وضع داكن
03-05-2024
Logo
رمضان 1424 - ليلة القدر : 1 - قراءات إيمانية لليلة القدر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

خواطر إيمانية حول ليلة القدر :

 أيها الأخوة الكرام؛ من الخواطر الإيمانية حول ليلة القدر أنها تنطلق من قوله تعالى:

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾

[ سورة الزمر: 67 ]

 المعنى المخالف أنه ينبغي أن نقدر الله حق قدره، والدليل أن طريق تقدير الله حق قدره التفكر في خلق السموات والأرض، لأن الله عز وجل حينما قال:

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾

[ سورة الزمر : 67 ]

 وننطلق أيضاً بخواطرنا الإيمانية حول ليلة القدر من قوله تعالى:

﴿ اقْرَأْ ﴾

[ سورة العلق: 1 ]

 أول آية أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم:

﴿ اقْرَأْ ﴾

[ سورة العلق: 1 ]

 وهي مفتاح العلم، عبّر بها الباري جلّ جلاله عن العلم، لأن مفتاح العلم القراءة، قراءة في الكتاب، أو قراءة في الكون، فالكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي.

﴿ اقْرَأْ ﴾

[ سورة العلق: 1 ]

أنواع القراءات :

1 ـ القراءة الإيمانية :

 أيّ إنسان على وجه الأرض يقرأ، الدنيا كلها تطلب العلم، وهؤلاء الدول الكبيرة التي طغت، وبغت تعتمد العلم، ولكن اقرأ ينبغي أن تكون مقيدة بالبحث عن الرب، وبالإيمان:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾

[ سورة العلق: 1]

 لذلك هذه قراءة إيمانية، وهي أن تتبع الحقائق، وتبحث، وتدرس، من أجل أن تعرف أن لهذا الكون خالقاً ومربياً ومسيراً موجوداً وواحداً وكاملاً، هذه القراءة الأولى القراءة الإيمانية.

 

2 ـ قراءة الشكر و العرفان :

 القراءة الثانية:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾

[ سورة العلق: 1 -2]

 موضوعات القراءة متناولة بين يديك، جسمك الذي بين يديك لو تأملت في أعضائه، وأجهزته عرفت الله عز وجل، قدم الله لك موضوعاً بين يديك، وهو أقرب شيء إليك، وهو جسمك:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾

[ سورة العلق: 1 -2]

 هذه القراءة الأولى قد تبدأ من جسم الإنسان، القراءة الثانية:

﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ٍ ﴾

[ سورة العلق: 3]

 قراءة أخلاقية، لأن الله منحك نعمة الوجود، ونعمة الإمداد، والإيجاد، ونعمة الهدى والرشاد، ومنحك الحياة، وأمدك بكل ما تحتاج، دلك عليه، ونصب لك الأدلة في كل مكان تدعو إليه، فضلاً عن ذلك منحك الجنة، أعدها لك، قال :

(( أعْدَدْتُ لعباديَ الصالحين ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))

[متفق عليه عن أبي هريرة ]

 هذه قراءة أخلاقية قراءة الشكر والعرفان، تبحث في الكون، تقرأ ما في الكون، تقرأ قراءة إيمانية لتصل منها إلى الإيمان بالله موجوداً، وواحداً، وكاملاً، خالقًا، ومربيًا، ومسيرًا، ثم تقرأ قراءة عرفانية، قراءة شكر، وعرفان، كي تشكر المولى على نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد.

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾

[ سورة العلق: 1-4 ]

3 ـ قراءة الوحي و الإذعان :

 تصور أن الإنسان ميزه الله بالبيان.

﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾

[ سورة الرحمن: 1-4]

 بالبيان تتعرف إلى أفكار الآخرين، ومشاعرهم، وتعبر عن أفكارك ومشاعرك، ويمكن أن تنتقد الآخر، ولكن بالبيان الكتابي بين شخصين لم يتصلا، كم كتاب تقرأ وأنت في البيت؟ المؤلف في مصر، وقد يكون في طرف الدنيا، نقلت لك معرفته، وعلمه عبر الكتابة، بالبيان الكتابي تنتقل المعارف من جيل إلى جيل، ومن أمة إلى أمة، وقد تجتمع كل هذه المعارف في جعبة الإسلام، لولا البيان لما كان هناك علم، فلما قال الله لك:

﴿ اقْرَأْ ﴾

[ سورة العلق: 1]

 أعطاك أداة القراءة:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾

[ سورة العلق: 1-5 ]

 هذه الآية دقيقة جداً؛ هناك موضوعات مهما كنت ذكياً، وعالماً، ومتبحراً، ومستعملاً عقلك لا تصل إليها، الماضي السحيق، المستقبل البعيد، الذات الإلهية كمالها، وحدانيتها، وجودها، أسماؤها الحسنى، صفاتها الفضلى، الدار الآخرة حقيقة، الحياة الدنيا، حقيقة الموت، حقيقة ما بعد الموت، هذه كلها نأخذها من الوحي، هذه قراءة الوحي والإذعان، لذلك:

﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾

[ سورة العلق: 5 ]

4 ـ قراءة العدوان و الطغيان :

 الآن أيها الأخوة؛ العالم كله حينما قرأ ما في الكون قراءة نفعية لا قراءة إيمانية، ولا شكر وعرفان، ولا تلقٍّ، صار طغيانًا وعدوانًا، وما تعانيه البشرية اليوم ناتج عن العلم الذي استخدم لقهر البشر، ولقتلهم، وتسمعون عن أنواع الأسلحة، هذا سلاح جرثومي، وهذا كيميائي، وهذا دمار شامل، وهذا قنبلة انشطارية، وهذه عنقودية، وهذا يقتل البشر دون المباني، العلم تفنن في صنع أسلحة الدمار الشامل، هذه قراءة بعيدة عن قراءة الإيمان، وقراءة العرفان، والتلقي والوحي.

قراءة القرآن تزيد العلم بالله عز وجل :

 أيها الأخوة الكرام؛ بعد هذه الآيات:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ* كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾

[ سورة العلق: 1-7 ]

 هناك علم آخر، وقلت قبل أن آتي إليكم في احتفال ليلة القدر: لو أن المسلمين قرؤوا هذه القراءات الثلاث لما استطاع أحد أن ينال منهم، ولكنهم لم يقرؤوا هذه القراءات الثلاث، لو قرأ الإنسان حقيقة الكون لتعرف إلى الله عن طريق الدليل، والبحث، والتعليم، ولو شكر المولى فأطاعه، وقدم لعباده كل ما يستطيع، ولو تلقى ما في الوحيين الكتاب والسنة، ولم يتطلع إلى شيء آخر في عقيدته لكنا في حال غير هذه الحال، قد تقرأ آية في القرآن أربعين عاماً، وتظن أنه ليس فيها هذه المعاني الدقيقة، ثم تكتشف أنه كلما قرأت القرآن ازددت علماً بالله عز وجل، وأن هذا القرآن لا يبلى على كثرة الرد، مهما قرأته، كلما قرأته وجدت فيه من المعاني ما لا يتصور، أرجو الله سبحانه وتعالى أن ننتفع بقراءة القرآن.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور