ فاحتمالُ النجاةِ كبيرٌ جداً، لذلك قال تعالى:

﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾

[ الإسراء: من الآية 32 ]

ولمْ يقل: ولا تزنوا.
ومن عجيبِ ما قرأتُ أنّ الإنسانَ إذا تجاوزَ الخطَّ الأحمرَ في علاقتِه بالمرأةِ، كأنْ صارَ في خلوةٍ معها، أو صحبَ الأراذلَ، أو استمعَ إلى شيءٍ لا يرضي اللهَ، فإن الدماغَ يفرزُ مادّةً تعطّلُ محاكمتَه، لذلك تجد أشخاصاً كبراءَ سقطوا في خلوةٍ، فإذا تجاوزَ الإنسانُ الخطَّ الأحمرَ فهذا يمكنُ أن يعطِّلَ محاكمتَه، وأنْ يوقِعَه في الفاحشةِ، وأنْ يكونَ هلاكُه بسببِها، لذلك قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :

((... لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ))

[الترمذي ( 1171 ) ]

ما قال: ما خلا كافرٌ بامرأةٍ، وما قال: ما خلا فاسقٌ بامرأةٍ، بل قال:

(( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ ))

يجبُ أن تحيطَ نفسَك ببيئةٍ طيّبةٍ مؤمنةٍ، وبأناسٍ أطهارٍ صادقين،ورعين، مستقيمين،

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ التوبة: الآية 119 ]

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور