- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (020) سورة طه
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
اللهم.. لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
اللهم.. علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وأرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين...
أيها الأخوة الكرام:
لا زلنا في قصة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام مع فرعون وقبل أن نتابع الحديث عن تفاصيل هذه القصة، وعن فصولها وجزئياتها، أود أن أضع بين أيدكم الحقيقة التالية، الله جل جلاله رحمةً بنا جعل الكون بدأ من الذرة وانتهاء بالمجرة، وفق قانون السببية، ما معنى قانون السببية ؟ أن شيئين لا يقع الثاني إلا إذا وقع الأول، نحن اصطلحنا على أن نسمي الأول سبباً، والثاني نتيجة، هذا من أجل أن نصل إلى الله، كيف ؟
العقل البشري صمم على ثلاث مبادئ.
1ـ مبدأ السببية.
2ـ مبدأ الغائية.
3ـ مبدأ عدم التناقض أو الهوية.
فأنت لا يمكن أن تفهم شيئاً بلا سبب، لو أنك قطعت الكهرباء عن بيتك، وسافرت إلى بلد ما، وعدت وقد أحكمت إقفال الأبواب حينما عدت وجدت المصباح متألقاً، لماذا تضطرب ؟ تقول لا بد من إنسان دخل إلى هذا البيت في غيابي، لأن المصباح لا يتألق من ذاته أنت لا تفهم شيئاً حولك بلا سبب.
هذا هو العقل أساسه مبدأ السببية، ونظام الكون صمم وفق هذا المبدأ، فأنت وأنت لا تشعر من أين هذه البيضة ؟ من الدجاجة ومن أين الدجاجة ؟ من البيضة، ثم تقول أول دجاجة من خلقها ؟ الله جل جلاله.
الأقدام تدل على المسير، والبعر يدل على البعير، أفسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج ألا تدلاني على الحكيم الخبير.
يعني الله عز وجل صمم الكون وفق نظام السببية، وصمم العقل وفق مبدأ السببية، وهذا هو المبدأ الذي يقودك برفق إلى الله عز وجل.
لكن حينما تعتقد أن السبب يخلق النتيجة وقعت في الشرك وحينما لا تعتقد أن لكل شيء سبباً وقعت في المعصية.
التوحيد طريق على يمينه وادي وعلى يساره وادي، على يمينه وادي الشرك، وعلى يساره وادي المعصية، فمن لم يأخذ بالأسباب فقد عصى الله، ولم يوقر نظام الله عز وجل، لم يعبأ بهذا النظام وطمع بغير حق أن يخرق له هذا النظام بلا سبب، هذا من لم يأخذ بالأسباب، من أخذ بالأسباب كالغربيين واعتمدوا عليها وجعلوها إلهاً، ورأوها أنها وحدها تخلق النتائج وقعوا في الشرك أما المؤمن الذي هداه الله إلى الحق يعتقد أن لكل شيء سبب لكن السبب لا يستطيع وحده أن يفعل النتيجة إلا أن يأذن الله.
لذلك علماء التوحيد لخصوا هذه العقيدة بكلمتين، قالوا عندها لا بها، عند مشيئة الله أن تحرق النار تحرق، أما النار وحدها لا تحرق، هذا ملخص الملخص.
معناها الأسباب بيد الله، إذا الإنسان أشرك الله كيف بأدبه ؟ يعطل له الأسباب، لذلك لا ينفع حذر من قدر، لا ينفع ذا الجد منك الجد، يؤتى الحذر من مأمنه، إذا أراد الله إنفاذ أمر أخذ من كل ذي لباً لبه، كل من يعتمد على الأسباب وقع في الشرك، وكل من لم يأخذ بالأسباب وقع في المعصية.
ماذا تعنينا هذه القاعدة في هذا الدرس ؟ تعنينا أن كل شيء بيد الله، مهما كانت المشكلة كبيرة، مهما كان الضيق شديداً، مهما كان المرض عضالاً، مهما كانت المشكلة مستعصية، مهما كان الإنسان فقيراً، الله عز وجل يخلق من الضعف قوة، ومن الفقر غناً، ومن المرض شفاء، يعني في مصيبة على الإطلاق أن يجد الإنسان نفسه فجأة في بطن الحوت، وهو في البحر في أعماق البحر، وفي ظلمة الليل، والله عز وجل قال:
﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ(88)﴾
دائماً قيس مصيبته مع سيدنا يونس، تلاقيها لا شيء، لا شيء إطلاقاً أكبر مصيبة حلت بكلمة، الآن سيدنا موسى قلة مستضعفة.
﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)﴾
فبنوا إسرائيل الذين آمنوا بسيدنا موسى كانوا قلة مستضعفين ذبح أولادهم جمعياً، واستحيت نسائهم، ولا يملكون شيئاً، أما فرعون الذي قال:
﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)﴾
﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾
هذا الملك الذي بيده فيما يبدو كل شيء، تصور الآن الإنسان سيدنا موسى مع جماعته القلة، المستضعفة، الخائفة، المهدورة الدم تتجه نحو البحر الأحمر، وفرعون بجيشه، وأعوانه، وقواته وجبروته، وكبريائه، وألوهيته المزعومة، وراء سيدنا موسى.
﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)﴾
في أمل ؟ إذا واحد البحر أمامه وشي مائة واحد عزل من السلاح، ورائهم شي خمس ألوية، مع طيران، مثلاً، مائة واحد عزل ورائهم أكبر قوة ضاربة، من كل أنواع الأسلحة، والهدف سحقهم.
﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)﴾
انتهت، معهم نبي، قال:
﴿قَالَ كَلَّا ﴾
بهذه البساطة، قال كلا، طيب وين الأمل ؟ تعتقد لا يمكن إنسان في ذرة عقل يجد بصيص من الأمل ولو واحد بالمليون، قلة مستضعفة، خائفة مهدورة الدم يتبعها فرعون بكل قواته، وكل جبروته وكل حقده، وكل كبريائه، ليسحق هذه الفئة.
﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)﴾
هذه القصص لمن ؟ هل هي تاريخ ؟ لا، لنا، من أجل تعرف من هو الله.
﴿قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)﴾
بأمر بسيط أضرب البحر، فأصبح كل فرق كالطود العظيم طرق مشوا اتبعوهم فرعون، خرج سيدنا موسى وقومه، صار فرعون بالوسط، عاد البحر بحراً، انتهى الأمر.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8)﴾
﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)﴾
مشكلتك أمام المشكلة، لا شيء، ليس لها وجود أساساً مرض عضال مشكلة كبيرة، عدو شرس، تحل، الله عز وجل بيده كل شيء، فهذه القصص كل ما أرجوه منكم، ألا تعدو هذه القصص تاريخاً، ما أرادها الله تاريخاً، أرادها حقائق، وقوانين، أراد منك أن تفهمها، وأن تستوعبها، وأن تكون نوراً تضيء لك الطريق.
فلما الإنسان يخاف من عدو، يخاف من جهة، الله فوق كل شيء، لماذا الإنسان في الحج يقول الله أكبر ؟ مهما كان عدوك كبير الله أكبر منه.
﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)﴾
فالقصة اليوم:
﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى (77)﴾
كلمتين أقولهم لكم: إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان الله عليك فمن معك، ما معك حد.
أخوانا الكرام:
إذا كان الله معك بخدمك عدوك، وإذا كان الله عليك أقرب الناس إليك ابنك بغلبك، فالعبرة أن يكون الله معك، هي المعية مشروطة، في شيء غير مشروط في معية غير مشروطة، وهو معكم أينما كنتم، هي معية العلم، الله مع الكافر مع الملحد، مع الفاسق مع العاصي، هذه معية غير مشروطة، لكن المعية المشروطة.
﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)﴾
﴿أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)﴾
﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)﴾
هذه المعية تعني النصر، والتأييد، والحفظ، والرعاية والتوفيق، رعاية، وتوفيق، ونصر، وتأييد، وحفظ، العلماء قالوا، إلا أن هذه المعية الخاصة التي أختص بها المؤمنون والمتقون والصابرون، مشروطة.
﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾
أدفع الثمن وأخذ البضاعة.
﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79)﴾
يعني الآن في عنا نقطة دقيقة الإنسان لا يكون غلطة إنسان هيك أبي قال لي، أبي علمنا، أبي نشئنا، بدك تتبع المنهج الإلهي.
﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)﴾
﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾
لا تكون غلطة إنسان، لا تكون فرق حساب كلك، إذا واحد نشئ نشأة ما فكر، ما تأمل، مشي مع البيئة، نشئنا، تربينا بدو فلان أقوى مني، ينقلني أخي ما بقدر، هيك بدها زوجتي لا تكون غلطة، لا تكون فرق حساب.
لذلك الله عز وجل قال:
﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79)﴾
من وقفت ضده وقاومت جبروته ؟ زوجته.
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)﴾
هي قصة بليغة جداً، امرأة لا يستطيع هذا الفرعون أن يحملها على مبدئه أبداً، وهي صديقة، كمل من الرجال الكثير ولم يكمل من النساء إلا أربع منهم آسيا امرأة فرعون.
فالإنسان مستقل لا يكون خطأ للإنسان، ما يكون غلط للإنسان.
النبي عليه الصلاة والسلام أرسل سرية وآمر عليها أنصارياً ذا دعابة هذا الأنصاري ذا دعابة، مزوحي يعني، أمر بإضرام ناراً عظيمة وقال اقتحموها ألست أميركم ؟ أليست طاعتي طاعة رسول الله فقال بعضهم ـ والقصة في البخاري ومسلم وردت ـ قال بعضهم كيف نقتحمها وقد آمن بالله فراراً منها، وقال بعضهم طاعة الأمير طاعة رسول الله، اختلفوا، عرضوا الأمر على النبي فقال:
(( والله لو اقتحمتموها لا زلتم فيها إلى يوم القيامة، إنما الطاعة في معروف.))
العقل لا يتعطل أبداً إلا مع القرآن، كلام الله عز وجل، ومع الحديث الصحيح، وما سوى ذلك هم رجال ونحن رجال، كل إنسانٍ يأخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذه القبة الخضراء.
﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ﴾
لا تتجاوز.
﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81)﴾
يا لطيف، والله لأن يسقط الإنسان من طائرة أربعين ألف قدم يكون في الأرض محطماً، أهون من أن يسقط من عين الله، أهون من أن يحل عليه غضب الله، والله إذا غضب على إنسان يمد له الحبل، حتى يظن نفسه ما في إله، ثم يشد الحبل فجأة فإذا هو في شر عمله.
الإنسان لا يغتر، قال إذا كان الله يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فحذره، الآية الأخيرة، هي آية من أدق الآيات:
﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (82) ﴾
الآية يرد بها على كل إنسان جاهل، أخي الله غفور رحيم لا دقق، لا دقق الله غفور رحيم، ما راح يحط عقله بعقلنا ويحاسبنا هيك يقولوا الناس.
﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ﴾
لمن ؟.
﴿لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (82)﴾
هذا هو الذي يغفر الله له، لأن الله عز وجل قال:
﴿وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)﴾
الشيطان، الشيطان بقلك الله غفور رحيم، لا دقق، الله غفور رحيم، الله غفور رحيم لمن ؟
﴿لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (82)﴾
والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمن ولا تهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم.