الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا عِلم لنا إلا ما علّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزِدنا علماً، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أشكر لكم هذه الدعوة الكريمة التي إن دلَّت على شيءٍ، فعلى حسن الظن بي، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنِّكم.
طلَبُ العِلمِ فَريضةٌ علَى كلِّ مُسلِمٍ:
أيُّها الإخوة الكرام: هذا الدين العظيم له كُليِّات، الكُليِّات مصطلح معاصر، هناك العقيدة، الفهم، التصوُّر، المنطلق النظري، أسماء لمُسمّى واحد الجانب العقدي، إن صحَّت العقيدة صحَّ العمل، وإن فسدت فسد العمل، لا بُدَّ من طلب العِلم
(( عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: طلَبُ العِلمِ فَريضةٌ علَى كلِّ مُسلِمٍ ))
[ رواه الألباني في صحيح ابن ماجه ]
كيف أنَّ الهواء يُستنشق قطعاً، والماء يُشرب قطعاً، و(طلَبُ العِلمِ فَريضةٌ علَى كلِّ مُسلِمٍ) الإنسان عنده شهوات، الشهوات أدوات إيجابية لنقله إلى الله، فإذا لم يكن على علمٍ بها، كانت سبباً لشقائه، فلا بُدَّ من طلب العِلم، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعِلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعِلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعِلم، والعِلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلّك، فإذا أعطيته بعضك لم يُعطِك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العِلم، فإذا ظنَّ أنه قد علِم فقد جهِل.
طالب العِلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً، الإنسان هو المخلوق الأول والمُكلَّف والمُفضَّل والمُحاسَب والمُعاقَب
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)﴾
تُقرأ استفهاماً، إذا الأب غنيٌ كبير وعنده عشرة أولاد، قال لهم: لكل واحدٍ منكم بيتٌ ومركبةٌ ودخلٌ جيِّد، لكن إذا أحدكم جاء بالدكتوراه من بلدٍ بعيد أُعطيه نصف الشركة، وإذا لم يأتِ بها أجعله يتسوَّل.
رُكِّب الملَك من عقلٍ بلا شهوة، ركِّب الحيوان من شهوةٍ بلا عقل، ركِّب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإذا سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان، فالإنسان (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)) تُقرأ استفهاماً، لكن إذا كان واثقاً من إيمانه بالله (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) .
لذلك أيُّها الإخوة، نحن نحمل أمانة، أن نعرف الله في الدنيا، وقد ذكر ابن القيِّم في طريق الهجرتين هذا الأثر: "ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فُتُّك فاتك كل شيء، والله أحب إليك من كل شيء" .
مثال للتقريب: هذه الطاولة جماد، وزن حجم طول عرض ارتفاع، والنبات يزيد عليها بالنمو، والكائنات المتحركة تزيد عليهما بالحركة، أمّا الإنسان؟ من الجماد وزن حجم طول عرض ارتفاع، من النبات النمو كان صغيراً فأصبح كبيراً، من الكائنات المتحركة يتحرك، لكن الله أودع فيه قوةً إدراكية، هذه القوة الإدراكية سبب سعادته، سبب وصوله إلى الله، سبب إخلاصه، سبب عمله الصالح، القوة الإدراكية أعظم شيءٍ بالإنسان، فلذلك: إذا أردت الدنيا فعليك بالعِلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعِلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعِلم، إلا أنَّ العِلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلّك، فلا بُدَّ من طلب العِلم (طلَبُ العِلمِ فَريضةٌ) كلمة فريضة كيف يعني؟ الفريضة شرب الماء، الفريضة استنشاق الهواء، فيجب أن تطلب العِلم، إذا أردت الدنيا فعليك بالعِلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعِلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعِلم، إلا أنَّ العِلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلّك، فإذا أعطيته بعضك لم يُعطِك شيئاً.
هناك الآن ثمانية مليارات إنسان في الأرض، فيهم واحد يحب الفقر؟ لا، القهر؟ لا، فيهم واحد لا يحب الغنى؟ أبداً، هناك قواعد عامة، فإذا أردت السلامة والسعادة، طبِّق تعليمات الصانع، مثال للتقريب: اشتريت مركبة غالية جداً، تركبها أول يوم تألق ضوءٌ أحمر في لوحة البيانات، إن فهمتها ضوءاً تزينياً احترق المحرك، تحتاج لمئة ألف، وإن فهمتها بحسب تعليمات الصانع، نقص زيت تضع لتر زيت فقط، فلا بُدَّ من تطبيق تعليمات الصانع، والصانع هنا هو الله، الشرع تعليمات الصانع، لصالحك، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعِلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعِلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعِلم، لكن هناك كلمةً دقيقة، هذا الدين كم كتاب؟ كم عالم؟ كم جامع؟ كم مؤسسة؟ كم شركة؟ بالملايين، هذا الكم الكبير المُذهِل هل بالإمكان أن يضغط في كُليِّات؟ نعم، أول كُليِّة العقيدة، إن صحَّت صحَّ العمل، وإن فسدت فسد العمل، فلا بُدَّ من طلب العِلم، طلب العِلم يؤكد إنسانيتك، طلب العِلم فريضة كما أنَّ استنشاق الهواء فريضة، كما أنَّ شرب الماء فريضة (طلَبُ العِلمِ فَريضةٌ علَى كلِّ مُسلِمٍ) هذا الجانب العقدي.
من أجل أن يضع الإنسان جانب اسمه دال نقطة، ثلاث وعشرين سنة دراسة، أي دكتور، دال نقطة، ولكي يصل إلى الجنَّة إلى أبد الآبدين، ألا ينبغي أن يطلب العِلم؟ (طلَبُ العِلمِ فَريضةٌ علَى كلِّ مُسلِمٍ) إذا أردت الدنيا فعليك بالعِلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعِلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعِلم، فالعقيدة الصحيحة أهم شيء في هذا اللقاء، إن صحَّت عقيدتك صحَّ عملك، وإن فسدت عقيدتك فسد عملك.
الحركة، هناك حركة سلبية، أنا ما أكلت مالاً حراماً، ما كذبت، ما غششت، هذه حركة سلبية، وهناك حركة إيجابية أنفقت من مالي، أنفقت من علمي، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، الدليل:
﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)﴾
وسُمّيَ العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلُح؟ إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً وافق السُنَّة، العمل الصالح هو ذخيرتنا، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح.
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)﴾
الغنى والتفوُّق والتألق معلَّق بالعمل الصالح:
فالغنى والتفوُّق والتألق معلَّق بالعمل الصالح، أخذنا بيت فخم يأتي الموت تنسحب منه، الزوجة تتركها، أي شيءٍ ممتع بالحياة بالموت ينتهي، إلا المؤمن آمن باليوم الآخِر، ينتقل من حالٍ إلى حالٍ أرقى، لا يوجد إنسان متوازن بالأرض إلا المؤمن، لأن الموت مخيف، بعد النجاح المُذهِل جاء ملَك الموت، تفضل، فقد كل شيءٍ، لا بيت ولا سيارة ولا مكانة ولا سهرات كله انتهى، الموت يُنهي كل شيء، وإذا الإنسان أدخل الموت بحسابه يكون ذكياً جداً، وسيُشيَّع إلى مثواه الأخير، ما المعنى؟ هذا مثوى مؤقت، مهما كان فخماً لا بُدَّ من مغادرته، يدخل إلى بيته قائماً سبع وثمانين سنة، وفي مرةٍ يخرُج أفقياً، هذه الطلعة الأفقية انتبهوا لها، كل ذكاءك وكل بطولتك وكل تألقك أن تُعدّ لهذه الساعة التي لا بُدَّ منها، أكفر كفَّار الأرض فرعون الذي قال:
﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ (24)﴾
وبعد ذلك قال:
﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)﴾
ماذا قال؟
﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)﴾
خيار الإيمان خيار وقت فقط، أنت معك مليون خيار رفض، هذا البيت لم يعجبك لا تشتريه، هذه المخطوبة لم تعجبك لا تتزوجها، هذه المصلحة لم تعجبك دخلها قليل، معك مليون خيار رفض إلا مع الدين خيار وقت
﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ(158)﴾
أنت المخلوق الأول المُكرَّم والمُفضَّل والمكلَّف والمُحاسَب:
فأنت عندما تعرف من أنت؟ أنت المخلوق الأول، المُكرَّم المُبجَّل، المُفضَّل، المكلَّف، المُحاسَب المُعاقَب، المُؤاخَذ، اعرف من أنت، أنت الخلوق الأول، والله عزَّ وجل خلقك لجنةٍ عرضها السماوات والأرض، هناك تعليمات الصانع، ما هو الشرع، كل واحدٍ منّا لو اشترى سيارةً جديدة، همّه أن يترجم تعليمات الصانع لحرصه على سلامتها، وأنت فكِّر هذا الإله الخالق أليس له تعليمات؟ القرآن والسُنَّة تعليماته، فإذا كنت تحب نفسك فقط ينبغي أن تتَّبِع تعليمات الصانع، انطلاقاً من حبك لذاتك، فلا بُدَّ من طلب العِلم، طلب العِلم فريضة كما أن شرب الماء فريضة، والتنفُس فريضة على كل مسلم، كُليِّات الإسلام العقيدة، إن صحَّت صحَّ العمل، الحركة الآن الاستقامة، أنا ما كذبت، ما غششت، ما فعلت شيء غلط، الاستقامة لها جانب سلبي، أمّا العمل الصالح جانب إيجابي، والاستقامة حدّيِّة، مثال للتقريب:
مستودع للوقود ما معنى مُحكم؟ أي لو تركته سنة لا ينقص ولا ميلي، هذا مُحكم، الاستقامة حدّيِّة، لا يوجد نصف استقامة، استقامة حدّيِّة، أمّا العمل الصالح نسبي، بقدر إمكاناتك، فأنت عندك استقامة سلبية، وعندك عمل صالح، هذه الحركة، أول شيء العقيدة، ثاني شيء الحركة، السلبية استقامة والإيجابية عمل صالح، الثمرة
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾
كائن ضعيف مخلوق يخاف كثيراً، سُمح له أن يتصل بالذات الإلهية، أصل الجمال والكمال والنوال، إن اتصلت به اشتققت منه الرحمة، اللطف، الأدب، مكارم الأخلاق مخزونةٌ عند الله تعالى، فإذا أحبَّ الله عبداً منحه خُلقاً حسناً
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾
المؤمن سُمح له أن يتصل بالله، بأصل الجمال والكمال والنوال:
لفت نظري كلمة عظيم، النبي الكريم الله أعطاه ولا أُبالغ آلاف الميِّزات التي انفرد بها، لمّا الله مدحه بأخلاقه فقط (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) إذا عندك خمسة ضيوف، وعندك خمس تفاحات، وعندك خمسة أولاد، جاءك ضيف من مكانٍ بعيد، تقول أنا عندي خمسة أولاد أَولى بالتفاحات، كما أنَّ ليس من المعقول أن لا أُكرم الضيف، فأصبح معك تردُّد، إنك ذو خُلقٍ عظيم، أمّا على ليس هناك تردُّد أبداً (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) مكارم الأخلاق مخزونةٌ عند الله تعالى، وإذا أحبَّ الله عبداً منحه خُلقاً حسناً، أصبح عندنا العقيدة والحركة، السلبية استقامة والإيجابية عملٌ صالح، الثمرة (َأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) الصلاة عماد الدين وعصام اليقين، وسيدة القربات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات، كائن حادث، خائف فقير، سُمح له أن يتصل بالله، بأصل الجمال والكمال والنوال
فلو شاهدت عيـناك من حســـننـا الـذي رأوه لما ولـيت عنـا لغـيرنـا
ولو سمـعت أُذناك حُسـن خطابنا خلـعت عنك ثيـاب العُجب و جئتـنا
ولـو ذقت مـن طـعم المحـبَّة ذرةً عــذرت الـذي أضـحى قتيلاً بحـبنا
ولـو نسمـت مـن قربنا لك نسمةٌ لـمـُت غـريـبـاً واشــتياقـاً لـقربـنــا
ولـو لاح مـن أنوارنـا لــك لائـحٌ تـركــت جـميـع الكــائنـات لأجـلـنا
فـما حبـنـا سـهلٌ وكل مـن ادّعى ســُهـولتـه قـلـنـا لـه قـد جـــهـلـتـنـا
وأيسر مـا في الحب للصـبِّ قتل وأصـعب من قـتل الفتى يومُ هجرنا
أن تتصل بالذات الإلهية، بأصل الجمال والكمال، أن يسمح الله لك أن تتصل به، كم مَجرَّة؟ هناك مليار مليار مَجرَّة، درب التبابنة مجرَّتنا، مَجرَّة متوسطة جداً، مليار مليار مَجرَّة، صاحب هذه المليارات سمح لك أن تتصل به
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)﴾
الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، وسيدة القربات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات، الكُليِّة العقدية، الحركية استقامة وعمل صالح، الثمار الصلاة (َأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) أنت إذا صلَّيت ذكرت الله، لكن هناك آيةً ثانية يا الله
﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)﴾
إن ذَكرَك الله منحك السكينة، تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، السكينة ذاقها النبي في الغار، وذاقها إبراهيم في النار، بأصعب الأماكن، وذاقها يونس في بطن الحوت، السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء.
أيُّها الإخوة الكرام: الكُليِّات العقيدة والحركة، السلبية استقامة والإيجابية عملٌ صالح، والثمرة الصلاة (َأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) وإذا ذَكرَك الله أنت أسعد إنسان، والله لا أحنث بهذا اليمين، إن لم تقل، أي أخ بأي سن، بأي دخل، بأي بيت، ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى منّي.
إخواننا الكرام: عندنا لذّة حسيِّة، هذه اللذَّة الحسيِّة تحتاج لثلاث شروط، ينقصك واحد دائماً، بالبداية يوجد صحة ويوجد وقت لكن لا يوجد مال، بالوسط لا يوجد وقت، بالنهاية لا يوجد صحة، دائماً ينقصك واحدة، ما سمح الله للدنيا أن تُمدك بسعادة لكن بلذّة، واللذَّة ثلاث شروط ينقصك واحد دائماً في الحياة للبشر جميعاً، في البداية ينقصه المال، بالوسط الوقت، بالنهاية الصحة، أمّا الصلة بالله، لمجرد أن تنعقد لك مع الله صلة، ولا تقول ليس على وجه الأرض من هو أسعد منّي إلا أن يكون أتقى منّي.
فلو شاهدت عيـناك من حسـننـا الـذي رأوه لما ولـيت عنـا لغـيرنـا
ولو سمعت أُذناك حُسن خطابنا خلـعت عنك ثيـاب العُجب و جئتـنا
ولـو ذقت مـن طعم المحبَّة ذرةً عــذرت الـذي أضـحى قتيلاً بحبنا
ولـو نسمت مـن قربنا لك نسمةٌ لـمـُت غـريـبـاً واشــتياقـاً لـقربـنـا
فأنت لا بُدَّ من أن تعرف الله، "ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فُتُّك فاتك كل شيء، والله أحب إليك من كل شيء" .
هذه تقريباً كُليِّات الدين: العقيدة، والحركة السلبية استقامة والإيجابية عملٌ صالح، والثمرة الصلاة، الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، وسيدة القربات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات.
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾
أعظم عملٍ أن تدعو إلى الله:
أعظم عملٍ على الإطلاق أن تدعو إلى الله، هناك دعوةٌ احترافية، وهناك دعوةٌ فرضية، أنت سمعت من الخطيب قصة مؤثِّرة، حدِّثها لزوجتك، أنت دعوت إلى الله، نقلت هذه القصة من المسجد إلى البيت، لك صديق، الدعوة إلى الله كفرض عين فرض عينٍ على كل مسلم، في حدود ما يعلم ومع مَن يعرف، أمّا التفرُّغ، والتعمُّق، والتبحُّر، هذه دعوةٌ احترافية يقوم بها البعض، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل، نحن بحاجةٍ لدعوتين، دعوة فردية ودعوة احترافية، الدعوة إلى الله أعظم عمل (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ) ليس من المعقول أن يكون الداعية عنده جامع وهو خطيب، أنت إنسان بأي عمل، تاجر، موظف، سمعت حديث من شيخ المسجد يوم الجمعة، حدِّثه لرفاقك فقط، نقل المعلومة من جهةٍ إلى جهة، هذه دعوةٌ إلى الله، لكن هذه دعوة فرض عينٍ على كل مسلم، أمّا التفرُّغ، والتعمُّق، والتبحُّر، هذه دعوةٌ احترافية يحتاجها المسلمون لكن بحدودٍ مُعيَّنة.
إخواننا الكرام: النقطة الدقيقة، كُليِّات الدين العقيدة، الحركة، الصلاة، هذه كُليِّات، هناك ملامح دقيقة: القدوة قبل الدعوة، الذي يؤثِّر بالآخرين القدوة لا الدعوة، الأب ما كذب إطلاقاً أمام أولاده، لو ما قال لهم اصدقوا لم يكذبوا أبداً، القدوة قبل الدعوة، الأب والأم قدوتان للأولاد، أبٌ مستقيم أولاده يستقيمون تبعاً له، بيتٌ مسلم، لا يوجد كذب، لا يوجد شاشة مفتوحة، لا يوجد اختلاط، لا يوجد تفلُّت، البيت مسلم.
إخواننا الكرام: أنت محاسَب عن ثلاث أماكن، أنت المكان واحد، بإمكانك أن تُصلّي أو لا تُصلّي، بإمكانك أن تدفع زكاة مالك أو لا تدفع، أنت واحد، وبيتك اثنان، لا يوجد شاشة مفتوحة، المفتوحة تنقل لك أشياءً العقل لا يُصدِّقها، لا يوجد شاشة مفتوحة ببيتٍ فيه استقامة.
إخواننا الكرام: كلمة لعلكم تتفاجؤون بها، إن لم تُضبَطت الشاشة لا توبة في البيت، الغرب لمّا يئس أن يحتل بلادنا أفسدنا، بالإعلام أفسدنا، كان سابقاً يوجد مجلس نيابي، ومجلس وزراء، وقضاء، الثلاثة التغوا، يوجد تلميع إعلامي، تضليل إعلامي، تعتيم إعلامي، لكن لا يوجد إعلام، تضليل تعتيم، أخطر شيء الإعلام.
إخواننا الكرام والله من القلب للقلب، أخطر شيء في بيوتكم الشاشة، تنضبط، هناك انضباط هناك خبراء، الإسلاميات والعلميِّات فقط، إذا الشاشة لم تنضبط نصيحةً لوجه الله، في البيت لا يوجد توبة، ويوجد انحراف تراه أو لا تراه، لأنه يوجد شاشة تفعل إثارة من أعلى مستوى، فهذه نصيحةٌ لوجه الله
(( إن الدينَ النصيحةُ، إن الدينَ النصيحةُ، إن الدينَ النصيحةُ. قالوا: لمَن يا رسولَ اللهِ؟ قال: للهِ ولكتابِه ولرسولِه ولأئمةِ المسلمين وعامَّتِهم. ))
[ الألباني صحيح النسائي ]
النبي ضغط الدين كله بكلمةٍ واحدة (الدينَ النصيحةُ) فلا بُدَّ من ضبط الشاشات، ولا بُدَّ من تربية الأولاد، أكبر تجارةٍ بالأرض، خمسة عشر بالمئة، في الأرض كلها، إن لم يكن هناك احتكار، أعلى ربح تجاري خمسة عشر بالمئة، أعلى ربح صناعي خمس وعشرون، مع الله بالمئة مليون
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)﴾
إخواننا الكرام: موضوع الدين موضوع أساسي جداً، لا بُدَّ من طلب العِلم، لكنه يحتاج لطلبٍ مُتتابِع، لأنَّ جلسةً واحدة لا تفعل شيئاً، لا بُدَّ من جلسةٍ اسبوعية الحد الأدنى، أبعد حدّ كل أسبوعين جلسة، تسمع من عالم، سهرة، أحدهم يُحضِّر موضوع، أي جماعة اجتمعوا كل يوم أحد مثلاً بعد العشاء، قد حضَّرت موضوعاً، فأرجوا الله عزَّ وجل أن تكون الدعوة إلى الله ضمن حياتكم اليومية (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) .
هناك تعليقٌ لطيف، دعا إلى الله بلسانه بعمله، بإتقان صنعته، وعمل صالحاً، حركته في الحياة وفق منهج الله، وما قال لا يوجد غيري! (وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) .
أرجو الله عزَّ وجل أن يحفظ لكم إيمانكم، وأهلكم، وأولادكم، وصِحّتكم، ومالكم، آخر واحدة.. واستقرار بلادكم، هذه نعمةٌ لا تُعرف إلا إذا فُقدت، الله يبارك بكم جميعاً.
الملف مدقق