- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠57برنامج أحاديث قدسية - قناة قطر
مقدمة :
أخوتي الكرام ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، لكن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
لذلك هذه الحلقات إن شاء الله تتمحور حول الأحاديث القدسية .
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين .
القرآن الكريم هدى وبيان وموعظة وبرهان :
أيها الأخوة الأحباب ؛ ما زلنا في الأحاديث القدسية ، والحديث اليوم عن : " فضل القرآن الكريم "، قال عليه الصلاة والسلام :
(( يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة : اقرأ واصعد ، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه ))
ماذا تكلم القرآن عن القرآن ؟ ما الآيات التي وردت في القرآن عن القرآن ؟ القرآن في القرآن هدىً وبيان ، وموعظة وبرهان ، ونور وشفاء ، وذكر وبلاغ ، ووعد ووعيد ، وبشرى ونذير ، يهدي إلى الحق ، يهدي إلى الرشد ، يهدي إلى صراط مستقيم ، يخرج الناس من الظلمات إلى النور ، يحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ، فيه تبيان لكل شيء ، شفاء لما في الصدور ، هذه أوصاف القرآن من خلال القرآن .
هدى وبيان ، موعظة وبرهان ، نور وشفاء ، ذكر وبلاغ ، ووعد ووعيد ، بشرى ونذير ، يهدي إلى الحق ، يهدي إلى الرشد ، يهدي إلى طريق مستقيم ، يخرج الناس من الظلمات إلى النور ، يحكم بين الناس فينا اختلفوا فيه ، فيه تبيان لكل شيء ، شفاء لما في الصدور ، هو كتاب العمر ، هو الكتاب المقرر.
ما قولكم أيها الأخوة والأحباب بطالب عنده مكتبة واسعة جداً ، ومتنوعة ، بعد أسبوع عنده فحص مصيري ، يحدد مستقبله ، وهناك كتاب بهذا الموضوع بالامتحان ، أيعقل أن يقرأ كتاباً آخر غير الكتاب المقرر ؟ فالقرآن هو كتابنا المقرر ، غنى عن كل كتاب ، ولا يغني عنه كتاب ، هذا ما ورد في القرآن الكريم عن القرآن ، فما الذي ورد في السنة المطهرة عن القرآن الكريم ؟ يقول عليه الصلاة والسلام عن القرآن الكريم :
(( فيه نَبأُ ما قَبلَكم ، وخبرُ ما بعدَكم ، وحُكم ما بينَكم ، ومَن ابْتَغَى الهُدَى في غيره أضلّه الله ، وهو حَبْلُ الله المتين ، وهو الذِّكْرُ الحكيم ، ولا يَشْبَعُ منه العلماءُ ، ولا يَخْلَقُ عن كثرة الرَّدّ ، ولا تنقضي عجائبه ، مَن قال به صَدَقَ ، ومَن عَمِلَ بِهِ أُجِرَ ))
القرآن مصدر رئيس لمعرفة الله عز وجل :
أيها الأخوة الأكارم ؛ القرآن مصدر رئيس لمعرفة الله عز وجل ، فالقرآن كلامه كلام الله ، فمن خلال كلامه نتعرف إلى الله عن طريق التدبر ، قال تعالى :
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾
والسماوات والأرض خلقه ، ومن خلال خلقه نتعرف إلى الله عن طريق التفكر .
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً
والحوادث أفعاله ، من خلال أفعاله نتعرف إلى الله عز وجل عن طريق النظر والتأمل .
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
إذاً القرآن كلامه ، والكون خلقه ، والحوادث أفعاله ، فهو مصدر أساسي ، رئيس لمعرفة الله عز وجل .
حاجة كل إنسان إلى منهج يسير عليه :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ للإنسان جسد يعد أعقد آلة في الكون ، تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز ، فمن خلال خلاياه ونسجه ، ومن خلال أعضائه وأجهزته ، ومن خلال بنيته وعمل أعضائه ، فيها من التعقيد والدقة والإتقان ما يعجز عن فهم بنيتها وطريق عملها أعلم العلماء ، وفي الإنسان نفس فيها من المشاعر ، والعواطف ، والشهوات ، والميول ، والحاجات ، والمبادئ ما يعجز عن تحليلها أعلم علماء النفس ، وفي الإنسان عقل فيه من المسلمات ، والبديهيات ، والمبادئ ، والقوى الإدراكية ، والتحليلية ، والتركيبية ، والإبداعية ، ما يعجز عن فهم هذا العقل أعلم العلماء ، لذا كان الإنسان سيد المخلوقات كلها ، هذا الإنسان المؤلف من جسم بالغ الدقة ، ومن نفس بالغة التعقيد ، ومن عقل بالغ الكفاية ، ألا يحتاج هذا الإنسان إلى منهج يسير عليه ؟ ألا يحتاج هذا المخلوق الأول والمكرم إلى كتاب يبين له سر وجوده وغاية وجوده وحقيقة الكون وسر الحياة ومهمته في الدنيا ؟ وإن الشيء الذي يعجز عن إدراكه عقل البشر أخبره به خالق البشر .
هذا الإنسان الأول ، والمكرم ، ألا يحتاج إلى منهج يسير عليه ؟ يضبط ويصحح حركاته ، وسكناته ، ونشاطاته من أن تصاب بالخلل ، والعطب ، والعبث ، والعطل ، هذا الإنسان الأول والمكرم ألا يحتاج إلى مبادئ سلامته في الدنيا ؟ وسلامة جسمه من العلل والأمراض ؟ وسلامة نفسه من الانهيارات والتعقيدات ؟ وسلامة عقله من التزييف والتزوير ؟ ألا يحتاج هذا المخلوق الأول والمكرم إلى مبادئ سعادته في الدنيا والآخرة ؟ فرداً ومجتمعاً يحتاج إلى كتاب يبين سرّ الوجود ، وحقيقة الحياة الدنيا ، ومهمة الإنسان فيها ، ألا يحتاج الإنسان إلى كتاب يبين الذي ينبغي أن يسير عليه كي يصحح مساره ، وكي يعود إلى الطريق كلما زلت قدمه ، وتاه عقله ؟ يحتاج إلى كتاب فيه مبادئ سلامته وسعادته ، إنه القرآن الكريم .
الكون سبيل معرفة الله و القرآن سبيل عبادته :
أيها الأخوة الأكارم ؛ ما قولكم في هاتين الآيتين ؟ يقول الله عز وجل :
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾
والسماوات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون ، والكون ما سوى الله ، والآية الثانية :
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾
والتي تشبهها :
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً ﴾
فكأن الكون كله في كفة ، والقرآن في كفة ، لأنك بالكون تعرف الله ، وبالقرآن تعبده ، وخلق الكون ونوره بالكتاب .
قارئ القرآن لا يضل عقله ولا تشقى نفسه :
أيها الأخوة الأكارم ؛ يكفينا في القرآن الكريم آية وهي قوله تعالى :
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
أي لا يضل عقله ولا تشقى نفسه ، كيف يضل قارئ القرآن ؟ القرآن يقدم له تفسيراً صحيحاً ، وعميقاً ، ودقيقاً لحقيقة الكون ، وهو الذي سخره الله للإنسان بأكمله ، قال تعالى :
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
والله سبحانه وتعالى :
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾
ومعنى بالحق أي خلقها وفق مبادئ ثابتة ، ولهدف كبير ، لم يخلقها باطلاً ، والباطل هو الشيء الزائل والعابث ، لم يخلقها لعباً وعبثاً ، واللعب هو الشيء العابث والزائل ، بل خلقها بالحق ، وكيف يضل عقلك ، وقد بين لك القرآن الكريم أن هذه الحياة التي يعيشها هي حياة دنيا، انتبه إلى لفظها دنيا ، طلابها كلابها ، هي دار من لا دار له ، ولها يسعى من لا عقل له، فلينظر ناظر بعقله أن الله أكرم محمداً أم أهانه حين زوى عنه الدنيا ؟ فإن قال : أهانه ، فقد كذب ، وإن قال : أكرمه ، فقد أهان غيره حيث أعطاه الدنيا ، هذه دار تعب ومشقة .
إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشقاء ، ألا وإن الله تعالى جعلها دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً ، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي .
كيف يضل عقل قارئ القرآن وهو يعلم حقيقة الدنيا ؟ وكما قال الإمام علي : يا دنيا طلقتك بالثلاث ، غري غيري يا دنيا ، شأنك حقير ، وأمدك قصير .
ما هذه الدنيا ؟! ما إن يستقر الإنسان سنوات معدودات حتى يأتيه ملك الموت يخسر في ثانية واحدة ما جمعه في كل عمره ، بمجرد أن يتوقف القلب عن النبض ، فساعته التي بيده ليست له ، وهناك من يقلع سنه الذهبي ، يقول : الحي أولى من الميت ، لم يبقَ لك شيء فهذه الدنيا .
فكيف يضل قارئ القرآن بعقله والقرآن يبين له حقيقة الحياة الدنيا ؟
﴿ أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ﴾
﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾
أحاديث صحيحة كثيرة عن فضل قارئ القرآن :
وقد ورد في السنة أحاديث صحيحة كثيرة عن فضل قارئ القرآن ، نذكر منها :
(( الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ ))
(( مَثل المُؤمِنِ الَّذي يقرأُ القُرآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ ، ريحُها طَيِّبٌ ، طَعْمُها طيِّبٌ ))
ورد أنه :
(( لا حَسَدَ إلا على اثْنَتيْنِ : رجلٌ آتَاهُ اللَّهُ القرآنَ فقام به آناء اللَّيل وَآنَاءَ النَّهارِ، ورجلٌ أعْطاهُ اللَّهُ مالاً فَهوَ يُنْفِقِهُ آنَاءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ ))
اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته