وضع داكن
28-04-2024
Logo
ندوات مختلفة ماليزيا : 3 - لقاء مرئي زوم مع ماليزيا : تربية الأولاد.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

الأمن أكبر نعمة يتمتع بها المؤمن :

 بادئ ذي بدء : أشكر دعوتكم الكريمة التي إن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم .
 أخوتي الكرام ؛ من مسلمات الحياة لو بلغت أعلى منصب في الأرض ، وجمعت أكبر ثروة فيها ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ، هذه حقيقة مطلقة ، الإنسان حريص ببديهيته على سلامة وجوده ، وعلى كمال وجوده ، وعلى استمرار وجوده ، سلامة وجوده بالاستقامة ، وكمال وجوده بمعرفة الله والإقبال عليه ، واستمرار وجوده بتربية أولاده .
 لذلك الأرض فيها الآن ثمانية مليار إنسان ، هل فيهم واحد يحب الفقر ؟ واحد يحب المرض أو القهر ؟ هل فيهم واحد يتمنى ألا يكون دخله كبيراً ، وزوجته كما ينبغي ، وأولاده أبراراً؟ هذه حقائق ثابتة تشمل كل أهل الأرض .
 لذلك عندنا شيء اسمه السلامة ، والسعادة ، قد يمضي عامان ولم يصب الإنسان شيئاً ، هذه سلامة ، أما الأمن فهي حالة أرقى بكثير ، ألا يتوقع أي مشكلة ، قال تعالى :

﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾

[ سورة الأنعام]

 ما قال الأمن لهم ، لو قال الأمن لهم أي لهم ولغيرهم ، أما فيها قصر وحصر :

﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾

.
 فلذلك الأمن أكبر نعمة لا يتمتع فيها إنسان بالأرض إلا المؤمن

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾

 لو شخص بالصلاة قال : نعبد إياك ، الصلاة باطلة ، نعبد إياك لا تمنع أن نعبد غيرك .

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) ﴾

[ سورة الفاتحة ]

 فيها قصر وحصر ، فلذلك

﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾

 الأمن لهم وحدهم ، أكبر نعمة يتمتع بها المؤمن ، وينفرد بها الأمن ،

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾

 فلذلك السلامة شيء ، والأمن شيء ، والمؤمن يتمتع بنعمة الأمن .

 

الحكمة من خلق الإنسان هلوعاً وجزوعاً :

 الشيء الدقيق جداً ؛ الإنسان ، هذه (الـــ) ما هي ؟ أل الجنس ، بمعنى أي إنسان في الأرض ، كائناً من كان ، في أي مكان ، وفي أي زمان ، من آدم ليوم القيامة ، هذه أل الجنس أدق أل ، يوجد أل التعريف ، وأل العهد ، هناك أنواع كثيرة ، أل الزائدة ، وأل الجنس ، الإنسان.

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) ﴾

[ سورة المعارج ]

 كلام رب العالمين ، هكذا خُلق ، هذه طبيعته ، هذا ضعف خلقي .

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) ﴾

[ سورة المعارج ]

 هذه جبلته ، هذه صفته ، هذه خصائصه ، هذا ما فطر عليه ،

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ ﴾

 أي إنسان في أي مكان ، في أي زمان ، في أي عصر ، في أي مصر

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾

 هكذا خُلق ، خلق هلوعاً ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره ، ولو خُلق قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه ، هذه الحكمة

﴿ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾

 لو خُلق قوياً لاستغنى بقوته ، فشقي باستغنائه ،

﴿ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾

 ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره .

﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) ﴾

 غير المؤمن الإنسان العادي قبل أن يعرف الله

﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ﴾

 يؤوس ، قنوط ، لذلك اليأس ، والقنوط ، والتشاؤم ، والسوداوية ، تقترب من الكفر

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾

 شديد الخوف، شديد الجزع ،

﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) ﴾

تعريف المصلي :

﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) ﴾

[ سورة المعارج ]

 المصلي ؛ الذي عقد مع الله صلة ، من معرفة بالله أولاً ، واستقامته على أمره ثانياً ، وتقربه إليه ثالثاً بالعمل الصالح ، هذا الإنسان عرف الله ، فاستقام على أمره ، أحسن إلى خلقه نشأ له خط ساخن مع الله .

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) ﴾

 دخلنا في نقطة دقيقة جداً ؛ العلماء قالوا : الصفة قيد ، ليس أي مصلّ .
 ليس كل مصلّ يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممَّن تواضع لعظمتي ، وكفَّ شهواته عن محارمي ، ولم يصرَّ على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العُريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب ، كل ذلك لي ، وعزتي وجلالي إن نور وجه لأضوأ عندي من نور الشمس على أن أجعل الجهالة له حلماً ، والظلمة نوراً ، يدعوني فألبيه ، ويسألني فأعطيه ، ويقسم عليَّ فأبرُّه ، أكلؤه بقربي ، وأستحفظه ملائكتي ، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ، ولا يتغير حالها.
إلى آخر الحديث .
 المصلي الذي أحسن الصلة بالله عز وجل من خلال المعرفة ، والاستقامة ، والعمل الصالح .

 

الصلة المستمرة بين العبد وربه تجعل الطريق إلى الله سالكاً :

 إذاً :

﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) ﴾

[ سورة المعارج ]

 هو يصلي الأوقات الخمس ، لكن بين الصلاتين لا يوجد معصية ، ولا بعد عن الله ، في حالة من الصلة بسيطة جداً ، أحياناً السيارة الفخمة تقف والمحرك يعمل ، فالإنسان على صلة بالله دائماً ، إذا لم يكن عنده معصية تحجبه عن الله ، لم يكن عنده دخل حرام يحجبه عن الله ، لم يكن عنده علاقة لا ترضي الله مع المرأة ، لم يكن عنده كذب ، ولا غش ، ولا غيبة ، ولا نميمة ، استقامته تجعل له الطريق سالكاً إلى الله ، وعمله الصالح يرفعه إلى الله ، بقي الصلة ، الصلة تنعقد له آنياً ، صار له خط ساخن مع الله ، يناجيه في الليل ، يدعوه ، يستجير به ، يسأله .

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) ﴾

 الآن المصلي فقط في جواب دقيق : ليس كل مصلّ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممَّن تواضع لعظمتي ، وكفَّ شهواته عن محارمي ، ولم يصرَّ على معصيتي، وأطعم الجائع ، وكسا العُريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب ، كل ذلك لي ، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس ، إلى آخر الحديث ، فلذلك :

﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) ﴾

 لا يوجد عنده معصية تحجبه عن الله ، أما غير المستقيم :

﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ﴾

[ سورة المطففين ]

 فلا توجد عنده معصية تحول بينه وبين الله ، لا توجد عنده مخالفة ، لا يوجد عنده مال حرام ، لا توجد عنده علاقة لا ترضي الله مع امرأة لا تحل له ، لا توجد عنده ولا معصية فالطريق سالك إلى الله ، فلذلك الإنسان : ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحبّ إليك من كل شيء .

﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) ﴾

 هذه الصلة المستمرة ، التي سببها أنه لا توجد معصية ، ولا مال حرام ، ولا علاقة مشبوهة ، ولا كذب ، ولا غيبة ، ولا نميمة ، ولا اختلاط بالسهرات ، ولا شاشة مفتوحة غير منضبطة ، ولا ابن عاق ، ولا زوجة تتطلع إلى غير زوجها ، إذا كان هناك استقامة فهناك سلامة ، إذا كان هناك عمل صالح فهناك سعادة ، إذا كان هناك تربية أولاد فهناك استمرار .

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) ﴾

[ سورة الطور]

 ألحقنا بهم أعمال ذريتهم ، أكبر تجارة في الدنيا - هكذا يقول الخبراء التجار- من عشرة إلى خمسة عشر ، إذا لم يكن هناك احتكار طبعاً ، لا يوجد استبداد ، ولا إباحية ، من عشرة إلى خمسة عشر ، أكبر صناعة للخامسة والعشرين ، أما مع الله فالواحد بمليون

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) ﴾

الله عز وجل خلقنا لنسعد في الدنيا والآخرة :

 لذلك :

﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) ﴾

[ سورة المعارج ]

 الزكاة حق للفقير من مال الغني ، الحق لا يحتاج أن يمن الإنسان على الله به ، الحق مثل الدولة هناك ضريبة ، ضريبة لا بد منها ، هناك تأمين مصالح الدولة ، أما إنسان يقدم بناء لمعهد شرعي يقام له حفل تكريم ، أداء الفرائض هذا واجب ، الحد الأدنى ، معنى فريضة ؛ إذا قلنا : استنشاق الهواء فريضة لبقاء الإنسان حياً ، معنى هذا ضروري جداً ، وشرب الماء فريضة كذلك ، والطعام فريضة ، معنى فريضة لا بد منها ، تتوقف حياتك عليها .
 عفواً ؛ الطاولة الخشب هذا جماد ، وزن ، حجم ، طول ، عرض ، ارتفاع ، بماذا يزيد عليه النبات ؟ بالنمو ، بماذا يزيد الحيوان عليهما ؟ بالحركة ، بماذا يزيد الإنسان على كل هؤلاء ؟ بقدرة إدراكية أودعها الله فينا ، هذه القوة الإدراكية ما لم تملأ بطلب العلم ، الإنسان هبط عن مستواه إلى مستوى لا يليق به .
 استمعوا معي إلى وصف القرآن الكريم عن هؤلاء الذين شردوا عن الله :

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ﴾

[ سورة النحل]

 ضغطه 8 ـ 12 ، مثالي ، نبضه 80 ، عند الله ميت

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

 من هو الحي ؟ الذي عرف الله ، ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، عرف الله ، عرف منهجه ، طبق منهجه ، استقام على أمره ، عمل عملاً صالحاً ، تقرب إليه ، إن لم يقل المسلم بأي وضع ، بأي سن ، بأي بيت ، بأي مساحة بيت ، بأي دخل ، مع أي زوجة ، إن لم يقل : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني عنده مع الله مشكلة كبيرة ، الله عز وجل خلقنا للسعادة ، والدليل :

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) ﴾

[ سورة هود]

 خلقنا ليرحمنا ، خلقنا ليسعدنا ، خلقنا لنسعد في الدنيا والآخرة ، والدليل :

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ( 46 )﴾

[ سورة الرحمن]

 جنة في الدنيا ، هي جنة القرب .

فـلو شاهدت عيناك من حسننــــا  الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنـا  خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبــــة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمــة  لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــــا
ولــــو لاح من أنوارنا لك لائــــح  تركت جميع الكائنات لأجلنـــــــــــــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعـــــى  سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنـــــــــــــا
فأيسر ما في الحب للصب قتـله  وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنـــا
***

 لذلك : ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء .

 

بطولة الإنسان أن يبحث عن المحروم صاحب العزة والإباء :

 إذاً :

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) ﴾

[ سورة المعارج ]

 من هو المحروم ؟ الذي لا يسأل ، المتعفف ، فالبطولة أن تبحث عن المحروم ، صاحب العزة والإباء والكرامة ، ابحث عن هذا الإنسان ، السائل يسألك بإلحاح ، ويلح عليك ، المحروم لا يسأل ، فالبطولة أن تعرف الذي لا يسأل ، الذي هو بحاجة ولا يسأل .

 

الإنسان يحكمه النص وغيره يحكمه الواقع :

﴿ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) ﴾

[ سورة المعارج ]

 يوجد آخرة ، آمن بالآخرة ، وانضبط في الدنيا ، آمن أن هناك حياة أبدية إلى أبد الآبدين ، في جنة يديم نعيمها ، أو في نار لا ينتهي عذابها .
 فلذلك للتقريب أنت راكب دراجة ، والطريق هابط ، ومعبد ، وهناك ورود وأزهار على أطراف الطريق ، هذا الطريق ينتهي بحفرة ساحقة ما لها من قرار ، فيها وحوش كاسرة جائعة ، وهناك طريق صاعد ، ليس معبداً ، فيه صعوبات ، فيه صلاة ، وصوم ، وحج ، و زكاة ، وغض بصر ، ومال حلال ، ولقاء علماء ، وطلب علم ، وصيام ، فيه أشياء كثيرة ، منهج تفصيلي ، الصاعد فيه متاعب ، الجنة حفت بالمكاره ، واسمه تكليف : ذو كلفة ، لكن هذا الطريق الصاعد ينتهي بقصر منيف ليس له مثيل هو لمن وصل إليه ، فهناك طريق صاعد متعب ، فيه جهد وجهاد ، وطريق هابط مريح يتماشى مع رغبات الإنسان ، مع شهواته ومصالحه ، يعيش حياة محدودة ، سيارات ، وولائم ، وسهرات ، ولقاءات ، واختلاط مع النساء ، فالبطولة إذا لوحة كتب عليها : هذا الطريق ينتهي بقصر منيف ، وهذا ينتهي بحفرة سحيقة ، اللوحة هذه ألا تكفي أن تتخذ قراراً صحيحاً ؟ هذا الإنسان ، الإنسان يؤثر به النص ، القرآن نص ، والسنة نص ، والأحاديث نص ، وسير العلماء نص ، هذا نص ، وغير الإنسان ، لي مثل بسيط : عندنا في الشام في دمشق شخص ركب سيارته الراقية جداً وتوجه إلى حمص ، له مبلغ ضخم موعود أن يقبضه يوم السبت - كان السبت يوجد دوام قديماً - لوحة صغيرة كتب عليها : الطريق إلى حمص مغلقة بسبب تراكم الثلوج في النبك ، يرجع ، ما الذي أثر فيه ؟ خمس كلمات ، العاقل يتأثر بالنص ، والقرآن نص ، والحديث نص ، لو أن دابة تمشي في هذا الطريق أين تقف ؟ عند الثلج ، أما الدابة فيؤثر بها الواقع فقط ، الشخص لا يقول : أنا واقعي ، يقول : أنا نصي ، أنا لي منهج ، يوجد قرآن ، وجنة ، وإله عظيم ، ووحي ، وأحاديث ، وآيات ، وأقوال علماء ، فأنت كإنسان راق تتأثر بالنص .

 

الإنسان وحده آية من آيات الله :

 لذلك أول كلمة ، بأول آية ، بأول سورة :

﴿ اقْرَأْ ( 1 )﴾

[ سورة العلق]

 اقرأ من أجل أن تؤمن .

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ( 1 ) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ( 2 ) ﴾

[ سورة العلق]

 من نطفة ، دماغ ، عيون ، أنف ، أسنان ، لسان ، نطق ، بيان ، معدة ، أمعاء ، قلب ، خلق الإنسان وحده معجزة ، الإنسان وحده آية من آيات الله ، والله لا أبالغ لو أمضيت كل العمر لا تنتهي من عجائب خلق الإنسان .

﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)﴾

[ سورة الذاريات]

 كأس الماء هذا الذي تشربه ، هذا الماء فيه خاصة ، لولاها ما كان هذا اللقاء ، ولا كانت الأردن ، أنا في الأردن ، في عمان ، ولا كان العالم ، هذا الماء كأي عنصر في الأرض تسخنه يتمدد ، تبرده ينكمش ، كأي عنصر ، لو كان غازياً ، أو سائلاً ، أو صلباً ، إلا أن الماء إذا بردته للدرجة العشرين ، أو للخامسة عشرة ، أو للدرجة العاشرة ، أو للخامسة ، أو للرابعة ، بالدرجة الرابعة تنعكس الآية ، يزداد حجمه ، تقل كثافته ، يطفو ، لولا هذه الظاهرة لما كان هناك حياة بالأرض كلها ، لولا هذه الظاهرة البحار تتجمد ، تزداد كثافتها ، تهبط ، بعد حين تتجمد البحار كلها ، ينعدم التبخر ، تنعدم الأمطار ، يموت النبات ، يموت الحيوان ، يموت الإنسان ، لأن الماء مستثنى بحالة شاذة ، في الدرجة زائد أربع يزداد حجمه وتقل كثافته ، يد من؟ علم من ؟ رحمة من ؟ حكمة من ؟ قوة من ؟ فلذلك :

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) ﴾

.

 

بطولة الإنسان أن يكون من أتباع الأنبياء لا الأقوياء :

﴿ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) ﴾

[ سورة المعارج ]

 الآية طويلة نحن أخذنا بعض كلماتها .
 لذلك هنا الآن يقع على رأس الهرم البشري زمرتان ، الهرم البشري الآن ثمانية مليارات إنسان ، يقع على رأسه زمرتان ، الأقوياء والأنبياء ، الأقوياء ملكوا الرقاب ، والأنبياء ملكوا القلوب ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الأقوياء يمدحون في حضرتهم ، الأنبياء في غيبتهم ، الأقوياء عاش الناس لهم ، الأنبياء عاشوا للناس ، ونحن جميعاً تبع لقوي أو نبي ، أما إذا كنت قوياً فبطولتك الكبرى أن تتبع أقوال الأنبياء .

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه : قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كلّ خير ، احرِصْ على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجزْ ، وإن أصابك شيء فلا تَقُل : لو أنَّي فعلتُ لكان كذا وكذا ، ولكن قل : قَدَّر الله وما شاءَ فَعَل ، فإن ' لو ' تفتحُ عَمَلَ الشيطان ))

[ أخرجه مسلم ]

العمل الصالح علة وجود الإنسان في الدنيا :

 لذلك أنا أقول : إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً ، لأن خيارات القوي في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى ، ولأن علة وجودك في الدنيا العمل الصالح، علة وجودك في الدنيا العمل الصالح ، الإنسان إذا وافته المنية ماذا يقول :

﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾

[ سورة المؤمنون]

 ما قال ارجعون لأتمم الطابق الخامس أبداً ،

﴿ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾

  إذاً العلة الأولى والوحيدة لوجودك في الدنيا العمل الصالح بعد الإيمان بالله ، واليوم الآخر ، العمل الصالح علة وجودك ، لِمَ سميّ صالحاً ؟ قال : لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ، لذلك العمل الصالح علة وجودنا ، والعمل الصالح كما قلت قبل قليل يصلح للعرض على الله ، لأن النية طيبة والعمل منضبط وفق منهج الله ، بل هو الشيء الوحيد الذي نتميز به .

 

كليات الدين :

 من هنا الدين فيه كليات ، مرة كنت بأمريكا ، زرت معمل جنرال موتورز ، يوجد مرافق مع مترجم ، قال لي : هذه السيارة فيها ثلاثمئة ألف قطعة ، أنا كراكب فيها غلاف معدني غريسوري ، فيها محرك ، فيها مقاعد ، فيها مقود ، فيها عجلات ، يوجد طريق معبد تمشي عليه كانوا ثلاثمئة ألف أصبحوا سبعة .
 ممكن الدين العظيم ، منهج رب العالمين ، وحي السماء ، جاء به خاتم الرسل ، سيد الأنبياء يضغط بكليات ؟ الجواب : نعم ، أول كلية العقيدة ، التصور ، الأيديولوجيا ، الفهم الجانب العقدي ، الفكري ، كلها أسماء لمسمى واحد ، الجانب العقدي في الإنسان ، هذا يحتاج إلى طلب علم ، اطلب العلم ولو بالصين ، ولو بماليزيا مثلاً ، كان عندي طلاب من الصين قلت لهم : اطلبوا العلم ولو بالشام ، فلابد من طلب العلم ، وأنت مع طبيب تحتاج إلى المال ، مع محام تحتاج إلى المال ، إلى أجرة ، مع مهندس كذلك ، أما الجوامع فمفتوحة على مصارعها، والتدريس مجاني كله ، وكل إنسان يتمنى أن يقدم شيئاً للمؤمنين الصادقين .
 لذلك العقيدة هي أحد أكبر كيانات الدين ، إن صحت صح العمل ، وإن فسدت فسد العمل ، تحتاج إلى طلب علم ، لذلك طلب العلم فريضة على كل مسلم ، كما أن استنشاق الهواء فريضة لبقاء الحياة ، كما أن شرب الماء فريضة لبقاء الحياة ، والطعام فريضة ، طلب العلم أيضاً فريضة على كل مسلم .
 فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، إلا أن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، لابد من طلب العلم ، لا بد من أن تعرف الله ، ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ، إذاً العقيدة شيء أساسي .

الإنسان كائن متحرك :

 الآن يوجد حركة ، ما الذي يحركك ؟ الطعام والشراب ، بعدما أكلت وشربت ، عندك حركة ثانية بعد سن الثامنة عشرة ، أخذت شهادة عليا ، تريد أن تتزوج ، الحاجة للزواج ، شاب أو شابة الشاب يحتاج إلى فتاة ، والشابة تنتظر زوجاً ، هذه الحاجة الثانية لبقاء النوع ، لولا هذه الحاجة كان النوع انتهى ، هناك حاجة لبقاء الوجود الفردي ، وحاجة لبقاء النوع البشري ، الآن أكلت وشربت ، وتزوجت وأنجبت ، عندك حاجة ثالثة ، التفوق ، تقول : المهندس الأول ، الطبيب الأول ، المحامي الأول ، الداعية الأول ، الحاجات الثلاثة محققة في الدين بأعلى درجة، تحقق حاجتك للبقاء عن طريق مال حلال ، وطعام حلال ، والحلال تحلو به النفس ، والحرام يحرمها من السعادة ، وبحاجة إلى زواج .

(( عن أبي رهم السمعي رضي الله عنه : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من أسرق السراق من يسرق لسان الأمير . وإن من أعظم الخطايا من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق . وإن من الحسنات عيادة المريض ، وإن من تمام عيادته أن تضع يدك عليه وتسأله كيف هو ؟ وإن من أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح ، حتى تجمع بينهما ، وإن من لبسة الأنبياء قبل السراويل ، وإن مما يستجاب عنده الدعاء العطاس ))

[أخرجه الطبراني]

 أفضل شفاعة ، وكل المؤسسات التي تعمل على التزويج هذه مؤسسة مباركة ، أفضل شفاعة ، من مشى بتزويج رجل بامرأة كان له بكل كلمة قالها ، وبكل خطوة خطاها ، عبادة سنة قام ليلها ، وصام نهارها ، فلذلك لا بد من مؤسسات لتيسير الزواج ، أكاد أقول ولا أبالغ : أكبر مشكلة الآن البطالة والعنوسة ، والعنوسة من نتائج البطالة ، وكل إنسان يكسب ماله من عمله يرقى عند الله ، أما الربا :

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) ﴾

[ سورة الأنفال]

 عفواً ، إذا الشخص قدم قرضاً حسناً ، واسترده بعد سنتين ، يوجد فرق عملة ، دفع مئة ألف جاءه ثمانون ألفاً ، إذا شخص قدم قرضاً ربوياً دفع مئة جاءه مئة وعشرون ، الآية عكس الآلة الحاسبة ، الله ماذا قال ؟

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾

 فأنت عملك مع الله عز وجل ، مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح ، ومستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر .
 أعرف شخصاً عنده تدين معقول ، زكاة ماله حوالي اثني عشر ألف ليرة - القصة قديمة جداً من عشرين سنة - زوجته ضغطت عليه أن يقوم بطلاء البيت ، يجدده فاستجاب لها، بعد فترة عمل حادث سيارة كلفه إصلاح السيارة اثني عشر ألف ليرة ، رسالة من الله ، فلذلك الإنسان مستحيل أن يعصي ربه ويربح ، أو يطيعه ويخسر ، فالعقيدة شيء أساسي ، الحركة ، هناك حركة سلبية ، أنا ما أكلت مالاً حراماً ، أنا ما كذبت ، أنا ما غششت ، أنا ما أفسدت ، كلها ماءات ، هذه السلبية ، الإيجابية أنفقت من مالي ، من علمي ، من جاهي ، من خبرتي ، من اختصاصي ، الثمرة الله قال :

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) ﴾

[ سورة البقرة]

من ذكره الله منحه السكينة والسعادة :

 إنسان ذكر الله بالصلاة .

﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) ﴾

[ سورة الفاتحة]

 أذكركم ؛ ماذا يكون إذا ذكرك الله ؟ إذا ذكرك يمنحك السكينة ، تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، السكينة أعظم عطاء إلهي ، يعطيك التوفيق .

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) ﴾

[ سورة هود]

 يعطيك النجاح ، والفلاح .

 

الفرق بين الفلاح والنجاح :

 ما الفلاح ؟ مع الأسف الشديد لم ترد كلمة نجاح في القرآن إطلاقاً ، ورد الفلاح ، النجاح أحادي ، بيل غيتس يملك ثلاثة وتسعين ملياراً ، جوبز سبعمئة مليار ، هذا نجاح وليس فلاحاً ، الفلاح معناه شمولي ، أن تعرف الله ، أن تعرفه خالقاً، ومربياً ، ومسيراً ، وواحداً ، وموجداً ، وكاملاً ، أسماؤه حسنى ، وصفاته عُلا ، أن تستقيم على أمره ، أن تحسن إلى خلقه ، هذا الفلاح أن تعرف الله ، وأن تطيعه ، وأن تتقرب إليه ، وإذا أمكن أن تدعو له ، هذا واحد ، هذا الفلاح .
 الآن مع صحتك ، أن تعتني بصحتك ، قوام حياتك ، سر وجودك ، أن تعتني ببيتك، بيت إسلامي ، لا يوجد شاشة مفتوحة بلا ضوابط ، لا يوجد لقاءات غير منضبطة فيها اختلاط، لا يوجد كسب مال لا يجوز ، لا يوجد مال من غش ، من ربا ، ما دام هناك استقامة فالبيت جنة ، والمؤمن جنته داره ، أسعد إنسان هو المؤمن ، ببيته سعيد جداً ، زوجة صالحة كما قيل تسره إن نظر إليها ، وتحفظه إذا غاب عنها ، وتطيعه إن أمرها ، يسعد في بيته ، وفي عمله ، عمله مشروع ، لا يوجد خطأ بعمله ، ولا يوجد مادة محرمة ، ولا ربا ، ولا دين ربوي ، ولا تقسيط ربوي ، لا يوجد شيء من هذا إطلاقاً ، فدخله مشروع ، وطموحاته دعوة إلى الله ، الله قال :

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) ﴾

[ سورة يوسف]

الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :

 الدعوة إلى الله فرض عين كالصلاة تماماً ، لكن في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف ، هذه الدعوة إلى الله فرض عين ، أنت حضرت خطبة جامع ، خطبة جمعة ، فسر الخطيب الآية تفسيراً رائعاً جداً ، ذكرت التفسير لزوجتك ، لأولادك مساءً ، لأصحابك في سهرة ، لزملائك في العمل ،

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

 فكل إنسان لا يدعو إلى الله على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله ، في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، شخص سمع خطبة ، تأثر بآية كتبها على ورقة صغيرة ، تكلم عنها أمام زوجته وأولاده ، أمام زملائه بالعمل، هذه الدعوة فرض عين ، هذه على كل مسلم ، أما الدعوة إلى الله كفرض كفاية فتحتاج إلى تبحر ، وتعمق ، وتثبت ، وأدلة ، هذه إذا قام بها البعض سقطت عن الكل ، فلذلك هذه الدعوة إلى الله هي الأصل في حياتنا .
 إذاً عقيدة ، حركة ، سلباً استقامة ، الإجابة العمل الصالح ، الثمرة الصلاة .

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) ﴾

[ سورة طه ]

 الآن الذكر ، الله عز وجل إذا ذكرك منحك السكينة ، تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، السكينة أكبر عطاء إلهي ، سيدنا يونس في بطن حوت ، في بطن الحوت تمتع بالسكينة ، سيدنا إبراهيم في النار تمتع بالسكينة ، في أشد الحالات خطراً إذا كان هناك سكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء .

 

القدوة قبل الدعوة :

 لذلك الآن كما قلت قبل قليل : إن لم تربّ أولادك كما ينبغي تشقى بسوء تربيتهم ، وأنا بدأت اللقاء : لو بلغت أعلى منصباً في الأرض ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ، فالتربية تسعدنا جميعاً ، والتربية بالقدوة ، القدوة قبل الدعوة ، أب ما تكلم كلمة لا تليق ، ولا خلع ثيابه أمام أولاده ، ولا سمع كلمة لا ترضي الله ، ولا تابع شيئاً على الشاشة لا يرضي الله ، استقامته دعوة .

(( عن سمرة بن جندب رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وحجوا ، واعتمروا ، واستقيموا يستقم بكم ))

[أخرجه الطبراني]

 ابنك يراك ، لو أن الأب ما وجه ولا كلمة ، لكنه كان مستقيماً ، كان عفيفاً ، كان دخله حلالاً ، الشاشة مضبوطة بالبيت ، اللقاءات مضبوطة ، لا يوجد اختلاط ، هذا الأب محترم ،

(( واستقيموا يستقم بكم ))

 لا تحتاج مع الأولاد محاضرات ، لا ، أبداً ، الأب مستقيم.
 هناك كلمة لعلها تكون قاسية : أكثر أخطاء أولادنا من الآباء والمعلمين ، إذا كان المعلم يدخن ، الدخان صار مشروعاً عند الطالب ، إذا الأم كانت بزيارة للجيران ، وتأخرت ، والأكل تأخر ، غضب الزوج ، أين كنتم ؟ لم نخرج من البيت ، كذبت على زوجها ، الطفلة الصغيرة شربت الكذب من أمها ، أكثر أخطائنا تأتي من الآباء والمعلمين ، فالقدوة قبل الدعوة ، الأب قدوة ، ثيابها ساترة ، محجبة ، كل سنتمتر بالمرأة متعلق بحجابها .
 مرة كنت بالمغرب ، وألقيت محاضرة ، فخطر ببالي أن النساء كلهن محجبات ، المرأة المحجبة ، إن كانت أكبر منك كأمك تماماً ، وإن تكن في سنك كأختك ، وإن تكن أصغر كابنتك، هذا معنى قوله تعالى سيدنا لوط :

﴿ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) ﴾

[ سورة هود ]

 فالمرأة أكبر منك كالوالدة ، بسنك كالأخت ، أصغر كالبنت ، أما التي تتبرج ، تتزين، فهذه تصبح أنثى فعلاً ، فنحن عندنا علاقات أسرية راقية جداً من فضل الله ، فالمؤمن أسعد الناس ، أسعد الناس بأي دخل ، وبأي بيت ، وبأي عمل ، عرف الله ، ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، فالقدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، املأ قلب ابنك بإحسانك ، ليفتح لك عقله لبيانك ، أب محسن ، أم محسنة ، أصبحت قدوة ، القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، والأصول قبل الفروع .
 مرة فرنسي أسلم بمصر ، أبقاه الشيخ ستة أشهر بأحكام المياه ، خرج من جلده ، فالشيخ محمد عبده قال له : الماء الذي تشرب منه توضأ منه ، نحن بحاجة ماسة الآن إلى تبسيط الدين ، وتطبيقه ، وعقلنته ، عندئذٍ الدين يتأثر .
 مرة زرت الشيخ الشعراوي - رحمه الله - سألته عن نصيحة للدعاة ، استغربت ، قلت: سيتكلم ساعة ، نصف ساعة ، ربع ساعة ، عشر دقائق ، خمس دقائق ، قال لي : ليحذر الداعية أن يراه المدعو على خلاف ما يدعوه ، القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، والأصول قبل الفروع ، والتدرج لا الطفرة ، في القرآن يوجد آية :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً (43) ﴾

[ سورة النساء ]

 آية قرآنية ، كان مسموح للإنسان أن يشرب الخمر ، ويصلي ، هذه كانت قديماً ، هذه اسمها التدرج ، علمنا التدرج ببقاء الآية في القرآن ، طبعاً حكمها ، موقف حكمها ، منسوخ حكمها ، إذاً الابن تدرج معه ، لا تعطه خمس ملاحظات بيوم واحد ، كل يوم ملاحظة .
 أذكر تماماً ، طالب من طلابي كان ضعيفاً باللغة كثيراً ، طبعاً عندنا اللغة العربية مادية مرسبة ، إذا لم ينجح بها فلن ينجح أبداً ، لا ينتقل إلى الصف الأعلى ، ضعيف جداً ، أعطيته بيت شعر ، وأعربته له ، قلت له : احفظه طوال الليل ، كان البيت صعباً ، كتبناه على السبورة ، فلان أعرب لم يعرف ، هذا لم يعرف ، حتى قلت للطالب الذي أعطيته البيت في اليوم السابق أن يعربه ، وكنت قد دربته على إعرابه فعربه ، فصفق له الطلاب بتوجيه مني ، آخر السنة أخذ علامة تامة ، أقنع ولا تقمع ، ربِّ ، أنت مربٍّ ، الله يربينا أحياناً ، كل واحد الله يربيه، غلط يبعث له مصيبة ، يلفت نظره فيها ، سميت المصيبة مصيبة لأنها تصيب الهدف ، فنحن كل واحد منا يتمنى السعادة والسلامة ، والنجاح والفلاح ، كل هذا منوط بطاعة الله عز وجل .

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

 طفل صغير قال لك : أنا معي مبلغ عظيم ، أي مئة دينار ، أما إذا أعددنا لهذه الحرب - قال أعضاء الكونغرس - مبلغاً عظيماً فتقدره بمئتي مليار ، فإذا قال الله عز وجل :

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113) ﴾

[ سورة النساء]

من يحسن تربية أولاده يسعد في الدنيا والآخرة :

 أغلى شيء الابن ، وعطاء الأولاد شيء لا يصدق ، أولاً : هؤلاء الأولاد كل أعمالهم بصحيفتك .

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) ﴾

[ سورة الطور 21]

 العلماء قالوا : ألحقنا بهم أعمال ذريتهم

﴿ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾

 فلابد من أن تعرف الله ، وأن تستقيم على أمره ، وأن تتصل به ، وأن تربي أولادك ، بالاستقامة تسلم ، بالعمل الصالح تسعد ، بتربية الأولاد ترقى عند الله ، ويبقى هذا العمل معك دائماً ، لأن هذا مكافأة كبيرة جداً لك ، والأولاد يتعلمون منا كل شيء .
 إذاً الثمرة الصلة بالله عز وجل ، نصلي بالبيت ، أنا مكلف أن أصلي بأطفالي تشجيعاً لهم ، ولمكانتهم ، موضوع تربية الأولاد في الإسلام لي كتاب أنا بالانترنيت موجود من أهم كتبي ، تربية الأولاد في الإسلام ، يسحب بأكمله مجاناً ، تحميل كتب ، بالموقع نابلسي .com تجدوه بالحج غوغل ، في أي مكان تجدوه ، حتى بالموسوعات الحديثة ، اكتب : كتاب تربية الأولاد في الإسلام ، يأتي لعندك كتاب بأكمله من أجمل كتبي ، هذا ينتقل لكم بأكمله مجاناً ، من خلال الانترنيت ، والإنسان حينما يحسن تربية أولاده يسعد في الدنيا والآخرة .
 أرجو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ لكم إيمانكم ، وأهلكم ، وأولادكم ، وصحتكم ، ومالكم .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المذيع :
 جزى الله شيخنا المبارك خير جزاء ، ونسأل الله عز وجل أن يجعل ذلك في ميزان حسناته ، ونسأل الله عز وجل أن يجعله غيثاً معطاءً على قلوب الأمة ، وعقولها ، ويجعله سبب خير دائم للناس ، وأن يطيل عمره في مرضاته ، وأن يعافيه ، وأن ينفعنا به وسائر علماء المسلمين .
ثم إذا كان للأخوة بعض الأسئلة يكتبونها .
الدكتور محمد راتب :
 على ألا تكون كثيرة ، سؤالان ، أو ثلاثة .
المذيع :
 لكن شيخنا ؛ كان بعض الأخوة كما جرت عادة أهل العلم ، دائماً يحبون العلماء ، عندنا نلقاكم هناك حديث المحبة ، إذا لقيت العالم حديث المحبة ، الإجازة بحديث المحبة ، الأحاديث فقط المختصة بالمحبة ، لكن حديث المحبة مثلاً الإجازة به:

(( عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : الرَّاحِمُونَ يرحمهم الرحمن ، ارحَمُوا مَن في الأرض ، يرحمْكم من في السماءِ ، الرَّحِمُ شِجْنَةٌ مِن الرحمنِ ، فَمَن وصلَهَا وَصَلهُ الله ، ومن قطعها قطعهُ الله ))

[أخرجه الترمذي]

أنواع الحبّ :

الدكتور محمد راتب :
 قبل : هناك حب في الله ، وحب مع الله ، الله عز وجل خلقنا ، حياتنا بيده ، الموت بيده ، الصحة بيده ، المرض بيده ، الغنى بيده ، الفقر بيده ، التفوق بيده ، التخلف بيده ، ومع كل ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً ، قال :

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) ﴾

[ سورة البقرة]

 بل قال :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) ﴾

[ سورة المائدة]

 ما قبل أن يكون الانصياع للدين وحده هو العبادة ، العبادة حب ، لذلك قالوا : الحب في الله عين التوحيد ، أن تحب الله ، وأنبياءه ، ورسله ، والعلماء الربانيين ، والمساجد ، والعمل الصالح ، وخدمة الناس ، ورعاية الأيتام ، وإلقاء المحاضرات ، هذا حب في الله ، وتحب جميع المؤمنين ، لا يوجد تعصب ، ولا إقليمية ، ولا طائفية ، أن تحب جميع المؤمنين .

 

تربية الأولاد أكبر تجارة مع الله :

 الشيء الثاني : الدارة الآخر ، أن تعمل لها ، الأعمال الآخرة أثمن بكثير ، ما الآخرة ؟

(( عن سهل بن سعد رضي الله عنه : قال : شَهِدْتُ مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم مَجْلسا وصفَ فيه الجنة ، حتى انتهى ، ثم قال في آخر حديثه : فيها مالا عين رأتْ ولا أذن سَمِعتْ ، ولا خطر على قلب بشر ))

[أخرجه البخاري]

 واحد بالأرض وأصفار إلى الشمس ، مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، وكل ميلي صفر ، ما هذا الرقم ؟! إذا نسب للانهاية صفر ، نحن خلقنا للجنة :

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

 فكل إنسان يكتفي بالدنيا خسر حسراناً مبيناً ، فلابد من عمل يبقى لنا للجنة ، من هذه الأعمال تربية الأولاد ، أكبر تجارة مع الله تربية الأولاد ، لأن جميع أعمالهم في صحيفة الأب والأم :

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾

 فأنا أرى أن تربية الأولاد الآن أهم شيء ، ولاسيما في هذا العصر ، الفسق ، والفجور ، والشاشات ، والانترنيت ، والآيباد ، والهواتف المحمولة ، والإذاعة ، والطريق ، والسياحة ، والسفر ، كلها معاص وآثام ، حتى نحصن ابننا ، ونعرفه بالله عز وجل ، والإنسان إذا عرف الله ، واستقام على أمره ، إن لم يقل : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني عنده مشكلة مع الله ، فلابد من عمل صالح ، وعلى رأسها تربية الأولاد في الإسلام .
 بدأت بكلمة : كنت مرة بأمريكا ، لو بلغت أعلى منصباً في الأرض ، وجمعت أكبر ثروة فيها ، وارتقيت إلى أعلى مكانة اجتماعية ، إن لم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ، أنت إذا ربيته تسعد به ، وتأخذ من الأجر والثواب ما لا يعد ولا يحصى .
المذيع :
 شيخنا ؛ هناك سؤال من شقين طبعاً ، الشق الأول : بعضهم يقول : نحن مثلاً في البلاد الغربية ، والأوروبية ، نعاني كثيراً من تربية الأبناء ، هذا الشق الأول .
 الشق الثاني : تربية الأبناء عموماً في ظل هذه المغريات ، توجيه مختصر .

 

تربية الأبناء في ظلّ المغريات :

الدكتور محمد راتب :
 أنا أحمل دكتوراه في التربية ، الابن يربى من يوم ولادته ، بكى نرضعه ، بكى ننظفه، بكى لا نحمله ، الثالثة زعبرة ، كل عاداته ، مفهوماته ، حركاته ، سكناته ، تصوراته ، كلها يتلقاها من يوم ولادته وحتى سن السابعة ، وبعد ذلك يصبح التأثير ضعيفاً جداً ، وا

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور