وضع داكن
28-12-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة القيامة - تفسير الآيات 5-13 التكذيب بيوم القيامة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

ثناء الله على النفس اللوّامة:


أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الثاني من سورة القيامة، ومع الآية الخامسة وهي قوله تعالى:

﴿ بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5)﴾

[ سورة القيامة  ]

أي النفس اللوَّامة نفسٌ تلوم ذاتها على كل خطأ وانحراف، وقد أقسم الله بها وأثنى عليها، والله عزَّ وجل يُذَكِّرُنا بيوم القيامة.

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)﴾

[ سورة القيامة  ]

هذه الآيات شُرِحَت في الدرس الماضي.
 

أنواع التكذيب:


﴿بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ معنى يفجر أي يكذِّب، يكذب ما أمامه من يوم القيامة، هذا اليوم يُكذب به تكذيباً قولياً أو تكذيباً عملياً، فالذي يتحرَّك حركةً لا تنبئُ أنه يحسب حساباً لهذا اليوم فهو مكذبٌ بيوم القيامة تكذيباً عملياً، أو الذي ينكر هذا اليوم هذا مكذب تكذيباً قولياً.
 

الاستخفاف بالدين يؤدي إلى الكفر:


كما تعلمون هناك كفرٌ اعتقادي ولو بقي الإنسان ساكتاً، وهناك كفرٌ قولي، وهناك كفرٌ عملي، فقد يكفر وهو ساكت، وقد يكفر وهو يقول، وقد يكفر وهو يتحرَّك، وهذا الذي قال: لو أن محمداً صادقٌ فيما يقول لكنا شراً من الحُمُر، كان محسوباً من أصحاب رسول الله ثمَّ ظهر أنه منافق، وقد قال الله في حَقِّه: 

﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)﴾

[ سورة التوبة ]

فقد يكفر الإنسان إذا اعتقد اعتقاداً يخالف كلام الله أو سنَّة رسول الله الصحيحة، وقد يكفر إذا تكلَّم بكلمةٍ ردَّ بها حُكْماً شرعياً ثابتاً أصلاً، أو ردَّ آيةً أو حديثاً، أو أنكر فرضاً أو واجباً أو حقيقةً جاءت في القرآن الكريم، وقد يكفر إذا فعل شيئاً يعبِّر عن استخفافه بهذا الدين، فلو ألقى المصحف على الأرض ليهينه فقد كفر.
 

إنكار الإنسان ليوم القيامة:


يا أيها الإخوة الكرام؛ هذا الإنسان يُنْكِرُ ما أمامه من يومٍ تشيب لهوله الولدان، ينكر ما أمامه من يومٍ: 

﴿ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)﴾

[ سورة المدثر ]

ينكر ما أمامه من يومٍ ثقيل، حسابٌ دقيق.

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8)﴾

[ سورة الزلزلة  ]

هذا سمَّاه الله القارعة، وسماه الحاقَّة، وسماه الطَّامّة، وسمَّاه يوم القيامة، ويوم الجزاء، كلُّها أسماءٌ لمسمَّىً واحد يوم تسوَّى فيه الحسابات، يوم يحاسب الإنسان عن كل شيءٍ فعله صغيراً كان أو كبيراً.
 

لِيَفْجُر أَمَامَهُ: آية لها عدة معانٍ:

 

1 ـ يفجر بمعنى يكذب:

﴿ بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ(5)﴾

[ سورة القيامة ]

 أي ليُكَذِّب هذا اليوم، أو ليكذب بهذا اليوم الذي فيه تسوَّى الحسابات، والدليل أن يفجر بمعنى يكذِّب:

﴿ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6)﴾

[ سورة القيامة  ]

سؤال استخفاف، سؤال استهزاء، متى؟ 

﴿ بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6)﴾

[ سورة القيامة ]

هذا هو المعنى الأول، يفجر بمعنى يكذِّب، والدليل يستخف بهذا اليوم الذي وعد الله به عباده ليجزي فيه كلَّ نفسٍ بما تسعى. 

