- أحاديث رمضان
- /
- ٠02رمضان 1416 هـ - نظرات في آيات الله
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
قانون العز و الذّل :
أيها الأخوة؛ للنفس البشرية خصائص، من هذه الخصائص أن موضوع عزتها وذلها موضوع مهم جداً في حياتنا، لو أن إنساناً جائعاً جوعاً شديداً ودعاه إنسان إلى طعام وأهانه، هل يأكل؟ لا يأكل، فلعل سلم الأولويات في حياة الإنسان أن يكون كريماً، الإنسان أحياناً لا يملك أجرة سيارة، يذهب إلى بيته ماشياً لكن رأسه مرفوع، أما كلمة واحدة من إنسان ظالم أو قوي فلا ينساها لسنة، يمكن لا يملك مبلغاً بسيطاً يركب في مركبة عامة صعد ماشياً إلى بيته وكرامته محفوظة، قد يأكل أخشن الطعام، قد يلبس أخشن الثياب، قد يتلوى جوعاً، يذوق الأمرين ومع ذلك كرامته موفورة، وقد يتقلب بالنعيم، فإذا أهنته تركت هذه الإهانة رضّاً نفسياً لا ينساه لسنوات طويلة.
نحن عندنا بالقرآن قانون التيسير والتعسير :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
يا ترى في القرآن الكريم قانون العز والذل؟
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ﴾
إن أحسنت لا يستطيع أحد أن يذلك، صدقت، أديت واجبك تماماً، أديت ما عليك من حقوق، كنت أميناً على ما استأمنت عليه، كنت وفياً، أخلصت في عملك، لم تخن أبداً، إحسان مطلق، في حرفتك، في علاقاتك، الزوج مثلاً يدخل إلى البيت ملكاً فإذا اكتشفت زوجته أنه يخونها تسبه وقد تهينه، متى يهان الإنسان؟ متى يذل؟ إذا انحرف، القانون واضح جداً،
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ﴾
في الدنيا،
﴿ وَزِيَادَةٌ ﴾
الحسنى الجنة وزيادة النظر إلى وجه الله الكريم،
﴿ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ* وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ ﴾
غش ثم اكتشف أنه غش، أكل مالاً حراماً احتيالاً ثم فضح، انحرف في سلوكه ثم انكشف، بعض الصحف اليومية تنشر كل أسبوعين قصة عن إنسان زلت قدمه فجر لأسرته الويل والدمار، شخص ذهب مع والدته لبلد غربي لإجراء عملية جراحية، زلت قدمه أعطى أمه دماً وقد أصيب هو بهذا المرض.
الآن الصحف تذكر يومياً أن هذا المرض له ستة أنواع، فلو اختبرنا الدم على نوع قد يكون مصاباً بنوع ثان، وعندنا الآن حقيقة مخيفة جداً هي أن هذا المرض له طور اسمه الصمت المخبري، ستة أشهر لا تظهر أعراضه بالفحص المخبري، وقد يعطيك دماً، تفحص الدم الجواب سلبي، يعطي الدم لغيره فيصاب غيره بهذا المرض، معنى هذا أن هذا الشيء خطير جداً.
﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾
هذا قانون العز والذل، أتحب أن تكون عزيزاً؟ استقم، أخلص، اصدق، كن أميناً، شخص قال لأبي حنيفة: يا أبا حنيفة لو تغشيتنا؟ فقال : ولمَ أتغشاكم وليس عندكم شيء أخافكم عليه؟ وهل يتغشاكم إلا من خافكم على شيء.
الإنسان إذا زهد في الدنيا يتحرك، يصبح عزيز النفس، ازهد بما في أيدي الناس يحبك الناس، وازهد في الدنيا يحبك الله، ارغب بما عند الله يحبك الله، ازهد بما في أيدي الناس يحبك الناس.
أيها الأخوة الكرام؛ شعور الإنسان أنه بريء ونظيف لا يقدر بثمن، أحياناً الإنسان ينحرف فيدفع ثمن انحرافه باهظاً، يلقى شر عمله، المستقيم يدخل على قلبه من السعادة والطمأنينة، يقول لك: الحمد لله لم تزل قدمي، فلذلك قانون التيسير والتعسير، قانون العز والذل.
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
علامات آخر الزمان :
النبي عليه الصلاة والسلام فيما ورد عنه من علامات آخر الزمان، يقول عليه الصلاة والسلام- طبعاً النبي عليه الصلاة والسلام لم يعرف هذا من ذاته، لا يعلم الغيب إلا الله ولكن الله أعلمه-:
((سيجيء في آخر الزمان أقوام تكون وجوههم وجوه الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين، أمثال الذئاب الضواري، ليس في قلوبهم شيء من الرحمة، إن تابعتهم خانوك، وإن غبت عنهم اغتابوك، وإن حدثوك كذبوك، وإن ائتمنتهم خانوك، صبيهم غامر، وشابهم شاطر، شيخهم لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، الاعتزاز بهم ذل، وطلب ما في أيديهم فقر، الحليم فيهم غاوٍ، والآمر فيهم بالمعروف متهم، المؤمن فيهم مستضعف، والفاسق فيهم مشرف، السنة فيهم بدعة، والبدعة فيهم سنة ))
هذه النماذج نجدها في كل مكان، في العصور المتأخرة لا يوجد صدق، لا يوجد أمانة، المال يؤخذ غصباً، يؤخذ بالحرام.
تجد الأشخاص يصلون، لذلك لك أن تقول: حينما هان أمر الله على الناس هانوا على الله، الأمين يخون، والخائن يصدق، يؤمر بالمنكر، ينهى عن المعروف، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال:
((اشتقت لأحبابي، قالوا: لسنا أحبابك؟ قال: لا، أنتم أصحابي، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر، أجرهم كأجر سبعين، قالوا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون))
(( بدأ الدين غريباً وسيعود كما بدأ، فطوبى للغرباء وهم الذين يُصْلحون ما أفسد الناسُ))
طبعاً ذكرت هذا الحديث الإنسان لو كان مكتفياً لا يطمع بما عند الناس، يبتعد عن هؤلاء، هناك أناس منحرفون يكسبون المال الحرام، هؤلاء ابتعد عنهم، وارفع رأسك، ذكرت هذه النماذج حتى لا يسعى الإنسان لينال الدنيا عن طريق أهل الدنيا، دع الدنيا لأهلها والله هو الغني، هو الذي يرزقك، وهو الذي يرحمك.
الابتعاد عن المواقف التي تذلّ النفس :
لذلك ورد في الحديث :
(( لا ينبغي للمؤمن أن يُذِلّ نفسَهُ ))
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( إياك وما يعتذر منه ))
أي موقف يضطرك إلى أن تعتذر، من أجل أن تحقق عزة نفسك، الدعاء في صلاة الفجر: سبحانك إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، هؤلاء الذين عادوا هذا الدين الذين عاصروا النبي عليه الصلاة والسلام أين هم الآن؟ في مزابل التاريخ، الذين نصروه أين هم الآن؟ في أعلى عليين.
إذا الإنسان ألقى بنفسه في التهلكة ليس حكيماً، اندفع اندفاعاً أعمى فتحمل ما لا يطيق، لعله يذل :
(( لا ينبغي للمؤمن أن يُذِلّ نفسَهُ ))
المحسن يرفع نفسه دائماً ولا يستطيع أحد أن يذله :
حديث آخر له علاقة بهذا الموضوع:
(( طُوبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ مِنْ غَيْرِ مَنْقَصَةٍ، وَذَلَّ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مَسْكَنَةٍ- تذلل، العبادة لا تذلل - وَأَنْفَقَ مَالاً جَمَعَهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ - مال حلال جمعه بكد يمينه وعرق جبينه، أنفقه في سبيل الله- وَخَالَطَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ- أصحابه مؤمنون، مجالسه مجالس علم، كل علاقاته مع المؤمنين- وَرَحِمَ أَهْلَ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ، طُوبَى لِمَنْ ذَلَّ فِي نَفْسِهِ، وَطَابَ كَسْبُهُ، وَصَلُحَتْ سَرِيرَتُهُ، وَحَسُنَتْ عَلانِيَتُهُ، وَعَزَلَ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُ، طُوبَى لِمَنْ عَمِلَ بِعِلْمِهِ، وَأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ، وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ قَوْلِه))
كلامه قليل إنفاقه كثير، هناك إنسان كلامه كثير وعمله قليل.
(( طُوبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ مِنْ غَيْرِ مَنْقَصَةٍ، وَذَلَّ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مَسْكَنَةٍ، وَأَنْفَقَ مَالا جَمَعَهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَرَحِمَ أَهْلَ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ، وَخَالَطَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ، طُوبَى لِمَنْ ذَلَّ فِي نَفْسِهِ، وَطَابَ كَسْبُهُ، وَصَلُحَتْ سَرِيرَتُهُ، وَحَسُنَتْ عَلانِيَتُهُ، وَعَزَلَ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُ، طُوبَى لِمَنْ عَمِلَ بِعِلْمِهِ، وَأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ، وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ قَوْلِهِ))
نحن يهمنا أن قانون العز الإحسان، والإحسان كلمة واسعة، إذا إنسان أتقن عمله، طبيب وصف وصفة، سأل المريض عندك حساسية؟ قال له: لا، فأعطاه دواء، لو لم يسأله وعنده حساسية، الدواء يصيبه بصدمة، يقول له طبيب المستشفى: من وصف لك الوصفة؟ فيقول له: فلان، يتكلمون عنه، يواجهونه بخطئه فيتهرب، يخجل، من أين جاء الضعف؟ من خطئه، الخطأ يصغر الإنسان، لذلك قانون العز أن تحسن، والذي يسيء لا بد من أن يحجم، لا بد من أن يوضع في زاوية ضيقة، لا بد من أن يتهم، لا بد من أن يشار إليه بأصبع الاتهام هذا المسيء، المحسن يرفع نفسه دائماً ولا يستطيع أحد أن يذله، خذ مثالاً بالتعليم؛ مدرس مهما كان المدير قاسياً، مهما كان شديداً، مهما كان غير منصف، أنت إذا أتيت في الوقت المناسب، وألقيت الدرس المناسب، وقدمت الأوراق المصححة بالوقت المناسب، لا يستطيع أسوأ مدير أن يقول لك كلمة، مهما كان الإنسان فوقه أشخاص أقوياء إذا استقام على أمر الله، وكان مخلصاً بعمله تجد له مكانة، مكانته من إحسانه، حتى الإنسان الشرس يتأدب معه، المنحرف المجحف لأنه مستقيم يحترمه.
أيها الأخوة الكرام؛ الإنسان إن أساء جلب لدينه سمعة سيئة، وإن أحسن جلب لدينه سمعة طيبة، أنت لأنك مسلم أو لأن لك خلفية إسلامية كما يقولون: لك انتماء إسلامي، معروف أنك صالح، ولك مجلس علم، أنت محاسب حساباً دقيقاً جداً، الأضواء كلها مسلطة عليك، الخطأ الصغير يكبر، فعليك أن تكون دقيقاً جداً حتى ترفع رأسك، ولا تتحمل تهماً أنت بريء منها.