- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى
الحمد لله، نحمده ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
القسوة والرحمة :
أيها الإخوة الكرام، وردت كلمة القسوة في القرآن الكريم في سبعة مواضع، كلها سيقت في معرض الذم، قال تعالى:
﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾
وقال تعالى:
﴿ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ﴾
وفي صحيح البخاري:
عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( الإيمانُ ها هنا، وأشار بيده إلى اليمن، والقسوةُ وغِلَظُ القلوب في الفَدَّادين عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلُع قَرْنا الشيطان في ربيعة ومُضَر ))
أيها الإخوة الكرام، والنبي عليه الصلاة والسلام استعاذ من القسوة:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعتُ أَبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول:
(( لا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلا مِن شَقيٍّ ))
والشاة إن رحمْتَها رحمك الله.
وإنما بعث النبي عليه الصلاة والسلام، كما تعلمون، رحمةً للعالمين.
القسوة في واقعنا :
أيها الإخوة الكرام، هناك عنف اجتماعي، أنا أتحدث عن الطبقة التحتية، عند المسلمين، عن الطبقة الدنيا، هؤلاء عندهم عنف لا يعلمه إلا الله:
عنف ضد المرأة، فكم من امرأة تُضرَب ضرباً مبرّحاً، وتطرد في منتصف الليل.
وعنف ضد الأطفال، وضد الضعفاء أو الغرباء الذين لا سند لهم...
هذا عنف قائم في المجتمعات الإسلامية، وأنا لا أعمّم، فالتعميم من العمى، وينتظر من طلاب العلم، ومن روّاد المساجد أن تكون بيوتهم جنة، حتى لو كانت ضيقة، أن تكون بيوتهم بيوت رحمة، حتى لو كانت خشنة.
أيها الإخوة الكرام، وأحياناً تجد العنف ممن يسمي نفسه مثقفاً، أو ممن يوجّه الناس، فهو يتظاهر بالتواضع، ولكن أحداً إذا ناله بكلمة بطش به بطشَ الجبابرة.
هناك عنف الأقوياء، والعياذ بالله، عنف في بطشهم، وهناك عنف المعارضين، وكلاهما عنف مردود ومدان.
أيها الإخوة الكرام، العنف الذي في العالم سبب ما يجري في العالم، لأن العنف لا يلد إلا العنف، أعطيكم صور هذا العنف وملامحه القاسية من خلال تعاظم حالة نفسية لها آثار خطيرة يتوهمها صاحبها هي صناعة الرعب، ويظن أنه حالما يظهر يتجمد الآخرون أمامه وأن هذا من قوة الشخصية، لا، هذا من ضعف الشخصية، هذا من أمراض نفسية، هذا من إحساس بالنقص، هذا من شعور بالذنب، هذا من اختلال في التوازن.
أيها الإخوة الكرام:
يقول الصحابي الجليل جرير بن عبد الله رضي الله عنه:
(( ما حَجَبني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم منذُ أسملتُ، ولا رآني إلا تَبَسَّم في وجهي ))
هكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام.
ردود الفعل القاسية :
أنا أخاطب مدير شركة، مدير مدرسة، مدير مستشفى، كل من كان مقطّب الجبين، وكل من بثَّ الرعبَ فيمن حوله وهو يعدّ نفسه قائداً حكيماً، وشخصيةً قوية، لا، قوتك في تواضعك، قوتك في أن يلتفَّ الناسُ حولك، قوتك في أن تملأ قلوبَ من حولِك بمحبتك.
هناك عدوان لفظي، أصوات عالية، صراخ، وقد أورد الفقهاء أنه تجرح عدالة الإنسان إذا علا صوته في بيته، أصوات عالية، صخب، ضجيج، صراخ، شتائم، تهديد، وكم من بيت في بيوت المسلمين يعلو صياح أهله طوال الليل.
أضرب لكم بعض الأمثلة:
امرأة قدمت لزوجها ساعة كهدية، قال: كم ثمنها؟ أخبرته، قال: مضحوكٌ عليكِ بهذا الثمن، غالٍ جداً، لا تستأهل هذا الثمن، هذا ردةُ فعلِه لمن قدمت له هدية.
رجل قدم لزوجته وردة، فشمتها، ثم ألقتها، قالت: ما لها رائحة.
قال صلى الله عليه وسلم:
(( الكلمة الطيبة صدقة ))
معظم الناس يحمِّرون الوجوه، يحرجون بعضهم بعضاً، يسفهون أقوال بعضِهم بعضاً، يحجّمون بعضهم بعضاً، لا في موضوعات العقيدة الخطيرة، هذا موضوع آخر، لكن في شؤون الحياة التافهة، همّه أن يقتنص، همّه أن يصغّر الإنسان، همّه أن يحمِّر وجهَه، هذا كله ينضوي تحت بند العنف، عنف في الملامح، تقطيب، تجهّم، عنف في الألفاظ.
قسوة ضد الأشياء :
أيها الإخوة الكرام، عنف ضد الأشياء، كم من أثاث ثمين كسر! وكم من باب كسر! وكم من أداة غالية الثمن حطمت في ساعة غضب حمقاء! وهذا عنف في المنازل، ينبغي أن يكون المؤمن حليماً، ينبغي أن يكون في بيته رحيماً، ينبغي أن يكون البيت مشبعاً بالرحمة والمودة والألفة.
أيها الإخوة الكرام، هو يكسر النافذة، نعم، لكنه يكسر معها قلب زوجته، هو يهشم هذه الآنية، نعم، لكنه يهشم قلوب أطفاله، هو يشعل الخلافات، نعم، لكنه يشعل النيران في بيته.
أيها الإخوة الكرام، فضلاً عن العدوان على الآخرين بالضرب والمهاجمة والقتل، قد رأيتم ذلك في مجالس نيابية فيمن حولنا، ضرب بالكراسي، وهو نوع من العنف.
اللين من الدين :
أيها الإخوة الكرام، شيء آخر، يقول الله عز وجل:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
إلى متى نتغنى بالدين، ونحن بعيدين عن منهجه؟ ونحن بعيدين عن أخلاق النبي الكريم، وعن أخلاق الصحابة الكرام؟ متى نربّي أطفالنا على احترام الآخرين، وعلى رعاية حقوقهم؟ متى نربّي أطفالنا على حفظ المصالح العامة؟ متى نربّي أطفالنا على التزام الذوق السليم، اختيار الأحسن من القول، تحقيقاً لقوله تعالى:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
الأحسن، يعني لو أن هناك ألف قول حسن، فينبغي أن تختار الأحسن، قال تعالى:
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾
أما إذا جادلت، فقال تعالى:
﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
فرق بين أن تدعو بالموعظة الحسنة، وبين أن تجادل، لأنك إذا جادلت فهناك تحدٍّ، هناك نفوس، هناك إنسان ربط كرامته مع فكرته، لذلك إذا جادلت فجادلهم بالتي هي أحسن، قال تعالى:
﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
ليس هناك تعالٍ إطلاقاً، أنا على حق، وقد أكون مخطئاً، والطرف الآخر على باطل، وقد يكون مصيباً، قال تعالى:
﴿ قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾
هذه أخلاق القرآن، هذه أخلاق المحاورين.
أيها الإخوة الكرام:
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سَمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(( إِنَّ المؤمنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ ))
رجل أخلاقه حسنة، يدرك بأخلاقه الحسنة درجة الصائم القائم.
أنواع العنف والقسوة :
أيها الإخوة الكرام، لو حللنا تحليلاً عميقاً علمياً موضوعياً سببَ العنفِ عند المسلمين وعند غير المسلمين:
1) قسوة الزوج :
أسرة جافية، أسرة قاسية فقيرة بالعواطف:
التحية ضرب، والمزاح قاسٍ جداً، هناك أسر هكذا، الدراسات أثبتت أن خمسين إلى ثمانين بالمائة ممن يضربون زوجاتهم رأوا آباءهم من قبلُ يضربون أمهاتهم، الطفل ينشأ على ما يرى، فالأب الهادئ الحليم الرقيق يشيع في الأسرة كلِّها الرحمة والرقة والحلم، والأب العنيف القاسي الذي يعلو صوته يشيع في أسرته في غيبته العنف والقسوة وارتفاع الصوت.
أيها الإخوة الكرام، امرأة من ثلاثِ نساء معها أمراض نفسية، واكتئاب، وتوتر بسبب عنف زوجها.
أيها الإخوة الكرام، كم من امرأةٍ تعيش القهر المدمر في ظل زوج لا يرى لها حقّاً، ولا يقيم لها وزناً، ولا خيار لها غيره؟ أهلها فقراء، ليس عندهم مكان تسكن عندهم، وليس لها أحد، وزوج يعرف ضعفها، فيبالغ في تدميرها..
ينتقل إلى أذني والله آلاف القصص عن هذا المستوى، أنا لا أتكلم من فراغ، صدقوا ليس من عادتي أن أتكلم من فراغ، أنا أتكلم من قصص تصل إلى سمعي، يتفطر لها قلب الإنسان، زوج كالوحش في بيته، وهو يرتاد المسجد يوم الجمعة، ماذا يسمع من خطبة الجمعة؟
2) قسوة الأب :
أيها الإخوة الكرام، فتاة تقطع العمر حسرات وآهات تحت وليٍّ يعضلها، ويمنع عنها الخطّاب، لأنها محجوزة لابن عمٍّ غني، أو يصادر أبوها مرتبها ليعيش منه، والله عشرات الحالات والأب لا يزوجها، قالت لي إحداهن على الهاتف: عشرون خاطبًا طرقوا بيتي، والأب يرفض، لذلك هذه الفتاة يوم القيامة إذا شذت، لا سمح الله، وانحرفت تقول: يا رب، لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي، والله بنت عضلها أبوها، وهو على فراش الموت قالت له: لا يرحمك الله، لأنك لم ترحمني.
3) قسوة المعلم :
أيها الإخوة الكرام، عنف ضد الأطفال، معلم قاسي القلب، يضرب ضرباً مبرحاً لغلطة تافهة، يحطّم شخصية الطفل، ينشئ عند الطفل العقد النفسية، إما أن يسخر منه، أو من أهله، أو من شكله، أو من قصره، أو من ضعفه بالمادة، تجد الأطفال عندهم مجموعة عقد، من أين؟ من أب قاسٍ لا يرحم، من أم قاسية، من معلم قاسٍ، هذا الطفل وردة نسحقها بأرجلنا.
أيها الإخوة الكرام، هذا الذي يسحق أولاده، ويقسو عليهم، يضربهم ضرباً مبرحاً، يضربهم أمام الضيوف أحياناً، إن تكلم أمام الضيوف أسكته، يقول له: اخرس، هذا الأب ماذا لو كان عقيماً، يرى الصبيان، وهو محروم منهم، ماذا لو مرض ابنه، أيظل قلبه في مكانه؟ ماذا لو مات ابنه؟
أيها الإخوة الكرام، أحياناً تجد زوجاً لا يعرف نعمة الزوجة، وتجد امرأة لا تعرف نعمة الزوج، وتجد أباً لا يعرف نعمة الابن، وتجد ابناً لا يعرف نعمة الأب.
أيها الإخوة الكرام:
عن أبي قتادة رضي الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( إني لأقومُ في الصلاة أريدُ أن أطوِّل فيها، فأسمعُ بكاءَ الصَّبيِّ فأتجوَّزُ في صلاتي، كراهية أن أشقَّ على أُمِّه))
نبيُّ الأمة في صلاة الفجر ينبغي أن يقرأ الصفحات من القرآن، يقرأ أقصر سورة رحمةً بالأم التي يناديها ابنها ببكائه، لماذا جفت عواطفنا؟ لماذا تسللت القسوة إلى معاملاتنا؟ لماذا نربّي أولادنا على الثأر والانتقام؟
أيها الإخوة الكرام، أحياناً حالات الطلاق سببها العنف، هؤلاء الأزواج الذين يحلفون بالطلاق جزافاً بسبب أو بغير سبب، قال ابن عباس: أيركب أحدكم حماقته، ويقول: يا ابن عباس، يا ابن عباس؟ ماذا يفعل الطلاق في نفوس الصغار؟ يتمزقون بين أمهم وأبيهم.
أيها الإخوة الكرام، هذه البيوت هكذا، أما المدارس فهي أشبه بالثكنات العسكرية، تعتمد على حشو المعلومات، وحقنها، وتنحاز إلى الجانب المعرفي على حساب التربية وبناء الشخصية، وأحياناً يتعلم الطالب علم التجويد، فإذا لم يحكم الغنة تلقى صفعة من أستاذه، وأقام الدنيا عليه، ولم يقعدها، لأنه لم يحسن أن يأتي بالغنة، أهذا هو العلم؟ يقول عليه الصلاة والسلام:
(( علموا ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف ))
4) قسوة الإعلام :
أيها الإخوة الكرام، قال لي أحدهم: لا تجد على الشاشة إلا القسوة، والعنف، والجنس فقط، هذا الذي يتربى عليه الناس، وسائل الإعلام تعرض مشاهد العنف والقتل ترفيهاً أو إخباراً، هل تخلو نشرة أخبار من مشهد القتل والجرحى والقتلة؟ هذا الشيء ماذا يفعل في نفوس الصغار؟ يتراكم عندهم إلى أن يصبحوا عنيفين حتى في بيوتهم، والأحداث العالمية تصنع القسوة، اجتياحات، حروب أهلية في السودان دامت أربعين عاماً، الأحداث العالمية فيها قسوة لا تعد ولا تحصى، وقد قيل في مؤتمر القمة قبل يومين: إن مجلس الأمن هو مجلس الرعب، لأن كل قراراته تنصب على الدول الضعيفة، وإذا أمر بحصار اقتصادي من يدفع ثمن هذا الحصار؟ الشعب فقط، المقصودون بالعقوبة لا ينالهم شيء، إلا أن هؤلاء الفقراء ينالهم كل شيء، مجلس أمن يطالب الدول بالديمقراطية، وهو يستخدم الأسلوب القمعي، والكيل بمئة مكيال، أليس هذا عنفاً؟ حق النقض أليس عنفاً؟ أليس قمعاً؟ أليس قسوة؟ ماذا قال الضيف الإسباني في مؤتمر القمة؟ قال: الإرهاب سببه الظلم والقهر والتهميش.
هذه حقيقة..
ماذا فعل النبي حينما ساق له أحد أصحابه رجلاً دخل على بستانه، وأكل من دون إذنه، ووصمه بالسرقة؟
قال عليه الصلاة والسلام:
(( ما علمته إذا كان جاهلاً، ولا أطعمته إذا كان ساغباً أو جائعاً ))
من أين عالج المشكلة؟ من أسبابها لا من نتائجها، ماذا قال عليه الصلاة والسلام؟
(( هل تُنصَرون وتُرزَقون إِلا بضعفائكم ؟ ))
الضعيف، الفقير، إن أطعمته إن كان جائعاً، إن كسوته إن كان عارياً، إن علمته إن كان جاهلاً، إن داويته إن كان مريضاً، إن علمته إن كان يحتاج إلى المعرفة، هذا الضعيف يتماسك معك، ويصبح المجتمع حصناً حصيناً لا يمكن أن يخترق.
5) قسوة الخطاب الديني :
أيها الإخوة الكرام، تحدثنا عن قسوة البيوت، وعن قسوة المدارس، وعن قسوة الإعلام والأحداث العالمية، وهناك من يتحدث عن قسوة الخطاب الديني..
ليس في الخطبة إلا الثعبان الأقرع في القبر، وليس في الخطبة إلا النار تحرق الجلود، هذا شيء واقع، وقرآني، لكن الله عز وجل، كما قال العلماء، ما جاء بوعيد إلا وسبقه وعد بالرحمة، اجمع بين الرحمة والنار، اجمع بين تخويف الناس وأن يحبوا ربهم:
ورد في الأثر:
يا رب، أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك؟ قال: أحبّ عبادي إليّ تقيّ القلب، نقيّ اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء، أحبني، وأحبّ من أحبني، وحببني إلى خلقي، قال: يا رب، إنك تعلم أني أحبك، وأحبّ من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي، ونعمائي، وبلائي، ذكرهم بآلائي كي يعظموني.
﴿ إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾
آمن بالله ، ولكنه ما آمن به عظيماً.
هذا النبي الكريم أوتي الوحي، أوتي المعجزات، كان سيد ولد آدم، هو سيد الأنبياء والمرسلين، أوتي الفصاحة، أوتي الجمال، كان كالبدر، قال له: أنت أنتَ يا محمد، مع كل هذه الخصائص، قال الله تعالى له:
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
فكيف بإنسان ليس وسيماً، وليس بليغاً، ولا وحي معه، ولا معه معجزات، وهو غليظ في دعوته إلى الله، دققوا: معادلة رياضية:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
أي يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك انعكست ليناً في تعاملك مع أصحابك، فالتفوا حولك، ولو لم تكن هذه الرحمة في قلبك لانعكست غلظةً فانفضَّ الناسُ من حولك:
رحمة لين التفاف.
قسوة غلظة تنافر.
هذا الخطاب الديني المتوازن، أما خطاب ديني يعتمد على التخويف فقط، فالإنسان يخرج من جلده، في كل أمر نفعله نقول: بسم الله الرحمن الرحيم، في الصلاة: الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، عندما ننهي الصلاة: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، كلمات الرحمة في ديننا، في قرآننا نقرؤها كل يوم.
6) قسوة الموظفين :
أيها الإخوة الكرام، والله حدثني أخ من بلد إفريقي عربي أن طبيباً أقام بأمريكا، وله أولاد ولدوا هناك، قرر أن يعود إلى بلده، وزين لهم بلده، وما فيه من تقدم، ومن حرية... وأحد أولاده دفع عنه البدل النقدي، لكن الجهة المسؤولة لم تبلغ المطار أن هذا الشاب مدفوع بدله النقدي، فقيل للأب: لابد من أن يدخل ابنك السجن، قال له: يأتي إلى بلده أول مرة في حياته بعد أن أقنعتهم أن نقيم في هذا البلد الذي أتكلم عنه، قال الموظف:لابد أن يدخل السجن، قال له: خذ كل الجوازات اجعلها عندك رهينة لآتيك غداً بالوثيقة، لم يرضَ.
أيها الإخوة الكرام، مثل هؤلاء الموظفين الذين يمارسون العنف مع الناس لا يلعبون بمستقبلهم، بل بمستقبل أمتهم، لماذا؟ لأن هذا حينما يعود سيحدث كل من حوله عما حصل له في المطار، ونحن في أمسّ الحاجة إلى أبنائنا المتفوقين في بلاد الغرب، نخبة البلاد الإسلامية موجودة في الغرب، فالذي يكون عنيفاً مع ابن البلد، هو لا يلعب بمستقبله، بل يلعب بمستقبل أمته.
أيها الإخوة الكرام، دققوا في هذا الكلمة: إن القسوة في العلاقات الداخلية في مجتمع، تجعله مرشحاً للانهيار المفاجئ عند التحدي الخارجي، كما حصل في بلاد حولنا، إن القسوة الداخلية في بلد ما، تجعله مهيئاً لانهيار مفاجئ عقب التحدي الخارجي.
7)قسوة التقاليد :
أيها الإخوة الكرام، عندنا عنف وقسوة ورثناها من عادات وتقاليد لا علاقة لها بالدين إطلاقاً، هذا شأن معظم البلاد العربية، موضوع الثأر مثلاً، هذا القاتل الذي قتل، ما ذنب قومه؟ لابد من قتل إنسانٍ لا علاقة له بالقتل إطلاقاً أخذاً بالثأر، هذا مطبق حتى الآن في أرياف بلاد المسلمين، والقرآن يقول:
﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾
حتى جرائم الشرف، هذه لا أصل لها في الدين:
سيدة المسلمين، السيدة الأولى، السيدة عائشة رضي الله عنها، اتهمت بشرفها في حديث الإفك، ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟ انتظر، ليس عنده دليل إثبات ولا دليل نفي، حتى برأها الله من فوق سبع سماوات.
كم من جريمة شرف وقعت في العالم الإسلامي!!
قرأت قصة قبل أيام وقعت في هذه البلدة: أب شك في ابنته، عرضها على قابلة ليست متمكنة من العلم، فقالت له: ليست عذراء، فذبحها، ثم تبين أنها عذراء، وأن التهمة باطلة.
أيها الإخوة الكرام، الإنسان مسؤول، قال تعالى:
﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (*)بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾
حتى الذي يعجب من عنف الحَجّاج مثلاً، فهذا له ظرف معين، قال يوماً:(إني لأرى رؤوساً قد أينعت، وحان قطافها، وإني لصاحبها)نقول له: هذا كلام ليس شرعياً، نحن عندنا إنسان واحد معصوم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما سوى ذلك يؤخذ منه، ويرد عليه.
الآثار السيئة للقسوة :
أيها الإخوة الكرام، شيوع القسوة كظاهرة اجتماعية تسبب ذبول الشخصية، وضعفها، وتحطيم المواهب والطاقات والكفاءات، وإشاعة الجبن والتردد والارتباك والخوف من المحاولة والخطأ، والجزع من كلام الآخرين، وفقدان السعادة والاستمتاع بالحياة، وتنعكس القسوة على النفس وعلى من حول من يحس بالقسوة، من أكبر أخطارها تفكك الأسر، تفكك الدول، تفكك الجماعات، تفكك المؤسسات:
سيدنا عمرو بن العاص قال في وصف الروم: ( وخيرهم لمسكين، ويتيم وضعيف، إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة )وهذا الذي قاله بعض العلماء: الدنيا تستقيم بالعدل والكفر ـ الدنيا فقط ـ ولا تستقيم بالإيمان والظلم.
أيها الإخوة الكرام، موضوع القسوة أحد أسباب تخلفنا، أحد أسباب تفككنا، أحد أسباب ضعفنا، أحد أسباب اتهام أعدائنا لنا، القسوة التي نراها في العالم الإسلامي على مستوى البنية التحتية، على مستوى الأسر، على مستوى الجماعات: صاحب العمل يعطي العامل خمسة آلاف، وهو يحتاج إلى أجرة طريق للمعمل ألف وخمسمئة، بقي له ثلاثة آلاف وخمسمئة ليرة، ماذا يشتري بها؟ كم يدفع للكهرباء والماء والوقود السائل والحاجات الأساسية؟ هل يشتري بها لحماً أم كساءً، والحال أنه لا يوجد أعمال، ويوجد بطالة، فيضطر أن يقبل الأجر القليل، وصاحب المعمل ينفق في اليوم مئة ألف ليرة ولا يعبأ.
أيها الإخوة الكرام، أقول لكم:
مرةً لما أعطى اليهود عبد الله بن رواحة بعض حليّ نسائهم كرشوة قال:
(( تطعمونني السُّحْتَ، والله لقد جئتكم من أحبِّ الناس إليَّ، ولأنتم أبْغَضُ إليَّ من عدَّتِكُمْ من القِردَةِ والخنازير، ولا يحْمِلُني بُغضي إياكم على أن لا أعدل عليكم، فقالُوا: بهذا قامت السماوات والأرض ))
يا أيها الإخوة، اعدلوا، ارحموا، قفوا عند حدود الله عز وجل، لعل الله أن يرحمنا، لعل الله أن يزيح عنا هذا الكابوس، العالم كله يحاربنا، يريد أن يبيدنا، أن يفتتنا، يريد أن ينهي وجودنا، ومعه أدلة من المتطرفين، ومعه أدلة من المنحرفين، ومعه أدلة من المتواطئين، الإرهاب العالمي يحتاج إلى إرهاب إسلامي متجدد، فكلما ضعفت وتيرة الإرهاب صنعوا هم إرهاباً، وألصقوه بنا تبريراً لخططهم التي تهدف في النهاية إلى نهب ثرواتنا، وقهر مجتمعاتنا، هذه الحقيقة المُرة التي هي أفضل ألف مَرة من الوهم المريح.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.
* * *
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
بدائل القسوة والعنف :
أيها الإخوة الكرام، ما البدائل؟ ما بدائل القسوة؟ ما بدائل العنف؟ ما بدائل القهر؟ ما بدائل الاضطهاد؟ ما بدائل الازدراء؟
1) الحوار:
البديل هو الحوار، حاور أطفالك، كن رفيقاً لهم، علمهم، ولا تعنفهم، استمع إلى شكواهم، تحسس حاجاتهم، اجلس معهم، حاول أن تكون طبيباً نفسياً لهم، لا تجعل بينك وبينهم حواجز كبيرة، لا تجعلهم يرتعدون إذا دخلت إلى البيت، لا تجعلهم يتنفسون الصعداء إذا خرجت من البيت، علامة أنك أب ناجح: أنك إذا دخلت البيت كان البيت في عيد، علامة الأب الناجح أنه إذا دخل إلى البيت كان أهل البيت في عيد، علامة الأب الناجح أن أولاده يتمنون بقاءه، ولا يتمنون مماته.
حدثني أخ طبيب زار مريضاً، وحوله أولاده، فقال لهم الطبيب: قضية عرضية، امتعضوا، وامتقع وجههم، ما عرضية؟ يريدونها قاضية، قال: عرضية، هذا الأب البخيل يتمنى أولاده موته.
أيها الأخ الكريم، حاور موظفيك، ضع يدك على جراحهم، ما الذي يؤلمهم منك؟ ما الذي يزعجهم؟ كيف يتدبرون أمرهم بهذا المرتب القليل، حاول أن تساعدهم، هم أولى الناس بمساعدتك، حاور طلابك إذا كنت مدرساً، حاور كل من حولك، لكن الحوار يحتاج إلى محور هو القرآن، يجب أن نتفق على أدلة ثابتة، على منهج في البحث، حتى لو كان منحرفاً حاوره، تصوروا إنساناً يطلب من رسول الله أن يزني، يطلب ذلك أمام أصحابه، كلام غير مقبول ومستهجن:
فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه:
(( أن فتى من قريش أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي في الزنا، فأقبل القوم عليه وزجروه، فقالوا: مه مه، فقال: ادنه، فدنا منه قريباً فقال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه. قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء))
حاوره النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، وما استعمل العنف.
2) التواضع :
أيها الإخوة الكرام، حينما نبني حياتنا على نظام فريق العمل نكون كلنا في قارب واحد، فإذا نجحنا نَجحنا جميعاً، وإذا أخفقنا أَخفقنا جميعاً، إذاً مصلحتي لا في أن أبني مجدي على أنقاض أخي، لا في أن أبني قوتي على إضعافه، لا في أن أبني الغنى الذي أطمح إليه على فقره، حينما نرى أنفسنا فريق عمل ننجو جميعاً، قال الله عز وجل:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
أيّ إنسان يرى نفسه فوق الآخرين إنسان عنصري:
دخل أحد الأعراب على النبي قال: أيّكم محمداً؟
ماذا تفهم من هذا الكلام؟ إنه لا يتميز عليهم أبداً، حاول أن تكون واحداً من أهل البيت، واحداً من إخوة المسجد، الإسلام سوّى بين كل المسلمين، بين كل المؤمنين:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
3) العدل :
أيها الإخوة الكرام، العدل أساس الملك، العدل أساس الأسرة الناجحة، العدل أساس المعمل الذي فيه نظام دقيق يسري على كل الموظفين، العدل أساس أي مؤسسة، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
(( جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَقَاضَاهُ دَيْناً كَانَ عَلَيْهِ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، حَتَّى قَالَ لَهُ أُحَرِّجُ عَلَيْكَ إِلَّا قَضَيْتَنِي، فَانْتَهَرَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا وَيْحَكَ تَدْرِي مَنْ تُكَلِّمُ؟ قَالَ: إِنِّي أَطْلُبُ حَقِّي! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلَّا مَعَ صَاحِبِ الْحَقِّ كُنْتُمْ؟ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، فَقَالَ لَهَا: إِنْ كَانَ عِنْدَكِ تَمْرٌ فَأَقْرِضِينَا حَتَّى يَأْتِيَنَا تَمْرُنَا فَنَقْضِيَكِ، فَقَالَتْ نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَأَقْرَضَتْهُ، فَقَضَى الْأَعْرَابِيَّ وَأَطْعَمَهُ، فَقَالَ: أَوْفَيْتَ أَوْفَى اللَّهُ لَكَ، فَقَالَ: أُولَئِكَ خِيَارُ النَّاسِ، إِنَّهُ لَا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لَا يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ ))
وعن عائشة، رضي الله عنها، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
(( .. إنَّما أَهلك الذين قبلكم، أنَّهمْ كانوا إذا سَرقَ فيهم الشَّريفُ تَرَكُوه، وإذا سَرَقَ فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ))
4) المرح :
شيء آخر، أحياناً الحياة تصبح جافة جداً، الترويح عن النفس مطلوب، فقد ورد في الأثر:
روحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإنها إن كلت عميت.
أي شيء من المرح اللطيف، شيء من المزاح اللطيف، شيء من الدعابة في البيت، شيء من التبسم والضحك، نزهة ولو أنها متواضعة، ولو أنها قريبة، ولو أنها بمركبة عامة، هذه تسرِّي عن أهل البيت، الترويح النفسي المعتدل هو الذي يجعل النفوس تميل إلى الهدوء، إشاعة الكلمة الطيبة الهادفة، والكلمة الطيبة صدقة.
5) التسامح :
نشر التسامح:
﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ﴾
﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
﴿ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:
(( ليس الشديدُ بالصُّرَعَةِ، إِنَّما الشديدُ الذي يملك نفسه عند الغضب ))
يها الأخ الكريم، أنت إذا وضعت رأسك على الوسادة تتهيأ لنوم عميق، لمَ لا تدعو لصالح المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، دون أن تستثني منهم أحداً؟ لمَ لا تخص بالدعاء الذين ظلموك، والذين أساؤوا إليك؟ لمَ لا تجعل النبي قدوة لك؟ ضربوه فقال:
(( اللهم اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمونَ ))
أحد الذين أشاعوا حديث الإفك عن ابنة سيدنا الصديق رضي الله عنه، إنسان يحسن إليه باستمرار، فأخذه ألمُ البشر، فقرر ألا يتابع إحسانه إليه، فعاتبه الله عز وجل فقال:
﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾
فبكى الصديق، وقال: بلى، أحب أن يغفر الله لي.
وعاد إلى الإحسان إليه، مع أنه أساء إليه إساءة كبيرة جداً.
قال رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:
(( كان فيمَنْ كان قبلَكم تاجر يُدايِنُ الناسَ، فإِن رَأى مُعْسِراً قال لفتيانه: تَجَاوزُوا عنه، لعلَّ الله يتجاوزُ عنَّا، فتجاوَزَ الله عنه ))
6) الوسطية :
أيضاً أيها الإخوة، لابد من خطاب ديني فيه وسطية، فيه اعتدال، أما ليس لي كلمة إلا التكفير؟ أن هذا مشرك، هذا مبتدع، ليلاً نهاراً، وكأنه وصي على المسلمين، ليس هذا هو السلوك المقبول، أنت واحد من المسلمين، انصحهم باللطف والحكمة، قال بعض الشعراء:
يا شيوخ العلم يا ملح البلد من يصلح الملح إذا الملح فسد
أيها الإخوة الكرام، لعل الله عز وجل ينفعنا جميعاً بهذه الحقائق القرآنية والنبوية، ونحن في أمسّ الحاجة إليها، الشيء المؤلم أن هذا الدين العظيم، دين السماء، صار الإجرام والقسوة والعنف والتطرف سمته، وهذا لصالح أعداء المسلمين، ودائماً وأبداً كن سفيراً للمسلمين، ولا تكن منفراً منهم، أنت على ثغر من ثغور الإسلام فلا يؤتين من قبلك.
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك.
اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
وصل اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.