وضع داكن
19-11-2024
Logo
الدرس - سورة القدر - تفسير الآيات - 1- 5 الانتقال من مرتبة العبّاد إلى مرتبة العلماء.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، وأفضل الصّلاة وأتم التسّليم على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.

الناس رجلان عابد وعالم وشتان بين الرجلين:


أيها الإخوة الكرام، سورة اليوم هي سورة القدر، وقبل أن نبدأ في شرح هذه السورة وبيان معاني كلماتها وحروفها، لا بد من مقدمة لها، الناس رجلان؛ عابد وعالم، وشتان بين الرجلين، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((  وَإِن فَضْلَ العالمِ على العَابِدِ كَفضل القمر ليلة البدرِ على سائرِ الكَوَاكِب.  ))

[ أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء ]

((  فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم  ))

[  أخرجه الترمذي عن أبي أمامة  ]

((  ولفقيه واحدٌ أشد على الشيطان من ألف عابد. ))

[  البيهقي بسند ضعيف ]

﴿ لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٌ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٍ (3)﴾

[ سورة القدر ]

أي ألف شهر عبادةً، صلاةً، عبادةً، صياماً، حجاً، زكاةً، عمرةً، أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، ليلة قدر واحدة خير من ألف شهر، ما كل عالم بعالم، لأضرب على ذلك مثلاً: لو أن إنساناً ركب طائرة مثلاً من طهران إلى بيروت، ومرت الطائرة فوق دمشق، فرأى دمشق، حينما يُسأل: هل تعرف الشام؟ يقول: نعم أعرفها، إنسان آخر طائرته هبطت في مطار دمشق، ومكث في المطار ليلةً في فندق المطار، وسئل: أتعرف الشام؟ يقول: أعرفها، إنسان ثالث ركب سيارة إلى المرجة، ورأى مركز المدينة، ثم سئل: أتعرف الشام؟ يقول: أعرفها، إنسان رابع أضاف إلى المرجة سوق الحميدية فسئل: أتعرف الشام؟ يقول: أعرفها، إنسان خامس أضاف إلى المرجة وسوق الحميدية الجامع الأموي فيسأل: أتعرف الشام؟ يقول: أعرفها، وإنسان سابع أقام فيها أسبوعاً، وإنسان ثامن تجول في أحيائها القديمة، وإنسان تاسع رأى أحياءها الجديدة، وإنسان عاشر أقام فيها عشر سنوات درس فيها، وفي إنسان ولد في الشام وعرف طباع أهلها وعاداتهم وتقاليدهم ومداخلهم ومخارجهم وأنماط معيشتهم ومستوياتهم، فيقال له: أتعرف الشام؟ يقول: أعرفها؛ كل هؤلاء الأشخاص حينما سئلوا: أتعرف الشام؟ قالوا: نعرفها، هل معرفتهم في درجة واحدة؟ الذي طار فوق دمشق قال أعرفها، والذي ولد فيها، وعرف مداخلها ومخارجها، وطباع أهلها وعاداتهم وتقاليدهم قال أعرفها، وشتان بين المعرفتين، قد تقول لإنسان: أتعرف الله؟ يقول لك: أعوذ بالله، الله ربنا خالق كل شيء.

الله سبحانه وتعالى في هذه السورة يريد أن ينقلنا من مرتبة العباد إلى مرتبة العلماء:


كل هذه الأمثلة أردت منها أنه ما كل من قال أعرف الله عرفه، وفرق كبير بين إنسان سمع خطبة تحدث فيها الخطيب عن إله عظيم خالق الأرض والسموات، وعنده جنة ونار، وله أنبياء، وبين إنسان يعرج في مراتب القرب، بين هذا وذاك مسافة كبيرة، هناك إنسان إذا نظر إلى أي شيء في الأرض يرى من خلال الله عز وجل؛ إن شرب كأس ماء، وإن نظر إلى ابنه، إن أمسك تفاحة، إن نظر إلى عصفور، إن نظر إلى سمكة، إن نظر إلى جبل.