2 ـ يعجل بالمعصية ويسوف التوبة:

المعنى الثاني: هذا الذي يُعَجِّل بالمعصية ويسوف التوبة، أي يفعل معصيةً أمامه، ينوي أن يقترف معصيةً، يتحرَّك ليقترف معصيةً في المستقبل، إذاً يفجر في وقتٍ أمامه، طبعاً أمام ظرف مكان ولكنها في هذه الآية جاءت ظرف زمان، ما أمامه من زمن.
﴿بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ أي ليقترف المعاصي والآثام في مستقبله القريب وكأنَّه لا حساب ولا عذاب، فالذي يُعَجِّل المعصية ويسوف التوبة هذا ينطبق عليه قوله تعالى: ﴿لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ أو الذي يقول: سوف أتوب ولا يتوب يفجر أمامه، أو الذي يقول: سأتوب ويكذب، لا ينوي أن يتوب، يفجر أمامه، والذي يقول: سوف أتوب ويأتيه الموت على شر حال، هذا يفجر أمامه، فإما التكذيب القولي أو العملي، والدليل: ﴿يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ﴾ وإما تعجيل المَعْصية وتأخير الطاعة، تعجيل الانحراف وتأخير التوبة، أو يفجر أمامه هذا الأمل الذي يَخْدَعُ الناس.
 

الأمل يخدع الناس:


كل شخص يوجد بذهنه آمال إلى ثلاثين سنة قادمة وقد لا يعلم أن الموت سيفاجئه بعد حين، ما من إنسان وافته المَنِيَّة إلا وفوجئ بها وهو يعتقد أنَّه سيعيش سنواتٍ وسنوات، فقال بعض العلماء: يفجر أمامه أي يلهيه الأمل، والأمل خطير جداً، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( عن أبي هريرة:  أكثِرُوا ذكرَ هادِمِ اللذَّاتِ.  ))

[ سنن الترمذي: خلاصة حكم المحدث : حسن غريب: التخريج : أخرجه الترمذي ]

مفرق الأحباب مشتت الجماعات.

(( عن سهل بن سعد أنه جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مُجزى به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، وأعلم أن شرف المؤمن صلاته بالليل وعزه استغناؤه عن الناس  . ))

[ رواه الطبراني رواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد   ]

شيءٌ آخر؛ هذا الذي يقول: سأعيش، وسأفعل، وسأبني، وسأسافر، وسأنغمس في الملذات، ولا يذكر الموت إطلاقاً هذا مما تنطبق عليه هذه الآية: ﴿بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ يعزم على المعصية لأمدٍ طويل، ممكن لإنسان في السبعين مثلاً يحاول إنشاء ملهى؟!! مُتَأَمِّل أن يعيش ثلاثين عاماً قادمة، ويقطف ثمار هذا الملهى الذي لا يُرضي الله عزَّ وجل، هناك أشخاص هكذا، في نهاية المطاف يؤسسون بيوتاً تُرتكب فيها المعاصي: ﴿بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ﴾ .

 3 ـ الميل عن الحق إلى الباطل:

أيها الإخوة؛ أصل الفجور الميل عن الحق إلى الباطل: ﴿يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ﴾ سؤال استهزاء، سؤال سخرية.
 

جمود بصر الناس من شدة صعقهم بيوم القيامة:


قال: 

﴿ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7)﴾

[ سورة القيامة  ]

الإنسان أحياناً يَشْخَصُ بصره إذا رأى شيئاً مخيفاً يشخص بصره، أي حدقة العين تجمد في مكانها، هذا معنى شَخَص، جمد بصره خوفاً وفزعاً قال: ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ﴾ طبعاً هناك من ينظر، وهناك من يستشْرِف، نظر مع التمطّي، وهناك من يستشف، نظر مع التفحص باليدين، وهناك من يرنو، ينظر مسروراً، وهناك من يُحَدِّج، ينظر مع المَحَبَّة، وفي الحديث:

(( حَدِّث القوم ما أقبلوا عليك بوجوههم. ))

[  حسن عن الحسن البصري  ]

وهناك من يلمح، ينظر ثم يُعرض، وهناك شيء يلوح، يظهر ويختفي، وهناك من ينظر شذراً مع الاحتقار، وهناك أفعالٌ كثيرة للنظر أحدها شَخص، قال تعالى: 

﴿ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)﴾

[ سورة الأنبياء ]

من شدة الخوف، من شدة الدهشة، من شدة الصعْق يجمد بصره.
 

 الشمس و القمر من آيات الله الدالة على عظمته:


﴿ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)﴾

[ سورة القيامة ]

القمر أيها الإخوة من آيات الله الدَّالة على عظمته، وربنا عزَّ وجل جعل القمر والشمس آيتين من آيات الله عزَّ وجل.

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)﴾

[  سورة فصلت ]

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)﴾

[ سورة الروم ]

 هذه الآيات إن لم نُفَكِّر فيها فقد عَطَّلناها، ربنا عزَّ وجل يقول:

﴿ كَلَّا وَالْقَمَرِ (32)﴾

[  سورة المدثر ]

 أي أنه يُقْسِمُ بالقمر: ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ﴾ القمر آية من آيات الله الدالة على عظمته.
 

دوران القمر حول نفسه وحول الأرض:


أيها الإخوة؛ قال بعض العلماء: القمر يدور حول الأرض دورة وحول نفسه دورة، تطابق الدورتان-الدورة حول نفسه والدورة حول الأرض-يجعل أحد وجوهه نحو الأرض دائماً، الأرض هكذا القمر يدور هكذا، يدور دورة حول نفسه ودورة حول الأرض، من تطابق الدورتين يبقى وجه القمر نحونا ثابتاً، هذه حقيقة أولى.
شيء ثانٍ؛ القمر لو أنَّه سار مع الأرض تماماً لكان بدراً دائماً، ولالتغت وظيفته كتقويم جعله الله في السماء.

﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)﴾

[ سورة الإسراء ]

قال: القمر يتأخَّر تسعاً وأربعين دقيقةً كل يوم، لولا هذا التأَخُّر لبدا القمر بدراً طوال الحياة، تسع وأربعون دقيقة يتأخر كل يوم عن اليوم السابق، من هنا يكون هلالاً ثم رُبعاً ثم بدراً ثم عرجوناً، تبدُّل القمر من هلال إلى رُبع إلى بدر إلى عرجون بسبب التأخر تسعاً وأربعين دقيقة كل يوم.
 

استخدام القمر كمنارة وتقويم للإنسان:


أيها الإخوة؛ كتلة القمر تساوي جزءاً من ثمانين جزءاً من كتلة الأرض، أي كتلة القمر تساوي 1/80 من كتلة الأرض، بينما جاذبية القمر تساوي سُدس جاذبية الأرض، فالذي وزنه على الأرض ستون كيلو وزنه في القمر عشرة كيلو، هناك أقمار تدور حول نفسها في بضع سنوات، تبتعد كثيراً وتقترب كثيراً، لكن القمر الذي أكرمنا الله به قمر يدور قريباً من الأرض بحيث يغدو منارةً ويغدو تقويماً لنا: ﴿وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ علماء الفلك يقولون: هذا القمر بُعْدُهُ عن الأرض بحسابٍ دقيقٍ دقيق، قال تعالى: 

﴿ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5)﴾

[ سورة الرحمن  ]

 

ظاهرة المد والجزر:


لو أن هذا القمر ابتعد كثيراً عن الأرض ماذا يحصل؟ تنعدم ظاهرة في الأرض خطيرة جداً اسمها المد والجزر، البحر قد يرتفع عشرين متراً في بعض الخُلْجان والموانئ وينخفض عشرين متراً بفعل جاذبية القمر للماء، لو أن القمر ابتعد كثيراً عن الأرض ما الذي يحصل؟ يُلغى المد والجزر، والمد والجزر له وظيفة كبيرة في حياة البشر، وهناك أخطر من ذلك، لو أن القمر ابتعد عن الأرض لدارت الأرض حول نفسها في أربع ساعات، لصار النهار ساعتين والليل ساعتين، لذلك قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ أما لو اقترب لجذبته الأرض وارتطم بها. 
 

استخدام القمر كمرآة يعكس ضوء الشمس:


شيءٌ آخر يتحدَّث به العلماء عن القمر هو أن تربة القمر عاكسة كالبلور تماماً، الله عزَّ وجل جعله مرآة في السماء يعكس ضوء الشمس، والعلماء قالوا: إن ضوء القمر يساوي واحد على ثمانية عشر جزءاً من أشعة الشمس، في أحد الليالي المُقْمِرة ترى الأشياء بإضاءة تساوي واحد على ثمانية عشر جزءاً من أشعة الشمس، وفضلاً عن ذلك هو تقويم جعله الله في السماء، فقبل أن نخترع الساعات والتقاويم، كل البشر يعرفون واحداً بالشهر، اثنين بالشهر، وإلى الآن هناك أشخاص بالريف يحسبون أمورهم على القمر.
أيها الإخوة؛ القمر آية من آيات الله، بعده عنا ثلاثمئة وستون ألف كيلو متر، يقطعها الضوء في ثانيةٍ واحدة، المسافة الضوئية بين الضوء والقمر ثانية ضوئية واحدة، طبعاً  ذهبت مركبة إلى هناك اسمها أبولو هذه كلَّفت أربعة وعشرين ألف مليون دولار، هذه أول مركبة وطأت بها قدم إنسان على أرض القمر بتأمين جو الأرض في القمر، القمر لا يوجد فيه هواء، القمر فيه الجاذبية أقل، وهناك موضوع دقيق جداً لا يمكن أن يُلقى في هذا الدرس مثلاً. 
 

الكسوف والخسوف:


على كل: ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ﴾ خسف القمر، الخَسْف إذا ذهب كله فهو خسوف، أما إذا ذهب بعضه فهو كسوف، يوجد عندنا كسوف وعندنا خسوف، الخسوف والكسوف، إذا غاب شكل القمر كلياً فهو الخسوف، أما إذا غاب جزئياً فهو الكسوف، وقد يظهر الكسوف من حين إلى آخر، قد تأتي الأرض بين الشمس والقمر فيكون الكسوف، أما الخسوف حينما يغيب القمر كلِّياً أو حينما تغيب الشمس كلياً يكون الخسوف. 
 

انطفاء ضوء الشمس والقمر يوم القيامة:


أيها الإخوة؛

﴿ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)﴾

[ سورة القيامة  ]

العلماء قالوا: ﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ في ذهاب ضوء الشمس والقمر، أي كلا الشمس والقمر يذهب ضوءهما.

﴿ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)﴾

[ سورة القيامة ]

 لبعض العلماء تعليقاتٌ لطيفة حول هذه الآية، جُمِعَ بينهما أي قُرِنَ بينهما في طلوعهما من المغرب أسودين، مكورين، مظلمين، مُقَرَّنَين كأنهما ثوران عقيران يوم القيامة، أي ينطفئ ضوء القمر، وتنطفئ أشعة الشمس.

﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)﴾

[ سورة التكوير  ]

أي هذا النظام إلى حين.
 

نظام الآخرة:


﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)﴾

[ سورة يس  ]

القمر يذهب نوره والشمس تُكَوَّر وينتهي هذا النظام ليدخل البشر في نظامٍ آخر نظام الآخرة، يُجْمَعُ بين الشمس والقمر فلا يكون تعاقب ليلٍ ولا نهار، إذاً يُلغى الضوء وتُلغى الأشعة، ويُلغى تعاقب الليل والنهار، لأن النهار والليل من حركة الأرض حول الشمس، ومن نور الشمس الساطع فلو أطفئت الشمس وخسف القمر أُلغي الليل والنهار. 

استحياء الإنسان من ربه يوم القيامة:


 في هذا اليوم العصيب، في هذه الساعة الحرجة، في هذا اليوم العسير كما قال الله عزَّ وجل:

﴿  يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)﴾

[  سورة القيامة  ]

هذا هو الطريق المسدود، نحن في بحبوحة، نحن أحياء، إذاً في بحبوحة يمكن أن نتوب، يمكن أن نستغفر، يمكن أن نُصلح من أعمالنا، يمكن أن نطلب العلم، أما:

﴿ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ(10)﴾

[ سورة القيامة  ]

أين المهرب؟
 

أَيْنَ الْمَفَرُّ؟ آية لها عدة معان:

 

1 ـ أين المفر من الله استحياء:

قال بعض العلماء: أين المفر من الله استحياءً؟ لو أن أباً له ابن أنت ضربت هذا الابن، وابتززت ماله، وأوجعته، وجرحته، ثمَّ ساقتك الأقدار مثلاً إلى موظفٍ كبير لك عنده حاجةٌ خطيرة فإذا هو والد هذا الطفل الذي آذيته، حينما تعلم أن هذا الإنسان والد الذي آذيته تَذوبُ خجلاً منه، فهذا الذي يأتي إلى الدنيا، ويأكل مال هذا، ويسفك دم هذا، ويشتم هذا، ويبتزُّ مال هذا، ثم يأتي ربَّه يوم القيامة ليرى أنه ربُّ الجميع، وأنه أرحم الراحمين وقد أساء لعباده ما موقفه؟ قال: ﴿يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ﴾ استحياءً من الله عزَّ وجل.
 إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول: يا رب لإرسالك بي إلى النار أيسر عليَّ مما ألقى، وأنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب.

2 ـ أين المفر من جهنم حذراً منها:

وأين المفر بمعنى آخر أين المفر من جهنَّم حذراً منها، أحياناً الإنسان يمشي في طريق يؤدي به إلى الهاوية، أعماله في الدنيا ساقته إلى حتفه، وإلى مصيره المشؤوم، لذلك:

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)﴾

[ سورة آل عمران ]

هذا كلام رَبِّ العالمين، هذا كلام الذي لا ينطق عن الهوى.

﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)﴾

[ سورة النجم ]

هذا وصف النبي ليوم القيامة وصفٌ قطعي الثبوت والدلالة لأن النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى.

3 ـ سؤال المؤمن والكافر عن المفر يوم القيامة:

المعنى الثالث: يقول المؤمن والكافر من شدَّة الهول يوم القيامة: أين المفر؟ طبعاً المؤمن يتمنَّى لو عمل أعمالاً صالحةً أكثر، الكافر في هلاك، المؤمن ينجو ولكن ما من أحدٍ إلا ويندم يوم القيامة، حتى المؤمن يندم على ساعةٍ عاشها في الدنيا لم يذكر الله فيها، أي كيف أفر؟ الكافر مصيره مشؤوم؛ جهنم، المؤمن كيف يتثنَّى له أن يعمل أعمالاً صالحةً أكثر؟ انتهى الأمر:
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام مرَّ مع أصحابه على قبر، فقال:

(( عن أبي هريرة: رَكْعتانِ خَفيفتانِ بِما تَحقِرُونَ وتَنفِلُونَ يَزيدُهما هذا في عملِهِ أحَبُّ إليه من بقيَّةِ دُنياكُمْ. ))

[ صحيح الجامع : خلاصة حكم المحدث : صحيح : ابن المبارك في الزهد ]

الدنيا فيها بيوت، فيها مزارع، فيها أراض غالية جداً، فيها مصانع، فيها معامل، فيها تجارات رابحة، فيها مُتَع رخيصة ومتع ثمينة، قال هذا الميت: إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم أفضل عنده من كل دنياكم، ﴿كَلَّا﴾ ، يأتي الجواب الإلهي: 

﴿ يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11)﴾

[ سورة القيامة  ]

كنت أُعَبِّرُ عن هذا المعنى أن الإنسان ليجهد ألا يصل مع الله إلى طريقٍ مسدود، أي ارتكب معاص وآثام ومات على ما هو عليه من معصيةٍ وإثم. 
 

عدم وجود حصن يحصّنك من عذاب الله يوم القيامة :


﴿كَلَّا لَا وَزَرَ﴾ ، لا مفر.

﴿  إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)﴾

[ سورة القيامة  ]

الوزر الحصن، لا يوجد حصن يُحَصِّنك من عذاب الله، والوزر هو الجبل، ولا يوجد جبل يحميك من سيلٍ عارم، والوزر هو الملجأ، لا يوجد ملجأ يقيك من عذاب الله يوم القيامة، والوزر المحيص، لا محيص ولا ملجأ ولا جبل ولا حصن.
 

العودة إلى الله في الآخرة:


﴿ كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)﴾

[ سورة القيامة ]

لذلك الميت حينما يُشَيَّع ترفرفُ روحه فوق النعش يقول: يا أهلي! يا ولدي! لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حلَّ وحرم فأنفقته في حلِّه وفي غير حلِّه، فالهناء لكم والتبعة علي. 
وقد ورد في الأثر أنه ما من بيتٍ إلا وفيه ملك الموت، إذا رأى أن العبد قد انقضى أجله، وانقطع رزقه، ألقى عليه غَمَّ الموت، فغشيته سكراته، فمن أهل البيت الضاربة وجهها، والممزِّقة ثوبها، والصارخة بويلها، يقول هذا الملك: فيم الفزع؟ ومم الجزع؟ ما أذهبت لواحدٍ منكم رزقاً، ولا قَرَّبْتُ له أجلاً، وإن لي فيكم لعودة ثم لعودة حتى لا أُبقي منكم أحداً، فوالذي نفس محمد بيده لو يرون مكانه ويسمعون كلامه لذهلوا عن ميِّتهم، ولبكوا على أنفسهم.
يوجد رجل مريض على فراش الموت، زاره أحد أقربائه فقال له هذا الزائر لابن المريض: أبوك منته، مات هذا الزائر قبل المريض، في اليوم الثاني مات الزائر.
رجل جالس بين أصدقائه عنده دعابة قال لهم: أنا لن أموت قريباً، أنا سوف أموت بعد وقت طويل، فسئل: لماذا؟ قال له: أنا صحتي جيدة، وزني معتدل، وأمشي، ولا أدخن، ولا أُحمّلها، وأكلي قليل، وأعمل رياضة، تكلَّم هذا يوم السبت، في يوم السبت الثاني كان تحت الأرض، بالضبط، وأنا أعرفه: ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ﴾ ، ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ*﴾ لا يوجد ملجأ، جبل يعصمك، ليس هناك جبل يعصمك، ليس هناك ملجأ تلجأ إليه، ليس هناك حصن تتحصَّن به، ليس هناك محيص، فالإنسان -وهذا كلام رب العالمين-قبل أن يصل مع الله إلى هذا الوضع الصعب ليتب من فوره.

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(53)﴾

[ سورة الزمر ]

 

عدم القنوط من رحمة الله:


إخواننا الكرام؛ لاحظوا أنفسكم لو عندكم رحلة عشرة أيام، أول يوم، ثاني يوم، ثالث يوم، اليوم السابع تفكِّر في العودة، بقطع تذاكر العودة، بجمع الأغراض، بشراء الهدايا مثلاً، من سبعة إلى عشرة هناك سلوك يتناسب مع قرب العودة، قيل: من دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة، الإنسان بأول حياته، بالعشرين، بالخامسة والعشرين، بالثلاثين، بلغ الأربعين، من دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة، فالتفكير المناسب والمنطقي بعد الأربعين، وإن كان الأولى أن تكون مؤمناً في سنّ مبكرة، من لم تكن له نهايةٌ محرقة لم تكن له نهايةٌ مشرقة، أنا لا أغبط إنساناً كشابٍ نشأ في طاعة الله، نشأ في طلب العلم، نشأ على منهج رسول الله، شيء عظيم ولكن إذا الإنسان بلغ الأربعين ورد أنه من بلغ الأربعين ولم يغلب خيره شرَّه فليتجهز إلى النار، من دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة، وقد قال الله عزَّ وجل:

﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)﴾

[ سورة فاطر ]

 

 إنذار الله للإنسان بقرب أجله:


﴿وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ النذير أي الشيب، عبدي كبرت سنك، وانحنى ظهرك، وضعف بصرك، وشاب شعرك فاستحي مني فأنا أستحي منك: ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ﴾.
 

بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ: آية لها عدة معان:

 

1 ـ  بما أسلف الإنسان من عمل سيئ أو صالح:

في هذا اليوم:

﴿ يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)﴾

[ سورة القيامة  ]

﴿بِمَا قَدَّمَ﴾ أي بما أسلف من عملٍ سيئ أو صالح، أو ﴿َأَخَّرَ﴾ ترك من عملٍ سيئٍ أو صالح، العمل السيئ الذي لم يفعله أَخَّر، كل شيء فعله قَدَّم، بما قَدَّم أي بما فعل، وأَخَّر بما لم يفعل، والإنسان أمام شيئين، أمام موقف تفعل أولا تفعل، إنسان طلب منك تعطي أو لا تعطي، أَذَّن المؤذِّن تُصَلِّي أو لا تصلي، شخص استعان بك بشيء تساعده أو لا تساعده، امرأةً بالطريق مَرَّت تنظر أو لا تنظر. 

2 ـ عرض شريط أعمال الإنسان من أوله إلى آخره:

﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ ، ﴿بِمَا قَدَّمَ﴾ يُنَبَّأ بأوَّل عمله، و﴿أَخَّرَ﴾ بآخر عمله، كيف بدأ، وكيف انتهى، أي يعرض عليه شريط أعماله من أوله إلى نهايته دون أن يقتطع منه شيء. 

3 ـ  بما قدّم من أمواله وبما آخّر لورثته:

المعنى الثالث: ﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ﴾ من أمواله في سبيل الله لنفسه، وبما أَخَّر لورثَتِه، قدم شيئاً أمامه، ومن قدم ماله أمامه سَرَّه اللحاق به، ودرهمٌ تنفقه في حياتك خيرٌ من مئة ألف درهمٍ يُنْفَقُ بعد مماتك، بما قَدَّم من مالٍ لآخرته، وبما أخّر من مالٍ لورثته، وأحياناً هؤلاء الورثة لا يحسنون إنفاق المال فينفقونه إسرافاً وتبذيراً، والأب الذي تركه لهم ما ربَّاهم ولا وجههم إلى الله عزَّ وجل، فالهناء لكم والتبعة عليّ.
شخص سأل شاباً بعد وفاة أبيه بأيام: إلى أين أنت ذاهب؟ قال: أنا ذاهبٌ لأشرب الخمر على روح والدي، ﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ بما قدم من مالٍ لآخرته، وبما أخّر، وحينما قلت: درهمٌ تنفقه في حياتك خيرٌ من مئة ألف درهمٍ يُنفق بعد مماتك، لأن مئات الوصايا لا تُنَفَّذ بعد موت الأب، الورثة يتَّخِذون أوهى الأسباب لعدم تنفيذ الوصية.
 

الأعمال الصالحة سبب نجاة الإنسان من النار:


قال بعض العلماء: "يُنَبَّأ الإنسان يومئذٍ بما قدَّم من فرضٍ وما أخّر من فرض" ، أدَّى هذه الصلاة بوقتها أو أخّرها، أدى الزكاة بوقتها أو أخّرها، فعل شيئاً في الوقت المناسب أو أخره، أخّره تهاوناً أو تقصيراً، وقال بعضهم: هذا الإنباء إما عند الموت وإما يوم القيامة، وكلاهما جائز، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: دققوا في هذا الحديث:

(( عن أبي هريرة: إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ. ))

[ صحيح: سنن ابن ماجه ]

 كل هذه الأعمال تلحقه بعد موته.
 

أعظم الأعمال ما يستمر بعد الموت:


لذلك يوجد أعمال تنقطع عند الموت ويوجد أعمال تستمر بعد الموت، أعظم هذه الأعمال ما كان مستمراً بعد الموت. 

(( عن أبي هريرة: إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَه. ))

[  صحيح مسلم ]

(( عن أبي هريرة: إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ. ))

[ صحيح مسلم ]

كل هذه الأعمال تلحقه بعد موته. 
بالمقابل إذا أنشأ ملهى ومات، كل معصيةٍ تكون في هذه المَلْهى إلى أن تنتهي الدنيا في صحيفة الذي أنشأه، في الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام:

(( عن المنذر بن جرير عن أبيه: مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا. ))

[ سنن النسائي ]

أيها الإخوة الكرام؛ ﴿بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ * فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ *يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ .
 وفي الدرس القادم إن شاء الله نبدأ بقوله تعالى: 

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)﴾

[ سورة القيامة  ]


الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور