- أحاديث رمضان
- /
- ٠02رمضان 1416 هـ - نظرات في آيات الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
إتقان قواعد اللغة العربية هو الأصل في فهم كتاب الله :
أيها الأخوة الكرام؛ حينما يقول الله عز وجل:
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾
الأصل في فهم كتاب الله إتقان قواعد اللغة العربية، لأن هذا القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، فإذا قال الله عز وجل إنه رحيم كما نفهم الرحمة، قال: إنه عادل كما نفهم العدل، لأن الله يستحيل أن يقول قولاً ويقصد غيره، هذا ليس من الحكمة في شيء، فكل إنسان يخرج القرآن الكريم عن معانيه المقبولة الظاهرة المستفادة من الكلمات فقد ابتعد عن القصد الإلهي ابتعاداً كبيراً، فكلمة:
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾
أي بلسان العرب وفق قواعدهم، ووفق معاني مفرداتهم، والحقيقة هذه اللغة التي نحن نتكلمها هي من أرقى اللغات على الإطلاق باعتراف أعداء هذه اللغة، أي بالبحوث العلمية المجردة الموضوعية يؤكدون أن اللغة العربية من أعلى اللغات المتصرفة على الإطلاق.
القصة إطار تعبيري تقرر شيئاً واحداً هو أنه لا إله إلا الله :
ثم إن الله عز وجل أحياناً يعطيك الحقيقة مكثفة، وأحياناً هذه الحقيقة المكثفة يمددها بقصة، فالقصة إطار تعبيري يقوم على شخصيات وحوادث وبيئة ومكان وزمان وحوار ووصف وسرد وتحليل وعقدة وبداية ونهاية، فالقصة محببة فيها حبكة، وهي أطول قصة في كتاب الله، لكن هذه القصة على طولها وعلى تفاصيلها وعلى ما فيها من شخصيات ومن حدث ومن بداية وعقدة ونهاية، هذه القصة تريد أن تقرر شيئاً واحداً هو أنه لا إله إلا الله، في آيات أخرى قال الله عز وجل:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
ألقى عليك الحقيقة مجردة بشكل مباشر، وفي هذه القصة ألقى عليك هذه الحقيقة ممددة، وقد ورد مغزى هذه القصة في بعض آيات هذه القصة:
﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
أحد عشر أخاً كادوا لأخ صغير، أرادوا وضعه في البئر، أرادوا أن يقتلوه، ثم إن هذا الطفل الصغير صار عزيز مصر، وكان أخوته في قبضته، وفي أمس الحاجة إليه.
كن مع الله تـر الله معك واتـــرك الكل وحاذر طمعك
و إذا أعطاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعـك
***
مرة تروي الكتب أن هذا النبي الكريم يركب في موكبه وكان قد صار عزيز مصر، فقالت له جارية في القصر تعرف أنه كان عبداً مملوكاً ثم سجيناً، فقالت: سبحان من جعل العبيد ملوكاً بطاعته، وجعل الملوك عبيداً بمعصيته، فالعبرة في النهاية.
الأمور بخواتيمها :
أيها الأخوة؛ هناك نقطة مهمة إنسان مضطهد في البئر شروه بثمن بخس دراهم معدودات، أي باعوه، اشترى كما تعلمون أما شرى بمعنى باع، واشترى من ألفاظ التضاد، شروه أي باعوه بثمن بخس لأنه هين عليهم، معنى ذلك إذا أنت كنت إنساناً مكانتك الاجتماعية متواضعة جداً، موظف بالدرجة العاشرة، أحياناً تعمل عملاً بسيطاً جداً لا أحد يعرفك، لكن العبرة أن يعرفك الله، سيدنا عمر لما جاءه رسول من معركة من المعارك، من معركة نهاوند، وسأل هذا الرسول عن مصير الجيش، قال له : والله يا أمير المؤمنين، مات خلق كثير، قال له: من هم؟ عد لي أسماءهم؟ قال: إنك لا تعرفهم، فبكى سيدنا عمر ثم قال: وما ضرهم أني لا أعرفهم إذا كان الله يعرفهم.
تصور نبياً كريماً ألقي في البئر، وبيع بيع العبيد بثمن بخس دراهم معدودات، ثم صار عزيز مصر، الأمور بخواتيمها:
﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
ولولا أن يكون في كتاب الله هذه الآية :
﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
لكفت، الأمر بنهايته.
الحكمة من قصة سيدنا يوسف أن يكون قدوة لنا :
لكن الله عز وجل ما أرادنا أن نستمع لهذه القصة وكفى، أراد من هذا النبي الكريم أن يكون قدوة لنا:
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ﴾
لكن الله قلبها إلى قانون:
﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾
أي نفس إلى يوم القيامة، نجزيه الجزاء الأوفى، نرفع ذكره، ونعلي قدره، ونحفظه من خصومه، ونؤيده:
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾
أما قول الله عز وجل:
﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ﴾
العلماء قالوا: همّه غير همّها، ترى أنك إذا دخلت إلى غرفة ورأيت أفعى تهم بأن تقتلها، وتهم بأن تلدغك، إذا قلت: همت بها وهمت بي أي عانقتها – للأفعى-؟ لا، هممت بقتلها وهمت بلدغك، والدليل بعد آيات عدة:
﴿ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ﴾
وبعضهم قال: ولقد همت به وقف استئناف، وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه، ما همّ بها، مستنير موصول بالله، يملك رؤية صحيحة، أسباب هلاك الناس رؤيتهم غير صحيحة، يرى المال كل شيء، لا يعبؤون بكسبه، أما إذا رأيت رؤية صحيحة فالأمور أصبحت واضحة.
النساء حبائل الشيطان :
ثم يقول الله عز وجل، الله علمنا أسلوب التحقيق:
﴿ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾
تصور الله عز وجل قال:
﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ﴾
وامرأة العزيز الله عز وجل قال:
﴿ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾
الإنسان له حاجة عند المرأة، حاجة عضوية، حاجة أساسية، لذلك المرأة حبائل الشيطان:
(( إن إبليس طلاَّعٌ رصاد، وما هو من فخوخه بأوثق لصيده في الرجال الأتقياء من النساء ))
ضرورة الافتقار إلى الله :
لذلك هذا النبي الكريم أولاً مفتقر إلى الله، قال :
﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ ﴾
نبي مكرم، ولد من كريم ومن كريم ومن كريم، هذا النبي الكريم يقول:
﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ ﴾
فما القول بإنسان غير نبي؟ المفروض لا أن يعتد بنفسه، لا أن يخرق حدود الله، كل من خرق حدود الله خرج من تحت مظلة الله، يمكن أن يتعرض لفاحشة، إذا قبل بخلوة، إذا قرب خطوة هذه تجر إلى خطوات.
الحكمة من تحريم الاختلاط :
لذلك يوجد معاص لها وهج، قال تعالى:
﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ﴾
والآية الدقيقة أيضاً:
﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى ﴾
هناك أشياء من نظرة، نظرة فابتسامة فموعد فلقاء، كأن هناك نهراً عميقاً، وله شاطئ مائل عليه حشائش، وشاطئ آخر جاف، المشي على الشاطئ المائل ذي الحشائش الزلقة خطر أما الشاطئ الجاف فهو أمن، فكل إنسان اقتحم حدود الله معرض أن يقع في المعصية، موضوع الزنا مثل صخرة متمكنة في قمة جبل، هذه الصخرة لك أنت خياران إما أن تبقيها في مكانها المتين، وإما أن تطلقها، أما إذا أطلقتها من مكانها لا خيار لك أن تبقيها في مكان معين، لا تستقر إلا في القاع، ولذلك آيات الزنا كثيرة:
﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى ﴾
كيف إذا كان هناك تيار ثمانية آلاف فولت يسحب الإنسان من ستة أمتار، طبعاً وزير الكهرباء لا يقول: ممنوع مس الكهرباء، يقول: ممنوع الاقتراب منه، ولأن هذا الموضوع متصل بحاجة أساسية بالإنسان وقد تكون أقوى حاجة، هناك ضوابط كثيرة، النبي عليه الصلاة والسلام حرم الخلوة، حرم الاختلاط، حرم النظر، حرم المصافحة، حرم الكلام اللين:
﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾
حرم مشية تبدي مفاتن المرأة:
﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾
يوجد قناة واحدة نظيفة الزواج.
﴿وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ*قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾
أنت هكذا هل الحرمان من أي شيء أحب إليك من أن تأخذه مع معصية؟
الحيلة من أجل الخير حيلة مقبولة :
ثم يقول الله عز وجل، سيدنا يوسف كيف حجز أخاه من أبيه بحيلة، قد يقول قائل: ألم تقل: إن الحيل ممنوعة؟ هذه حيلة في الخير، الحيل للتهرب من الزكاة محرمة، أنت حينما تفعلها كأنك تتصور الله عز وجل لا يعلم، أما الحيلة من أجل الخير فمقبولة، سيدنا يوسف لا يستطيع وهو عزيز مصر أن يحجز أخاه بلا دليل، أو بلا إدانة:
﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ﴾
وسيدنا يعقوب علمنا شيئاً آخر:
﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾
يعاب من يشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم:
﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾
الله عز وجل يعلم حجم المصيبة، ويعلم الآلام الناتجة عنها، وحجم التضحيات، وحجم المعاناة:
﴿وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ ﴾
قال تعالى:
﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾
لا يوجد إنسان يعفو عن خصومه إلا ويزيده الله عزاً، عفا وكان بإمكانه أن يعاقبهم أشدّ العقاب.