وفي كلّ شي له آيةٌ       تدلّ على أنَّه واحدٌ

[ لبيد بن ربيعة العامري ]

فالله سبحانه وتعالى في هذه السورة يريد أن ينقلنا من مرتبة العبّاد إلى مرتبة العلماء، بين العالم والعابد مسافة كبيرة، العابد له درجة لا يتخطاها، لو أنه عبد الله ألف شهر أو ثمانين عاماً هو كما هُو، معرفته هي هِي، مستواه لا يزيد، درجته لا ترقى، مقامه لا يزداد، قربه لا يقل، العابد بذلك تحت خطر أن يقع في معصية؛ لأنه هشّ المقاومة، سريع المأخذ، لكن الذي عرف الله عز وجل عن طريق البحث الفكري، وعن طريق التأمل في آيات الله عز وجل هذا الإنسان لو قطعته إرباً إِرباً يقول لك: أحد أَحد، هذا الإنسان كل يوم يزداد من الله قرباً، يوماه لا يتساويان، إذا تساوى اليومان فهو مغبون لذلك، ولا تظنن أن التدين صوم وصلاة وحج وزكاة وانتهى الأمر، فهذه هي العبادة وإذا كانت العبادة في الماضي يوم كان الناس بخير، يوم كانت الطرقات لا منكر فيها، يوم كان الناس يخشون الله، يومها العبادة ربما كانت تنجي صاحبها، أما اليوم العبادة وحدها لا تنجي صاحبها؛ لأن الفتن على قدمٍ وساق، الفتنة يقظة، والدنيا اليوم خضِرة نضِرة، الدنيا اليوم تغر وتضر وتمر، الدنيا اليوم مغرية لذلك لا تنفع معها العبادة، لا ينفع معها إلا العلم، العلم يقي صاحبه من الفتنة.

مرتبة العالِم :


"العلم خير من المال لأن العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق" ، فلذلك كأن الله سبحانه وتعالى يدعونا في هذه السورة الكريمة إلى أن نترك مرتبة العبادة إلى مرتبة العلم. العبادة طاعة على وتيرة ثابتة، لكن العالم في كل يوم يرقى، كلما قرأ القرآن يرقى، كلما تكلم عن الله يرقى، لأنه عقل عن الله شيئاً ثميناً هذا الشيء يرفعه في مدارج القرب. 
ربنا سبحانه وتعالى يقول:

﴿ إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ (1)﴾

[ سورة القدر ]

﴿إِنَّآ﴾ أساسها (إن) و (نا)، الـ (نا) ضمير جمع، الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّآ﴾ وفي سورة طه يقول:

﴿ إِنَّنِىٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِىٓ(14)﴾

[  سورة طه ]

لماذا يقول الله عز وجل مرة ﴿إِنَّنِىٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠﴾ ومرة يقول ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡر﴾ .

﴿ إِنَّا لَنَحْنُ نُحْىِۦ وَنُمِيتُ وَنَحْنُ ٱلْوَٰرِثُونَ(23)﴾

[ سورة الحجر ]

﴿  إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً(3)﴾

[ سورة الإنسان ]

﴿  إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ(1)﴾

[  سورة الكوثر ]

قال العلماء: حيثما تكلم الله عز وجل عن ذاته ليبرز وحدانيته فيستخدم ضمير المفرد، وإذا تكلم الله سبحانه وتعالى عن أفعاله يستخدم ضمير الجمع لأن أفعاله يدخل فيها كل أسمائه الحسنى، أي فعل من أفعاله فيه رحمة، وفيه قدرة، وفيه لطف، وفيه عدل.

