وضع داكن
22-02-2025
Logo
المقالة : 14 - لماذا نادى الله العبد للحج؟
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

لماذا نادى الله العبد للحج ؟. 


يذهب المسلم إلى بيت الله الحرام ، ويُخلِّف في بلدته هموم المعاش والرزق ، هموم العمل والكسب ، هموم الزوجة والولد، وهموم الحاضر والمستقبل ، وبعد أن يُحرم من الميقات يبتعد عن الدنيا كلياً، ويتجرَّد إلى الله عز وجل ويقول : 
" لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك ".
هذه التلبية كأنها استجابة لنداء ودعوة يقعان في قلبه ، أن يا عبدي خلِّ نفسك وتعال ، تعال يا عبدي ، لأريحك من هموم كالجبال ، تجثم على صدرك ، تعال يا عبدي لأطهرك من شهوات تُنغِّص حياتك . 

إلى متى أنت باللذات مشغول           وأنت عن كل ما قدمته مسؤول

 

النداء الإلهي للعبد...

تعالَ يا عبدي وذق طعم محبتي ... 
تعال يا عبدي وذق حلاوة مناجاتي ...
تعال يا عبدي لأريك من آياتي الباهرات ...
تعال لأريك ملكوت الأرض والسماوات ...
تعال لأضيء جوانحك بنوري الذي أشرقت به الظلمات ...
تعال لأعمر قلبك بسكينة عزت على أهل الأرض والسماوات ...
تعال لأملأ نفسك غنىً ورضىً شقيتْ بفقدهما نفوس كثيرات ...
تعال لأخرجك من وحول الشهوات إلى جنات القربات ...
تعال لأنقذك من وحشة البعد إلى جنّة القرب ...
تعال لأخلصك من رُعب الشرك وذُلّ النفاق إلى طمأنينة التوحيد وعز الطاعة ...
تعال يا عبدي لأنقلك من دنياك المحدودة ، وعملك الرتيب ، وهمومك الطاحنة إلى آفاق معرفتي ، وشرف ذكري ، وجنة قربي ...
تعال يا عبدي وحُطَّ همومك ومتاعبك ومخاوفك عندي ، فأنا أضمن لك زوالها...
تعال يا عبدي واذكر حاجاتك ، وأنت تدعوني فأنا أضمن لك قضاءها ، إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوارها هم عُمارها، فطوبى لعبد تطهَّر في بيته ثم زارني ، وحقَّ على المزور أن يكرم الزائر ، فكيف يكون إكرامي لك إذا قطعت المسافات ، وتجشمت المشقات ، وتحملت النفقات ، وزرتني في بيتي الحرام ، ووقفت بعرفة تدعوني، وتسترضيني ... 
تعال يا عبدي ، وزرني في بيتي ، لتنزاح عنك الهموم ، ولتعاين الحقائق ولتستعد باللقاء ...

((  إِنَّ عَبْدًا أَصْحَحْتُ جِسْمَهُ، وَأَوْسَعْتُ عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَةِ تَأْتِى عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لَمْ يَفِدْ إِلَىَّ لَمَحْرُومٌ  ))

[ الجامع الصغير عن أبو سعيد الخدري  ]

تعال يا عبدي، وطُف حول الكعبة طواف المحب حول محبوبه ، واسعَ بين الصفا والمروة سعي المشتاق لمطلوبه ...
تعال يا عبدي ، وقبِّل الحجر الأسود يميني في الأرض ، واذرُف الدمع على ما فات من عمر ضيعته في غير ما خُلقت له ، وعاهدني على ترك المعاصي والمخالفات وعلى الإقبال على الطاعات والقربات ، وكن لي كما أُريد لأكن لك كما تريد، كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك ، فإذا سلَّمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تُسلِّم لي فيما أُريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد ، خلقت لك ما في الكون من أجلك فلا تتعب ، وخلقتك من أجلي فلا تلعب ، فبحقي عليك لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضته عليك...
تعال يا عبدي إلى عرفات ، يوم المعرفة فهو يوم اللقاء الأكبر، تعال لتتعرض لنفحة من نفحاتي تطهر قلبك من كل درن وشهوة ، وتُصفي نفسك من كل شائبة وجفوة ، وهذه النفحات تملأ قلبك سعادة وطمأنينة ، وتشيع في نفسك تألقاً وسكينة لو وُزِّعت على أهل بلد لكفتهم ، عندئذ لا تندم إلا على ساعة أمضيتها في القيل والقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال ... 
تعال يا عبدي لعرفات يوم المعرفة ، تعال لتعرف أنك المخلوق الأول من بين كل المخلوقات ولك وحدك سُخرت الأرض والسماوات ، وأنك حُمِّلت الأمانة التي أشفقت من حملها الجبال والأرض والسماوات ، وأني جئت بك إلى الدنيا لتعرفني ، وتعمل عملاً صالحاً يؤهلك لدخول جنتي ، تعال إلى عرفات يوم المعرفة ، لتعرف : 

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾

[ سورة العصر ]

وأنك إن وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فُتُّك فاتك كلُّ شيء.. .
 

 سعادة الحاج .

وبعد أن يذوق المؤمن في عرفات ، من خلال دعائه ، وإقباله ، واتصاله ، روعة اللقاء ، وحلاوة المناجاة ، ينغمس في سعادة القرب ، عندئذ تصغر الدنيا في عينيه ، وتنتقل من قلبه إلى يديه ، ويصبح أكبر همه الآخرة ، فيسعى إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر، وقد يكتشف للحاج في عرفات أن كل شيء ساقه الله له مما يكرهه ، هو محض عدل ، ومحض فضل ، ومحض رحمة ، ويتحقق من قوله تعالى :

﴿  كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)

[ سورة  البقرة ]

 وبعد أن يفيض الحاجُّ من عرفات ، وقد حصلت له المعرفة واستنار قلبه ، وصحت رؤيته يرى أن السعادة كلها في طاعة الله ، وأن الشقاء كله في معصيته ، عندئذ يرى عداوة الشيطان ، وكيف أنه يَعِدُ أولياءه بالفقر إذا أنفقوا ، ويخوفهم مما سوى الله إذا أنابوا وتابوا ، ويعدهم ، ويمنيهم، وما يعدهم الشيطان إلا غروراً، قال تعالى :

﴿  وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) ﴾

[ سورة  إبراهيم ]

 عندئذ يُعبِّر الحاج عن عداوته للشيطان تعبيراً رمزياً برمي الجمار، ليكون الرمي تعبيراً مادياً ، وعهداً موثقاً في عداوة الشيطان ، ورفضاً لوساوسه وخطراته ... 
يقول الإمام الغزالي : " اعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى في العقبة ، وفي الحقيقة ترمي بها وجه الشيطان ، وتقصم ظهره ، ولا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله تعالى "...  
وحينما يتجه الحاج لسوق الهدي ، ونحر الأضاحي ، وكأن الهدي هدية إلى الله تعبيراً عن شكره لله على نعمة الهدى ، التي هي أثمن نعمة على الإطلاق ، وكأن ذبح الأضحية ذبح لكل شهوة ، ورغبة لا تُرضي الله، وتضحية بكل غالٍ ورخيص ، ونفس ونفيس في سبيل مرضاة رب العالمين ، قال تعالى : 

﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرْ الْمُحْسِنِينَ  ﴾

[ سورة  الحج  ]

ثم يكون طواف الإفاضة تثبيتاً لهذه الحقائق ، وتلك المشاعر ، ثم يطوف طواف الوداع لينطلق منه إلى بلده إنساناً آخر استنار قلبه بحقائق الإيمان ، وأشرقت نفسه بأنوار القرب ، وعقد العزم على تحقيق ما عاهد الله عليه ، وإذا صحَّ أن الحج رحلة إلى الله ، فإنه يصحُّ أيضاً أنها قد الرحلة قبل الأخيرة ، لتجعل الرحلة الأخيرة مُفضية إلى جنة عرضها السماوات والأرض. 

 زيارة المدينة المنورة .

وبعد أن ينتهي الحجاج من مناسك الحج يتجهون إلى المدينة المنورة ، التي هي من أحب بلاد الله إلى الله ، يتجهون إليها لزيارة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم ، فقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  :

(( من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي  ))

[ أخرجه الدارقطني في سننه ]

وقد عُلِّقت في مكان بارز من الحجرة الشريفة الآية الكريمة:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64) ﴾

[ سورة  النساء ]

طاعة النبي من طاعة الله : وقد أشار القرطبي إلى أن هذه الآية تصدق على زيارة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته ، وليس هذا لغير النبي صلى الله عليه وسلم .
 وقد أورد القاسمي في تفسيره أن في هذه الآية تنويهاً بشأن النبي صلى الله عليه وسلم ، فالرجل حينما يظلم نفسه بمعصية ربه ، من خلال خروجه عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وجب عليه أن يستغفر الله ، وأن يعتذر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا تتم التوبة إلى الله ، ولا تُقبل إلا إذا ضمَّ إليها استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم عين طاعة الله ، ورفض سنة النبي صلى الله عليه وسلم عين معصية الله وإرضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عين إرضاء الله ، يستنبط هذا من إفراد الضمير في قوله تعالى عند كلمة يرضوه :

﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) ﴾

[ سورة  التوبة ]

هكذا بضمير المفرد، ولا أدل على ذلك من قول الله تعالى :

﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (80) ﴾

[ سورة  النساء ]

ولعل سرَّ السعادة التي تغمر قلب المسلم حينما يزور مقام النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما إن يرى معالم المدينة حتى يزداد خفقان قلبه ، وما إن يبصر الروضة الشريفة حتى يجهش بالبكاء ، وعندئذ تُصبح نفس الزائر صافية من كل كدر، نقية من كل شائبة ، سليمة من كل عيب ، منتشية بحبها له ص وقُربها منه ، وهذه حقيقة الشفاعة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :

(( من جاءني زائراً، لم تنزعه حاجة إلا زيارتي كان حقاً على الله أن أكون له شفيعاً يوم القيامة ))

[ أخرجه الدارقطني والخلعي في فوائده ]

وإذا شئت الدليل القرآني على ما يشعر به المسلم من سكينة وسعادة حينما يتصل برسول الله ص بنحو أو بآخر، فهو قوله تعالى: 

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) ﴾

[ سورة  التوبة ]

وقال الرازي في تفسيره : إن روح محمد صلى الله عليه وسلم كانت روحاً قوية صافية مشرقة باهرة لشدة قربه من الله، ولأن قلبه الشريف مهبط لتجليات الله جل وعلا، فإذا ذكر أصحابه بالخير والودّ، أو ذكره المؤمنون بالحب والتقدير فاضت آثار من قوته الروحانية على أرواحهم، فأشرقت بهذا السبب نفوسهم، وصفت سرائرهم، وهذه المعاني تفسر قوله تعالى :

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) ﴾

[ سورة  الأحزاب ]

 رُوي أن بلالاً رضي الله عنه سافر إلى الشام ، وطال به المقام ، بعد وفاة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم ، ولقد رأى وهو في منامه وهو بالشام رسول الله ص يقول له: 

(( ما هذه الجفوة يا بلال ؟ أما آن لك أن تزورني ))

فانتبه حزيناً، وركب راحلته ، وقصد المدينة ، فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يبكي عنده كثيراً فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما وجعل يضمهما، ويقبلهما فقالا : نشتهي أن نسمع أذانك ، الذي كنت تؤذن به لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصرّا عليه، فصعد وعلا سطح المسجد ، ووقف موقفه الذي كان يقفه ، ولما بدأ بقوله : الله أكبر.. وتذكر أهل المدينة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجَّت المدينة، وخرج المسلمون من بيوتهم، فما رأيت يوماً أكثر باكياً وباكيةً في المدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم . لقد صدق من قال : ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً .. وهذه الحقيقة ينبغي أن تنسحب على كل مؤمن إلى يوم القيامة ، فقد قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :

(( فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والنسائي ]

و لقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع خطبة جامعة مانعة تضمنت مبادئ إنسانية سيقت في كلمات سهلة سائغة ، كيف لا وقد أوتي النبي ص جوامع الكلم ، فلقد استوعبت هذه الخطبة جملة من الحقائق التي يحتاجها العالم الشارد المعذب ليرشد ويسعد، قال تعالى :

﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) ﴾

[ سورة  طه ]

إن الله جل وعلا ربى محمداً صلى الله عليه وسلم ليُربي به العرب ، وربى العرب بمحمد صلى الله عليه وسلم ليُربي بهم الأمم ، قال تعالى :

﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)  ﴾

[ سورة  الحج ]

فمن المبادئ التي انطوت عليها خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع :أن الإنسانية متساوية القيمة في أي إهاب تبرز، على أية حالة تكون وفوق أي مستوى تتربع . 

(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  ))

والنفس الإنسانية ما لم تكن مؤمنة بربها مؤمنة بوعده ووعيده مؤمنة بأنه يعلم سرَّها وجهرها ، لأن النفس الإنسانية تدور حول أثرتها، ولا تُبالي بشيء في سبيل غايتها، فربما بنت مجدها على أنقاض الآخرين، وبنت غناها على فقرهم ، وبنت عزّها على ذلهم ، بل ربما بنت حياتها على موتهم ، لذلك قال الرسول الكريم في حجة الوداع :

(( أيها الناس إن دماءكم وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، إنما المؤمنون إخوة، لا يحل لامرئ مالُ أخيه إلا عن طيب نفس منه، وإنكم ستلقون ربكم، فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد  ))

والمال قوام الحياة ، وينبغي أن يكون مُتداولاً بين كل الناس ، وأنه إذا ولَد المالُ المال من دون جهد حقيقي يسهم في عمارة الأرض وإغناء الحياة ، تجمَّع في أيدٍ قليلة ، وحُرمت منه الكثرة الكثيرة ، عندها تضطرب الحياة، ويظهر الحقد ، ويُلجأ إلى العنف ، ولا يلد العنف إلا العنف ، والربا يسهم بشكل أو بآخر في هذه النتائج المأساوية التي تعود على المجتمع البشري بالويلات ، لهذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع :

(( أَلَا وَإِنَّ كُلَّ رِبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ لَكُمْ رُؤوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُون ))

والنساء شقائق الرجال ، ولأن المرأة مساوية للرجل تماماً من حيث إنها مكلفة كالرجل بالعقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق، ومساوية له من حيث استحقاقُها الثواب والعقاب، وأنها مساوية له تماماً في التكليف والتكريم والتشريف  لهذا قال ص في خطبة حجة الوداع :

(( اتقوا الله بالنساء واستوصوا بهن خيراً، ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد  ))

ثم يُتابع خطبته فيقول :

(( لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ))

(( أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يُعبد في أرضكم هذه، ولكنه رضي أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تحقرونـه من أعمالكم، فاحذروه على دينكم، وقد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتم به فلـن تضلوا أبداً، أمراً بيناً: كتاب الله وسنة نبيه، وإنكم ستسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت ، ونصحت فجعل يُشير بإصبعه المسبحة إلى السماء ثم إلى الناس وهو يقول : اللهم اشهد، اللهم اشهد  ))

إخفاء الصور