وضع داكن
06-05-2024
Logo
إذاعة القرآن الكريم من نابلس : 2 - في رحاب ذكرى الإسراء والمعراج
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :


الدكتور راتب النابلسي :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصَّادِق الوعد الأمين . اللهم لا عِلمَ لنا إلا ما عَلَّمتَنا إنك أنت العليم الحكيم ، الُّلهم عَلِّمنا ما ينفُعُنا وانفَعَنا بما عَلَّمتَنا وزِدنا عِلمَاً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتَّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستعمون القول فيتَّبِعُون أَحسَنَه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع : 
آمين يا رب .
الدكتور راتب النابلسي :
بادئ ذي بدء أشكُر لكم دعوتكم الكريمة .
المذيع : 
بارك الله دكتور .
الدكتور راتب النابلسي :
التي إن دَلَّت على شيء فعَلى حُسن الظَّنَّ بي ، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظَنِّكُم .
المذيع : 
بارك الله فيك .
الدكتور راتب النابلسي :
الحمد لله الذي أَخرَجَنا بالإسلام من ظُلُماتِ الجَهل والوَهم . 
المذيع : 
الحمد لله .
الدكتور راتب النابلسي :
إلى أنوار المعرفة والعِلم ، ونَقَلَنا بالإيمان من وحولِ الشَّهوات إلى جَنَّاتِ القُرُبَات ، والصلاة والسلام على سيدنا النبي العدنان سَيّدِ الخلق ، وحبيب الحق عليه أَتَمُّ الصلاة والسلام .
 

تزكية الله للنبي الكريم :


لقد زَكَّى الله عقل النبي فقال : 

﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُم وَمَا غَوَىٰ 2  ﴾

و زكَّى لسانه فقال :

﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلهَوَىٰٓ 3  ﴾

و زكَّى شرعه فقال :

﴿ إِن هُوَ إِلَّا وَحيٞ يُوحَىٰ 4  ﴾

و زكَّى جليسه فقال : 

﴿ عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ ٱلقُوَىٰ 5  ﴾

و زكَّى فؤاده فقال :

﴿ مَا كَذَبَ ٱلفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ 11  ﴾

و زكَّى بصره فقال :

 ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ 17  ﴾

[  سورة النجم  ]

و زكَّاه كُلّه فقال :

﴿  وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ 4  ﴾

[  سورة القلم  ]

المذيع : 
صلى الله عليه وسلم.
الدكتور راتب النابلسي :

﴿  سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ 1  ﴾

 

[  سورة الإسراء  ]

حقاً إنه سميعٌ بصير .
المذيع : 
سبحان الله .
الدكتور راتب النابلسي :
سميعٌ لدعاء عباده ، بصيرٌ بأحوالهم . 
 

الإسراء والمعراج مَسح لِجِرَاحِ الماضي وتَثبيت لقلب النبي :


لقد كان العام العاشر للبِعثَة بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم عام الحزن ، ففيه تُوُفِّيَت زوجته السيدة خديجة صِدِّيقة النساء التي حَنَت عليه ساعة العُسر ، والتي واسَتْهُ في أيام الشدة بنفسها ومالها ، وفي هذا العام تُوُفِّيَ عَمه أبو طالب الذي أظهَر من النُّبل في كَفالَتِه ومن البطولة في الدفاع عنه الشيء الكثير ، وقد نالت قريش من النبي عليه الصلاة والسلام بعد وفاة عمِّه ما لم تَنَل منه في أي وقتٍ مضى ، وفي هذا العام أيضاً خرج النبي عليه الصلاة والسلام من الطَّائِف يَلتَمِسُ هِدايَة أهلها ونِصرَتِهِم فَرَدُّوا دعوته ردَّاً مُنكراً ، وأغلَظُوا له في القول ، وأغْروا به سفهاءهم .
لقد تَحَمَّل النبي صلى الله عليه وسلم من الشَّدائِد ما لم يحتمله بَشَر على الإطلاق إلا أن يكون نَبَيّاً ، هذه الشدائد حَمَلَت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشكو ضِعفَ قُوَّتِه ، وقِلَّة حِيلَتِه ، وهَوانِه على الناس ، والشَّكوى إلى الله من أَجَلِّ مظاهر العُبوديِّة ، والضَّراعة إليه من أعظم القُرُبات الإيمانية ، حقاً إنه سميعٌ بصير ، فما من مخلوقٍ يعتصم بالله من دون خلقه ، فَتَكيدُه أهل السماوات والأرض ، إلا جعل الله له من بين ذلك مَخرَجَاً . 
لقد أسرى الله بِنَبَيِّه محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس جسداً وروحاً ، وعُرِجَ به إلى السماء كذلك حيث قال تعالى :

﴿  ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ 8 فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ 9 فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ 10 مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ 11 لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ 18 ﴾

 

[  سورة النجم  ]

لقد كان الإسراء والمعراج مَسحَاً لِجِرَاحِ الماضي .
المذيع : 
نعم .
الدكتور راتب النابلسي :
وتَثبيتاً لقلب النبي عليه الصلاة والسلام .
المذيع : 
عليه الصلاة و السلام .
الدكتور راتب النابلسي :
وتطميناً على مستقبل الدعوة ، وتعويضاً عن جَفْوَة الأرض لحَفَاوَة السماء ، وعن قسوة عالم الناس بتكريم المَلَأ الأعلى . 
لقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في الإسراء والمعراج أن الله معه بالرعاية والعناية ، وأنه كَرَّمَه تكريماً فريداً من نوعه ، وعَرَّفَه بأنه سَيِّد ولد آدم ، وسَيِّد الأنبياء والمرسلين .
 لقد رأى مَلَكوت الأرض والسماوات ، وما تؤول إليه الخلائق بعد الممات ، لقد رأى من آيات ربه الكبرى ، لهذا تُعَدُّ معجزة الإسراء والمعراج من أضخم أحداث الدعوة الإسلامية حيث سبقتها البعثة وجاءت بعدها الهجرة والفتح .
المذيع : 
نعم .
الدكتور راتب النابلسي :
ماذا يُعَلِّمُنا الإسراء والمعراج ؟ 
 

دروس الإسراء والمعراج :


المذيع : 
نعم .
الدكتور راتب النابلسي :
أما نحن المسلمين ، مَّرة ثانية ، ماذا يُعَلِّمُنا الإسراء والمعراج وقد أُنزِلَ فيه قرآنٌ يُتلَى إلى يوم القيامة ؟
إن في الإسراء و المعراج دلالاتٌ كبرى ، ومناراتٍ عظمى ، ومواعظ بليغة أكثر من أن تُحصى ، وأجلّ من أن تُستقصى . 
إنه يُعَلِّمُنا أن الدينا دار التواء لا دار استواء ، ومنزل تَرَحٍ لا منزل فرح ، فمن عرَفَهَا لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بَلوى وجعل الآخرة دار عقبى ، وجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً .
إن الإسراء والمعراج يُعَلِّمُنا أن للمِحَن والمصائب حِكَمَاً جليلة منها أنها تَسُوق أصحابها إلى باب الله تعالى ، وتُلبِسُهُم رداء العبودية ، وتُلجِئُهُم إلى طَلَبِ العَوْن من الله . 
إن الإسراء والمعراج يُعَلِّمُنا أنه لا ينبغي أن تصدَّ الِمحَن والعَقَبات عن متابعة السَّير إلى الله باستقامةٍ وثبات .
المذيع : 
نعم .
الدكتور راتب النابلسي :
إن الإسراء والمعراج يُعَلِّمُنا أنه مادام الله هو الآمِر فلا شكَّ أنه هو الضَّامِن والحافظ والنَّاصِر . 
إن الإسراء والمعراج يُعَلِّمُنا أنه لولا الجهاد و الصبر ما عُبِدَ الله في الأرض ، ولا انتشر الإسلام في الخافقين ، ولقد كنا في هذا المكان نُوحِّد الله ونُسَبِّحه وندعو إليه . 
إن الإسراء والمعراج يُعَلِّمُنا أن اليُسْرَ مع العُسر ، وأن النَّصر مع الصبر ، وأن الفَرَج مع الكَرب ، في الإسراء والمعراج فُرِضَت الصلاة . 
إن من أَجَلِّ دروس الإسراء والمعراج أن الله تعالى كَرَّمَ النبي محمداً صلى الله عليه وسلم للعُروج إليه لينال به أعلى درجات القُرُبات ، وكَرَّمَ أُمَّتَه وفَرَضَ عليهم الصلوات لتكون مِعراجاً لهم إلى رب الأرض و السماوات . 

أهمية الصلاة في حياة المسلم :

لقد فُرِضَت به الصلاة التي هي من أَجَلِّ القُرَب وفي أعلى مستويات القُرب. الصلاة فُرِضَت وَحياً مباشراً في سِدرَة المُنتهى وجنة المأوى حيث :

﴿ دَنَا فَتَدَلَّىٰ 8 فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ 9 ﴾

الصلاة فُرِضَت لأنها عماد الدين ، وعصام اليقين ، وسَيَّدة القُرُبات ، ومِعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات ، فمن أقامها فقد أقام الدين ، ومن هدمها فقد هَدَمَ الدِّين ، لأن الدِّين أيها الأخوة في جوهره اتصالٌ بالخالق واحسانٌ إلى المخلوق ، والناس رجلان ؛ شَقِيٌّ لأنه مقطوعٌ عن الله، ومتَفَلِّتٌ من منهجه ، ومُسيءٌ إلى خَلقِه ، وسعيدٌ لأنه موصولٌ بالله ، ومنضبطٌ بشرعه ، ومُحسِنٌ إلى خلقه .
الصلاة فُرِضَت لأنها تَرقى بالإنسان من عالم الأوهام إلى عالم الحقائق ، من عالم المادَّة إلى عالم القِيَم ، من التَّمَرُّغ في وُحولِ الشَّهَوات إلى التَّقَلُّبِ في جَنَّات القُرُبات , من سَفاسِف الأمور إلى مَعاليها , من مُدافَعة التَّدَنِّي إلى متابعة التَّرقِّي , إنها ترقَى بالمُصَلِّي من حَالٍ إلى حَال , ومن مَنزِلَة إلى مَنزِلَة , ومن مَقامٍ إلى مَقام .
النَّوع الإنساني من طبيعته التَّكوينيَّة أنه هَلوع وجَزوع ومَنوع ، وهو حريص على سلامته وسعادته وعلى ما في يديه ، إن هذا الضعف في بُناه النفسية يُلجِئُه إلى باب الله تعالى ، فيسعُد بهذا اللجوء وبهذا القرب ، ولو خُلِقَ الإنسان قوياً لاستغنى بِقُوَّتِه فَشَقِيَ باستغنائه ، لهذا استُثنِيَ المصلون من هذا الضَّعْف الخلقي البشري ، قال تعالى :

﴿  إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا 19 إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا 20 وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا 21 إِلَّا الْمُصَلِّينَ 22  ﴾

[  سورة المعارج  ]

ولقد أورد الإمام المَناوي في كتابه الإتحافات السنية حديثاً قُدسيَّاً رواه البيهقي ، عن أبي الدرداء ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل : 
 

(( إنِّي والإنس والجن في نبأٍ عظيم ، أخلق ويُعبَد غيري ، وأرزق ويُشكَر سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشَرُّهُم إليَّ صاعِد ، أَتَحَبَّبُ إليهم بِنِعَمِي ، وأنا الغنيُّ عنهم ، ويتَبَغَّضون إليَّ بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ ، من أقبلَ عليّ منهم تَلقَّيتُه من بعيد ، ومن أعرَضَ عِنّي منهم ناديتُه من قريب ، أهل ذكري أهل مَودَّتي ، أهل شُكري أهل زيادتي ، أهل معصيتي لا أُقنِّطُهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب ، لأطّهِّرُهُم من الذنوب والمَعايِب ، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد ، والسيئة بمثلها وأعفو ، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها ))

 
الصلاة أيها الأخوة الكرام كما أرادها الله تعالى أجَلُّ وأعظمُ من أن تكون مجرد حركاتٍ ، وسكنات ، وقراءاتٍ ، ليس غير .إنها قرُبٌ من الله تعالى  :

﴿  وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ 19  ﴾

[  سورة العلق  ]

ومع القُرب خشوع ، إنها وعيٌ  . 

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا 43  ﴾

 

[ سورة النساء  ]

ومع الوعي العقل .. ليس للمرء من صلاته إلا ما عَقَل منها .
إنها عروجٌ . الصلاة مِعراج المؤمن ، ومع العُروج مناجاة ،  لو يعلم المصلي من يُناجي ما انفتل :
       

     فـلو شاهدت عيناك من حسننــــــا           الذي رأوه لما وليت عنــــا لغيرنــــــا

       

     ولو سمعت أذناك حسن  خطابـنا           خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــا

         

   ولو ذقت مـن طعــــــم المحـبة ذرة           عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــا

       

     ولو لاح مـن أنوارنا لك لائـــــــــــــح        تــركت جميع الكائنــات لأجلنــــــــــــــا

       

     فمن جاءنـا طَوعـاً رفعناه رُتبــــــــــَةً          وعنه كشـفنا الهـــم والغَـــــمَّ والعَنـــــا

         

   ومن حاد عنا ضلَّ سـعياً ومذهباً           وباء بحرمـانٍ ولم يبـلـــــــغ المُنـــــــى

***

[  منقول  ]

لن تكون الصلاة قُرباً من الله وخشوعاً ، ووعياً ، وعقلاً ، وعُروجاً ، ومناجاةً إلا إذا بُنيَت على معرفة الله تعالى ، فكيف تذكر وتُناجي من لا تعرفه ؟ ولن تكون الصلاة كذلك إلا إذا سبَقَتْها استقامة على أمر الله ، واتباع لسُنَّة نبيه ، فكيف تتقرَّب ممن تعصي أمره ؟ إن الجهل مانِع ، وإن المعصية حِجاب ، فإذا تَفَكَّرتَ في خلق السماوات والأرض عرفته ، وإذا طبَّقتَ أمره الذي جاءك به النقل الصحيح عبَدَّته ، فإذا عرفته وعبدته فقد حقَّقتَ الهدف من وجودك .

﴿  وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ 56  ﴾

[  سورة الذاريات  ]

إذا رجع العَبْد العاصي إلى الله نادى مُنادٍ في السماوات والأرض أن أيتها الخلائق هَنِّئُوا فُلاناً فقد اصطَلَح مع الله . لذلك تُعَدُّ الصلاة ميزاناً دقيقاً لمستوى معرفتك بالله ، لمستوى عبادتك ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : 

((  مَثَلُ الصلاة المكتوبة كالميزان ، فمن أوفى استوفى  ))

[  ابن المبارك  ]

أي من أوفى صلاته شروطها ، استوفى منها ثمارها التي وَعَد الله بها .
 

ثمار الصلاة :


لكن ما ثمارها التي وعد الله بها ؟ إنها تُطَهِّرُ نَفْس المُصَلِّي ، وتَنهى صاحبها نَهياً ذاتياً  عن الفحشاء والمُنكر على أساس الوازع الداخلي لا على أساس الرَّادِع الخارجي ، قال تعالى :

﴿  اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ 45  ﴾

[  سورة العنكبوت  ]

أي أن ذِكْر الله أكبر ما فيها .

((  سيدنا عمر - رضي الله عن عمر - أراد إن يمتَحِن راعياً يرعى غَنَمَه في أطراف المدينة ، قال له : بِعني هذه الشَّاة وخُذ ثمنها ؟ قال الراعي : ليست لي . قال : قل لصاحبها ماتت ؟ فلم يُجِبه الراعي  .قال : قل لصاحبها أكلها الذئب وخُذ ثمنها ؟ قال الراعي : والله إني لفي أشِدِّ الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلتُ لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصَدَّقَني ، فإني عنده صادق أمين ، ولكن أين الله ؟  ))

[  الألباني  ]

هذه العِفَّة عن المطامِع ثمرة من ثمار الصلاة ، وفضلاً عن أن الصلاة طَهور ، فهي نور المؤمن كما قال عليه الصلاة والسلام ، قال تعالى :

﴿  أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 122   ﴾

[  سورة الأنعام  ]

إن هذا النور من ثمار الصلاة ، وبهذا النور تَصِحُّ الرُّؤية ومتى صَحَّت الرُّؤية صّحَّ العمل .
وفضلاً عن أن الصلاة طَهور ونور ، إنها تبعث في النفس السرور ، فالنفس لا تسعَد ، والقلب لا يطمئن ، إلا بالاتصال بالله . 

﴿  إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي 14  ﴾

[  سورة طه  ]

﴿  الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ 28  ﴾

[  سورة الرعد  ]

وكان النبي عليه الصلاة و السلام إذا حَزَبَه أمرٌ بادر إلى الصلاة ، وكان يقول :

(( " أرحنا بها يا بلال " . ))

((  وعن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحدِّثُنا ونُحَدِّثُه ، فإذا حَضَرَتْ الصلاة فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه  ))

[  الحافظ العراقي  ]

 رضي الله عن سيدنا سعد بن أبي وقاص إذ يقول : ثلاثةٌ أنا فيهن رجل وفي ما سوى ذلك فأنا واحد من الناس ، من هذه الثلاثة أنه يقول ما صَلَّيتُ صلاةً فَشُغِلَت نفسي بغيرها حتى أقضيها

[  ورد في الأثر  ]

وصفوة القول ما ورد في الحديث القدسي الذي رواه الدَّيلَمِي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول الله عز وجل  :

((  ليس كل مُصَلٍّ يُصَلِّي ... إنما أتَقَبَّل الصلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكَفَّ شهواته عن محارمي ، ولم يُصِرَّ على معصيتي ، وأطعَمَ الجائع ، وكَسَا العريان ، ورَحِم المُصاب ، وآوى الغريب ... كل ذلك لي ، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوُأ عندي من نور الشمس ، على أن أجعل الجهالة له حِلماً ، والظلمة نوراً ، يدعوني فأُلَبِّيه ، ويسألني فأُعطيه ، ويُقسِم علي فأَبُرُّه ، أكلَؤُه بِقُربي ، وأستحفظه ملائكتي ، مثله عندي كمثل الفردوس لا يُمَسُّ ثمرها ولا يتغير حالها  ))

إذاً الصلاة عماد الدِّين ، وعصام اليقين ، وسيَّدة القُرُبات ، وغُرُّة الطاعات ، ومِعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات ، وهي الركن الوحيد المتكرر من أركان الإسلام ، الذي لا يسقط بحال ، إنها أُسُّ العبادات ، وأصل القُرُبات ، ومبدأ الطاعات ، وهي ركن الأركان ، وأساس البنيان ، وهي أول ما يُحاسَب عنه المرء يوم القيامة ، ولا يفلح المؤمن إلا بها ، قال تعالى   :

﴿  قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ 1 الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ 2  ﴾

[  سورة المؤمنون  ]

والخشوع كما قال العلماء ليس من فضائلها ، بل من فرائضها .
 

العودة إلى تقوى الله لاستعادة الأقصى الشريف :


إن الصلاة أيها الأخوة بركة من بركات الإسراء والمعراج ، والمسجد الأقصى الذي بارك الله حوله ، مُتَعَبّد الأنبياء السابقين ، ومسرى خاتم النبيين ، مسجدٌ نَوَّه الله به في الآيات المُفَصَّلة ، وتُلِيَت فيه الكتب المُنَزَّلَة ، أولى القبلتين ، وثاني المسجدين ، وثالث الحرمين الشريفين ، لا تُشدُّ الرِّحال بعد المسجدين إلا إليه ، المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله ببركات الدِّين والدنيا أضحى بالإسراء إليه والمعراج منه ، وحَثِّ النبي صلى الله عليه وسلم على شد الرحال إليه ، أضحى رمزاً للشخصية المعنوية للمسلمين ، فكيف نَشدُّ الرِّحال إليه والطريق ليست سالكة ولا آمنة ؟! كيف نَشُدّ الرِّحال إليه وقد أصبح عُرضَةً للاستيلاء عليه وتدليس رِحابِه الطاهرة من قِبَل أعداء الله ، أعداء الحق الذين سَلَبوا الأرض ، ونهبوا الثروات ، و انتهكوا الحُرُمات ، وأفسدوا العقائد ، وأفرغوا القِيَم ، و زَوَّروا التاريخ ؟
وفي ذكرى الإسراء والمعراج إيماءٌ قوي إلى العرب حَمَلَة هذه الرسالة ، وإلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، أنه مفروض عليهم - وقد بارك الله حوله- أن يحفظوا له هذه البركة ، ومتى اعتُدِيَ عليها فعليهم أن يرجعوا إلى ربهم كي يستطيعوا أن يُحرِّروه من أيدي الغزاة شُذَّاذ الأفاق، ويِحيوا بتحريره سيرة فاتحيه عمر بن الخطاب ، وصلاح الدين الأيوبي . 
وأنتم أيها الثائرون في الأراضي المحتلة بوركت سواعدكم ، وسَلِمَت أياديكم فقد كنتم رمز البذل والعطاء ، ولقد ضربتم المثل في التضحية والفداء ، لقد تحركت فيكم معاني العِزَّة والإباء فأقلقتم مَضاجِع الأعداء ، ولكن استمعوا معي إلى وصية سيدنا عمر بن الخطاب إلى سيدنا سعد بن أبي وقاص قال :
 

أما بعد فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله عز وجل ، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو ، وأقوى المكيدة في الحرب ، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشَدَّ احتراساً من المعاصي فإنها أَضَرُّ عليكم من عدوكم ، وإنما تُنصَرون بمعصية عدوكم لله ، فإذا استويتم في المعصية كان لهم الفضل عليكم بالقوة 

أرجو الله عز وجل أن يحفظ إيمانكم جميعاً ، وأهلكم ، وأولادكم ، وصحتكم ، ومالكم ، و البلاد الذي أنتم فيها ، وأرجو الله أن يأتي الفرج قريباً .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور

   

موضوعات متعلقة