قدسية ليلة القدر لا في الزمن ولكن في المضمون:


أسماء الله الحسنى كلها في أفعاله، لذلك الله عز وجل قال: ﴿إِنَّآ﴾ ﴿أَنزَلۡنَٰهُ﴾ الهاء تعود على كتاب الله؛ لأن الله سبحانه وتعالى يتحدث عنه، فكأنه معروف عند كل قارئ، إنا أنزلنا القرآن، أنزلناه من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا دفعةً واحدة، كان هذا في ليلة القدر، هنا نقطة دقيقة جداً، ليلة القدر في رمضان، ورمضان شهر قمري، والشهر القمري يتداخل مع الشهر الشمسي، فرمضان يأتي في كانون الثاني ويأتي في شباط وفي آذار وفي نيسان وفي أيار وفي حزيران وفي تموز وآب وأيلول وتشرين الأول وتشرين الثاني وكانون، أي شهر رمضان على مدار ست وثلاثين سنة يأتي في كل أشهر السنة، وعلى مدار الزمان كله ليلة القدر تأتي في كل يوم، فلا بد أن تأتي ليلة القدر في كل يوم من أيام العام، فهل القدسية في زمانها أم في مضمونها؟ إذا قلنا في زمانها، ليلة القدر جاءت في كل يوم من أيام العام، فقدسيتها لا في الزمن ولكن في المضمون، ماذا حصل فيها؟ هذا الذي يريده الله سبحانه وتعالى.
السؤال الثاني: لماذا قال الله عز وجل: ﴿لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡر﴾ ، ولم يقل نهار القدر؟ لأن الليل وقت مناسب للصادقين، للمخلصين، للمحبين، للعاشقين، المنافق يصلي في النهار، ولكنه لن يقوم الليل، لا يقوم الليل إلا المحب، إلا مَن أحب الله، إلا من قام ليناجيه، إلا مَن قام ليقف بين يديه، إلا مَن قام ليتذلل على أعتابه، إلا من قام ليمرّغ وجهه في الأرض حباً بالله سبحانه وتعالى، ﴿لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡر﴾ الليل هو الوقت المناسب للطائعين، للمحبين، للعاشقين، في الليل يحدث هذا الاتصال، وفي هذا الاتصال يحدث هذا التقدير، قال تعالى:

﴿ وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِۦ وَٱلْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُۥ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّٰتٌۢ بِيَمِينِهِۦ ۚ سُبْحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ(67)﴾

[  سورة الزمر ]


القدر أن تعرف الله حق المعرفة:


الله عز وجل يمتحن الناس، يفتنهم بمعنى يبتليهم، فهم ينقسمون إلى قسمين: قسم عرف الله، وقسم لا يزال به جاهلاً، بمجرد أن تعصي الله عز وجل فأنت لا تعرفه، بمجرد أن تؤثر مخلوقاً عليه فأنت لا تعرفه، بمجرد أن تؤثر مبلغاً من المال على رضاه فأنت لا تعرفه، بمجرد أن تستهين بأمر من أوامره فأنت لا تعرفه، بمجرد أن تعصيه فأنت لا تعرفه، فالقدر أن تعرفه حق المعرفة، لذلك الله عز وجل قال:

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(102)﴾

[  سورة آل عمران ]

﴿ وَجَٰهِدُواْ فِى ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦ ۚ هُوَ ٱجْتَبَىٰكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍۢ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَٰهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ ۚ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلَىٰكُمْ ۖ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ(78)﴾

[  سورة الحج ]

﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ﴾ ليلة القدر، كلمة (ليل) تعني أن الليل لمن أراد أن يتذكر أو أراد شكوراً، والقدر يعني معرفة الله عز وجل، مثلاً هل عرفت ما عنده إذا أطعته؟ هل عرفت عقابه إذا عصيته؟ إذا الإنسان مشى في الطريق ورأى امرأة سافرة، إذا نظر إليها ماذا تعني هذه النظرة؟ تعني أشياء كثيرة، تعني أنه يستهين بعقاب الله عز وجل، مَن ملأ عينيه من الحرام ملأهما الله من جمر جهنم، فإذا غض عن محارم الله، ماذا يعني هذه الغض؟ يعني أنك تعرف ما أعد الله لك من ثواب ومن سعادة، ومن أجر ومن نعيم مقيم إذا أنت غضضت عن النساء طرفك.

دعوة هذه السورة إلى أن تعرف الله وإلى أن تقدره:


هذا غض البصر فقط، إذا ترفعت عن المال الحرام ماذا يعني ذلك؟ يعني أنك تعرفه، أما إذا أخذت المال ولم تبالِ أكان حلالاً أم حراماً، العبرة أن تأكل المال سواء كان مشروعاً أم غير مشروع، سواء كان يجوز أو لا يجوز، أن تأخذ كسب الآخرين، وأن تضع لهم العراقيل في معاملاتهم، وتخيفهم حتى تبتز أموالهم؛ إن فعلت ذلك فأنت لا تعرف الله عز وجل إطلاقاً.
المشكلة أن الناس يحسبون من صام وصلى كان مؤمناً، مع أن الصوم والصلاة شيء لا يقدم ولا يؤخر ولا قيمة له إذا كان الإنسان عاصياً.
دعوة هذه السورة إلى أن تعرف الله، إلى أن تقدّره، قال: لك يا عبدي إذا عبدتني ثمانين عاماً ولم تعرفني ما أفادتك عبادتي؛ ولا رقت بك، ولا سعدت بها، فإذا عرفتني لليلة واحدة، لساعة واحدة كانت هذه المعرفة خيراً لك من كل العمر الذي أمضيته في هذه العبادة الجوفاء.

﴿ إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ (1) وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ (2)﴾

[ سورة القدر ]

في القرآن الكريم لفظتان ﴿وَمَآ أَدۡرَىٰكَ﴾ ﴿وَمَا يُدْرِيكَ﴾ إن قال الله: ﴿وَمَآ أَدۡرَىٰكَ﴾ أي أن الله سوف يدريك، وإن قال الله: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ﴾ لا أحد يدريك، لأن هذا من علم الله عز وجل، قال الله عز وجل:

﴿ يَسْـَٔلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِ ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ ۚ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63)﴾

[ سورة الأحزاب ]

هذه بعلم الله لا أحد يعرفها ولا الأنبياء، لكن قول الله عز وجل:

﴿  الْحَاقَّةُ(1) مَا الْحَاقَّةُ(2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ(3)﴾

[ سورة الحاقة ]

سوف يدريك الله عز وجل عن الحاقة.

مقاييس الناس مادية :


هنا يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ*وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ﴾ مقاييس الناس مادية، إنسان عنده أرض وفُتِح أمامها شارع وكان قد اشترى المتر بمئة ليرة وصار المتر بمئة ألف، يقولون: (بيته في الجنة، غني وما دري، سعدت ذريته) ، هكذا يقولون، إذا رأى بيتاً من عشرين سنة، واختلف هو وأخوه عليه ولم يبيعوه يقول لك: (غني وما دري) الناس يقدرون الدنيا، يقدرون المال، يقدرون الجاه والمنصب، يقدرون البيت الفخم، والبستان الجميل، والسيارة الفارهة، لكنهم لو عرفوا الله عز وجل لعرفوا أن معرفة الله عز وجل تسعدهم إلى الأبد، وأن الدنيا سوف تنقطع إلى حين.

(( يامحمد عش ماشئت فإنك ميت واعمل ماشئت فإنك مجزى به وأحبب من شئت فإنك مفارقه. ))

[ رواه الطبراني ]

أتمنى على المؤمن أن يشمر ليعرف الله، فإذا شمر إلى معرفة الله كفاه الله أمر دنياه، تأتيه دنياه وهي راغمة، كأن الله عز وجل يقول: يا عبدي دنياك عليّ لا تهتم لها، ما دمت تهتم لتعرفني فدنياك علي، ستأتيك الدنيا وهي راغمة.
كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك، أكن لك كما تريد، إذا سلمتني في ما تريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد.
الله عز وجل يقول: ﴿وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ﴾ أي لا أحد يعرف قيمتها وسوف تعرف قيمتها يا محمد.

إذا عرفت الله تبدأ مكاسبك في أثناء الحياة ولكنها تتصاعد إلى ما بعد الموت وتسعد بها:


قال تعالى: 

﴿ لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٌ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٍ(3)﴾

[ سورة القدر ]

حياة الإنسان حافلة، فتح محلاً تجارياً، كبَّره، غير نوع عمله، جاء ببضاعة حملها وشحنها، اشترى، باع، حاسب الناس، تعب حتى في الآخر اشترى بيتاً صغيراً، بعد أن سكنه بشهر ونصف جاء الأجل، ومن ثم غادر إلى غير رجعة، ماذا استفاد بربكم إذا لم يعرف الإنسان الله عز وجل، قال النبي الكريم:

((  بادِرُوا بالأعمال سبعاً: هل تُنْظَرون إلا فقراً منسياً أو غنىً مطغياً أو مرضاً مفسداً أو هرماً مفنداً أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمر. ))

[  أخرجه الترمذي والنسائي عن أبي هريرة  ]

طبعاً المؤمن ينتظر كل خير، أما النبي الكريم يخاطب أهل الدنيا، الذين أعرضوا عن الله عز وجل، (بادِرُوا بالأعمال سبعاً: هل تُنْظَرون إلا فقراً منسياً أو غنىً مطغياً أو مرضاً مفسداً أو هرماً مفنداً أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمر) لا يوجد شيء في الدنيا، يأتي ملك الموت عندئذ يعض الظالم على يديه، قال الله عز وجل:

﴿ وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍۢ فَجَعَلْنَٰهُ هَبَآءً مَّنثُورًا(23)﴾

[  سورة الفرقان ]

تخيل إنساناً ظل خمس سنوات حتى اشترى أرضاً، وحتى جعلها باسمه استغرق سنتان، وحصل على رخصة بناء في سنتين، وحتى وجد الإسمنت والحديد واتفق مع العمال وعمّر البناء وأنهوا حفر الأساسات في سنة، فارتفع البناء، وعمّر الطابق الأول، وارتفعت الأعمدة، واختار إسمنتاً من نوع خاص للأعمدة، وتم بناء الطوابق العليا واستغرق ذلك سنة، ثم انتقل إلى الكسوة، واتفق مع البنّاء والبلاط والدهان، والطيان، وانتقل للأدوات الصحية والخشب، والأبواب، والكهرباء، بعدما انتهى البناء وصار جاهزاً للسكن جاءت آلة هدمته، ماذا يحدث له؟ يصاب بإحباط منقطع النظير، سبع سنوات حتى رآها قائمة ثم تُهدّم أمام عينيه! قال تعالى: ﴿وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍۢ فَجَعَلْنَٰهُ هَبَآءً مَّنثُورًا﴾ تاجَرَ، أنشأ مزرعة ضخمة، بنى بناء فخماً، أنشأ مصنعاً، اخترع شيئاً لم يسبقه إليه أحد، طوّر بآلة، سجل اختراعاً في الدولة ﴿وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍۢ فَجَعَلْنَٰهُ هَبَآءً مَّنثُورًا﴾ لأن الموت ينهي هذه الحياة، ومكاسب الحياة، لكنك إذا عرفت الله عز وجل تبدأ مكاسبك بعد الموت، تبدأ في أثناء الحياة ولكنها تتصاعد إلى ما بعد الموت، وتسعد بها.

إذا عرفت الله صرت أقوى المخلوقات :


قال تعالى: ﴿وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ* لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٍ﴾ لماذا هي خير؟ لأن الإنسان يسعد بها، ما الذي يشقي الإنسان؟ الخوف، الخوف يشقيه، إذا قال الخائف: حسبنا الله ونعم الوكيل، قال الله عز وجل:

﴿  الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ(174)﴾

[  سورة آل عمران ]

إذا قال الإنسان الذي أصابه غم: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، قال تعالى:

﴿ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87 (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾

[ سورة الأنبياء   ]

إذا قال العبد وقد شعر أن مؤامرة تحاك ضده: وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ، فقال الله عز وجل:

﴿ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَىٰهُ ٱللَّهُ سَيِّـَٔاتِ مَا مَكَرُواْ ۖ وَحَاقَ بِـَٔالِ فِرْعَوْنَ سُوٓءُ ٱلْعَذَابِ(45)﴾

[  سورة غافر ]

إذا الإنسان خاف من المكر وفوض أمره إلى الله عز وجل يقيه الله سيئات الماكرين، وإذا أصابه غم فقال: لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ*فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ وإذا قال الإنسان وقد أصابه خوف: حسبي الله ونعم الوكيل فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ، فإذا عرفت الله تعرف كيف تدعوه، وتعرف كيف تفوض أمرك له، وتعرف كيف تتوكل عليه، وتعرف كيف تستسلم له، وتعرف كيف تطيعه، وتعرف كيف تناجيه، لذلك ﴿لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٌ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٍ﴾

إذا عرفت الله وقدرته حقّ قدره أمدك الله بالملائكة فسددوا طريقك وأسعدوك:


 أنت إذا عرفت الله صرت أقوى مخلوق في الأرض، وإذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، فإذا كان الإنسان مع خالق الكون فأية قوة أخرى تخيفه؟ إذا كان الإنسان مع الإله أي مخلوق قوي يخيفه؟ لا أحد، هذا معنى قوله تعالى: ﴿لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٌ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٍ﴾ يصيبك الخير العميم وتسعد في الدنيا والآخرة، لماذا؟ قال تعالى:

﴿ تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٍ (4)﴾

[ سورة القدر ]

إذا قدرت الله اتصلت به، فإذا اتصلت به جاءتك الملائكة بتجليات الله عز وجل على قلبك، جاءتك الملائكة بتجليات الله فأسعدتك، وجاءتك الملائكة بتوجيهات الله فسددتك، صرت مشدداً راشداً، لا ترتكب خطيئة، لا تتورط، لا تقع في حماقة، لا تقع في غضب مفاجئ، لا تحلف بالطلاق من غير مبرر، لا تركن إلى إنسان غير موثوق فيه، تسدد عملك.
﴿تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٍ﴾ الآن الإنسان بحاجة إلى توجيه فهو مقدم على صفقة، هذه الصفقة غير رابحة يقول لك: تضايقت، ضيقوا علي، مُقدم على شيء فيه خير يقول: انشرح صدري.
﴿تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٍ﴾ إذا عرفت الله وقدرته حق قدره أمدك الله بالملائكة فسددوك وأسعدوك ووجهوك وحذروك وأمروك ونهوك، إذا أحب الله عبداً جعل له واعظاً من قلبه، إذا أحب الله عبداً عاتبه في منامه، إذا أحب الله عبداً عجل له في العقوبة، هذا معنى ﴿تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٍ﴾ إلى أن تصبح حياتك سلاماً في سلام، لا قلق، لا همّ، لا حزن، لا خوف، لا توقع مصيبة، لا مرض، لا يأس، لا قنوط، سلام.

عندما يكفر الإنسان بالله أول عقاب يناله أن الله سبحانه وتعالى يقذف في نفسه الرعب


قال العلماء: إن أشد الأمراض فتكاً في النفس هو الخوف، وعندما الإنسان يكفر بالله عز وجل أول عقاب يناله من الله أن الله سبحانه وتعالى يقذف في قلبه الرعب، خائف من سرطان، مجموعة ذعر، قلق، يأس، قنوط، إذا أصابه الخوف يكاد ينسحق؟ لذلك الله عز وجل قال:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً(19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً(20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً(21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ(22)﴾

[ سورة المعارج ]

اعرفه واتصل به وعندئذ قد تقول: كأنني إنسان آخر غير هؤلاء البشر، إني لا أخاف مما يخافون، ولا أخشى ما يخشون، ولا أقلق لِمَا يقلقون، هكذا ربنا عز وجل قال: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً*إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً*وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً*إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾ .
﴿تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٍ﴾ هذه ﴿مِّن كُلِّ أَمۡرٍ﴾ ، إن كنت تاجراً يوفقك تختار أحسن الصفقات وأربح الصفقات والله عز وجل يصرف عنك الصفقات الخاسرة، وإن كنت مزارعاً الله عز وجل يصرف عنك الصقيع، فصقيع واحد يذهب بالموسم كله، يصرفه عمن يشاء ويصيب به من يشاء، إن كنت موظفاً الله عز وجل يلهمك الرشاد والسداد، تنتزع إعجاب رؤسائك، ولك سمعة طيبة وفي خدمة الناس، ويبارك الله لك في دخلك على قلته.

ما أقبل عبد على الله إلا جعل قلوب المؤمنين تنساق إليه بالمودة والرحمة:


في أي عمل كنت ما دام الله معك لا تخف أحداً.

﴿ سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ (5)﴾

[ سورة القدر ]

حياتك سلام، والسلام اسم من أسماء الله عز وجل، إذا الله عز وجل تجلى عليك باسم السلام يصبح عندك طمأنينة، والله الذي لا إله إلا هو لو وُزعت على ستة آلاف مليون إنسان لاطمأنوا وما خافوا.
كل بلد في هذا العصر، وكل مجتمع فيه أشياء مقلقة له، يقول لك: في بعض البلاد الأجنبية الخوف من مرض جنسي اسمه الهربز أصاب الناس بالذعر، وهم في ذعر مستمر، الخوف من تشمع الكبد، من السرطان، من أمراض القلب جعلهم أشقياء، أما الله عز وجل قال: ﴿سَلَٰمٌ هِيَ﴾ ، حياة هذا الإنسان في سلام، سلام في سلام، ينام مطمئناً، المؤمن لا يحتاج إلى حبوب منومة، أهل الدنيا يأخذون هذه الحبوب بكميات كبيرة، يدمنون عليها لأن القلق يأكل قلوبهم.
﴿سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ﴾ بعضهم قال: حتى نهاية الحياة، كأن يوم القيامة فجر جديد يظهر الحق جلياً واضحاً، فإذا عرفت الله عز وجل وقدّرته حق قدره فأنت في سلام، وفي بحبوحة، وفي يسر، وفي أمن وطمأنينة، الدليل: إذا ذهبت إلى قبر المصطفى عليه الصلاة والسلام لماذا تحس بالسعادة؟ تفسير علمي؛ لأن أسعد نفس على وجه الأرض منذ الأزل حتى قيام الساعة هو سيدنا رسول الله، فإذا اقتربت منه أو ذكرت اسمه أو ناجيته أو خاطبته، أو اقتربت من المدينة المنورة تحس بسرور، هذا نوع من تجلي الله عز وجل، إذا كنت مع الله أسعدك الله، وسعد من كان معك، ومن حادثك، ومن احتك بك، ومن عاملك، ومن سافر معك، ومن جلس معك.
وما أقبل عبد على الله عز وجل إلا جعل قلوب المؤمنين تنساق إليه بالمودة والرحمة، وكان الله له بكل خير أسرع، هذه السور القصيرة شأنها خطير كأن الله سبحانه وتعالى يدعوك إلى أن تكون أسعد أهل زمانك، وأسعد الناس، يجب أن تقول هذه الكلمة التي طالما أقولها: إنني أسعد الناس إلا أن يكون أحد أتقى مني فهو أسعد مني، ويجب أن ترى أهل الدنيا أشقياء، خاسرين، ضائعين، خائبين، شاردين، تائهين؛ ضالين، ويجب أن ترى نفسك مهما تكن من أصحاب الدخل المحدود، من أصحاب الدخل غير المحدود، من الأزواج الناجحين، من الأزواج غير الناجحين، مهما تكن حياتك الدنيا يجب أن تقول: أنا أسعد الناس لأنك عرفت الله عز وجل.
﴿ إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ *وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ* لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٍ *تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٍ﴾ الطبيب إذا كان مع الله عز وجل الله يلهمه التشخيص الصحيح والدواء الصحيح، وكل حرفة من الحِرَف إن كان صاحبها مع الله عز وجل تنزلت الملائكة وألهمته الصواب والرشاد والسداد.
في القرآن آيات لمّا تؤوَّل بعد، فيه قوانين الحياة، فيه مفتاح السعادة، فيه مفتاح الطمأنينة، فيه مفتاح الإقبال على الله عز وجل، فلذلك هذه السورة على صِغرها، وعلى إيجازها، وعلى أنها ثلاثة أسطر لكن يجب أن تعرفها، إذا عرفتها نقلتك من العبادة إلى العلم، إن صرت عالماً عندئذ كما قال الإمام علي كرم الله وجهه: "العلمُ خيرٌ من المال؛ لأنّ العلمَ يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، يا كَميل مات خُزّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة"

العبادة الصحيحة :


أيها الإخوة الأكارم، كما قال عليه الصلاة والسلام مخاطباً بعض صحابته قال: يا ربيعة سلني حاجتك؟ فقال: أمهلني يا رسول الله- سؤال كبير، فرصة ذهبية لا تعوض- أبحث عن شيء ثمين أسألك إياه، بعد يومين قال له: يا ربيعة ماذا حصل معك؟ قال له: يا رسول الله ادعُ الله لي أن أكون رفيقك في الجنة، قال: من علمك هذا؟ قال: والله ما أحد ولكنني نظرت إلى الدنيا فرأيتها فانية وإلى الآخرة فرأيتها باقية، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:

((  أعني على نفسك بكثرة السجود.  ))

[  صحيح مسلم ]

ملك قال: لابنه اطلب وتمنى، فقال: له أريد أن أكون مدير الجامعة، فقال له: هذا طلب ليس في يدي، هذا يحتاج إلى دكتوراه، أعنّي على أن أعطيك هذا المنصب بالدراسة، اطلب من الله أن تكون مع النبي الكريم، الطلب سهل، أيستطيع جندي مجند أن يجلس مع هيئة أركان حرب؟ لو سمحوا له يستحي بنفسه لا يستطيع، هل يتمكن ممرض أن يجلس مع رؤساء أطباء القلب؟ لا يقدر، يخجل بنفسه، هل يستطيع موظف آلة كاتبة أن يجلس مع رئاسة مجلس الوزراء؟ لا يقدر.
الحياة مستويات، وأنت أيها المؤمن لو قلت: يا رب اجعلني رفيق النبي بالجنة، ولم تكن على خطّه، وعلى طريقه فهذا الدعاء لا يقبل، (أعني على نفسك بكثرة السجود) لو أنك ترى ما عند الله من خير وتخشى ما عنده من عقوبات لمَا فرطت بمجلس علم واحد، يقول لك: حضرت مجالس منذ ثلاثين عاماً ولم أتغيب عن واحد، دليل اهتمام وصدق لذلك هذه سورة القدر هذه سورة عظيمة، وأرجو الله أن تكون في قلوبكم لأن فهمها سهل.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور