- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠22برنامج على هدى - قناة الرسالة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يارب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من لم يُخطِّط يُخطَّط له :
أيها الأخوة الكرام؛ مع لقاء إيماني جديد، والموضوع حول واقع الأمة الإسلامية في هذا الزمن.
هناك مقدمات لابد منها، قيل: إن لم تخطط يُخطط لك، إن لم تكن رقماً صعباً في خطة عدوك تكن رقماً تافهاً في خطته، الحقيقة أعداء الأمة القريبون والبعيدون، والداخليون والخارجيون، يخططون لكي تمزق الأمة، ولكي تضعف، وكي تفتقر، وكي تفسد، وكي تغوص في أحوال الحروب، وأن تسقط في حمأة الرذيلة والفساد، وأن تتخلى عن دينها، هذا واقع مر، وأنا أنطلق في هذا اللقاء الطيب لأن الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، هذا الواقع، هناك تخطيط لإفقار المسلمين، ولإضعافهم، وإفسادهم، وإذلالهم، وإبادتهم.
أيها الأخوة؛ والكلام دقيق الله عز وجل يقول:
﴿وَقَد مَكَروا مَكرَهُم وَعِندَ اللَّهِ مَكرُهُم وَإِن كانَ مَكرُهُم لِتَزولَ مِنهُ الجِبالُ﴾
خالق الأكوان رب العالمين يصف مكر الكافرين بأنه يزيل الجبال، لو وقفنا دقيقة عند هذه الكلمة أي هل تستطيع أن تتصور أن العالم كله بقاراته الخمس، بإمكاناته، بجيوشه، بطائراته، يستطيع نقل جبل من مكان لآخر؟ فكيف خالق الأكوان يقول:
﴿وَقَد مَكَروا مَكرَهُم وَعِندَ اللَّهِ مَكرُهُم وَإِن كانَ مَكرُهُم لِتَزولَ مِنهُ الجِبالُ﴾
هذه حقيقة مرة، والله عز وجل يقول:
﴿ وَلَو يَشاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنهُم وَلكِن لِيَبلُوَ بَعضَكُم بِبَعضٍ ﴾
أي نحن في دار ابتلاء، والآية الكريمة:
﴿ وَإِن كُنّا لَمُبتَلينَ﴾
إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، و منزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي.
نحن في دار ابتلاء، ما دمت في الدنيا فأنت في دار ابتلاء، الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قال: ندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين؟ فقال: لن تمكن قبل أن تبتلى.
أنت ممتحن في كل ما أعطاك الله، أعطاك صحة ممتحن بها، كيف أنفقت هذه الصحة في لعب النرد أم في طاعة الله؟ أعطاك مالاً كيف أنفقت هذا المال في رضوان الله أم في سخطه؟ أعطاك زوجة هل دللتها على الله أم على معصية الله؟ أعطاك أولاداً هل ربيتهم وفق منهج الله أم ربيتهم وفق حاجات الدنيا؟
فلذلك أيها الأخوة الشيء الدقيق إن لم تخطط يخطط لك، إن لم تكن رقماً صعباً في خطة عدوك تكن رقماً سهلاً وتافهاً في خطته، وهذا واقع مر، والحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح.
الأمر كله بيد الله عز وجل :
أيها الأخوة،
﴿وَقَد مَكَروا مَكرَهُم وَعِندَ اللَّهِ مَكرُهُم وَإِن كانَ مَكرُهُم لِتَزولَ مِنهُ الجِبالُ﴾
ما الحل؟ أقسم لكم بالله حينما تؤمن إيماناً عميقاً أن الأمر بيد الله لا تقلق.
يقول سيدنا سعد بن أبي وقاص:" ثلاثة أنا فيهن رجل " ما معنى رجل في القرآن والسنة؟ هل تعني أنه ذكر؟ لا، تعني أنه بطل:
﴿رِجالٌ لا تُلهيهِم تِجارَةٌ وَلا بَيعٌ عَن ذِكرِ اللَّهِ ﴾
" ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس، ما صليت صلاة فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها، ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها - الشاهد هنا بالثالثة- وما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى.
أضرب لكم مثلاً تقريبياً؛ حدثني أخ يعمل في المحاماة، ومعه دعوى مضمونة، بناء قيمته مئة مليون، ويوجد إنسان قدم عقد بيع بعد وفاة صاحب البناء أنه باعه إياه، القصة طويلة لكن محامي صاحب البيت أو محامي ورثة صاحب البيت وجد اجتهاداً بمحكمة النقض أي مادة لصالح هذا الإنسان، هذه المادة ثمنها خمس كلمات، ثمنها مئة مليون.
طاعة الله لأنه الجهة الوحيدة التي ينبغي أن نتبع تعليماتها :
صدق ولا أبالغ أنا أرى أن كل آية في القرآن الكريم قد تكون سبب سعادتك، سبب توفيقك، سبب زواجك الناجح، سبب أولادك الأبرار، سبب التجارة الرابحة، أي القرآن منهج الواحد الديان، القرآن تعليمات الصانع، أنت من دون أن تشعر حينما تقتني آلة غالية الثمن، عظيمة النفع، معقدة التركيب، أول شيء تترجم تعليمات الصانع، لأن الجهة الوحيدة الخبيرة التي فيها طريقة الاستعمال هي الجهة الصانعة، وقد قال الله عز وجل:
﴿ َلا يُنَبِّئُكَ مِثلُ خَبيرٍ﴾
﴿وَقَد مَكَروا مَكرَهُم وَعِندَ اللَّهِ مَكرُهُم وَإِن كانَ مَكرُهُم لِتَزولَ مِنهُ الجِبالُ﴾
ثم يقول الله عز وجل آية قصيرة:
﴿ وَإِن تَصبِروا وَتَتَّقوا لا يَضُرُّكُم كَيدُهُم شَيئًا ﴾
كلام من؟ كلام خالق الأكوان، كلام الله رب العالمين،
﴿ وَإِن تَصبِروا وَتَتَّقوا لا يَضُرُّكُم كَيدُهُم شَيئًا ﴾
لكن إن تعصوا وتصبروا ماذا بعد المعصية والصبر لا يوجد إلا القبر.
ما من شيء تتوق الأمة إليه كأن تنتصر على أعدائها وما أكثرهم، له قوانين.
لا تعتقد أن القضية مزاجية في الدين، القضية في الدين تابعة لقوانين، والتعامل مع القوانين مريح جداً، يوجد مقدمات ونتائج، إن فعلت المقدمات حصلت على النتائج، أما ما الذي يقابل التعامل مع القوانين؟ التعامل المزاجي.
أحيانا يكون هناك إنسان مدير دائرة، مزاجي، يغضب بلا سبب، يرضى بلا سبب، التعامل معه صعب جداً، ويوجد مدير دائرة يلتزم بالقواعد العامة التي وضعها بين أيدي الموظفين، هذا الشيء يغضبني، هذا الشيء لا يغضبني، هذا مسموح، هذا ممنوع.
فأنت أمام منهج إلهي، أنت أمام منهج واضح، تعليمات الصانع، فانطلاقاً من حبك لذاتك - وسامحني بهذا التعبير - وانطلاقاً من أنانيتك ينبغي أن تطيع ربك، لأن الجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها
﴿ وَإِن تَصبِروا وَتَتَّقوا لا يَضُرُّكُم كَيدُهُم شَيئًا ﴾
﴿إِنَّهُم يَكيدونَ كَيدًا*وَأَكيدُ كَيدًا﴾
الله لا يكيد، قال عنه علماء البلاغة: مشاكلة، يأتون بمثل لطيف نطبخ لك طعاماً فقال: اطبخوا لي جبة وقميصاً، الجبة والقميص لا تطبخ، هذا بالبلاغة اسمه مشاكلة، ومكروا مكرر هو من عند الله مكرهم،
﴿إِنَّهُم يَكيدونَ كَيدًا*وَأَكيدُ كَيدًا﴾
، الله ليس كائداً لكن رد على تدبير الكفار بتدبير مثله.
بالمناسبة إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟ الذي وجدك لم يفقد شيئاً، والذي فقدك لم يجد شيئاً.
العبادة الشعائرية لا تقتطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية :
أيها الأخوة، فلذلك نحن نقرأ القرآن، نعلق بعض الآيات في بيتنا، نضع المصحف في مقدمة مركبتنا، في جيبنا، شيء جميل لكن هذا المصحف تعليمات، أمر ونهي، فما لم تتعامل مع هذا الكتاب الكريم بالتطبيق لا تقتطف منه شيئاً، حينما قال تعالى:
﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فيهِم ﴾
أي مستحيل وألف مستحيل أن نعذب كمسلمين والنبي فينا، ما معنى والنبي فينا؟ هو انتقل إلى الرفيق الأعلى، النبي فينا أي سنته قائمة في حياتنا، في بيعنا وشرائنا، في زواجنا وطلاقنا، في تربية أولادنا، في أفراحنا وأتراحنا، في نزهاتنا وتمضية وقت فراغنا، هذا كله وفق منهج الله.
من الذي فهم هذا الفهم السقيم أن الدين صوم وزكاة وحج وصلاة؟ الدين منهج تفصيلي، والله لا أبالغ قد يصل إلى خمسمئة ألف بند، كسب المال فيه أحكام، الزواج فيه أحكام؛ معاملة الزوجة لها أحكام، معاملة الأب والأم لها أحكام، التوفيق بين معاملة الزوجة والأم فيها أحكام، أنت أمام خمسمئة ألف بند، هذه البنود تبدأ من فراش الزوجية، وقد تصل إلى العلاقات الدولية، منهج كامل، لكن الصلاة والصيام والحج والزكاة هذه عبادات شعائرية.
أخوتنا الكرام؛ ما معنى عبادة شعائرية؟ أي عندك عام دراسي تسعة أشهر، دوام أحد اثنين ثلاثاء أربعاء خميس، اليوم ست ساعات، ستة مدرسين، اثنا عشر كتاباً، مذاكرات، امتحان، هذا العام الدراسي هو التعاملية، وساعات الامتحان الثلاث هذه الشعائرية.
فالصلاة عبادة شعائرية أي في الصلاة تقتطف ثمرة العبادة التعاملية.
" أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأتي الفواحش، ونقطع الرحم، ونسيء الجوار، حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه، فدعانا إلى الله لنعبده ونوحده، ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من عبادة الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء".
هذا النص العبادة التعاملية والصلاة والصوم والحج والزكاة العبادة الشعائرية. والعبادة الشعائرية لا تقتطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية.
قانون التولي و التخلي :
أيها الأخوة الكرام، لذلك أتمنى من الله عز وجل أن نعزو كل سلبيات حياتنا إلى أخطائنا، إلى تقصيرنا، أما أن تلقي التهم على الآخرين، وتتوهم أنك بحرز حريز فهذا خطأ، البطولة أن تكون جريئاً في الاعتراف بالخطأ.
الصحابة الكرام في أحد قالوا: يا رسول الله كيف نهزم ونحن جند الله؟ فجاء الجواب القرآني:
﴿ قُل هُوَ مِن عِندِ أَنفُسِكُم ﴾
الصحابة الكرام في أحد لم ينتصروا وفي حنين لم ينتصروا، لم؟ لأنهم في أحد عصوا رسول الله، فلوا انتصروا لسقطت طاعة رسول الله، وفي حنين اعتدوا بعددهم، ولم يعتدوا بفضل الله عليهم، لن نغلب من قلة، فلم ينتصروا، فلو انتصروا لسقط التوحيد، درسان بليغان يحتاجهما كل مؤمن؛ درس بدر ودرس حنين، في بدر قالوا: الله، انتصروا، في حنين قالوا: نحن، فلم ينتصروا.
ننطلق في هذا الكلام من قانون دقيق جداً: التولي والتخلي، تقول: الله، يتولاك، تقول: أنا معي اختصاص، شهادة عليا، عندي خبرات متراكمة، من أسرة نبيلة، والدي كان أحد أعيان هذا البلد، تعتز بغير الله عز وجل يتخلى عنك، تقول: الله، يتولاك، هذا اسمه قانون التولي والتخلي.
فكيف نهزم يا رسول الله ونحن جند الله؟
﴿ قُل هُوَ مِن عِندِ أَنفُسِكُم ﴾
فنحن بحاجة إلى درسين بدر وحنين، ببدر افتقروا فانتصروا، بحنين اعتدوا بعددهم فلم ينتصروا، وهذا الكلام ينطبق على حرفتك ودراستك وكل نشاطك، تقول: الله، يا رب وفقني، يارب أنا مفتقر إليك، يا رب تبرأت من حولي وقوتي والتجأت إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين، هذا الافتقار إلى الله سبب التوفيق، أما حينما تعتد بقوتك، بمالك، بنسبك، بعلمك، بهيمنتك، يتخلى الله عز وجل عنك. فأحياناً درس تحتاجه بالسنة مرة، هذا الدرس تحتاجه كل يوم، لا تقل: أنا:
﴿قُل بِفَضلِ اللَّهِ وَبِرَحمَتِهِ ﴾
فالإنسان حينما يوحد يشكر الله عز وجل على كل ما آتاه.
امتصاص الآخرة كل متاعب الدنيا :
أيها الأخوة؛ كلام دقيق الآية الكريمة:
﴿ إِن تَكونوا تَألَمونَ فَإِنَّهُم يَألَمونَ كَما تَألَمونَ وَتَرجونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرجونَ ﴾
أنت مؤمن بالآخرة، الآخرة تمتص كل متاعب الدنيا، الإنسان في الآخرة ينصف، بالآخرة تسوى الحسابات.
إنسانة تأتي من عشرة كيلو متر كم إلى بيت في عمان كي تعمل خادمة، وإنسانة أخرى غاية في الرفاه والكبر والعنجهية، وسيدة منزل، وزوجها رجل غني كبير، لو أنه لا يوجد آخرة يوجد مشكلة كبيرة، لو لم يكن هناك آخرة يقفز إلى الساحة مليون سؤال، أما الآخرة فتسوى فيها الحسابات.
فلذلك الذي أتمناه من كل أعماقي أن نتحرك وفق منهج الله عز وجل، وأن نفتقر لننتصر لا أن نعتد لا بقوتنا، ولا بعددنا، بل أن نعتد بالله عز وجل حتى ننتصر.