وضع داكن
15-01-2025
Logo
الدرس : سورة الهمزة - 1 - 9 قيمة المال
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الأكارم سورة اليوم هي سورة الهمزة، ربنا سبحانه وتعالى يقول:

﴿ وَيۡلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1) ٱلَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُۥ (2)يَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥٓ أَخۡلَدَهُۥ (3)كَلَّاۖ لَيُنۢبَذَنَّ فِي ٱلۡحُطَمَةِ (4)وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحُطَمَةُ (5)نَارُ ٱللَّهِ ٱلۡمُوقَدَةُ (6)ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلۡأَفۡـِٔدَةِ (7)إِنَّهَا عَلَيۡهِم مُّؤۡصَدَةٌ (8)فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِۭ (9)﴾ 

[ سورة الهمزة ] 

 قالوا: هذا الوَيْل الهلاك والشقاء والخسارة، وقالوا: واد في جَهَنَّم؛ من أشَدِّ أوْدِيَتِها عذاباً، على كلٍّ هذا وعيدٌ من الله عز وجل، والوعيد يُؤخَذ على الذي يوعِدُ، لأنَّه إنْ قال لك إنسانٌ تافه سأُريك فخوفك بمقدار قدرته؛ قال:

زعم الفَرَزْدق أنْ سَيَقْتُل مَرْبعاً   أبْشِر بِطُول سلامةٍ يا مَرْبَعُ

[ جرير ] 

 الكلام يُؤخَذ على قائِلِهِ لا على نَصِّهِ، قائِلُ هذا الكلام ربُّ العالمين، يقول للكافر: وَيۡلٌ، أيْ الشقاءُ والهلاك، وكُلُّ أنواع البلاء سوف ينْتظر هذا الإنسان، أيُّ إنسان؟ ويل لِكُلِّ همزةٍ لُمَزة، الهُمَزَة كأنْ تقول فُلان ضُحَكَة أيْ يضْحك على الناس، فإن قُلْتَ: فلانٌ ضُحْكَةٌ يعني يضْحَكُ عليه الناس، ووزن فُعَلة أو فُعْلَة من صِيَغ المُبالغة؛ كثيراً ما يضْحك على الناس ويسْخَرُ منهِم، إن قلت ضُحَكَة، وإنْ قُلْتَ: ضُحْكَة أيْ كثيراً ما يفْعَلُ أفْعالاً شنيعة تُسَبِّبُ أنْ يضْحك عليه الناس، هذا معنى وزن فُعَلة أو فُعْلَة، فُعَلَة يكون الضَّحِكُ منه، أما فُعْلَة يكون الضَّحِكُ عليه، الآن هُمَزَة هو الذي يعيب الناس؛ يعيبُ عليهم بيوتَهُم، يعيب عليهم لِباسهم، يعيب عليهم دَخْلَهُم، دخله كبير جداً، فاحتقر دخل غيره، هل يكفي؟ إذا الإنسان يعْرف الله عز وجل وراضٍ من رَبِّه يكْفيه؛ ﴿وَيۡلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ﴾ .
 قال العلماء في الفرق بين الهُمَزَة واللُّمَزَة أقْوالٌ كثيرةٌ أشْهَرُها: أنَّ الهُمَزَة هو القتّات؛ الذي يوقِعُ بين الناس، وقد قال عليه الصلاة والسلام: 

((  لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ.  )) 

[ رواه الترمذي  ] 

 وقالوا: اللُّمَزَة هو العَيّاب الذي يعيبُ على الناس اسْتِعْلاءً بِما عِنْدهُ، وقالوا: الهُمَزَة هو الذي يطْعَنُ في الوَجْه بِوَقاحة، واللُّمَزَة هو الذي يطْعن في الغَيْبَة، وقالوا: الهُمَزَة الذي يسْتَخْدِمُ العَيْب يعيبُ الناس بِلَفْظِه، واللُّمَزَة يعيبُ الناس بِحَرَكَاتِه، يُقَلِّدُهم، ويجْوي أنفه عنهم، وقالوا: الهُمَزَة هو العَيْب، واللُّمَزَة وسيلَتُهُ، فهذا الذي يعيبُ على الناس حاجاتِهِم، دَخْلَهُم، أشْكالهم، أبسط شيءٍ أنْ يسْخر إنْسانٌ من شَكْلِ إنسان؛ هذا شديد الاسمرار، رأسه كبير، عيونه صغيرة جداً كالنقطة، هو خلق نفسه! هذا خَلْقُ الله عز وجل؛ هذا سوءُ أدَبٍ مع الله. 

(( رُبَّ أشعَثَ أغبَرَ ذي طِمرَينِ لا يُؤبَهُ لهُ لَو أقسَمَ علَى اللَّهِ لأبرَّهُ. )) 

[ الألباني ] 

الأحْنف بن قَيْس كان قصير القامة أسْمر اللَّون، مائل الذَّقن، غائِر العَيْنَين، ناتئ الجَبهتين، ضَيِّق الكَتِف، أحنف الرجل، قالوا: ليس شيءٌ من قُبْح المنظر إلا وهو آخذٌ منه بِنَصيب، وكان مع ذلك سَيِّد قَوْمِه، إذا غَضِب غَضِبَ لِغَضْبَتِهِ مئة ألف سَيْفٍ لا يسْألونه فيما غَضِبَ، الإنسانُ يُقاسُ بِعِلْمِه وعملِهِ وأخْلاقه؛ هذا هو مِقْياسُ الرجل، فهذا العَيّاب يعيبُ على الناس أشْكالهم وألْوانهم وأحْجامهم ودخلهم وبَيْتَهُم وأثاثهم، ﴿وَيۡلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ﴾  هناك سَبَب، ما هو الذي يدْعو هذا المعيب إلى أنْ يعيب الناس؟ يسْتَعْلي عليهم لأنه صاحبُ مالٍ وغَنِى قال تعالى: ﴿الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ﴾ جَمْعُ المال غير كسْبِ الرِّزْق، قد يكسب الإنسانُ رزْقاً وهذا عملٌ طَيِّب وهو أحد أنواع العِبادة، لكنَّ الإنسان أحْياناً يتجاوز الحدَّ المعْقول إلى حب الجمْع للجمْع نفسه، عندئِذٍ يُصْبح البخل؛ ﴿جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ﴾  معنى عدَّدَهُ أيْ أعَدَّهُ لِشَيْخوختِهِ؛ صاحب دار سينما اشْتغل طول حياته في جمْع المال، وجاءَهُ مرضٌ خبيث، صار يبْكي بُكاءً مُرًّا ويقول: أعْدَدْتُ هذا المال لِخريف عُمري، وهأنذا أموت ولم أسْتَفِد من هذا المال؛ طبعاً، لأنك جمعته على أنقاض أخلاق الناس، قال: ﴿الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ﴾  من معاني عَدَّده: أعَدَّهُ لِشَيْخوختِه، من معاني عدّده: أعَدَّهُ لِمَلَذاته، من معاني عَدَّده: افْتَخَر به؛ أنا عندي كذا وكذا، قال تعالى:

﴿  قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ(78)﴾ 

[ سورة القصص ] 

 من معاني عَدَّده: عَدَّهُ كلَّ يوم، غلق الباب وفتح الصندوق وأخرج الذهب، وعدهم، وأخذ يلمعهم، وتأكد من عددهم، وأمعن النظر فيها، ثمَّ أغلق الصندوق؛ هذا شأنُ البخلاء ﴿الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ﴾  إما أنَّهُ أعَدَّهُ لِشَيْخوختِه، وإما أنه افتخر به، وإما أنه أعده لملذاته، وإما أنه حَسَبَهُ كلّ يوم، كي يبْعَثَ في نفْسه الطمأنينة؛ أنا غَنِيّ وأنا عندي مالٌ لا تأكله النيران ﴿الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ﴾  
هذا ﴿يَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥٓ أَخۡلَدَهُۥ﴾ الدراهِم مراهم:

إذا كنت في حاجةٍ مُرْسِلاً    فأرْسِل حريصاً ولا توصِهِ

[ طرفة بن العبد ]

 وهذا الحريص هو الدِّرْهم، يقول لك: الدرهم يَحُلُّ لك كل شيء، عنده مرض عضال يذهب إلى إنكلترة إلى أحسن مستشفى ويزرع كلية، عنده وهم أن المال كلّ شيء، ويحلّ به كل شيء ﴿يَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥٓ أَخۡلَدَهُۥ﴾ من معاني أخْلده أنَّهُ لن يموت ومادام غَنِياً فلن يموت! ﴿يَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥٓ أَخۡلَدَهُۥ﴾ ومن معانيها الأخرى أنَّ المال يُطيلُ العُمر، فلان مرفّه، لا تظهر عليه علائم الشيخوخة؛ أكلٌ وشُرْبٌ وراحة ووسائِل حديثة، وسيارة، وطيارة ﴿يَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥٓ أَخۡلَدَهُۥ﴾ .
المشكلة أن هذا المال لا بد أنْ تتْرُكَهُ ولا بد أن يتْرُكَكَ، أي لابد من أنْ يفْتَرِق عنك، حتى أنَّ بعض علماء اللغة قال: قال سمي المال مالاً لأن فلان ماله؛ أيْ ليس له، ما نافِيَة ما له فهو ليس له، ولأنه ليس لك إلا ما أكَلْتَ، يقول أحد الأعراب -وهي قِصَّة مُتَرْجَمَة- كان يقْطع الصحْراء على ناقَةٍ عليها زاده وطعامه، وبعد مُدَّةٍ نفد طعامه وشرابه، وأيقن بالهلاك فأبصر عن بُعْدٍ شجرةً فأشْرق في نفسه نورٌ من الأمل، وهُرع إلى الشجرة فإذا إلى جانبها بِرْكَة ماء، فَشَرِبَ منها حتى ارْتوى، ثمَّ تولى إلى الظِلّ وحانتْ منه الْتِفافة فإذا بِجانِبِ الماء كيس، فَسُرَّ به سُروراً عظيماً وهو يَحْسَبُ أنَّ فيه خُبْزاً، ولما فتح الكيس صاح: يا لَلْأسف! لم يجد فيه إلا لآلىء؛ كان على وَشَكِ الموت فهو يريد خبزاً لا لآلىء؛ الشيء الثمين هو الطعام والشراب، مادامت الصحة طَيِّبَة وعندك قوتُ يَوْمِك فأنت في أكبر الغِنى، إذا الإنسان معه مئات الملايين وأصيب بهبوط مُفاجِىء في وظائِف الكِلْيَتَين؛ ما العِلاج؟ العلاج غسيل الكِلْيَتَين، كل أسبوع مَرَّتَيْن وإلا يموت، الحل الثاني زرْع كِلْيَة في إنكلترة تحتاج مئات آلاف الليرات! ﴿يَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥٓ أَخۡلَدَهُۥ﴾ ربنا عز وجل يقول: ﴿كَلَّاۖ﴾ أداة ردْعٍ وزجْر؛ إنَّ المال لن يُخْلِدَك في الدنيا، إن المال ظِلٌّ زائِل، إن المال عارِيَةٌ مُسْتَرَدَّة، قال تعالى:

﴿ هَلَكَ عَنِّي سُلۡطَٰنِيَهۡ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ(31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ(32) إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ(34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ(35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ(36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ(37)﴾

[ سورة الحاقة ]

 فلذلك الإنسان إذا ظنَّ أنَّ المال هو كُلُّ شيء فقد وقع في ضلال مُبين، قال تعالى: ﴿يَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥٓ أَخۡلَدَهُۥ*كَلَّاۖ لَيُنۢبَذَنَّ فِي ٱلۡحُطَمَةِ﴾ تأمَّلْ كلمة ﴿لَيُنۢبَذَنَّ﴾ أحياناً الإنسان يرمي علبةً فارغةً أو قشرة برتقالة يرميها باحتقار، بينما لا يرمي خاتم ذهب أو سواراً من الألماس، بل يضعها في علبة، إذا كان في جيبِه شيء ثمين فإنه يخاف عليه، ويتفقده بين الحين والآخر، ويرمي في الطريق الشيء السخيف كقشرة موزة، غلاف علبة سيجارة، ورقة مهترئة، اُنظُرْ إلى النبذ؛ استعلى على الناس واحتقرهم فاحتقره الله عز وجل هذه بتلك؛ همزة لمزة، عيَّاب لمَّاز، مُستعلٍ مُتكبِّرٌ ﴿كَلَّاۖ لَيُنۢبَذَنَّ﴾ كلامٌ بليغٌ ﴿لَيُنۢبَذَنَّ﴾ ، ليتَهُ يُنبَذُ وكفى، ﴿لَيُنۢبَذَنَّ فِي ٱلۡحُطَمَةِ﴾ الحطمة النار تُحطِّمُه تحطيماً؛ تحطِّم كبرياءه، تحطم عنجهيته ﴿وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحُطَمَةُ* نَارُ ٱللَّهِ﴾ أُضيفتْ النار إلى الله، إذا قلتَ نار زيدٍ فهي النار المعروفة حرارتها مئة وخمسون درجة، نار الفُرنِ الحديد ألفٌ وخمسمئة درجة، نار المفاعل النووي يدمر بلداً بكامله، هنا ﴿نَارُ ٱللَّهِ﴾ أضيفت النار إلى الله عز وجل، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام دعا على لهب بن أبي لهب قال:

((  اللهم سلط عليه كلبك فخرج في قافلة يريد الشام، فنزل منزلا، فقال: إني أخاف دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، قالوا له: كلا، فحطوا متاعهم حوله، وقعدوا يحرسونه، فجاء الأسد فانتزعه، فذهب به. ))

[ البيهقي ]

 ما كلاب الله؟ قالوا السَّبُع، لما النبي الكريم نسبَ الكلبَ إلى الله، معناه أن الكلب غيرُ عادي كلبٌ مُخِيف، ﴿نَارُ ٱللَّهِ ٱلۡمُوقَدَةُ*ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلۡأَفۡـِٔدَةِ﴾ تحرق الجِلدَ والعضلات وتحرقُ العظام إلى أن تصل إلى القلب الذي هو مناط التكليف، مناط الخير، مناط الشر، هو الذي ينوي السوء، وهو الذي ينوي الباطل، وهو الذي يُوقِع بين الناس، قلب غير سليم، ﴿نَارُ ٱللَّهِ ٱلۡمُوقَدَةُ*ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلۡأَفۡـِٔدَةِ﴾
 ثمَّ قال تعالى: ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ﴾ في بعض التفاسير مُسَلَّطة، أحياناً هناك نارٌ كثيفة جداً بِشَكْل حُزْمة، فهذه مُخيفة، نار مع قوة اِنْدِفاع. 
ثمَّ قال تعالى: ﴿فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ﴾ أيْ مُرَبَّطون، ومُكَبَّلون، فلا يسْتطيعون أن يُفْلَتوا منها، فمعنى قوله تعالى: ﴿فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ﴾ أيْ أنَّهُم مُحاطون بها، ولن يسْتطيعوا الخُروج منها، قال تعالى: ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ﴾ أيْ مُسَلَّطَة، وهم مُرَبَّطون ومُقَيَّدون: ﴿فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ﴾ .
 ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ والله هذه السُّوَرُ القصيرة ينْخلعُ القلب لها، نحن نقْرؤُها كثيراً، 

(( قُلْتُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم: حَسْبُكَ مِن صفيَّةَ كذا وكذا -قال غيرُ مُسدَّدٍ: تعني قصيرةً– فقال: لقد قُلْتِ كلمةً لو مُزِجَ بها البحرُ لَمزَجَتْه. ))

[ صحيح على شرط مسلم ]

اُنظر إلى كلام الناس الآن، يُفَنِّدون الإنسان بِلَوْنه وطوله وشكله؛ عنده عرجة خفيفة، ماذا تفْعَلُ أنت؟ هل أنت مُراقب للناس؟ عنده حول بسيط، هل لاحظت ذلك؟ لا والله لم ألاحظ! قال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ*الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ﴾ كأنَّ الله سبحانه وتعالى في هذه السورة يتحَدَّثُ عن قيمةٍ كُبْرى من قِيَم الدنيا، وهي المال، فالدراهِم كالمراهم! هكذا يُقال، الإنسان بِأُوروبا قيمتهُ فقط بِقيمَة رصيده في البنك، الناس يقولون: إذا لم يكن معك قِرْش فأنت لا تُساوي قِرْشاً! ليس معك قرش ولكنك عند الله تساوي مليون ليرة ذهبية، قِيَمُ الدنيا هذه يجبُ أنْ تُحَطَّم ! 

(( سلْمانُ مِنَّا أهلَ البيتِ. ))

[ البخاري بسند ضعيف ]

(رُبَّ أشعَثَ أغبَرَ ذي طِمرَينِ لا يُؤبَهُ لهُ لَو أقسَمَ علَى اللَّهِ لأبرَّهُ) ، لا تنْظر إلى دَخْلِك، وأنَّك لا تمْلِكُ بيْتاً، فقد تُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلَّم وهو لا يمْلِكُ إلا سبْعَةَ دراهم، قبل أنْ يأتيهِ النَّزْعُ الأخير قال: 

(( يا عائشةُ، ما فَعَلَتِ الذَّهَبُ؟ فجاءت ما بيْنَ الخَمْسةِ إلى السَّبْعةِ، أو الثَّمانيةِ، أو تِسْعةٍ، فجَعَلَ يُقلِّبُها بيَدِه، ويقولُ: ما ظَنُّ مُحمَّدٍ باللهِ عزَّ وجلَّ لو لَقِيَه، وهذه عندَه؟ أنْفِقيها. ))

[ تخريج المسند لشعيب ]

الآن تجد الواحد فينا يموت ويتْرك مالاً لا يُعَدّ! تركه كله.
فهذه السُّوَر الصغيرة يجب أن نعْقِلَها، أبْعادُها خطيرة، ومراميها بعيدة ودقيقة، قيمة المال، سورة اليوم هي عن قيمة المال، هذا الغني المستعلي.
يقول قائل: اليوم لم نطبخ، يكون قد أكل طبقاً من الحمص، وفلافل، وأكل فاكهة، وأكل معكرونة ثم يقول لم نطبخ، دبرنا أمورنا. 
إذا دخلتَ على الغَنِيّ تجد حالك لا تمْلك شيئاً من الدنيا! فلديك سجادة وكنية لا بأس بها، بينما تجد لديه سجادة يقول لك: هذه ثمنها ثمان وسبعون ألفاً، يقول لك هذه الثُّرَيَّة لا يوجد منها الآن، ثمنها ثلاثة وثلاثون ألف ليرة منذ ثلاثين سنة! أما الآن فلا ثمَنَ لها طبعاً، تدخل على الغني فتحتقر نفسك، وتجد أنك لا تملك شيئاً أمامه، فكل شيء عندك متواضع، لا بد أن تفهموا أيها الإخوة أنَّنا نقصد بالأغنياء غير المؤمنين، أما المؤمن الغنيّ فتشْتهي أن تكون مثله، لذلك قال سيدنا عمر: فليس الفقير الصابر بِأفضل من الغنيِّ الشاكر، الغنى قوة، فَحَبَّذا المال أصون به عِرْضي، وأتَقَرَّبُ به إلى ربِّي، إذا قلت الأغنياء دون أن أصفهم فأنا أقصد الكفار، أهل الدنيا، المعرضون عن الله عز وجل، بينما المؤمن الغنيّ جميل جداً، متواضع، سَموح ويَحُلُّ مشاكل الناس كلها.
 تعليق صغير على هذه السورة، الله تعالى قال: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ فالله سبحانه وتعالى يَتَوَعَّدُ هؤلاء، فَلَو أجْرَيْنا مُوازنة بين أن يتَوَعَّدَ إنسانٌ إنساناً؛ إذا قال لك إنسان سوف ترى ما سَأفْعَلُ بك، وإذا قالها الله عز وجل، إذا قالها الإنسان كان هناك لدينا ثلاث احْتِمالات: 
الاحتمال الأول: هو اِحتِمال أنْ لا يعيش هذا الإنسان، قال لك: بعد سنة سأريك ماذا سأفعل بك، قد لا يسْتطيعُ هذا الذي تَوَعَّدَك أنْ يعيش لهذا الوقت الذي تَوَعَدَّكَ فيه.
 والاحتمال الثاني: قد يعيش لِهذا الوقْت ولا يمْلكُ القوَّة، يفْقِدُها، قد يفقد حياته، أو يفقد قوته.
 والاحتمال الثالث: قد يبْقى حياً قَوِياً ولَكِنَّكَ أقْوى منه، فَيَتَوَقَّف! 
لكن إذا تَوَعَّدَك الله سبحانه وتعالى، فهُوَ حيٌّ قَوِيٌّ قاهِر، حيٌّ على الدوام، وقوِيٌّ على الدوام وقاهِر على الدوام، فوعيدُهُ حقّ ولا محالةَ واقِع، فالإنسان إذا تَلَقّى التَّهْديد من إنسان فإنَّهُ يَزِنُ هذا التهْديد بالإنسان المُهَدِّد، أما الله سبحانه وتعالى خالق الكون.
إذا إنسان قوي قال لك: هذه لا مزاح فيها، فما دام هو قد قال ذلك لا أستطيع أن أتدخل، فالله سبحانه وتعالى قال: ﴿نَارُ ٱللَّهِ ٱلۡمُوقَدَةُ*ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلۡأَفۡـِٔدَةِ*إِنَّهَا عَلَيۡهِم مُّؤۡصَدَةٌ*فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِۭ﴾  أرجو أنْ تكون هذه السورة في قُلوبكم وفي أذْهانِكُم دائِماً، لأنَّ الإنسان إذا خاف اسْتقام، وإذا عَرَفَ الله تعالى اسْتقام، وإذا عرف أبْعاد هذه السُّوَر بالضبط، فهذا كلام الله سبحانه وتعالى.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور