- الفقه الإسلامي / ٠2العلاقات الاسرية
- /
- ٠2الطلاق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علَّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الطلاق :
أيها الأخوة الأكارم... قلت لكم من درسين سابقين، إن الموضوعات التي نحن في أمسِّ الحاجة إليها هي التي أختارها لكم بفضل الله عزّ وجل، ولماذا اخترت موضوع الطلاق؟ لأن كل خمسة سائلين، أربعةٌ منهم أو ثلاثةٌ منهم سؤالهم متعلقٌ بالطلاق، ولأنني أُفاجأ أحياناً أن أخاً كريماً مؤمناً من طلاب العلم الشرعي يتورَّط ويحلف يمين طلاق، ولشدة ما أرى من معاناة المطلقين، وضياعهم بين المفتين، وقلقهم، وحيرتهم، وطمأنينتهم تارةً إلى بعض الفتاوى، وقلقهم من بعض الفتاوى، اخترت هذا الموضوع.
شيءٌ آخر، هو أن الإنسان ينجح في حياته العامة، كل واحد له مهنة، له حرفة، له وظيفة، له صنعة، له اختصاص، قد تنجح نجاحاً باهراً في حياتك العملية، وقد تُخفِق إخفاقاً ذريعاً في زواجك، وكما تعلمون الزواج والعمل شيئان لاصقان بحياة الإنسان، فإذا نجحتم في أعمالكم، أو في تجارتكم، أو في صنعاتكم، أو في اختصاصكم، أو في دراساتكم، أو في وظائفكم، لا بد من أن تكملوا هذا النجاح بنجاحكم في بيوتكم، بل إني لا أُبالغ إذا قلت: إذا نجح الإنسان في بيته انعكس نجاحه في بيته على عمله طمأنينة، وراحة بال، والله سبحانه وتعالى رفع صلاح البال إلى مستوى الهدى حينما عطف صلاح البال على الهدى، والمتعاطفان من لوازهما التجانس، سيهديهم ويصلح بالهم، وهل من صلاح بالٍ أعظم من سعادة الإنسان في بيته؟ هذا الكلام لا يعني أن الإنسان لا يعاني من بعض المشكلات ، فمن الطبيعي جداً أن يتباين طباع الزوج والزوجة تبايناً مقبولاً بحدود معينة، في حدود عشرة بالمئة مقبول، أما إذا اختار المؤمن امرأة لدينها فالتباين يقل، الخلاف يقل، على كل لم أطرح هذا الموضوع على أسماعكم إلا لاعتقادي ويقيني أننا في أمس الحاجة إليه.
البحث عن أمر الله أهمّ ما يميز المؤمن :
قد يقول شاب: أنا لم أتزوج بعد، وقاية، لكنك إذا أقدمت على الزواج توجد عندك ذخيرة، ومعلومات دقيقة جداً فقهية متعلقة بشأن الزواج والطلاق، وقد يقول الناجح في حياته الزوجية: أنا لست بحاجةٍ إلى هذه الموضوعات، نقول له: الشرع الإسلامي إن لم تكن بحاجةٍ إليه يمكن أن تهتدي إلى الله من خلاله، فالشرع له وظيفتان، وظيفةٌ نفعيةٌ تطبيقية، ووظيفةٌ إرشاديةٌ دلالية، وإذا إنسان واقع في مشكلة فالحل موجود، على كل يؤلمني أشد الألم أن أرى المسلم طالب العلم الشرعي الذي يرتاد المساجد، يعاني من مشكلاتٍ مشابهةٍ مما يعاني عامة الناس، فأين إيمانك ؟ وأين فضل إيمانك ؟ فهل الإسلام يا ترى صلاة وصوم فقط عبادات، وفيما سوى العبادات نحن سواء، يا ترى الفاجر في بيته كالمسلم في بيته ؟ علاقة تارك الصلاة بأهله كعلاقة المُصلي ؟ بيت المسلم كبيت غير المسلم ؟ شيء غير معقول إطلاقاً أن تجد تشابه بين مسلم وغير مسلم، إذا كان هناك تشابه فالإسلام ليس له فائدة، الإسلام أصبح عبئاً على الإنسان، أصبح المسلم عليه أن يُصلي، وعليه أن يصوم، وعليه أن يُزكي، حياته الخاصة الداخلية، وعمله، وتجارته، وبيعه وشراؤه، وسُكناه، مشابهة لغير المسلم، يعاني ما يعاني أي إنسان
فإن لم يكن هناك فرقٌ جوهري بين حياة المسلم وحياة غير المسلم، بين حياة المؤمن وحياة غير المؤمن، بين حياة الملتزم وحياة غير الملتزم، فهذا الدين عندئذٍ لا جدوى منه، والإنسان وقته ثمين جداً، لكن نحن حين نرتاد المساجد ونطلب العلم الشرعي، من أجل ماذا ؟ من أجل أن نعيش حياةً كما أرادها الله، من أجل أن نربي أولادنا كما أراد الله، من أجل أن نحقق ذواتنا، من أجل أن نكون على الصراط المستقيم الذي أراده الله عزّ وجل.
فأنا قناعتي أن المؤمن أهم ما يميزه عن غير المؤمن أنه يبحث عن أمر الله، يبحث عن الأمر والنهي، يبحث عن الحكم، فالله عزّ وجل في هذا الموضوع ماذا يريد ؟ في كل بيت يوجد ملايين المشكلات، يا ترى إذا دخلت إلى البيت وجدت مشكلة، كيف تتصرف ؟ وفق ما يمليه الهوى ؟ وفق ما يمليه المزاج العصبي ؟ وفق عاداتٍ باليةٍ أخذتها عن أُمك وأبيك ؟ وفق نزوات الجاهلية ؟ وفق آراء أصدقائك ؟ يجب أن تتصرف وفق ما يمليه الشرع عليك ، هذا الذي أتمنى عليك.
أنا والله أسعد أيها الأخوة جداً حينما يبلغني أن أحدكم سعيدٌ في بيته، ونحن أُسرة واحدة، لا أظن أن أحدكم قد يكون شقياً في بيته ومزعوجاً في بيته وأنا أكون مرتاحاً، لأنه سوف يقول لي: هكذا صار معي ومزعوج، هكذا تفعل معي، ماذا أفعل أُطلقها ؟ أبقيها ؟ فعندما يكون الأخ ناجحاً في زواجه، سعيداً في بيته، أنا أعدُّ هذا دليلاً على صحة إيمانه، دليلاً أنه متمثِّل لأوامر الشرع.
فالنبي عليه الصلاة والسلام، جاء ليعلمنا كيف نعيش ؟ كيف نتزوج؟ كيف نحافظ على زوجاتنا ؟ لذلك الموضوعات التي وردت في الدرس الماضي، والتي سوف ترد في هذا الدرس، هي موضوعاتٌ في أمس الحاجة إليها.
الطلاق لا يكون إلا بحالاتٍ قاهرة :
في الدرس الماضي بيَّنت لكم أن الطلاق منه ما هو واجب، ومنه ما هو مباح، ومنه ما هو مندوب، ومنه ما هو حرام، والطلاق لا ينبغي أن يكون إلا لحالاتٍ قاهرة، كأن تشك في سلوكها، كأن تشك أن أولادك ليس منك، هذه حالة الارتياب بسلوك الزوجة، كما ورد في الحديث الشريف:
(( لا تطلق النساء إلا من ريبة ))
أو لا تستطيع الزوجة أن تكون مُحصنة لك، هذه حالة ثانية، وما سوى ذلك فالطلاق مكروه كراهة تحريم، لأن فيه إتلاف للمال، وفيه إيذاء للمرأة، وفيه ضياع للأولاد، وأتمنى على كل أخ كريم قبل أن يفكر في الطلاق أن يتصور أولاده عند امرأة غريبة لا تحبهم ولا ترعى شأنهم، وتفعل كل شيءٍ بحيث تؤذيهم، أو تبعدهم عن أبيهم.
أنواع الطلاق :
1 ـ طلاق المكره :
أكثر شيء ورد في الموضوع طلاق المكره، وطلاق السكران، وطلاق الغضبان وطلاق الهازل والمخطئ، وطلاق المدهوش.
طلاق المكره لا يقع، لماذا ؟ قال: لأن المُكره ليس له إرادة، ليس له حرية، والإرادة أساس التكليف، ما لم تكن حراً فلست مكلفاً، فإذا انتفت عنك حرية الإرادة إذاً كل شيءٍ يترتب على إكراهك باطل، أنت مسلوب الإرادة، فقد ورد في سنن ابن ماجة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن النبيّ عليه الصلاة والسلام قال:
(( إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ))
لو أن أحداً أجبرك على كلمة الكفر، لا تكفر، لقوله تعالى:
﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾
إذاً انتبه الآن إلى حكم دقيق، هو أن كل عملٍ يقع منك اختياراً، بمحض اختيارك، بإرادتك، برضاك، دون ضغط، أو دون إكراه، هذا العمل مسؤول عنه مسؤوليةٌ تامة، أما إذا نُفيت الإرادة، فصار هناك إكراه، وأصبح هناك ضغط، عندئذٍ سُلبت إرادتك، وبالتالي لا يقع منك نتائج هذا التصرُّف، لكن الإمام أبا حنيفة وحده قال: طلاق المكره واقع ، ويبدو أن الأئمة الثلاث حجتهم أقوى، عند الأحناف طلاق المُكره واقع.
أي لا يستغرب أحدكم لو سأل أول شيخ، وثاني شيخ، وثالث شيخ، ورابع شيخ دون أن يعلم خلفيات هؤلاء المشايخ، ومذاهبهم الفقهية، وطريقتهم في معالجة هذه الأسئلة، إذا لم يعلم الخلفيات يُصعق من اختلافهم في الفتوى، أي لو سألت مُفتياً حنفياً متشدداً في حنفيته، أو متعصباً لها، لأعطاك فتوى في الطلاق تختلف عن مفتٍ آخر ليس متعصباً لحنفيته، أو أفتى لك على مذهبٍ آخر، فالأحناف وحدهم يرون أن طلاق المُكره يقع، ويقول بعض العلماء: ولا حجة لهم فيما ذهبوا إليه، فضلاً عن أنهم خالفوا جمهور الصحابة .
المُكره لو كفر، لا يكفر لو نطق بالكفر لا يكفر، الكفر أهم من الطلاق أليس كذلك؟ وفي آية كريمة:
﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾
النبيّ الكريم قال له :
(( وإن عادوا فعد ولا شيء عليك ))
أنساب الأشراف للبلاذري عَنْ عَبْدِ الْحَكِيمِ بْنِ صُهَيْبٍ]
إذا كان المكره لا يؤاخذ بكلمة الكفر، فلأن يؤاخذ بيمين الطلاق من باب أولى، هذا موضوع طلاق المكره، ورفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
2 ـ طلاق السكران :
أما طلاق السكران، الآن اختلف الأمر، ذهب جمهور الفقهاء إلى أن طلاق السكران يقع فلماذا ؟ نريد الدليل؟ العقل مغذ يغذي الإنسان. مرة أخ قال لي كلمة، روى لي حديثاً شريفاً، والحديث معروف وصحيح أنه:
((إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ))
أي لو قال الإنسان: لو أن الله عزَّ وجل تكرم علينا و تركهم موثقين طوال السنة ألا يريحنا بذلك؟ كنا سندخل جميعاً إلى الجنة، ونرتاح من الوساوس، ومن المعاصي والذنوب والآثام، فلماذا فك قيدهم في شوال ؟ هؤلاء الشياطين قد أهلكونا !! في شوال أفلتهم علينا، إحدى عشر شهراً و هم غير مقيدين وربطهم في شهر واحد والحديث صحيح؟ هناك فرق كبير بين أن تفسر حديثاً تفسيراً غير معقول، وبين أن تفسر حديثاً تفسيراً معقولاً، ما معنى : إذا جاء رمضان صفدت الشياطين أي قيدت ؟ وقد ضربت مثالاً لذلك: إذ كان هناك محل لبيع الخمور، ضمن حي فيه مئة شاب وهؤلاء المئة شاب تابوا كلهم، هذا المحل ألا يغلق؟ فأنت حينما تتوب إلى الله، وحينما تغض البصر، وحينما تؤدي زكاة مالك، وحينما تقرأ القرآن، وحينما ترضي الله الشيطان ألغيت له عمله، وكأنك قيدته، فيمكن أن يفسر الحديث تفسيراً غير معقول، معنى الحديث أن الإنسان إذا تاب إلي الله عزَّ وجل قيَّد الشيطان حكماً.
الآن أنت يمكن أن تذهب إلى بائع تقول له: أغلق دكانك، أو كأن تمسك الغلق وتنزله، ويمكنك أن تمنع أحداً أن يقف أمامه، أول مرة أغلقته قهراً، الثاني أغلقته حكماً أليس كذلك؟ إذا منعت أي إنسان أن يدخل إلى هذا المحل، وعملت حرساً على منافذ المحل التجاري، فكأنك أغلقته حكماً . إذاً السكران لماذا يقع طلاقه ؟ لأنه سكر باختياره، المكره ليس باختياره، المكره واجه شخصاً معه سلاح قال له: احلف على زوجتك بالطلاق، فحلف ونجا بحياته، نقول: طلاقه لا يقع على رأي جمهور الصحابة وعلى رأي الأئمة الثلاث، لكن طلاق السكران لماذا يقع؟ لأن السكران اختار السُكر باختياره، هو الذي اختاره، لكن انظر لدقة العلماء.
بالمناسبة أي موضوع تسأل عنه مفتياً، أو عالماً، أو طالب علم، أحياناً أنا أبدأ بكلمة واحدة، يسألني أحد سؤالاً، فأقول له: هذا الموضوع خلافي، ما معنى خلافي ؟ أي يوجد علماء أجازوا، و علماء منعوا، لهؤلاء أدلة، ولهؤلاء أدلة، فهذا الموضوع خِلافي، وكل موضوع خِلافي فيه بحبوحة، أي إذا أخذت بالذين أجازوا معك الدليل، وإذا أخذت بالذين منعوا معك الدليل، وأية عبادةٍ، أو أي سلوكٍ يغطيه أحد المذهب الأُصولية فهو صحيح عن علمٍ أو عن غير علم، إذاً حينما تسأل طالب علمٍ ويقول لك: هذا الموضوع خِلافي، فانتبه، إذا قال لك: خِلافي، معنى هذا فيه بحبوحة، لهذا قيل: الأئمة الأربع رحمهم الله تعالى اجتماعهم حُجةٌ قاطعة.
أحياناً في كتب الفقه يقول لك: ما اتفق عليه الأئمة الأربع ، وهذا شيء خطير جداً، أربع علماء اتفقوا على شيء، وأحياناً يقول لك: في الموضوع خلافٌ على تفصيل المذهب، إذاً صار هذا موضوع خِلافي، طلاق السكران الجمهور، ليس جمهور الناس بل جمهور الفقهاء، لأن الله عزّ وجل قال:
﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
هذا يقول لك :أنا مع الناس، معنى هذا أنه على ضلال، مرة عالم كان بحضرة خليفة، والخليفة مختلف مع عالم آخر على قضية، فجاء بهذا العالم الثاني وجعله حكماً، وقال له: ما قولك ؟ هنا خليفة، وهنا عالم، قال له: الأكثرون مع رأيك يا سيدي، لم ينتبه وفرح الخليفة أنه على حق، فلما خرج قال له: أي على باطل، قال له: كيف ؟ قال له: ألم يقل الله عزّ وجل:
﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
الأكثرية معك يا سيدي، معناه ليس على حق، على كل طلاق السكران الجمهور قالوا: إن طلاق السكران يقع، لأنه تسبب بإدخال الفساد على عقله بإرادته، فأحياناً الإنسان يفعل الشيء بإرادته، الآن كل شيء نتج عن هذه الإرادة يتحملها، لو فرضنا قال لك: ابق هذا الجهاز مشتعلاً طوال الليل، أصبح في البيت حريق وهو المسؤول، نتج حريقاً لإبقاء الجهاز مشتعلاً، الحريق من نتائج اختياره، يا أخي: أنا اخترت إبقاءه فقط مشتعلاً، لا، وعليك أن تتحمل نتائج اختيارك، فطلاق السكران جمهور الفقهاء على أنه يقع، قال: وقال قومٌ لا يقع، لأنه لهوٌ لا عبرة به، لأن السكران والمجنون سواء، إذ أن كل منهما فاقد العقل الذي هو مناط التكليف، ولأنه سبحانه يقول:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾
معناها السكران لا يعلم ما يقول ، الآن سؤال وهو محرج: السكران لا يعلم ما يقول، إذاً الذي يصلي ولا يعلم ما يقول ؟ في حكم السكران، السكران الذي لا يعلم ما يقول والذي لا يعلم ما يقول ولا يشرب الخمر فهو في حكم السكران، لذلك:
﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾
قال أحد العلماء: إن الله تفضل علينا بهذه الآية، لو قال: والذين هم في صلاتهم ساهون، لهلكنا جميعاً . انظر بين كلمة في و كلمة عن، عن صلاتهم ساهون، يوجد لوم كبير، أما لو قال: في صلاتهم ساهون، معناها أن الصلاة لا تقبل إلا إن كنت حاضر القلب مع الله، وبعض الأئمة المتشددين قالول: "الخشوع في الصلاة ليس من فضائلها بل من فرائضها" لقوله تعالى:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾
يوجد رأي أنا رأيته وجيهاً، يوجد عندنا مبدأ في القوانين، أن الإنسان لا يُعاقب مرتين لذنبٍ واحد، بينما السكران إذا ضبط متلبساً بالسُكر يُعاقب بأن يُجلد ثمانين جلدة، أليس كذلك ؟ نعاقبه مرتين، مرةً بجلده ثمانين جلدة، ومرةً بأن يقع طلاق امرأته منه، يكون قد عاقبناه مرتين، لأنه وهو ينطق يمين الطلاق سكران، لا يعلم ما يقول، نحن سوف نعاقبه على سُكره بثمانين جلدة، وفوق ذلك نعاقبه مرةً ثانية بتطليق امرأته منه ؟! هذا رأي آخر.
لاحظتم كيف أن طلاق السكران موضوع خِلافي، ما معنى خِلافي؟ أي يوجد علماء قالوا بشيء ومعهم أدلتهم، وعلماء قالوا بشيء ومعهم أدلتهم، إذاً هو موضوع خِلافي ومعنى موضوع خِلافي نحن في بحبوحة، لنا أن نقلد هذا العالم فنوقع طلاق السكران، ولنا ألا نقلد، نقلد هذا العالم مع أدلته فلا يقع طلاقه، أحياناً نستأنس بالقوانين النافذة في الأحوال الشخصية، قانون الأحوال الشخصية مستنبط من الفقه، أساساً القانون المدني أساسه من الفقه.
وأزيد عليكم أن القانون الفرنسي مأخوذٌ من الفقه الحنفي، عندما كان نابليون في مصر وجد موسوعات فقهية كبيرة جداً كلها ترجمت، هناك قوانين يُعمل بها في بلاد الغرب أساسها إسلامي، وهم لا يدرون عن ذلك شيئاً، لأن هذا تشريع إلهي فيه دقة بالغة، بقانون الأحوال الشخصية لا يقع طلاق السكران والمُكره.
وأنا أنصح كل أخواننا الكرام إذا سُئِلوا، افتِ لنفسك بأشد الفتاوى، وافتِ للآخرين بأيسرها، العكس لا يليق بالمؤمن، يوجد أشخاص يعطون لأنفسهم كل الرُّخص، ويلزمون الناس بكل العزائم، الأكمل أن تلزم نفسك بكل العزائم، وأن تعطي الناس الرخص تيسيراً لهم.
الآن لو سألت مئة شخص، يقولون له: لماذا يا أخي لا تديرها حنبلية؟ لماذا؟ فهل كان المذهب الحنبلي صعباً ؟ يقول لك : الآن أصبح حنبلياً، لا تديرها حنبلية، يا ترى هذا الكلام ما أصله؟ هل تصدقون أن أهون مذهب هو الحنبلي ؟ إذاً من أين جاء هذا الكلام ؟ قال: لأن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى كان يأخذ نفسه بالعزائم، أي كان شديداً على نفسه فقط، أما في الفتاوى فكان ييسر ولا يُعسر، يسدد ويقارب، يبشِّر ولا يُنفر، أحياناً الإنسان يكون المفتي بحاجة إلى حكمة بالغة، أحياناً يجيء لك سؤال، السائل لا يقصد الزواج، يقصد شيئاً آخر، فهناك مفت وهناك مرشد، وهناك حكيم، وهناك مربّ.
3 ـ طلاق الغضبان :
طبعاً طلاق السكران قلما يأتيني هذا الموضوع، والمُكره هذه حالة نادرة الآن، أن يجيئوا بشخص، ويكتفوه ويأمروه: طلق زوجتك، والله لم أسمعها، هذه قليلة، لكن أكثر سؤال كان يجيء لي، أكثر سؤال يكاد يكون بالمئة مئة، طلاق الغضبان، والغضبان مثل المطاطة، لم أسمع أحداً طلق امرأته إلا وقال: كنت غضبان، أرجوك أي غضب هذا ؟ طلاق الغضبان موضوع دقيق جداً، وله تفصيلات كثيرة جداً قد لا يتسع هذا الدرس لها وحدها.
أولاً الغضبان الذي لا يقع طلاقه هو إنسان لا يدري ما يقول، ولا يدري ما يصدر عنه، مثل هذا الغضبان لا يقع طلاقه لأنه مسلوب الإرادة، وقد روى أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:
((لا طَلاقَ وَلا عَتَاقَ فِي إِغْلاقٍ ))
كأن الغضب يُغلق على الإنسان فكره، لم أعرف ماذا تكلمت ؟ لم أر بعيوني ، هذه كلمات العوام، العلماء زخرفوها، قالوا : الغضبان الذي لا يقع طلاقه هو لا يعرف السماء من الأرض، ولا الطول من العرض ، تقول له: أين السماء ؟ يقول لك: هذه السماء، لكن يوجد إنسان حزين وواع يقول: هذه السماء. حتى يقع طلاقه، أما هو فعلاً يعرف أين السماء، الذي لا يعرف السماء من الأرض ولا الطول من العرض هذا هو الغضبان الذي لا يقع طلاقه، بل إن كل عملٍ يفعله الغضبان إذا كان القانون يحاسبه عليه فطلاقه يقع.
قال : وحقيقة الإغلاق أن يُغلق على الرجل قلبه، فلا يقصد الكلام ولا يعلم به، كأنه انغلق عليه قصده وإرادته ، هذا الإنسان بهذه الظروف، نقول له: أنت غضبان، وغضبك لا يقع، وقد انطبق عليك قول النبي عليه الصلاة والسلام:
((لا طَلاقَ وَلا عَتَاقَ فِي إِغْلاقٍ ))
الآن إذا كان الغضب سبباً في أن يزول العقل كليةً فلا يشعر صاحبه بما قال، هذا لا يقع طلاقه بإجماع العلماء، ليس فيه خلاف، أما إذا كان في أوائل الغضب، قال: هذا يعرف في أوائل الغضب ماذا يقول، ويعرف مؤدَّى كلامه، قال: هذا يقع طلاقه بلا نزاع أيضاً ، أين الخِلاف إذاً ؟ أين العلماء اختلفوا ؟ قال: هو الذي يغضب، ويستحكم به الغضب ويشتد به الغضب، لكن لا يزول عقله كليةً، لكن يحول بينه وبين نيته، بحيث يندم على ما فرَّط، إذا زاد فهذا محل نظر ، في البدايات وأنت واع، العلماء اتفقوا على أن الطلاق يقع وفي النهايات العلماء اتفقوا على أن الطلاق لا يقع، لكن إذا اشتد بك الغضب، وندمت على ما فعلت، وفي أثناء الغضب ما نويت على الذي وقع منك، فهذه الحالة الوسطى هذه محل نزاعٍ وخلافٍ بين العلماء. الأفضل من هذا كله ألا تغضب، وألا تُطلِّق، والله من أعماقي أقول لإخواننا كلهم المؤمنين الطيبين موضوع الطلاق يجب ألا يرِد إطلاقاً ما دام هناك ثقة في الزوجة، وما دام الزوجة جملةً مقبولة، فكل شيء مقبول جملةً لا تفصيلاً، فلا يوجد امرأة كاملة، ولا يوجد زوج كامل، والنبيّ الكريم قال:
(( لا يَفْرَكْ مؤمن مؤمنة، إِن كَرِه منها خُلُقاً رضي منها آخَرَ ))
لكن حينما تكون المرأة مقبولةً جملةً لا تفصيلاً، انتهى الأمر، يجب أن تنزع من نفسك موضوع الطلاق كلياً.
4 ـ طلاق الهازل :
الآن طلاق الهازل والمُخطئ، قال: يرى جمهور الفقهاء أن طلاق الهازل يقع كما أن نِكاحه يصح ، فقد روى الإمام أحمد وابن ماجة والترمذي والحاكم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلَّم يقول:
(( ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلاقُ وَالرَّجْعَةُ ))
فالبعض أحياناً يمزح ويقول: والله أنا ناوي أن أتزوج فلانة، جالس إنسان فحكى إلى أُخته، الأخت حكت إلى أُمها، الأُم حكت للجارة، الجارة حكت لبيت عمتها، عمتها حكت لها بعد أسبوع، فقالت لها: فلان يريد أن يأخذك، وهي أجابت قائلة " والله على سلامته هذا الشاب والله معقول أن يأخذني؟ أنا أقبل فيه والله، لم يجيئها نوم أول ليلة من فرحها، حكت إلى أُمها فقالت لها الأم: والله جيد يا ابنتي، والله نحن نتمنى، والأم حكت إلى أبيها، فقال الأب: عنده بيت ؟ والرجل كان يمزح، النبي الكريم نهى عن أن يكون المِزاح في موضوع الزواج، لأن فيه كسر خاطر، فيه إساءة، فيه إحباط شديد جداً، والذي نبَّه عليه النبي عليه الصلاة والسلام " أن أخفوا الخِطبة "، لعل هذه الخِطبة لم تتم، " اخفوا الخِطبة، وأعلنوا النكاح " النكاح معلن، لكن الشيء الواقع الآن تجد كلمة نحكت، لم يبق إنسان إلا وعرف أن فلاناً خاطب فلانة، الآن إذا كان الخِطبة لم تتم لماذا ؟ ماذا سمع عنها يا ترى؟ لماذا لم تعجبه ؟ يا ترى أخلاقها ليست جيدة؟ والناس يريدون أن يتسلوا، ناقصهم معلومات، الآن يعتبوا لماذا لم تبلغونا أنكم خطبتم فلانة ؟ أنتم عرفتم دون أن نبلغكم، كيف إذا بلغناكم ؟ فالسنة أن تُخفى الخِطبة، وأن يُعلن النِكاح:
أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم ولولا الحبة السوداء لم نأت نناديكم
***
هكذا النبي علمهم ماذا يقولون، معنى هذا أن العراضة و التزمير من السنة .
أنا مرة قلت لكم أن لي صديقاً قال لي: طُرق باب بيتي الساعة الرابعة والنصف فجراً فاستغربت، ففتحت لم أر أحداً، فحانت مني نظرة نحو الأسفل فوجدت سكاً، أعوذ بالله فتحه، مولودٌ ولِدَ حديثاً، عرفوا أنه صاحب دين، هذا الطفل أغلب الظن أنه ابن زنا وضعوه بهذه الحقيبة، ووضعوه أمام بيته، قفز إلى ذهني فجأةً لو أن إنساناً تزوج زواجاً شرعياً ، و حملت زوجته، تجد أن الكل يهنئها، وتجدهم قد هيؤوا الغرفة، وهيؤوا الأدوات، وأحضروا ملابس المولود، والأُسرة كلها انشغلت والزوج فرح، وبعد ذلك عندما ولدت صار الفرح، والمباركة، وجهزوا الكراوية، وقدمت الهدايا، وعملت مباركة للنساء، ومباركة لهؤلاء، شيء جميل جداً، لأن هذا طريق مشروع.
أحياناً الإنسان يذهب مع زوجته ومعه ابنه الصغير، لا يستحي أمام الناس، فهذه زوجته وهذا ابنه، يفتخر، بالعكس يوجد أماكن إذا كنت مع زوجتك أكمل، يعدونك إنساناً محترماً، أنت مع زوجتك، أما إذا امرأة ليست زوجته، تجد قلبه مقطوعاً وهبط من الداخل لو أن أحداً مشى وراءه.
فطلاق الهازل، وطلاق المُخطئ، قال: هذا طلاقٌ يقع، لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلاقُ وَالرَّجْعَةُ ))
الرجعة، إذا راجعها زوجها المُطلق، وتوجد رواية: والعِتاق أي عتق العبد.
أنا أنصح أخواننا الكرام، إذا كان هناك شيء يترتب عليه نتائج خطيرة، لا يمزح فيه أبداً، مثلاً عنده صانع يقول له: أريد أن أُشاركك في المستقبل، يظن أنه بذلك يطيب له خاطره فهذا الصانع ذكر ذلك إلى والده، فالأب قال له: والله معقول يا بني، هذا الرجل آدمي، إذا سمح لك أن تكون شريكه فهذا ممتاز، الأب مشى في هذا الاتجاه، وتكلم إلى زوجته وفرحوا، ابننا الحمد لله فلان سوف يشاركه، لكن يا ترى بالجهد فقط أم بالمال؟ يا ترى هل يريد مالاً؟ نسأله أي شيء يحب ؟ المعلم فكر أن يمزح مع هذا الصانع بأن قال له: أريد أن أعملك شريكاً بالمستقبل، فكل أمر خطير ممنوع أن تمزح فيه إطلاقاً، إذا لم يكن عندك استعداد أن تنفذ، أصبح وعداً عليك له، ووعد الحر دين، وإن لم تنفذ عملت له إحباطاً، عملت له صدمة، الآن كثير من الأمراض النفسية أساسها صدمة شديدة، لم يتحمل، يصبح الإنسان معه انفصام في الشخصية، الآن أكثر مرض شائع هو انفصام الشخصية، قال إنسان لطبيب نفسي: أريد أن تعمل لي انفصام شخصية، قال له: لماذا ؟ قال له: والله ضائق خلقي لوحدي، انفصام الشخصية أساسه صدمة، أي منِّيته بشيء ولم يتحقق، جعلته يطمع بشركة ولم تتحقق، أو بشراء بيت ولم تؤمنه له.
الآن بعضهم قال: وذهب بعض أهل العلم إلى عدم وقوع طلاق الهازل ، وهؤلاء بالطبع قلة، لقوله:
﴿ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾
فعزم الطلاق أي فكر، وجمع، وطرح، وقسَّم، وقال: يجب أن أطلقها لم أعد أتحملها، وما هو متأخرها؟ أدِّبر نفسي، أي كله دخل في نفسه، فكر بمتأخِرها، وفكر بالنتائج، والمضاعفات، وأخذ قراراً بالطلاق قال:
﴿ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾
يوجد أحاديث لطيفة جداً، روى ابن عباس فيما رواه البخاري أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
((... الطَّلاقُ عَنْ وَطَرٍ... ))
إذاً طلاق الهازل يقع، لأنه ينطبق عليه قول النبيّ:
(( ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلاقُ وَالرَّجْعَةُ ))
5 ـ طلاق المخطئ :
طلاق المخطئ، الإنسان أحياناً يقول: زيد ويقصد عُبيد، أحياناً الأم يكون ابنها اسمه أحمد، تقول له: سعيد تعال إلى هنا، وتكون عينها على عينه، ما حكم هذا ؟ خطأ هذا هي أرادت أحمد وأخطأت باسمه، فبعضهم قال: طلاق المخطئ يقع ، وبعضهم قال: إنه يقع قضاءً ولا يقع ديانةً ، كيف هذه، فهي دقيقة ؟ لو أردنا أحداً من الناس لك معه مئة ألف، جاء إليك ودفعها لك، وكاتب لك سنداً، قال لك: أين السند ؟ والله ليس تحت يدي الآن، يا أخي نحن قبضناهم منك، فهل سنأكلهم عليك؟ فاستحى وذهب، توفي هذا الشخص، حتى لا نسيء الظن فيه، فتحوا أولاده خزانته فوجدوا سنداً بمئة ألف، ذهبوا فأقاموا دعوى على هذا المدين، يا أخي أنا دفعتهم لأبيكم، نحن ليس لدينا علم بدفعهم، نحن وجدنا سنداً بمئة ألف، فقال: هذا عند الله بريء، لكن القضاء يدينه أحياناً، القضاء يجعله يدفعهم، فنقول: هذا السند وقع قضاءً ولم يقع ديانةً، فهو عند الله بريء.
قال: طلاق المخطئ وقع قضاءً، وعند الله هذه زوجته وهي حلالٌ له، أما لو عرضت الأمر على قاض، أو على مفت، وقع الطلاق لوجود اللفظ، وهناك شيء يشبهه، إنسان ذهب إلى أوربا قال: والله سأتزوج امرأة لسنتين أو ثلاث بدلاً من أكون وحيداً، وهذا الأمر هنا سهل، فكلهم يعرضون أنفسهم، وأنا سأتزوجها زواجاً شرعياً، أنا لا أريد أن أرتكب الحرام، أقوم بعمل زواج لمدة ثلاث سنوات أثناء دراستي، ذهب إلى المركز الإسلامي وجد فيه فقيهاً وعالماً وخطيباً، هذا العمل حرام في الإسلام ولكنه لم يقل: سأتزوج زواجاً مؤقَّتاً، بل قال: أنا أريد أن أتزوج زواجاً إسلامياً، وجرت مراسم الزواج، إيجاب، وقبول، ومهر، وشاهدا عدل، ماذا يقول له الخطيب أو الإمام أو الشيخ؟ ليس عنده غير الظاهر، ليس عنده إمكانية أن يعرف بواطن هذا الشاب، بالظاهر أنه اختارها زوجةٌ لها، وهي وافقت، أجاب وقبلت، وأجابت وقبل، ولها ولي وأتي معها أبوها، والمهر مسمى، معجل ومؤجل، وهناك شاهدان وأخذ توقيعهم وهوياتهم، هذا الزواج وقع قضاءً ولا شيء عليه، لكن ديانةً ؟ يا لطيف هذا ديانةً باطل لأنه نوى التوقيت، والزواج على التأبيد، في رأي جمهور العلماء، فأحياناً تفرق بين ما وقع قضاءً وما وقع ديانةً، أنت قد تكون بريئاً أمام الله، ولكنك لست بريئاً أمام الناس، لذلك العاقل والموفق يبحث عن براءته عند الله وعند الناس معاً، هل عندكم شاهد من السيرة ؟
النبي كان يمشي مع زوجته، فقال لأحد الصحابة: هذه زوجتي فلانة، فقال له: أفيك نشك ؟ قال: لئلا يدخل الشيطان بينكم، هذه زوجتي ، هنا النبي جمع بين براءته أمام الله، وبراءته أمام الناس.
إذاً لا يكفي أن تكون عند الله بريئاً، الآن لاحظ أن أكثر إخواننا يكون هو صافي النية مع الله، مستقيم، لكن أهمل مظاهر، هذه المظاهر جعلته مداناً عند الناس، لهذا يقول الإمام علي كرم الله وجهه: " من دخل مداخل التهم فلا يلومنَّ إلا نفسه" جلست عند رفيقك، عنده محل قال لك: سوف أصلي العصر وأرجع، اجلس في المحل حتى أعود، قلت له: حاضر، وفتحت الدرج فوجدت أوراقاً نقدية ذات الخمسمئة والمئة وأنت تتسلى، والله أنا معي خمسمئة سأصرف هذه الخمسمئة، فسحبت عدداً من الأوراق ذات الخمسمئة، وعددتهم، ووضعتهم في جيبتك، أو بالعكس أكمل، أخرجت الخمسمئة وضعتها في الدرج، وسحبت خمسمئة خمس قطع، ودخل صديقك، أنت عند الله بريء، لكن عنده أصبحت غير بريء، لذلك اجهد أن تكون عند الله وعند الناس بريئاً، فكلمة النبي: هذه زوجتي والله أيها الأخوة هذا الموقف لرسول الله يحمل عليه مئة مئة ألف حالة. عليك دين؟ فتقول: أخي انتهينا، لست بريئاً عنده، عند الله بريء، لكنه شك، فقال في نفسه: لي معه ثلاثة آلاف، كل هذا العمل كلف ألف ليرة فكيف تقول انتهينا؟ الرجل أسعاره من عشر سنوات ولا يعرف، أحياناً شخص يكون بانياً له بيتاً من عشرين سنة، بعيد عن جو السوق، هذه يكفي فقط دفع خمس ليرات فيها ويكون سعرها خمسمئة ليرة، تعتقد أن هذه سعرها خمسة آلاف، ويكون ثمنها أصبح ثمانية آلاف، فإذا شخص بعيد عن جو الأسعار، أخي: أنا لي عنده مبلغ، فقال لي: أنت عند الله بريء، لكن عنده لست بريئاً قال: رحم الله عبداً جب المغيبة عن نفسه ، فأنت لو كنت بريئاً هذا لا يكفي، فالنبي قال : رحم الله عبداً جب المغيبة عن نفسه .
مرة قال لي أخ و هو مدرس: هناك بائع للأحذية في سوق مغلق، وفي آخر السوق يوجد سينما، و هذا البائع متقن جداً، فلا يوجد حذاء مثل صنعته، فقال له كلمة أنا والله أعجبتني: مهما كان متقناً، مهما كان رخيصاً، دخولي لهذا المكان أمام طلابي فيه مظنة أن يقولوا: أستاذنا دخل إلى السينما، إنما هو دخل إلى محل لكي يشتري حذاء، لكن هذا المدخل فيه شبهة لهذا لا تضع نفسك موضوع التهمة ثم تلوم الناس إذا اتهموك، هذه قاعدة في الحياة مأخوذة من: هذه زوجتي.
كنايات الطلاق :
عندنا طلاق باللفظ، فالعلماء اجتمعوا على ثلاثة ألفاظ للطلاق: الطلاق، والفراق، والسراح، إذا قال: فارقتك، أو طلقتك، أو سرَّحتك سراحاً جميلاً، هذا الطلاق وقع، ولا يلتفت إلى نية المطلِّق، أما أي لفظ آخر فيحتاج إلى نية.
مثلاً، من كنايات الطلاق، لو قال لها: أمرك بيدك، قالت له: ماذا نطبخ اليوم ؟ قال لها: أمرك بيدك، معنى ذلك أنها لم تطلق زوجتك، أنت قاصد أنها هي حرة في اختيار نوع الطبخة، يوجد في الثلاجة كل شيء وعندك لحمة، أمرك بيدك، أما لو قال لها هذه الكلمة وفي نيته أن يُطلقها أصبحت طالقاً، إذاً الكناية تحتاج إلى نية، أما كلمة طلقتك، وكلمة سرحتك، وكلمة فارقتك، فهذه الكلمات الثلاث تقع بلا نية، هذه أمرك بيدك، لو قال لها: أنت عليّ حرام، تحتمل أنه طلاق، أو أنه حرامٌ إيذائها، أي إن شاء الله حرام أُؤذيك، أنت عليّ حرام تعني أنه طلاق بالكناية يحتاج إلى نية، قالت له: والله إن أبي مريض، قال لها: الحقي بأهلك. هذا ليس طلاقاً، أما لو أراد من هذا طلاق فهو طلاق، الحقي بأهلك، أمرك بيدك، أنت عليّ حرام، هذه كلها كناياتٌ لا يقع بها طلاقٌ إلا إذا توافرت لها نية التطليق، أما طلاق، وفِراق، وتسريح، هذه كلماتٌ صريحةٌ فلو تلفظ بها الإنسان وقع الطلاق، لا تعلق مع المفتين ابعد عن الطلاق، وعن كلمة فراق، وعن كلمة سراح، وعن كلمة طلاق، أفضل.
من باب الطرفة كنت أقول لإنسان يسألني عن الطلاق: أنت تريدها؟ يقول لي: نعم والله. إذاً فلان يفتيها لك، وإذا كنت لا تريدها اذهب لفلان يقول لك: طلقت. فهناك الكثير من الاتجاهات المتعددة، فأنت من الأفضل لك أن تبتعد عن هذا كله.
سؤال: النبيّ طلق؟ طلَّق امرأة واحدة، لأنها ضعيفة التفكير إلى درجة غير معقولة أخوتها نصحوها أنها حينما تلتقي بالنبي تقول: أعوذ بالله منك، فلما قالت للنبي هذا الكلام، قال: عُذتِ بعظيم الحقي بأهلك. ستصبح مبلغة للدين، وليس موضوعاً مزاجياً، هو موضوع خطير جداً، هذه أُم المؤمنين، يقول لك مثلاً: روى فلان عن أُم المؤمنين – اسمها ابنة الجون - مادام تفكيرها ضعيفاً إلى درجة أنها لم تفكر فيما قيل لها، والنبيّ سيد العالمين، أعوذ بالله منك، قال لها: الحقي بأهلك لقد عُذتِ بعظيم، معك حق لكن الحقي بأهلك، ليس لك عندي نصيب إطلاقاً، هذا طلاق بالكناية لكن النبيّ ماذا قصد به؟ قصد الفِراق.
سيدنا كعب بن مالك عندما أمره النبيّ الكريم أن يعتزل امرأته فقال: أُطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: بل اعتزلها فلا تقربنها، فقال لامرأته: الحقي بأهلك، فهل طلقها يا ترى؟ لم يطلقها سيدنا كعب لأنه قال لها: اذهبي إلى بيت أهلك.
أحياناً أخواننا أسمع منهم قصة غريبة، كأن تكون أعصابه متوترة جداً، فيقول لزوجته: غيبي يومين عند أهلك ولا شيء عليك، لا ترضى، تظل مصممة حتى يُطلقها، هذه القصة أسمعها كثيراً، إذا توتر الإنسان أو غضب فليجلس، إذا غضب فليتوضأ، إذا غضب فليسكت، إذا غضب فليخرج من البيت، فأحياناً يكون الجو متوتراً متفجراً، فإذا الإنسان ركب رأسه، وأصرّ على ما هو عليه، قد يؤدي الأمر إلى وضع لا تُحمد عُقباه.
والأحناف يرون أن كنايات الطلاق يقع بها الطلاق بالنية، وأنه يقع بها أيضاً بدلالة الحال، فأشد المذاهب بالطلاق الأحناف، فإذا وقع أحد في مشكلة، وذهب إلى بعض المُفتين المتشددين والمتعصبين لحنفيتهم، الجواب معروف قبل إن يذهب إليهم، فإذا كان بينهم شِجار وقال لها: الحقي بأهلك، هذا طلاق عند الأحناف، مادام على أثر شِجار قال لها: الحقي بأهلك، نحن نقول له ماذا نويت؟ لعله نوى أن تكف مغيباً لمدة يومين، لا يريد أن يطلقها، أما عند الأحناف فمادام هناك شِجار وقال لها: الحقي بأهلك، أصبحت طالقة منه ونحن أحناف طبعاً، لكن يوجد الأحناف المتعصبين لحنفيتهم الذين يرفضون أي اجتهاد آخر.
الطلاق بالكتابة :
والله يوجد موضوعات مهمة جداً، إن شاء الله نتابع الحديث في درسٍ آخر، وآخر موضوع صغير الطلاق بالكتابة، الطلاق يقع بالكتابة، لكن لا يقع إلا في حالتين، إذا نسب الطلاق إلى زوجة المطلق، ووجهت رسالة إليها، إلى زوجتي فلانة: طلقتك بالثلاث، هذا الطلاق يقع لأنه كتابةً، أي مكتوب والزوجة مضافة للزوج، والرسالة موجهة إلى الزوجة والآن هذا يفعله بعضهم، قال: الأخرس أحياناً يقع طلاقه بالإشارة، أحياناً الخُرسان لهم لغة خاصة، قال: إلا أن الأخرس إذا كان يُحسن الكتابة وهو قادرٌ عليها طلاقه بالإشارة لا يقع لقدرته على أن يكتب كتابة، والإشارة لغة غير واضحة، أما الكتابة فأوضح، وأحياناً يقع الطلاق عن طريق الرسول، أي يبعث الإنسان أي شخص إلى زوجته، بلغ فلانة أنها طالق، هذا الطلاق يقع أيضاً، فإذا كنت تمزح وقع الطلاق، الطلاق وقع عن طريق رسول، ويقع وكالةً، إذا إنسان عمل وكالة عامة فرضاً، فوجد المحامي أن الزوجة معها خمسة ملايين، يطلقها منه إذا أراد، الوكالة العامة تطلق بها الزوجة، فالوكالة العامة خطيرة أيضاً، عن طريق الرسول تطلق المرأة، وعن طريق الإشارة تطلق، وعن طريق الكتابة تطلق، وعن طريق الوكالة أيضاً تطلق.
توجد موضوعات نحن في حاجة إليها وسنتابعها في الدرس القادم، وكما قلت في أول الدرس: الشباب يأخذون احتياطاً، والذين لم يتزوجوا الأمر دقيق جداً، والمتزوجون سعداء مع زوجاتهم هذه وقاية، والغير سعداء علاج، وإذا إنسان ليس له علاقة بالموضوع إطلاقاً يتعرف إلى الله من خلال تشريعه.