كرم أخلاق سيدنا يوسف عليه السلام :
ثم يقول الله عز وجل:
﴿ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾
أيهما أشدّ خطراً الجب أم السجن؟ الجب، لكنه لو ذكر الجب لذكرهم بجريمتهم، من كرم أخلاقه أنه ذكر السجن ولم يذكر الجب:
﴿ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾
ما ذكرهم بعملهم، صار سوء تفاهم، الخطأ كله على أخوته، لكن هذا الموقف الكريم وكان بالإمكان أن ينتقم منهم، قال لهم:
﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾
ثم توجه إلى الله فقال:
﴿ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾
لكل شيء أتعاب إلا بيت الله بالمجان :
ثم يقول الله عز وجل:
﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾
ثم يقول الله عز وجل:
﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾
لا يوجد إنسان يدخل لأي مكان إلا ويهيئ نفسه، إن دخل لعند طبيب يجب أن يكون معه أجر المعاينة، إذا دخل إلى محامي يجب أن يكون معه أجر الأتعاب، إذا دخل إلى محل تجاري يكون معه أجر البضاعة، إذا سجل ابنه بدورة معه أجر الدورة، إلا إذا دخلت إلى بيت الله كله مجاناً وأهلاً وسهلاً.
﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ*وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ*وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾
الشرك الخفي شرك خطير جداً :
الشرك الخفي خطير جداً، الشرك الجلي انتهى، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً، ولكن شهوة خفية، وأعمال لغير الله ))
الشرك الخفي أن تعتمد على غير الله، أن تظن أن غير الله يرفعك أو يخفضك أو يمنعك، هذا كله خفي، لذلك الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب على جور، وأن تبغض على عدل.
شخص نصحك بإخلاص وجدت على نفسك منه، وشخص مقيم على معصية لكن لك نفع كثير منه، أنت تحبه على معصيته وتبغض من نصحك على عدله، هذا شرك.
أيها الأخوة الكرام؛ قال تعالى:
﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
فكل إنسان يتبع النبي عليه الصلاة والسلام يدعو على بصيرة، يعطيك الدليل والتعليل، يقول لك: أنا ناقل، نصيحة تكتب: اتبع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع، الورع لا يتسع، اتبع، إذاً:
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ﴾
ما علاقة الإشراك هنا بأول الآية؟ أي أنا إذا دعوت على غير بصيرة، ودعوت بلا دليل، وقلت: كلامي هو الدليل، أشركت نفسي مع الله، مثلاً رجل ذكر حديثاً موضوعاً، هناك طالب بكل أدب قال: الحديث موضوع، قال له: ما دام شيخك قد قاله فهو صحيح، فالإنسان عندما يلغي الدليل أشرك نفسه مع الله.
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ﴾
لو دعوت من دون دليل لكنت مشركاً مع الله.
الحكمة من تأخير النصر :
﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ﴾
يؤخر النصر حتى يظهر كل الضعاف، الأحزاب تحزبت على النبي عليه الصلاة والسلام في الخندق، واليهود نقضوا عهدهم معه، أصبح الإسلام قضية ساعة، قال : أيعدنا صاحبكم أن تُفْتَح علينا بلاد قيصر وكسرى وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته؟ قال تعالى:
﴿ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا ﴾
﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾
قال الله عز وجل:
﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾
هذا نسميه بالتعبير الحديث فرز:
﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾
الله يعمل هزة، الضعاف يسقطون، أحياناً يختبر صبة فيحملها، يأتي ببراميل يملؤها ماء فإذا كسرت ليس هذا هو المطلوب، وإذا صمدت فهي جيدة، ضعاف الإيمان يسقطون:
﴿ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا ﴾
تقييد كل شيء بمشيئة الله :
وفي نهاية هذه القصة:
﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾
القصة الإنسان يعتقد بفكرة ولا يقبل رداً عليها، القصة لها ميزة أنها تدخل إلى فكر الإنسان تسللاً عن طريق الحوار تجد الإنسان قد اقتنع، فأحد أنجح الأساليب في نقل الأخبار هي القصة.
سيدنا عمر بن الخطاب جاؤوا إليه بشارب خمر، قال: أقيموا عليه الحد، قال: والله يا أمير المؤمنين قدر عليّ ذلك، قال: أقيموا عليه الحد مرتين؛ مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال: ويحك يا هذا إن قضاء الله لن يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار.
أنت مفتر على الناس:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
ليس بيدك، الله ابتلاك لا تعترض، هذا كله كلام مرفوض، كلام الشيطان، الإنسان مخير، لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، إن الله أمر عباده تخييراً، وكلف يسيراً ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يعصَ مغلوباً، ولم يطع مكرهاً:
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾
﴿ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ﴾
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾
لذلك أيها الأخوة الكرام؛ هذه القصة مغزاها أحد آياتها:
﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
بالتعبير المألوف لا يوجد غير الله، غير الله مقيد بمشيئة الله، فكن مع الله ولا تبالي.