- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠46ندوات مختلفة - قناة الرحمة
مقدمة :
الأستاذ ملهم :
﴿ الحمد لله رب العالمين(2)الرحمان الرحيم(3)مالك يوم الدين(4)إياك نعبد وإياك نستعين(5)اهدنا الصراط المستقيم(6)صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين(7)﴾
إذا ضاق بك الأمر فبالأسحار صلِّ على محمد ، يصلي الله رب العرش عشراً على عبد يصلي على محمد ، في مئة يصلي الله ألفاً فعجل بالصلاة على محمد ، ولا تترك رسول الله يوماً فما أحلى الصلاة على محمد ، صلى الله على محمد .
مشاهدينا الكرام في كل مكان أحييكم بتحية الأمن والأمان ، أحييكم بتحية الإسلام وتحية الإسلام السلام ، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، أهلاً بكم ، وهذا اللقاء الخاص من حلقات برنامجكم مجلس الرحمة ، الذي نسأل الله تعالى أن يجعله رحمة ، وأن يجعله في ميزان حسناتنا يوم نلقاه ، وأن يرزقنا الصدق والإخلاص والقبول ، إنه نعم المولى ونعم النصير .
مشاهدينا الكرام قال الله عز وجل :
﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ (68)﴾
لقد خلق الله السماوات سبعاً والأرض سبعاً ، واختار السابعة من السماوات فاختطها لعرشه ، وخلق الله الجنان ، واختار منها جنة الفردوس وجعل عرشه فوقها ، وخلق الله خلقاً واصطفى من الخلق الأنبياء ، واصطفى من الأنبياء الرسل ، واصطفى من الرسل أولي العزم الخمسة ، نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً صلوات الله عليهم أجمعين ، ثم اصطفى من أولي العزم الخمسة الحبيبين إبراهيم ومحمداً ، ثم اصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم ففضله على سائر خلقه ، فرفع ذكره ، وشرح صدره ، وأعلى قدره ، وخلق الله الأمم ، خلق سبعين أمة اصطفى من هذه الأمم أمة الحبيب المحبوب ، فجعلها خير أمة ، قال تعالى :
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (110)﴾
وخلق الله الشهور والأيام واصطفى شهر رمضان على سائر الشهور والأزمان فكرمه تكريماً عظيماً ، فأنزل فيه القرآن ، قال الرحيم الرحمن :
﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ (185)﴾
ترحيب حار بالضيوف الأجلاء :
مشاهدينا الكرام في كل مكان أهلاً بكم في هذا اللقاء الخاص ، هذا اللقاء القرآني ، هذا اللقاء النبوي ، هذا اللقاء المحمدي ، نسأل الله عز وجل أن يرزقنا التوفيق، في البداية مشاهدينا الكرام يسعدنا ويشرفنا أن يكون معنا في حلقة اليوم فضيلة العالم الجليل الدكتور عمر عبد الكافي ، أيضاً يسعدنا ويشرفنا أن يكون فضيلة العالم الجليل الدكتور عربي الكشاط ، أيضاً يسعدنا ويشرفنا أن يكون معنا في هذا العام ولأول مرة في هذا اللقاء الخاص الذي يتجدد فضيلة الأستاذ صلاح سلطان ، أيضاً يسعدنا ويشرفنا أن يكون معنا فضيلة الأستاذ محمد حسان ، أيضاً يسعدنا ويشرفنا أن يكون معنا فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أيضاً يسعدنا ويشرفنا أن يكون معنا في هذا العام ولأول مرة الأستاذ الدكتور سعد الدين هلال ، أيضاً يسعدنا ويشرفنا أن يكون معنا في هذا العام ولأول مرة أيضاً فضيلة الشيخ الجليل أمين الأنصاري .
في البداية نبدأ بعالمنا الجليل الدكتور عمر عبد الكافي ، أقول دكتور عمر جميل أن تذكر الله ولكن الأجمل منه أن تُذكر الناس بالله أليس كذلك ؟
على المسلم أن يكون إيجابياً لأن المسلم الإيجابي هو إنسان مقدام في صناعة الخير :
الدكتور عمر عبد الكافي :
أذكر الله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على نبينا صلى الله عليه وسلم ، أولاً مرحباً بأخوتي الفضلاء الذين أستمد من إخلاصهم الكثير حينما أوجد بينهم ، أستشعر أنني أستنشق عبير الخير ، و رحمات الأنس بالله ، فهم الذين نستمد بعد فضل الله تعالى من أفضالهم ، ومن تواجدهم معنا ، ومن تواضعهم الجم ، أن نتحدث بينهم جزاهم الله عن الإسلام خيراً ، وبعد :
كان يعقوب عليه السلام له اثنا عشر ولداً ، يوسف وأخوته ، إذا قسمنا المسألة نجد الأحد عشر فيهم صفات عديدة ، تربوا على أربع وثلاثين صفة سيئة ، من حقد ، وحسد ، وضغينة ، وترتيب مكائد ، وترتيب الصلاح على القتل ، وعدم محبة الخير ، والتعدي على حقوق الوالد ، تالله إنك لفي ضلالك القديم ، أمام هذا الخلق ، كان خلق يوسف في الجانب الآخر الحلم ، والتواضع ، والتسامح ، وإيثار الغير ، إلى غير ذلك ، وما أشبه رمضان والشهور التي تسبقه بيوسف وأخوته ، عاش يعقوب ينظر بعد أن فقد بصره إلى أبنائه الأحد عشر فما ردّ له بصره ، ولكن ردّ بصره إلا فضل الله عز وجل ، و أن ألقي على وجهه قميص يوسف رد البصر إليه مرة أخرى ، وكأن شهر رمضان حينما يأتي إلينا ونحن عشنا أحد عشر شهراً قبله ننسى ، وقد نحقد ، وقد ننسى ، وقد ندبر المكائد ، وقد نغتاب ، ونخوض في الأعراض ، تأتي ريح رمضان فيرتد قلب المؤمن الصائم بصيراً فيبصر الحقائق ، فكشفنا عنك غطاءك ، الإنسان جميل أن يذكر ولا يستطيع أن يعيش دون ذكر ، لكن هذا مسلم سلبي، يجب أن يكون المسلم إيجابياً ، والمسلم الإيجابي هو إنسان مقدام في صناعة الخير ، فهو ليس مسلماً لازماً ، لأن الفعل في اللغة العربية فعل لازم و فعل متعدي ، المسلم يختصر الفعل المتعدي لكن ليس متعدياً على الغير وإنما متعدي بالخير للغير ، هذا المسلم الذي يذكر الله تعالى تصيبه أو تهبط على قلبه نفحات الرحمة ، نفحات الرحمة تجعل لسانه ذاكراً ، تجعل عينه مبصرة إلى حقائق الأمور ، تجعل قلبه يقظاً مع الله عز وجل ، وهو إنسان لأن لسانه يذكر وجوارحه تذكر ، فيده لا تمتد إلى شبهة ، ولا تمتد إلى حرام ، وقال علماؤنا : "من أكل الشبهة أربعين يوماً عصت جواره شاء أم أبى " .
فإذا أكل الحلال استجيبت دعوته ، وإذا أكل الحلال لانت جواره بطاعة الله ، إذا أكل الحلال أصبح مذكراً غيره بالله سبحانه وتعالى ، وهذه طبيعة المؤمن أن نذكر غيرنا ، والإنسان الذي يفقد الشيء لا يستطيع أن يعطيه ، أذكر أولاً ونذكر أنفسنا ونذكر الناس ولكن باللين والرفق ، وسبحان الله اشترط العلماء بالصديق الذي أصاحب أن تذكرني بالله رؤيته ، وأن يدلني على الله حاله ، وأن يزيد في علم المنطق مآله .
الأستاذ ملهم :
دكتور عمر أنا سوف ألتقط الخيط دكتور عربي من كلام الأستاذ الجليل عمر ، من خلال وذكرهم بآيات الله ، أنا أريد أن أنتقل إلى جزئية مهمة يوم عيد الفطر ، السؤال ما سر يوم عيد الفطر ؟
سرّ يوم عيد الفطر :
الدكتور عربي القشاط :
بسم الله الرحمن الرحيم ، تحية لكم وللأساتذة الأجلاء الذين يعتبر الاجتماع بهم عيداً ، كلمة العيد تعني ما يعود ، والعيد ظرف لا دخل للإنسان فيه ، يوم العيد لا دخل للإنسان فيه ، يوم العيد لوصفه ظرفاً هو عطاء رباني ، هذه أولاً .
ثانياً : ما موقع العيد بالنسبة لما يسبقه ولما يأتي بعده ؟
ثالثاً : مدلول العيد ، كسبي أم وهبي ؟ أي من مكاسب الإنسان أم هبة للإنسان ؟
السؤال الأول : العيد يعود مرة بعد مرة ، وعيد الفطر الذي تفضلت بالإشارة إليه يعود مرة كل سنة ، إذا اعتبرنا العيد ظرفاً ، لسنا صانعي هذا الظرف إنما هو تَفضٌّل من الله عز وجل ، ولقد ذكرت في مقدمتك الجميلة وألححت على معاني الاختيار والاصطفاء ، العيد جزء من الزمان ، فما الذي جعل العيد يمتاز عن غيره من الأزمنة ؟ ليس هذا الامتياز لذات الظرف وإنما هو للمظروف ، وإذا كان الله عز وجل قد تكرم على عباده بهذا الظرف ، فكل تكرم رباني يقتضي استجابة تمثل أو تعبر عن عبودية الإنسان ، هذه الاستجابة تسمى الشكر ، والشكر هنا ليست كلمة يقولها اللسان ، وإنما هو عبارة عن حال تنتعش به الأفئدة ، وألفاظ تتعطر بها الألسنة ، وأعمال تتزين بها وقائع الأيام .
النقطة الثالثة : اختيار زمان العيد ، زمان عيد الفطر جاء بعد دورة زمنية خاصة، هذه الدورة الزمنية تمتاز أيامها بعملية سلبية تتمثل في الإمساك عن المفطرات ، وتتميز لياليها بعملية إيجابية تتمثل في تفتح منافذ الإنسان التي منها تدخل أشعة النور ، التي تنبثق من التلاوة المباركة في صلاة التراويح يستمع إليها المسلمون .
هذه هي الملاحظات الأولى ولعل فيما يلي نستكمل .
الأستاذ ملهم :
دكتور صلاح ونحن نتكلم عن رمضان ، والمنح التي أعطانا إياها الله عز وجل لأمة الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ، والفضائل التي منّ الله على هذه الأمة من خلال الأحاديث الصحيحة كما جاء في الصحيحين :
(( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
(( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
(( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
أريد أن أنوه والتركيز على مسألة المداومة على العمل الصالح .
المستويات الثلاثة للعبادة :
دكتور صلاح :
بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وبعد :
في الحقيقة في غاية السعادة أن ألتقي بهذه الكوكبة من أخواننا وأساتذتنا العلماء الأجلاء في هذه الليلة ، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يظلنا في الحب فيه في ظله يوم لا ظل إلا ظله .
في الحقيقة هناك شكل ومضمون ، إذا صام المسلمون صوماً شكلياً وهو الجانب السلبي كما أشار أخي الدكتور عربي الكشاط وهو الامتناع ، الصيام لغة الامتناع :
خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
***
فهذا الامتناع إذا كان امتناعاً شكلياً فإنه لا يفرز تذوقاً للعبادة ، نحن أمام ثلاثة مستويات ، المستوى الأول : الإنسان الذي يعرض عن ذكر الله ولا يصوم أي نوع من الصيام لا شكلاً ولا مضموناً ، هناك نوع من الناس يمارس العبادة ممارسة تقف عند شكل الأحكام الفقهية ، لكن هناك من يتذوق حلاوة هذه العبادة ، والإمام مسلم لعله أشار بقوة إلى هذا الذي انتقل من الممارسة إلى هذا المضمون ، حينما أورد باباً في كتاب الصيام ، باب وجوب صيام شهر رمضان ، واستحباب ألا يُخلي شهراً عن صوم ، إذاً هو ذاق في رمضان ولم يعد يستطيع أبداً أن ينسى الصيام في بقية العام ، ذاق حلاوة القيام ثم جاهدت نفسي لأقوم، ثم جاهدت نفسي لأنام ، جاهدت نفسي في قيام الليل عاماً فذق حلاوته عشرين عاماً ، ذاق حلاوة الإنفاق في رمضان :
(( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ))
فإذا تذوق حلاوة الإنفاق صار كما قال الشاعر :
تعلم بسط الكف حتى لو أنه ثناها لقبض لم تجبه أنامله
ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتقِ الله سائله
***
لم يعد يستطيع أن يقول لا ، فلا تسألوه روحه فإنه لن يبخل بها .
على الإنسان أن ينتقل من الشكل إلى المضمون ومن الجانب العام إلى الجوهر :
إذاً هذه المستويات الثلاثة أصحاب الشمال ، أصحاب اليمين المقربون ، نحن يجب أن ننتقل ، نعوذ بالله أن نكون من أصحاب الشمال الذين يقصرون في أركان وواجبات الصيام ، أو الصلاة ، أو الزكاة ، أو الحج ، أو غيره ، أو أن نقف فقط ، لا نحب أن نقف عند أصحاب اليمين ، وإنما يجب أن نتحرك إلى أن نكون من المقربين ، فإن الإنسان إذا جلس على مائدة الطعام ينتقي أطايبه ، كان سيدنا عمر لماحاً لهذا المعنى عندما قال : " لولا ثلاث ما أحببت المقام في هذه الدنيا ، أول شيء مكابدة الساعات ـ أي قيام الليل عندما يكون مجهداً ، شديداً في التعب ثم يقوم بين يدي الله ـ وصوم الهواجر ـ ليس الصوم العادي الطبيعي ـ ومخالطة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما ينتقي الآكل أطايب الثمر " .
إذاً الإنسان ينتقل من الشكل إلى المضمون ، من الجانب العام إلى الجوهر فيتذوق، فتجد من يقول له :
صم يوماً كل أسبوع ، أو صم ثلاثة أيام ، مثل عبد الله بن عمرو بن العاص لما ذاق حلاوة القيام والصيام نذر أن يصوم كل يوم ، وأن يقوم كل ليلة حتى تزوج ، وفي صحيح البخاري أن :
(( قال : أنكحني أبي امرأة ذات حسب فكان يتعاهد كنته فيسألها عن بعلها فتقول: نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا ، ولم يفتش لنا كنفا ))
إذاً يحتاج إلى علاج لإعادته إلى التوازن ، فلما ذهب إلى النبي صار يخفض حتى يصل إلى التوازن ، قال له :
(( صم كل شهر ثلاثة واقرأ القرآن في كل شهر ، قال : قلت أطيق أكثر من ذلك قال : صم ثلاثة أيام في الجمعة ، قلت : أطيق أكثر من ذلك ، قال : أفطر يومين وصم يوماً، قال : قلت : أطيق أكثر من ذلك ، قال : صم أفضل الصوم صوم داود ، صيام يوم وإفطار يوم ، واقرأ في كل سبع ليال مرة ))
الروايات الأخرى تقول استمر إلى آخر دهره على هذا النحو ، نحن نريد عباداً ونساكاً على هذا المستوى الرفيع من التعبد لله تعالى .
الأستاذ ملهم :
نقول عن رب رمضان هو رب الشهور ، والمداومة على العمل الصالح شعار المؤمنين ، نتكلم على ثمار المداومة على العمل الصالح ؟
ثمار المداومة على العمل الصالح :
الأستاذ محمد حسان:
الحمد لله ، وصلِّ الله وبارك على سيدنا ونبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد :
حياكم الله جميعاً أيها الأخوة الفضلاء الأعزاء ، طاب سعيكم وممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاًَ ، أود أن أقول أيها الأفاضل بأن الاستقامة ليست كلمة ترددها الألسنة لا في مثل هذه اللقاءات المباركة ، ولا في خطب الجمعة والمحاضرات ، الاستقامة على الطاعة لغة هي الاستواء والاعتدال ، الاستقامة اصطلاحاً هي الاستقامة على الصراط المستقيم ، بامتثال الأمر، واجتناب النهي ، والوقوف عند الحد بعلم وإخلاص واتباع ، فهي دائرة على الأقوال والأعمال والأحوال ، بمعنى أن تستقيم الأقوال على الصدق ، وأن تستقيم الأعمال على الاتباع ، وأن تستقيم الأحوال على الإخلاص ، هذا هو حال المستقيم على طاعة الله عز وجل، الذي يعبد الله عز وجل فوق أي أرض وتحت أي سماء ، فهو عبد لله سبحانه وتعالى ليس عبد لشهر من الشهور ، ولا لزمن من الأزمنة ، ولذلك فهو مداوم على العمل الصالح ، قد لا يجد العبد الصالح المستقيم على طاعة الله زيادة على العمل بعد رمضان باستثناء الصيام اليومي لهذا الشهر العظيم ، وإلا فسترى المؤمن صائماً في بعض الأيام ، ستراه قائماً بفضل الله عز وجل قلّما تفوته ليلة ، فالليل أنس المحبين وروضة المشتاقين ، وإن لله عباداً يراعون الظلال بالنهار كما يراعي الراعي غنمه ، ويحنون على غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها ، حتى إذا ما جناهم الليل أي ليل ؟ واختلط الظلام ، ونصبت الفرش ، وخلا كل حبيب بحبيبه ، قاموا نصبوا على الله أقدامهم ، ورفعوا إلى الله أيديهم ، وقلبوا إليه أفئدتهم ، ووضعوا على التراب جباههم ، ومرغوا في الوحل أنوفهم ، وعجلت إليك ربي لترضى ، فالمؤمن يتعجل بالطاعة ، ولا يسوف ، ولا يتكاسل ، وإنما هو سابق دائماً إلى الخيرات والطاعات .
1ـ المداومة على العمل الصالح أعظم ثمرة للاستقامة :
أما ثمار المداومة على العمل الصالح فيكفي فقط أن أضع رؤوس أقلام ، وأقول إن أعظم ثمرة للاستقامة المداومة على العمل الصالح ، الذي يرضي الله عز وجل ، لأن العبد بذلك ينال محبة الرب سبحانه وتعالى ، وأي شرف :
(( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني أعطينه ، وإن استعاذ بي أعذته ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس عبدي المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مَساءته ))
أو مُساءته وكلاهما صحيح لغة لكن الفتح أبلغ ، هذا فضل الله على العبد الصالح المداوم على طاعة الله .
2 ـ المداومة على طاعة الله سبب لتفريج الهم والضيق :
ثم من أعظم ثمرات المداومة على طاعة الله ، لأنها سبب لتفريج الهم والضيق ، وما أكثر الهم والضيق الذي يملأ صدوراً كثيرة ، وكلنا يحفظ حديث الصحيحين ، حديث الثلاثة الذي أغلق عليهم باب الغار حين سقطت صخرة من فوق الجبل ، كل واحد منهم ما توسل إلى الله إلا بعمل صالح ، يرجو أن يقربه هذا العمل من الله ، ويرجو أن يكون هذا العمل مقبولاً من عند الله عز وجل ، الأول توسل إلى الله ببره لوالديه ، والثاني توسل إلى الله بتعففه عن الزنا ، وتوسل الثالث إلى الله بأمانته واستثماره للأجير .
3 ـ العمل الصالح والمداومة عليه سبب لنور القلب ومحو أثر الذنب :
أيضاً من أعظم ثمرات المداومة على العمل الصالح أيها الأخوة الأفاضل ، أن العمل الصالح والمداومة عليه سبب لنور القلب ومحو أثر الذنب ، يا لها والله من ثمرة :
(( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ ، أي أصبح كالمرآة الصافية ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ))
4 ـ حسن الخاتمة :
وأختم بثمرة الخير من ثمرات المداومة على العمل الصالح ، ويا لها والله من ثمرة ألا وهي حسن الخاتمة ، اللهم ارزقنا حسن الخاتمة ، وثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ، قال تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
وفي وقت تنزل الملائكة على أهل الإيمان والاستقامة على العمل الصالح قولان ، الأول : أنهم يتنزلون عليهم وهم على فراش الموت ، والثانية : أنهم يتنزلون عليهم وهم يخرجون من القبور يوم القيامة ، يوم الفضيحة الكبرى ، أسأل الله أن يسترنا في الدنيا والآخرة ، ومن جميل ما قاله الحافظ بن كثير ـ رحمه الله ـ قال : " قد أجرى الله الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شيء مات عليه ، ومن مات على شيء بعث عليه "
وأختم بهذا الحديث الجميل :
(( إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ فَقِيلَ كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ))
ثم يقبضه عليه .
الأستاذ ملهم :
دكتور راتب الشيخ الجليل حينما تكلم عن المصارعة في الخيرات هنا نتذكر الأحاديث ، سيدنا أبو هريرة كما جاء في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( من أصبح اليوم منكم صائماً ؟ قال أبو بكر : أنا يا رسول الله ، من تبع منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر : أنا يا رسول الله ، فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً ؟ قال أبو بكر : أنا يا رسول الله ، قال : فمن عاد منكم اليوم مريضاً ؟ قال أبو بكر : أنا يا رسول الله ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ما اجتمعت في رجل إلا ودخل الجنة ))
مسألة أننا نحث الناس على المصارعة في الخيرات .
العبادة أن تلبى حاجات العقل و الجسد و القلب معاً لنتفوق و نبتعد عن التطرف :
دكتور راتب النابلسي :
بسم الله الرحمن الرحيم ، أولاً إنها لمضنية مؤلمة تلك الجهود التي تبذلها النجوم لتضيء في حضرة الشموس ، هذه واحدة ، الشيء الثاني الإنسان إذا عرف سرّ وجوده وغاية وجوده ، صحت حركته ، علة وجود الإنسان عبادة الله ، و العبادة في أدق تعاريفها طاعة طوعية وليست قسرية ، لأن الله ما أراد أن تكون العلاقة فيه إلا علاقة حب ، قال تعالى :
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
هي طاعة طوعية ، الأقوياء يطاعون قسراً ، أما الله عز وجل يريد من عباده أن يطيعوه بمبادرة منهم ، وعن حب ، فالحب أساس في الدين ، ممزوجة بمحبة قلبية ، فما عبد الله من أطاعه ولم يحبه ، وما عبد الله من أحبه ولم يطعه ، ثم أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
إذاً في هذا التعريف الدقيق كتلة سلوكية ، وكما تفضل أستاذنا الجليل ما لم نستقم على أمر الله ـ لن لتأبيد النفي ـ لن نقطف من ثمار الدين شيئاً ، من دون استقامة الدين ثقافة، الدين فلكلور ، الدين خلفية إسلامية ، أرضية إسلامية ، الدين تصور إسلامي ، زخرفة إسلامية ، أقواس إسلامية ، أما الدين الحقيقي منهج لذلك العبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية ، ذلك أن الإنسان عقل يدرك وقلب يحب وجسم يتحرك ، غذاء العقل العلم ، وغذاء القلب الحب ، وغذاء الجسم الطعام والشراب ، ما لم تلبَ حاجات العقل والقلب والجسم معاً نتطرف ، أما إذا لُبيت معاً نتفوق ، هذه العبادة .
الإنسان ما لم تصح عبادته التعاملية لن يقطف من العبادة الشعائرية ثمارها :
والصيام عبادة والحديث عن الصيام ، هناك عبادة شعائرية وهناك عبادة تعاملية، والحقيقة الخطيرة أنه ما لم تصح العبادة التعاملية لن نقطف من العبادة الشعائرية ثمارها ، الدليل :
(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا ، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا ، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))
(( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ))
﴿ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ {53} ﴾
وإذا وضع الحاج رجله في الركاب وقال :
(( من حج بمال حرام فقال : لبيك اللهم لبيك ؛ قال الله عز وجل : لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك ))
أخطر شيء أتمنى أن يكون واضحاً أمام الأخوة المشاهدين أن الإنسان ما لم تصح عبادته التعاملية من صدق وأمانة لن يقطف من العبادة الشعائرية ثمارها ، لذلك حينما التقى سيدنا جعفر بالنجاشي حدثه عن الإسلام قال :
(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه ، وصدقة ، وأمانته ، وعفافه ، فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ، ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ))
من عرف علة وجوده صحت حركته و حقق من الدنيا هدفها :
إذاً :
(( بُنِي الإسلامُ على خَمْسٍ ))
هذه الأعمدة ، أما الإسلام بناء أخلاقي ، قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " الإيمان هو الخلق ، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان ".
لكن هناك عبادة شعائرية وهناك عبادة تعاملية تحدثت عنها قبل قليل ، هناك عبادة الهوية أنت من ؟ أنت قوي العبادة الأولى إحقاق الحق ، أنت غني العبادة الأولى إنفاق المال ، أنت عالم العبادة الأولى أن تلقي العلم وألا تأخذك في الله لومة لائم ، أنت امرأة العبادة الأولى رعاية الزوج والأولاد ، هذه عبادة الهوية ، هناك عبادة العصر إذا أراد الطرف الآخر إفقارنا فاستخراج الثروات ، و تصنيع الطاقات أحد أنواع العبادة ، وإذا أرادوا إذلالنا أن نضحي بالغالي والرخيص ، والنفيس والنفيس ، العبادة علة وجودنا ، فحينما نعرف علة وجودنا تصح حركتنا وإن صحت حركتنا حققنا من الدنيا هدفها .
الأستاذ ملهم :
بارك الله فيك دكتور راتب ، إذاً نقول : علق قلبك بالله ولا تعلقه بالمخلوقين ، فمن توكل عليه كفاه ، ومن اعتصم به نجاه ، ومن فوض الأمر إليه هداه .
دكتور راتب النابلسي :
من أحبنا أحببناه ، ومن طلب منا أعطيناه ، ومن اكتفى بنا عما لنا ، كنا له ومالنا.
الأستاذ ملهم :
دكتور سعد في كلام شيخنا الجليل دكتور راتب السؤال لماذا نعبد الله ؟
العبادات ينطلق المسلم من خلالها إلى إعمار الأرض و إحياء الأنفس و حماية العقول :
دكتور سعد :
بسم الله الرحمن الرحيم ، في البداية تحية إلى أساتذتي ، ومشايخي ، وزملائي ، كما أحيي الأستاذ ملهم على إدارة هذه الجلسة الجميلة في هذه الأمسية الجميلة ، وفي هذه الليلة المباركة ، وتحية عطرة للأخوة والأخوات ، المشاهدين والمشاهدات ، أما عن هذا السؤال فهو في جملته فلسفة حياة الإنسان :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾
العبادة يظن البعض أنها طقوس ، أو شعائر ، أو مناسك ، والحقيقة أن عبادة الإنسان لربه تشمل إعمار الكون ، كما تشمل طاعة الله عز وجل في المناسك والطاعات والشعائر المعروفة ، لعل المقاصد الشرعية التي نجح الإمام الشاطبي في تأسيسها ، وبيان أن الشريعة الإسلامية جاءت ترعى تلك المقاصد ، وهي مقاصد كل شريعة سماوية ، الدين ، والنفس ، والعقل ، والعرض ، والمال ، يعلمنا بأن كلية الدين ومقصد الدين الذي يعرفه عامة الناس بالعبادة ، إذا سألت أحداً من المسلمين ما المقصود بكلية الدين ؟ يقول : العبادات ، ونسي أربعة أخماس الإسلام الذي جاء الإسلام في تأسيسه ، وحمايته ، وحفظه من النفس والعقل والعرض والمال ، المتأمل في العبادات من المناسك من صلاة ، وصيام ، وحج ، وزكاة ، والشهادتين ، أو الطهارة ، يرى أن هذه العبادات الخمس هي خمس الإسلام ، هذه العبادات التي هي خمس الإسلام وهي خمس أركان الطهارة ، والصلاة ، والصيام ، والزكاة ، والحج ، هذه العبادات خمس الإسلام ، هذه العبادات ينطلق من خلالها المسلم إلى إعمار الأرض ، إلى إحياء الأرض ، إحياء الأنفس ، حماية العقول ، حماية الأعراض ، حماية الأموال ، تنمية الحياة التي يعيشها الإنسان ، ويدل على ذلك قول الله عز وجل :
﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا (61)﴾
لن تقوم القيامة إلا بعد إعمار الأرض و رواجها :
وأزعم أن القيامة لن تقوم حتى تعمر الأرض ، وتخضر الأرض الصحراوية ، ونجد عماراً لكل بقعة في الأرض ، مصداق ذلك قول الله عز وجل :
﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ﴾
إذاً لن تقوم القيامة إلا بعد إعمار الأرض ، وإعمار الأرض كما قال تعالى :
﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)﴾
والخليفة في اللغة هو المصلح ، خليفة أي جاعل في الأرض مصلح ، مصلح في الحياة ، مصلح مع النفس ، مصلح مع المال ، مصلح مع مقاصد الشريعة كلها ، نرى بأن العبادات من الطهارة ، والصلاة ، والزكاة ، والحج ، ينطلق من خلالها المسلم إلى هذا البناء الهرمي الحضاري الكبير .
التتابع في العبادات :
نجد في هذه العبادات تتابعاً ، فالصلاة المفروضة خمس كما ورد في حديث الأعرابي كم فرض ربك علينا ؟ قال : أن تصلوا الخمس ، قال : هل هناك من زيادة ؟ قال : لا إلا أن تطوع ، وأن تصوم الشهر ، هل هناك من زيادة ؟ قال : لا إلا أن تطوع ، وعلمه الزكاة والحج إلا أن تطوع ، إذاً هذه هي الفرائض الأساسية إلا أن لها تتابعات من مثلها ، فمن ذاق طعم الصلاة من الصلوات الخمس انطلق ذاتياً إلى البحث عن النوافل والسنن لأنه استطعم معنى العبادة ، أما الذي صلى وكانت صلاته جوفاء بعيدةً عن الجوهر والمعنى فإنه سيكتفي بهذه الصلوات الخمس ، ويدعي بأنه مسلم بهذه الشكليات والعبادات التي ذكرها الفقهاء دون تتابعاتها ، كذلك أيضاً من صام الشهر واستطعم معنى الصوم وذاق التقوى التي أشار إليها القرآن الكريم :
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾
فمن مارس هذه التقوى وذاقها فإنه سينطلق تلقائياً من نفسه للبحث عن النوافل من الصيام ، سواء بصيام الاثنين والخميس ، أو بصيام ثلاثة أيام من كل شهر ، أو صيام يوم ويوم كما ورد في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في الصحيح .
كذلك أيضاً من ذاق معنى الزكاة المفروضة التي تقدر باثنين ونصف بالمئة إذا أخرجها للفقراء ، واستطعم معناها ، فإنه سينطلق تلقائياً لإخراج ما هو أكثر ، والعطايا لأصحاب الحوائج .
كذلك من ذاق طعم الحج أو العمرة وتعرف على تلك الروحانيات فإنه قد أدى الفريضة ، وسقط عنه الفرض لمرة واحدة إلا أنه سينطلق من هوى قلبه الإيماني ، ومن انسيابية نفسه الإيمانية ، بعد أن ذاق طعم المناسك ينطلق إلى الحج مرة ثانية وإلى العمرة مرة ثانية .
هذه العبادات لها تتابعات تأخذ الإنسان منها إلى مثلها ونظائرها إن عاشها ، وإن ذاق حلاوتها ، وإن مارسها بطاعة وإخلاص لله :
(( إِنما الأعمال بالنيات ))
لن يكون الإنسان نافعاً إلا إذا استقام على أمر الله عز وجل :
الإنسان لا يقوم بالوظيفة لأنه يؤدي أركاناً ، فالصلاة عبء دعني أخبط هذه الركعات ، دعني أؤدي هذا الصوم ، دعني أمرر هذا اليوم فإنه حار ، كم بقي من الزمن حتى المغرب حتى أفطر ؟ لم يتذوق بعد طعم العبادة ، نريد منه أن يعيش العبادة يستطعمها ، فإن استطعمها فإننا سنأمن عليه في حال الاستقامة بعد ذلك ، ثم سيكون إنساناً نافعاً في حياته ، سيكون مجتهداً في دراسته ، لا يقبل إلا المركز الأول ، سيكون مجتهداً في عمله لا يقبل إلا أن يكون أول المقدمين على العمل وليس متباطئاً ، وآخر من يخرج من عمله ، كذلك في رعايته لأسرته ، رعايته لإخوانه ، في رعايته لجيرانه ، في تعامله مع الطريق ، في تعامله مع المواصلات العامة ، في تعامله في كل نواحي الحياة ، سنجد إنساناً نافعاً لأنه يؤمن من إعمار الأرض طاعة لله ، أربعة أخماس الإسلام في إعمار الأرض ، وخمس الإسلام في طاعة الإنسان لله في هذه العبادات .
الأستاذ ملهم :
شكراً أستاذ سعد ، لماذا نعبد الله إلى غير ذلك ؟ ننطلق من قول الله عز وجل :
﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
الشيخ أمين في مسألة العبادة أيضاً نريد أن نؤكد على مسألة حلاوة القرب من الله عز وجل .
أعظم أسباب الراحة والهدوء أن الله هو الذي يذكر الذاكر ويكافئ الطائع :
الأستاذ أمين :
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، لله الحمد كله ، ولله الشكر كله ، ولله المجد كله ، سبحانه وتعالى وجلّ جلاله ، حلاوة الإيمان قال الله عز وجل :
﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
وقال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))
الإنسان يمكن أن يحب أشياء كثيرة جداً ، ولكن كل ما يحبه متعب ، يحب أبناءه يتعبوه ، يحب المال يتعبه ، يحب امرأة تعذبه ، لماذا ؟ لأنها متغيرة ، متقلبة ، فانية ، أما حب الله عز وجل باق ، وحب الله عز وجل جميل ، وحب الله عز وجل يعطيك ولا يأخذ منك ، لذلك هناك جزئية لطيفة في قوله تعالى :
﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
لماذا الإنسان يطمئن قلبه مع ذكر الله أو أي عبادة يفعلها وهذا أمر معروف ؟ الإنسان يصوم يبقى سعيداً بالصيام أكثر من غيره ، يتصدق يبقى سعيداً أكثر من غيره ، بار لأمه ، محسن لأطفاله ، يشعر بسعادة لماذا وبالذات بذكر الله عز وجل ؟ قالوا : لأنها تطرد الشياطين ، والشياطين سبب النكد في الدنيا ، أعظم أسباب الراحة والهدوء أن الله هو الذي يذكر هذا الذاكر ، وأن الله هو الذي يكافئ هذا الطائع .
ذكر الله وعبادته تصفي الأجواء وتبعد الشياطين وتأتي بالملائكة :
أذكر لك ثلاثة أمثلة في أقل من دقيقتين ، المثل الأول وهو عجيب أن الشجر إذا ذكر الله يحب السجود ، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : رأيت يا رسول الله شجرة تقرأ سورة (ص)فعند جاءت عند موضع السجود سجدت قالت : اللهم أعطني بسجدتي هذه أجراً ، وحط عني بها وزراً ، وتقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود سجدته ، النبي عليه الصلاة والسلام قال أسجدت أبا سعيد ؟ قال : لا ، قال : أنت أحق بالسجود من الشجرة ، قال: فرأيت رسول الله سارع وقرأ سورة صاد حتى إذا أتى على موضع السجود سجد صلى الله عليه وسلم وقال مثلما قالت الشجرة .
هذا الهواء من حولنا بذكر الله يحلو ، يبقى أفضل ، ذكر الله وعبادة الله تصفي الأجواء وتبعد الشياطين ، تأتي بالملائكة ، يذكرك الله فيمن عنده ، حتى الجبال ، الحجارة ، جدران المنزل ، قال تعالى :
﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا (21)﴾
أي القرآن عندما يقرأ في بيتٍ النفس تخشع ، حتى الهواء والجدران ، لأنها كلها تذكر الله ، والحجر كان يسلم على النبي عليه الصلاة والسلام .
المخلوقات أيضاً تخشع وتخضع وتذكر الله عز وجل :
المثل الثاني يرويه أبو هريرة : قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب سورة النجم ، فلما أتى عند موضع السجود سجد رسول الله وسجد أصحابه بسجوده ، قال: فرأيت الدواة والقلم قد سجد بسجود رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حتى المخلوقات تخشع وتخضع وتذكر :
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)﴾
الواحد عندما يعمل عبادة يمشي في صف واحد بنفس الاتجاه الذي يمشي به الكون كله ، ويبقى سعيداً وكل شيء يكون متناسقاً ، أما عندما يكون عاصياً يبقى عكس هذا كله فيتعس ، أقول قولي هذا وأستغفر الله .
الأستاذ ملهم :
أنا أقول من وجد الله فماذا فقد ؟ ومن فقد الله فماذا وجد ؟ ننتقل إلى محور آخر دكتور عمر في مسألة المرأة ونحن الآن في المسابقة النسائية ، وأرجو الله أن يديم على هذه البلدة أمنها وأمانها وسائر بلاد المسلمين .
إن أعداء الإسلام قد علموا مكانة المرأة ، وعلموا أنها من أعظم أسباب القوة في المجتمع الإسلامي ، راحوا يخططون لها ، ويضعون المؤامرات الخبيثة ، والحقيرة لماذا ؟ لإنزالها من على عرش حيائها التي يوم أن استوت عليه هزت المهد بيمينها ، وزلزلت عروش الطواغيت والكفر ، وأنجبت للأمة الأبطال والعلماء ، فعز على الأعداء أن تجود المسلمة من جديد على أمتها بالعلماء العاملين إلى غير ذلك ، نريد وقفة عن مكانة المرأة قبل الإسلام وبعد الإسلام ؟
مكانة المرأة قبل الإسلام وبعده :
الدكتور عمر عبد الكافي :
هذا منحى آخر ، ما شاء الله ولا قوة إلا بالله ، عندما عقمت أو انتهى تاريخ رفع علم الرسالة عن بني إسرائيل ، كأن ما وجد بينهم رجل صالح ينجب صالحاً ، فأنجبت مريم بقدر الله ، وبمعجزة إلهية روح الله عيسى ، جاء من غير أب ، لأن بني إسرائيل لم يكن عندهم إنسان صالح ينجب صالحاً ، هذا أمر ومريم ومكانتها في الإسلام وفي دين الله عز وجل كبقية ، هي مثل من الأمثلة ، تجد أيضاً هاجر ، وهي نأخذ عنها بعض المناسك في العمرة والحج ، عندما صارت تسعى بين الصفا والمروة ، وتهرول بين الميلين الأخضرين ، وتنوب على مرّ التاريخ كله عن بناتها بنات حواء ألا يهرولن ، وإنما الذي يهرول هو الرجل، وهذا منسك أيضاً من المناسك التي نأخذها عن امرأة ، طبعاً من كبريات صانعي التاريخ آمنة بنت وهب التي أنجبت لنا حبيبنا صلى الله عليه وسلم ، القرآن الكريم عندما بدأ بذكر منة الله على الإنسان قال :
﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)﴾
قدم الإناث ، لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام من كان عنده ثلاثة أولاد يدخلونه الجنة ، لا ، إنما ثلاث بنيات واثنتان وواحدة ، وأنا أقول لبناتي في البيت أو في أي مكان ، للمريدات الفضليات أقول : لو أن كل أب يريد أن يقبل يد إنسان أو رأسه فليقبل يد ابنته الصالحة ، لأنها سبب في دخوله الجنة ، فهي من أسباب منة الله عليه ، ومن ليس عنده بنت ربما ـ سبحان الله ـ الحنان عنده يكون غير طاغ لأن البنت تمثل الحنو ، ما كان النبي عليه الصلاة والسلام يقف لأحد إلا لفاطمة رضي الله عنها ، ويقبلها بين عينيها ، وكانت تشبه أباها صلى الله عليه وسلم في صغير الأمر وكبيره ، حتى إنها يوم خرجت تقابل أبا بكر مشيتها كمشيته ، ومنطقها كمنطقه ، إن أشارت أشارت بكفها كله ، وإن كلمت تضع سبابتها على كتفها كما كان يصنع أبوها صلى الله عليه وسلم ، وكانت أم أبيها كما رويت كتب السيرة .
الاختلاف و التماثل :
المرأة عندما ننظر إليها في الإسلام ، ولا ننظر إليها كمخلوق آخر ، المرأة زوج، والرجل زوج ، وكلاهما زوجان ، والزوج هو الذي يحتاج إلى مثيله ، ولذلك لم يقل رب العباد سبحانه وتعالى في مسألة الزوجية إلا مسألة التماثل ، قال :
﴿ يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ﴾
﴿ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ (56)﴾
﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ (90)﴾
أما في أصناف أخرى قال تعالى :
﴿ اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ (10)﴾
لماذا ؟ امرأة نوح ، آدم وزوجه صالحان ، فصارت الزوجية تماثلية ، و زكريا وزوجه صالحان ، فأصبحت هناك الزوجية تماثلية ، المؤمنون الصادقون الذين سوف يهبهم ربهم جنة الرضوان من الصالحين هم وأزواجهم ، أما امرأة نوح ولوط لم يقل زوج نوح وزوجه ، لأن نوح ولوط كلاهما صالح ، فهنا لم تكن هناك زوجية التماثل ، امرأة نوح وامرأة لوط ، آسيا امرأة فرعون كانت امرأة صالحة وزوجها جبار من الجبابرة ، فلم يقل وزوج فرعون بل قال : وامرأة فرعون .
أنا أدعو الله عز وجل أن يكون كل المشاهدين والمشاهدات من الزوجية ، وليس من باب الاختلاف وإنما من باب التماثلية .
الأستاذ ملهم :
مسألة المرأة دكتور عربي ، المرأة في الإسلام جوهرة غالية ، ودرة ثمينة ، ولؤلؤة مكنونة ، فهي الأم ، والبنت ، والأخت ، والزوجة ، والخالة ، والعمة ، أنا أريد من حضرتك أن تركز على مسألة المرأة كأم وكزوجة .
التركيز على مسألة المرأة كأم و كزوجة :
الدكتور عربي :
أما التركيز على المرأة كأم وكزوجة ينبغي أن نتذكر هذه الحقيقة ، أولاً : يستحيل أن نجد في كتاب الله عز وجل حديثاً عن المرأة منفصلاً عن حديث عن الرجل ، الله جل جلاله يأمرنا باتخاذ الموقف الأسلم من كتابين ، من كتاب الوحي يقول لنا :
﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)﴾
السلف الصالح طبق هذا الأمر ، تدبر ففهم ، وتذكر فعمل ، امتاز سلفنا الصالح بالعبقرية في إصلاح النظر وإصلاح العمل ، وامتازت أجيالنا المتأخرة ببلادة الأذهان وعطالة العمران ، هذه الحقيقة ، امتاز السلف الصالح بتفجير طاقات الأذهان ، وتكميل وتزيين عالم العمران ، وامتزنا بالعكس ، هذه أولاً .
ثانياً : في كتاب الله عز وجل دعوة إلى النظر :
﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
الكتاب الأول تدبروا ، تذكروا ، تفكروا ، اعقلوا ، والكتا