الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
القارعة بِمَعْناها اللغوي ليستْ مقْصودة في هذه الآية:
أيها الإخوة المؤمنون، سورة اليوم سورة القارعة، الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ ٱلۡقَارِعَةُ (1) مَا ٱلۡقَارِعَةُ (2)وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ (3) يَوۡمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ (4) وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ (5) فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ (8) فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٌ (9)وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا هِيَهۡ (10) نَارٌ حَامِيَةُۢ (11)﴾
القارعة وردتْ ثلاث مرات، في قوله تعالى: ﴿ٱلۡقَارِعَةُ*مَا ٱلۡقَارِعَةُ*وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ﴾ لو فَتَحْنا قواميس اللغة، القارعة: أنْ تقْرَعَ أيْ تضْرب شيئاً صُلْباً بِشَيْءٍ صلب، هذا هو المعنى المُعْجمي واللغوي وهو بالتأكيد أنَّ الله لا يُريده، لو أنَّ الله سبحانه وتعالى يُريدُ المعْنى اللغوي لمَا قال: ﴿ٱلۡقَارِعَةُ*مَا ٱلۡقَارِعَةُ*وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ﴾ .
في هذه الآيات الثلاث الأولى إبْهامٌ وتَهْويلٌ وتعْجيز:
قد أقول لكم الجِدارُ، ما الجدار وما أدراكم ما الجدار، لا يُمْكِن أنْ تعنِيَ هذه العبارة الجِدار، قد أُحَدِّثُكم عن جدار الصوت، وعن طائِرَةٍ أسرع من الصوت، وهذه الطائرة تجْعل أمامها جِداراً ثمَّ تخْتَرِقُهُ فَيَحْدُثُ دَوِيٌّ كبير، فحينما أستخدم هذه العبارة ﴿ٱلۡقَارِعَةُ*مَا ٱلۡقَارِعَةُ*وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ﴾ قال علماءُ التفْسير: في هذه الآيات الثلاث إبْهامٌ وتَهْويلٌ وتعْجيز، فحينما قال الله تعالى: ﴿ٱلۡقَارِعَةُ﴾ القارعة، شيءٌ مُبْهَمٌ، معْنى القارعة اللُّغَوي لا يرْقى لأنْ يكون من كلام الله عز وجل، لا بد أنَّ الله سبحانه وتعالى يريد شيئاً كبيراً جداً، أكبر من أنْ تضرب شيئاً صُلْباً بِشَيْءٍ صُلب؛ ﴿ٱلۡقَارِعَةُ﴾ فَحينما جاءَتْ القارعة مُبْهَمَة كان إبْهامُها باعِثاً لنا لِطَرْحِ السؤال؛ جاء السؤال: ﴿مَا ٱلۡقَارِعَةُ﴾ ؟ تَهْويلٌ ثمَّ جاء التعْجيز، ﴿وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ﴾ أيْ إنَّ أحداً على وَجْهِ الأرض لا يستطيع أنْ يُدْريك ما القارعة، لماذا؟ لأنها من أمور الغيب، الإنسان محْجوب عن الماضي بالزمن، ومحْجوب عن المُسْتقبل بالزمن، فهذا المكان الذي نحن فيه لا ندْري قبل ألف عام من أقام فيه؟ هل كان بُسْتاناً؟ هل كان بيْتاً؟ هل كان طريقاً؟ هل كان ساحَةً؟ هل زُرِع محاصيل أم أشجار مثمرة، أم كان بيوتاً أو سوقاً؟ فَنحن محْجوبون عن الماضي بحاجز الزمن، هل سَيَبْقى مسْجداً يَؤُمُّهُ المُصَلُّون، ماذا يحْصل؟ ونحن محْجوبون عن عالم المُستقبل بِحاجِزِ الزمان، ونحن محْجوبون عن الحاضِر بِحاجِز آخر وهو المكان؟ فالإنسان أمام ثلاثة حواجز، حاجز المكان يحجزه عن الحاضر وحاجز الزمان يحجزه عن الماضي والمستقبل، وما دامت القارعة وهي يوم القيامة من الأمور الغيبية التي لم تحدث بعد فإن أحداً من بني البشر لا يستطيع أن يخبرنا عنها إلاَّ الله سبحانه وتعالى، لأن الله سبحانه وتعالى خالق الزمان والمكان، والزمان والمكان لا يحجبان عن الله شيئاً لأنهما من خلقه، إذاً ﴿ٱلۡقَارِعَةُ﴾ شيء مبهم ﴿مَا ٱلۡقَارِعَةُ﴾ ؟ سؤالٌ مُثير يبعث الاهتمام ﴿وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ﴾ تعجيز، أي إن أحداً من بني البشر لا يستطيع أن يخبرك عنها؛ لأنها من الأمور الغيبية التي لم تحدث بعد، والزمان يحجب بني البشر عن القارعة.
القارعة من أسماء يوم القيامة، الحآقَّة، الطَّآمَّة، الصَّآخَّة، يوم الفصل، النبأ العظيم، هذه كلُّها من أسماء يوم القيامة، والقارعة أحد هذه الأسماء، ولكل شيء من اسمه نصيب.
الحكمة من جعل كلمة (القارعة) كلمة مبهمة:
لِمَ سمَّاها الله القارعة؟ لأنها تقرع الإنسان، قال تعالى:
﴿ قَالُواْ يَٰوَيْلَنَا مَنۢ بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ(52)﴾
تصيبه بالذُّهول، قال تعالى:
﴿ فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِى فِيهِ يُصْعَقُونَ (42)﴾
أي ضربٌ شديد مُفزِع، مُخيف، تُصعَق له النفوس، تَقرع الإنسان فتصيبه بالذُّهول، تقرع السماء فتصيبها بالانفطار والانشقاق، قال تعالى:
﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ(1)﴾
وقال:
﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ(1)﴾
تقرع الجبال فتَنسِفُها نسفاً وتدُكُّها دكًّا، تقرع الشَّمس فتُكَوَّر: ﴿ٱلۡقَارِعَةُ*مَا ٱلۡقَارِعَةُ*وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ﴾ أحد أسماء يوم القيامة، لكنه لشِدَّة الهول ولعِظَم المُصيبة، ولِفَظَاعة الخَطبِ، ولأنها تَدُكُّ كل شيء، وتغير معالم كل شيء، وتُبطل كل القوانين، وتحلُّ كل التماسكات، وتعطِّل كل السنن، وتجعل الشمس تتكَوَّر، والنجـوم تنْكدر، والسماء تنْفطر، والبحار تُفَجَّر، وتجعل الأرض تُشَقَّق وتُدَكّ، والإنسان يُصعَق، ﴿ٱلۡقَارِعَةُ﴾ إبهام ﴿وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ﴾ .
القارعة هنا لها معنى اصْطِلاحي وهو يوم القِيامة تَقْرَعُ كُلّ شيء وتُصيبه بالذهول:
ذكرتُ قبل قليل أنَّ هناك معنىً لُغوياً وهناك معنىً اصْطِلاحِياً، فـ﴿ٱلۡقَارِعَةُ﴾ بِمَعْناها اللغوي ليستْ مقْصودة، مثلاً كلمة "نَحْو" تقول: ذهَبْتُ نحو المدينة، فكلمة "نحو" لها معنى لُغَوي، ولكنَّ علماء اللغة اسْتعملوا هذه الكلمة كَمُصْطَلَح؛ علمُ قواعد الكلام فإذا قلْتُ: تعَلَّمْتُ النحْو هنا تستخدم هذه الكلمة بمعناها الاصْطِلاحي، الحجُّ هو القصْدُ، فإذا قال الله عز وجل:
﴿ فِيهِ ءَايَٰتٌۢ بَيِّنَٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ(97)﴾
فالحجُّ هنا له معنى آخر، وهي العبادة التي تعْني الذهاب إلى البيت الحرام والطواف حَوْلَهُ والسعْي بين الصفا والمروة، والوُقوف بعرفة، وِمِنى ومُزْدَلفة والرجم، فكلمة الحجّ لها معنى لُغَوي، ولها معنى اصْطِلاحي، فَقَرَعَ بِمَعنى ضَرَبَ، العَبْدُ يُقْرَعُ بالعصا والحرُّ تكْفيه الإشارة، لكنَّ ﴿ٱلۡقَارِعَةُ﴾ هنا لها معنى اصْطِلاحي وهو يوم القِيامة تَقْرَعُ كُلّ شيء وتُصيبه بالذهول، وتُبَدِّلُ معالم الكون، تُعَطِّل سننه وعلاقاته، وتُبْطِلُ قوانينه: ﴿ٱلۡقَارِعَةُ*مَا ٱلۡقَارِعَةُ*وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ﴾ .
أضيق دائِرَة هي المُشاهدات ثم المسْموعات ثم الخواطر:
ثمَّ قال تعالى: ﴿يَوۡمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ﴾ قبل أنْ نشْرح هذه الآية نَقِفُ مرَّةً ثانِيَة عند مَدْلولات الألْفاظ، ربنا عز وجل قال:
﴿ مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَآ أَنْهَٰرٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍۢ وَأَنْهَٰرٌ مِّن لَّبَنٍۢ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُۥ وَأَنْهَٰرٌ مِّنْ خَمْرٍۢ لَّذَّةٍۢ لِّلشَّٰرِبِينَ وَأَنْهَٰرٌ مِّنْ عَسَلٍۢ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ كَمَنْ هُوَ خَٰلِدٌ فِى ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ(15)﴾
لماذا قال الله عز وجل ﴿مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ﴾ ؟ لأنَّ الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي قال:
(( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ مِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. ))
[ مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]
وفي الحديث تَرْتيبٌ منطِقي، الإنسان له مُشاهدات محْصورةٌ في دائِرَة، وله مسْموعات وهي أْشياءُ سَمِعَها، لكنَّ دائرة المسْموعات أوْسَعُ بِكَثيرٍ من دائرة المشاهدات، المُشاهدات ما شاهَدْتَهُ أنت، لكنَّ المسْموعات ما شاهَدْتَهُ أنت وما شاهده غيرك فَسَمِعْتَهُ أنت، لكِنَّ دائِرَة ثالثَة هي دائِرَةُ الخواطر وهي واسِعَةٌ جداً؛ قد تُشاهِد إنْساناً يزيد طوله عن المِتْرَين، هذه من مشاهداتك، وقد تسْمعُ أنَّ إنْساناً في القارة الفُلانِيَّة طوله متْران ونِصْف! هذه مسْموعات، وقد يخْطر في بالِكَ إنْسانٌ طولُهُ ثلاثة أمْتار، فكما تُلاحِظون أنَّ أضْيَق دائِرَةٍ هي دائِرَةُ المُشاهدات، والتي بعْدها دائِرَةُ المسْموعات، والتي بعْدها دائِرَةُ الخواطر، لأن الآخرة شيءٌ لم يقع بعْدُ، قال الله سبحانه وتعالى في الحديث القدْسي (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ)
الفواكه التي في الدنيا ليس منها في الجنة إلا الاسم:
ربُّنا عز وجل إذا أراد أنْ يُعَرِّفُنا بالجنَّة، وما فيها من فواكِه فقال:
﴿ فَوَٰكِهُ ۖ وَهُم مُّكْرَمُونَ(42)﴾
ذكر العِنَب والرُّمان، وذكر النخيل والأعْناب والرُمان، فَثَمَّة أسْماء فواكه في الدنيا، هذه الفواكه التي في الدنيا ليس منها في الجنة إلا الاسم، لها طعْمٌ آخر بِحَيْثُ (مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ) من الآيات التي تعْني هذا المعْنى أيضاً قوله تعالى:
﴿ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍۢ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍۢ رِّزْقًا ۙ قَالُواْ هَٰذَا ٱلَّذِى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُواْ بِهِۦ مُتَشَٰبِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ(25)﴾
ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الاسم فقط، قد يكون في الجنة تُفاح ولكن تُفاح الجنَّة له طعْمٌ آخر لم نُشاهِدْهُ، ولم نسْمع به، ولم يخْطر على بالنا، ولم نتذَوَّقْهُ بعْد، ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الاسم فقط (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ) فالله عز وجل يسْتخدِمُ أحياناً كلمات نسْتخدمها في كلامنا ولكنّ المدْلول الإلهي لِهَذه الكلمات ليس المدْلول الذي نفْهَمُهُ نحن، لا بد من فَهْمٍ آخر لِكَلمات الله عز وجل.
قال تعالى: ﴿ٱلۡقَارِعَةُ*مَا ٱلۡقَارِعَةُ*وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ*يَوۡمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ﴾ الحقيقة أنَّ مشاهد يوم القِيامة كثيرة؛ من هذه المشاهد أنَّ الله سبحانه وتعالى خَبيرٌ بِأعْمالنا، من هذه المشاهد أنَّ الله سبحانه وتعالى يُرينا أعْمالنا، من هذه المشاهد يوم القيامة أنَّ الله سبحانه وتعالى يُنْطق أيْدينا وأرْجلنا وجلودنا علينا، بل يُنْطق الأرض كلها بِما فعَلْنا، وهذا مشْهَدٌ من مشاهدِ يوم القِيامة.
هذه السورة اخْتَصَّتْ بِمَشْهَدٍ واحدٍ من مشاهِدِ يوم القِيامة وهو الميزان:
الحِسابُ مشْهد، والجزاءُ مشْهد، والميزانُ مشْهَد، هذه السورة اخْتَصَّتْ بِمَشْهَدٍ واحدٍ من مشاهِدِ يوم القِيامة ألا وهو الميزان، كيف تُوزَنُ أعْمال الخلائق في هذا اليوم العظيم، ﴿يَوۡمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ﴾ هؤلاء البشر الذين هم أكْرم المخْلوقات، هؤلاء البشر الذين كَرَّمَهُم الله عز وجل، هؤلاء البشر الذين سخّر الله لهم ما في السماوات وما في الأرض، وأسْبَغَ عليهم نِعَمَهُ ظاهِرَةً وباطِنَة، هؤلاء البشر الذين قال الله تعالى في حَقِّهِم:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً(72)﴾
هؤلاء البشر الذين سُخِّرَتْ لهم السماوات والأرض يوم القِيامة يكونون ﴿كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ﴾ ، وهي صورة، لماذا شَبَّهَهُمْ الله تعالى بالفراش؟ قالوا: لأنَّ الفراش أضْعَفُ المخْلوقات، وقالوا أيْضاً: لأنَّ الفراش من أغْبى المخْلوقات فَهِيَ تُلْقي بِنَفْسِها في حَتْفِها، في الضوء فَتموت، بيدها تلقي نفسها في هلاكها، فهؤلاء الذين ضَيَّعُوا الأمانة، هؤلاء الذين نَسوا الله في الدنيا، هؤلاء الذين عَصَوْهُ، يوم القيامة يكونون ﴿كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ﴾، ﴿ٱلۡمَبۡثُوثِ﴾ المُنْتَشِر، ﴿ٱلۡمَبۡثُوثِ﴾ المُتَفَرِّق، ﴿ٱلۡمَبۡثُوثِ﴾ الفراش الذي ليس بينه وبين الآخرين علاقة، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍۢ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَآءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَٰٓؤُاْ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ(94)﴾
فالإنسان يوم القيامة ينْسلخ عن كُلِّ علاقاته الدُّنْيَوِيَّة إنْ كانَ مُنْتَمِياً إلى جماعة ينسلخ منها، وإنْ كانَ قَوِياً ينْسلخ من قُوَّته، وإنْ كان ذا شأنٍ ينسلخ من شأنه، وإنْ كان ذا مالٍ ينسلخ من ماله، ﴿يَوۡمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ﴾ فراشٌ مَبْثوثٌ.
الله سبحانه وتعالى يسْحَبُ أمْدادهُ من الجبال التي كانت في الدنيا فَتَغْدو كالعِهْن المنْفوش:
ثم قال تعالى: ﴿وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ﴾ الحقيقة الله عز وجل ضرب لنا مَثَل الأشياء الضخمة الصُّلبة والمُتماسِكَة الشامخة الراسخة في حياتنا، وهي الجبال، الجبال تبعث في النفس الوَقَار، لها سُلوكُها، لها وقَارُها، لها شأنها، والإنسانُ يُعَظِّمُها أحْياناً، هذه الجِبال المُترابطة ذَرَّاتُها في الدنيا، الصُّلْبة، الله سبحانه وتعالى يسْحَبُ إمْدادهُ منها فَتَغْدو ﴿كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ﴾ ، العِهْن: الصوف الملون الذي انْفَصَل عن الغنم، والمنْفوش، قد تجد على ظهْر الغَنَمَة صوفاً مُتَكَتِّلاً يأتي الإنسان فَيُفَرِّقَهُ: ﴿يَوۡمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ*وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ﴾ هذه القارعة قرعت الإنسان فصحا من البرزخ، قال تعالى:
﴿ قَالُواْ يَٰوَيْلَنَا مَنۢ بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ(52)﴾
الفرق بين كلمة (وما أدْراك) وكلمة (وما يُدْريك):
﴿وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ﴾ في قوله تعالى ﴿ٱلۡقَارِعَةُ*مَا ٱلۡقَارِعَةُ*وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ﴾ هناك نقطة فاتتني وهي أن الله سبحانه وتعالى إذا قال: ﴿وَمَآ أَدۡرَىٰكَ﴾ معْنى ذلك أنه سَيُدْريكَ هو! ولا أحَدَ في الأرض مُؤَهَّلٌ أن يُدْريك، لكنّ الله وحْده يُدْريك، أما إذا قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا يُدۡرِيكَ﴾ هذا من شأن الله سبحانه وتعالى، لا أحدَ يدْريك، والله لن يُدْريك، لأن هذا من اختصاصه، مثلاً الله سبحانه وتعالى يقول:
وقال تعالى:
﴿ يَسۡـَٔلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِۚ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63)﴾
﴿ اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ(17)﴾
آية ثانية، وقال:
﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى(3)﴾
هذه ثلاث آيات فقط وردت بالمضارع، معنى ذلك أنَّ هذا من اخْتِصاص الله عز وجل.
(وما أدْراك) تعني أن أيُّ إنْسانٍ لا يسْتطيعُ أنْ يُدْريك ولكنَّ الله يُدْريك:
لكنَّ الله سبخانه وتعالى قال:
﴿ ٱلۡحَاقَّةُ(1) مَا ٱلۡحاقَّةُ(2) وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَاقَّةُ(3)﴾
الله سبحانه وتعالى أدْرانا ما الحاقة، وقال: ﴿ٱلۡقَارِعَةُ*مَا ٱلۡقَارِعَةُ*وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ﴾
وقال:
﴿ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا سَقَرُ(27) لَا تُبْقِى وَلَا تَذَرُ(28)﴾
وقال:
﴿ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ(13)﴾
وقال:
﴿ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا يَومُ الدِّينِ(17)﴾
وقال:
﴿ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا سِجِّينٌ(8)﴾
وقال:
﴿ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا عِلِّيُّونَ(19)﴾
وقال:
﴿ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا الْعَقَبَةُ(12)﴾
وقال:
﴿ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا الطَّارِقُ(19)﴾
وقال:
﴿ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ(2)﴾
وقال:
﴿ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا الْحُطَمَةُ(5)﴾
[ سورة الهمزة ]
وقال:
﴿ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا هِيَهْ(10)﴾
في آخر هذه السورة، فَحَيْثُما وردت كلمة: ﴿وَمَآ أَدۡرَىٰكَ﴾ تعني أن أيُّ إنْسانٍ لا يسْتطيعُ أنْ يُدْريك ولكنَّ الله يُدْريك.
الإنسان ينْبغي أنْ يقول (إنْ شاءَ الله) إذا أراد أنْ يفعل شيئاً في المُسْتَقْبل :
أما إذا قال الله تعالى: ﴿وَمَا يُدْرِيْكَ﴾ كان ذلك معنى آخر، وهو أن الله سبحانه تعالى سوْفَ يُدْرِيك: ﴿ٱلۡقَارِعَةُ*مَا ٱلۡقَارِعَةُ*وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ﴾ جاء توضيح الله سبحانه وتعالى: ﴿يَوۡمَ﴾ وقد عدت إليها لتوضيح العلاقة بين قول الله سبحانه وتعالى ﴿وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ* يَوۡمَ﴾ القارعة تكون ﴿يَوۡمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ*وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ﴾ قال تعالى:
﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ(101)﴾
[ سورة المؤمنون ]
الإنسان أحياناً يعتز بماله، يعتز بأسرته، يعتز بنسبه، يعتز بانتمائه إلى جماعة معينة قوية، يعتز بعمله، يعتز بخبراته، يعتز بشهاداته، كل شيء تعتز به في الدنيا، كل شيء تنتمي إليه يوم القيامة تُسلَخ منه، وتصبح ﴿كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ﴾ والقارعة ليست متعلقة بالإنسان فقط كما قلنا قبل قليل، فهي تقرع الإنسان فتذهله، تقرع الجبال فتدكها، تقرع الشمس فتكورها، تقرع النجوم فتنكدر، تقرع الأرض فتُدَكّ، تقرع البحار فتُفجَّر، لذلك ﴿يَوۡمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ*وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ﴾ وبالنسبة لموضوع أن الإنسان ينْبغي أنْ يقول إذا أراد أنْ يفعل شيئاً في المُسْتَقْبل: إنْ شاءَ الله، وبِناءً على قوله تعالى:
﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً(23) إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا(24)﴾
كُلُّ حَدَثٍ يقعُ في المستقبل لا بد له من خمسة عناصر وهذه العناصر لا يمْلِكُها الإنسان:
بعض العلماء قال: الأحداث لها خَمْسُ مُقَوِّمات: الفاعل والمفْعول والمكان والزمان والسبب والقوَّة، مثلاً إذا قلتَ: إنَّني غداً سأذْهَبُ إلى الطبيب الفُلاني، يجب أنْ تقول: إنْ شاء الله، لماذا؟ لأنَّ بقاءَك إلى اليوم الثاني ليس بيدِكَ، فقد يأتي غداً وأنت تحت التراب، وقد يأتي غدٌ والطبيب تحت التراب، فالفاعل الذي هو أنت لا تمْلِكُ حياتك إلى الغد، والطبيب الذي أنت ذاهِبٌ إليه لا يمْلِكُ حياته إلى الغد، والمكان الذي فيه الطبيب قد يُصيبُهُ زِلْزال فَيَجْعَلُهُ رأْساً على عَقِب، والزمان قد ينْقطِع، وأما السبب فإن أراد الإنسان أنْ يذهَبَ إلى الطبيب لِيُعالِجَ ابنه، فإذا مات ابنه اِنْعَدَمَ السبب، وأما القوَّة فلو أنَّ الله سبحانه وتعالى لا يُمِدُّ الإنسان بالقُوَّة فَكَيْفَ يذْهَبُ إلى الطبيب؟ فَكُلُّ حَدَثٍ يقعُ في المستقبل لا بد له من فاعل ومفْعول ومكان وزمان وسبب وقوَّة، وكلُّ هذه العناصر الخمسة لا يمْلِكُها الإنسان، فإذا قال: سأَفْعَلُ هذا غداً فقد أساء إلى عقيدَتِهِ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( من عَدَّ غداً من أجَلِهِ فقد أساء صُحْبَةَ الموت. ))
[ البيهقي في شعبه بسند ضعيف ]
فإذا قال أحدهم: غداً سأُمْلِئُ عبوة الغاز في الساعة العاشرة صباحاً تكون جاهزة ولم يقل: إن شاء الله فقد أساء صُحْبة الموت (من عَدَّ غداً من أجَلِهِ فقد أساء صُحْبَةَ الموت) هذا الكلام سُقْتُهُ على قول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَوۡمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ*وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ﴾ .
القضاءُ في الدنيا قد يخطئ لذلك لا علاقة له بِقَضاء السماء:
الآن دخلنا في صُلْب السورة، وهو مُتَعَلِّقٌ بالميزان قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ﴾ لما السيِّدة عائِشَة قالت يا رسول الله:
(( فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ : ما يبْكيك؟ قالَت : ذَكرتُ النَّارَ فبَكيتُ، فَهل تذْكرونَ أَهليكم يومَ القيامةِ؟ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ: أمَّا في ثلاثةِ مواطنَ فلا يذْكرُ أحدٌ أحدًا: عندَ الميزانِ حتَّى يعلمَ أيخفُّ ميزانُهُ أو يثقلُ، وعندَ الْكتابِ حينَ يقالُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ حتَّى يعلمَ أينَ يقعُ كتابُهُ أفي يمينِهِ أم في شمالِهِ أم من وراءِ ظَهرِهِ، وعندَ الصِّراطِ إذا وضعَ بينَ ظَهري جَهنَّم. ))
فعند الميزان هول عظيم، جاء الآن وصف هذا الميزان، ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ﴾ لِمَ لمْ يقل الله عز وجل: فأما من ثقُلَ ميزانه؟ لِمَ جاءتْ كلمة موازين بالجمْع ولم تأتِ بالمُفْرد؟ قد تضْطر لِوَزْن الذهب، وهناك ميزانٌ خاصٌ للذهب، إذا كان هناك مِرْوَحة توقِفُها؛ لأنَّ ضغْط الهواء قد يُسَبِّب رُجْحان كَفَّة الذهب، والذَّهب غالٍ وثمين، فللذهب ميزانه، ولكن إذا وَزَنْتَ شيئاً بالكيلوغرامات لا تحْتاج إلى تَوْقيف المِرْوَحَة، ولا إلى ميزان حساس، هناك موازين إنْ وَضَعْتَ فيها ورقَةً وكَتَبْتَ اسمك عليها وزْنُ المِداد (الحبر) يُرَجِّحُ الكَفَّة، هذا ميزانٌ حساسٌ، هناك ميزانٌ أشَدُّ حساسِيّة بِحَيث لو وَضَعْتَ يدك فوق الكَفَّة وَهَبَطْت بها، هذا الهُبوط الخفيف يُسَبِّبُ رجحان الكَفَّة، وهناك ميزانٌ لو وَضَعْتَ عليه مئة كيلوغرام لا يتَحَرَّك، وهو ميزان السيارات الضَّخْمَة، فَرَبُّنا عز وجل قال: ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ﴾ معنى ذلك أنَّ كُلَّ عَمَلٍ له ميزانٌ خاصٌّ به، الصدقة لها ميزان، والزكاة لها ميزان، مُعامَلَتُك لِوالِدَيك لها ميزان خاص، علاقتك بِزَوْجتك لها ميزان وكذا بِأوْلادك، كيف كَسْبت المال؟ له ميزان، كيفَ أنْفَقْتَهُ؟ له ميزان، كيف أمضيت الوقت؟ فالوَقْتُ له ميزان، الوقت يُوزَن بميزان، والذهب بميزان، والورق بميزان، والعمل الصالح بميزان، والصدقة بميزان، وعلاقتك بالجار لها ميزان، وعلاقتك بالزوجة لها ميزان، لذلك ربنا عز وجل قال: ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ﴾، ومعنى ﴿ثَقُلَتۡ﴾ أيْ ليس هناك حاجَةً لِوَزْن الحسنات ثمّ وَزْن السيِّئات! هذه عملية معقدة، بل توضَعُ الحسنات في كَفَّة والسيِّئات في كَفَّة فإذا رَجَحَتْ السيِّئات - لم يقُل الله عز وجل رَجَحَتْ بل خَفَّتْ ومعنى ذلك الأصل الحسنات، والحديث عن الحسنات فقط إما أنَّها راجِحَة وإما أنها خفيفة، أو كأنَّ الحديث أن الحسنات هي كُلُّ شيء، إما أنها كافِيَة لِتَسْعَد بالجنَّة إلى الأبد، وإما أنَّها خفيفة ليستْ كافِيَة، لذلك قال عليه الصلاة والسلام حينما أمر أحد الصحابة رِضْوان الله عليهم أنْ يَدَعَ الجِهاد معه وأنْ يُلازم أمَّهُ وأباه وقال:
(( أتى رجُلٌ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: إنِّي أشْتَهي الجِهادَ ولا أقْدِرُ عليه، قال: هل بَقِيَ مِن والدَيْكَ أحدٌ؟ قال: أُمِّي. قال: فاسأَلِ اللهَ في بِرِّها، فإذا فعَلْتَ فأنت حاجٌّ مُعْتَمِرٌ. ))
أي بِرُّ الوالِدَين عَمَلٌ يرْجحُ في الميزان، عمل ثقيلٌ وله قيمته، هِدايةُ الناس عَمَلٌ ثقيل، ياعلي:
(( فو اللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم. ))
(( لأن يَهْديَ اللَّهُ علَى يدَيكَ رجلًا ، خيرٌ لكَ ممَّا طلَعت علَيهِ الشَّمسُ وغرَبَت. ))
لماذا قال الله تعالى: ميزان، واسْتَخدمها؟ الإنسان أحْياناً قد يُقَيِّمُ شيئاً، سيِّدُنا رسول الله قِمَّةُ البشر، وسيِّدُ ولد آدم ومع ذلك لو جاءَهُ خصْمان وكان أحدهما ألْحن من الآخر فلن ينجو من عذاب الله، هكذا قال عليه الصلاة والسلام:
(( إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَإِنْ قَضَيْتُ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئاً. ))
[ مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ]
هذا القضاءُ لا علاقة له بِقَضاء السما ء.
القاضي بشر ويجْتهدُ أنْ يُصيب لكنَّ ميزان القاضي قد لا يكون كميزان الله عز وجل:
القاضي بشر ويجْتهدُ أنْ يُصيب، لكنَّ ميزان القاضي قد لا يكون كميزان الله عز وجل، يَرْوي التاريخ أنَّ قاضِياً تَوَجَّهَ إلى أحد الخلفاء وقال: يا أمير المؤمنين، أريدُ أنْ تُعْفِيَني من منْصِبِ القضاء! فقال الأمير: ولمَ؟ وليس في الأمةِ من هو أعْدل منك! فقال: والله لقد شاع بين الناس أنَّني أُحِبُّ الرُّطَبَ، وفي أحد الأيام طرق بابي رجلٌ وقدَّمَ لِخادِمي طبقاً من الرُّطَب –رأى خادمه يحمل له طبقاً من الرطب في بواكيره، وهو يحبه حباً جماً- فقال: ممن هذا؟ فقال الخادمُ: رجُلٌ في الباب، فقال: صِفْهُ لي، فلما وصَفَهُ له، عرف أنَّ هذا الرجل له قَضِيَّةٌ عنده فَرَدَّ الطبَقَ، وفي اليوم التالي جاء الرّجُلان إلى مَجْلِسِ القاضي فقال: والله يا أمير المؤمنين ما اسْتَوَيا في نظري -الخصْمان- على الرغْم من أنِّي رَدَدْتُ الطبق، فَكَيْفَ بي إذا أخَذْتُهُ!
فهذا هو الإنسان، مهما كان ميزانه حَسَّاساً قد لا يسْتطيعُ تقْييم الحق مئة بالمئة، ربنا عز وجل قال ميزان؛ لأنه حديد والحديد لا يتأثر بالعواطف، فإذا وضعت شيئاً حجمه كبير، وشيئاً آخر حجمه صغير في كفتي الميزان، قد ترجح كفة الشيء الصغير إن كانت كثافته أقل، فهذا الميزان لا يؤخَذ بالحجم، ولا يتأثر بالعواطف، ولا يتمنى أن تكون هذه القطعة أوزن من هذه، فربنا عز وجل عندما قال: ميزان، فمعنى ذلك أن تقييم الأعمال يوم القيامة من الدقة المتناهية بحيث أنه لا مثيل له في الأرض، كل عمل يُقيَّم بميزان، أعمالك كلها؛ صغيرها وكبيرها، جليلها وحقيرها، خاصّها وعامّها، عملك له ميزان، إن كنت نجاراً ووضعت مسامير بدلاً عن البراغي، هذه لها ميزان خاص، فالبراغي أمكن، لكن المسمار تركيبه أسهل إلا أنه بعد يومين ممكن أن يتحرك من مكانه، وإذا كان في رجل الطاولة قد تنكسر ويكون عليها قطع نفيسة، فالنجار له ميزان، والحداد له ميزان، وصاحب المصلحة له ميزان، والدهّان له ميزان، وكل صاحب صنعة له ميزان يُحاسَب فيه، هذا معنى كلمة ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ﴾ كل إنسان له ميزان، والإنسان الواحد له موازين، حسب مصلحته وصنعته له ميزان، فالطبيب يحاسَب غير حساب المحامي، فالطبيب يحاسب؛ ألم ترَ أن هذا المرض عضال، وأن في البلد مختصاً فيه، لمَ لمْ ترسل المريض إلى هذا المختص؟ علمك في هذا المرض محدود، لمَ ابتززت ماله؟ لماذا؟
الحياةُ الدنيا إنما جِئنا إليها من أجل العمل الصالح:
﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ﴾ لم يقُل الله عز وجل: فأما من ثقلت سيِّئاته! السيِّئات ليستْ داخِلَة في الحِساب إطْلاقاً، الشيءُ الداخل في الحِساب هو الحَسنات، لذلك قال تعالى:
﴿ وَالعَصْرِ(1) إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَواْ بِالْحَقِّ وَتَوَاصَواْ بِالصَّبْرِ(3)﴾
[ سورة العصر ]
من هذه الآية يتَّضِحُ أنَّ هذه الحياةُ الدنيا إنما جِئنا إليها من أجل العمل الصالح، وهذا العمل سوف يُقَيَّم تقْييماً مُتناهِياً في الدِّقَة، العمل يُقَيَّمُ بِنِيَّةِ صاحِبِه، ماذا ينوي به؟ وبهَدَفِه، بِمِقْدار التضحية، بمقدار ما أزاح من وقْتِ ثمين، بمقدار ما أزاح من جُهْدٍ ومن خِبْرة.
إذا عَبَّر الله عز وجل عن اسم الفاعل باسم المفْعول فَهُناك عِلَّةٌ كبيرة:
﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ *فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾ الشيءُ الغريب أنَّ الله سبحانه وتعالى قال: العيشَة راضِيَة، ولم يقُل مَرْضِيَّة! لماذا؟ راضِيَة اسمُ فاعِل، فأنا أنا أقول: هذا البيت راضٍ عني أم أنا راضٍ عن البيت؟ الأصْلُ أنْ أقول: إنني راضٍ عن هذا البيت، أما أنْ أقول هو راضٍ عنِّي، فهذه ليس لها معْنى، فَلِماذا لم يقُل الله عز وجل: فَهُوَ في عِيشَةٍ مَرْضِيٌّ عنها؟ قال ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾ هذا الموضوعُ مُعَقَّد، فقد قال بعضُهم: قد يُسْتَخْدَمُ اسم المفْعول مكان اسم الفاعل، تقول "جريح" بمعنى اسم فاعل بِمَعنى مَجْروح، وكذا قتيل على وزن فعيل بمعنى فاعل بمعنى مقتول، وطريح الفراش أي مطروح في الفراش، ففي اللغة وارِدٌ أنْ نسْتخدم اسم المفعول مكان اسم الفاعل، قال تعالى:
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ(4)﴾
كما ورد استخدام اسم الفاعل مكان اسم المفْعول، فَهؤلاء البشر الذين يتجلى الله عليهم بِإمْدادِه كيفَ هم غافِلون عن هذه الصلاة؟
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ(4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ(5)﴾
من معاني هذه الآية أنَّ هؤلاء البشر جميعاً الله سبحانه وتعالى يُمِدُّهُم بإمْدادِه وتَجَلِّياته وروحه وهم عن هذه الصِّلَة غافلون.
يوم القِيامة كل المخْلوقات التي خلقها الله تعالى تُسْهِمُ في إمْتاع المؤمنين:
هذا تَوْجيهٌ، بعْضُهم قال: لا، العيشةُ نفسُها راضِيَة، لماذا عيشَةٌ راضِيَة؟ قال: الإنسانُ في الدنيا قد يأكل اللُّقْمَةَ وهي تلْعَنُهُ لأنَّهُ ليس أهْلاً لها، وقد يسكن بيْتاً وهو يلْعَنُهُ لأنَّهُ كافِرٌ وجاحِدٌ بِنِعَم الله عز وجل، لكنَّ الله سبحانه وتعالى سَخَّر له هذا البيت وهذا الطعام، وسَخَّر له هذه الدابَّة، وهذه الكأس من الماء، لكن يوم القِيامة هذه المخْلوقات التي تُسْهِمُ في إمْتاع المؤمنين تعلم أنّ هذا المؤمن له حياة في الدنيا مفعمة بالطاعات، وأنَّهُ يسْتحِقُّ هذا النعيم.
المؤمن يوم القِيامة يأكل اللُّقْمة وهي راضِيَةٌ عنه لأنَّها تعْلمُ أنَّهُ يسْتحقها:
رسول الله صلى الله عليه وسلَّم كان يعْرف حجراً بِمَكَّة يُسَلِّمُ عليه، ودخل إلى بُسْتانٍ فرأى جَمَلاً :
(( أَردَفَني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ يومٍ خَلفَه، فأَسَرَّ إليَّ حَديثًا لا أُحدِّثُ به أَحدًا مِنَ النَّاسِ، قالَ: وكان أَحبَّ ما استَتَرَ به رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لحاجَتِه هدفًا أوْ حايِشَ نَخلٍ، فدَخَلَ حائطًا لرَجلٍ مِنَ الأنصارِ، فإذا جَمَلٌ، فلمَّا رَأى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَنَّ إليه، وذَرَفَتْ عيناهُ، فأَتاهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فمَسَحَ ذِفْرَيهِ؛ فسَكَنَ، فقالَ: مَنْ رَبُّ هذا الجملِ؟ لمَنْ هذا الجملُ؟ قالَ: فجاءَ فتًى مِنَ الأنصارِ، فقالَ: هو لي يا رسولَ اللهِ، فقالَ: ألا تتَّقي اللهَ في هذه البهيمةِ الَّتي ملَّكَكَ اللهُ إيَّاها؛ فإنَّه شَكا إليَّ أنَّكَ تُجيعُه وتُدئِبُه. ))
[ المستدرك على الصحيحين ]
نفس، الحجر نفس فحينما انْتَقَل عليه الصلاة والسلام إلى المِنْبر حَنَّتْ إليه النخلة، حتى أنَّها سُمِّيَتْ الحنانة، وإلى الآن في المقام النبوي الشريف مِنْبرهُ صلى الله عليه وسلَّم ورَمْزٌ لِهَذه النخلة التي قُطِعَت، وكانت تَحِنُّ إليه، كان عليه الصلاة والسلام حينما يصعد المنبر يضعُ يده على النخْلة، جبراً لها، تركها ولم ينسها من يده، فالمعنى الأول أن كُل شيءٍ تسْتَهْلِكُهُ يُسبِّحُ بِحَمْدِه، نفوس، أحياناً الإنسان قد يقطعُ زَهْرَةً، يجد شيئاً فيدهسه، لو بلغَتْ حساسِيَّتُك هذا المُستوى لَخَشيتَ أنْ تدوس على زَهْرة لأنَّها نفْسٌ تُحاسِبُك، لو تركْتَ في صحْنك حَبَّة رزٍّ واحدة لعاتَبَتْكَ لأنها نفْسٌ، تقول: لماذا لم تأكلني؟ أنا خُلقت من أجلك.
معنيان لقوْل الله تعالى (فهُو في عيشةٍ راضِيَة):
فَقوله تعالى: ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾ هذا الشيءُ الذي يتنعَّمُ به يوم القيامة نُفوسٌ راضِيَةٌ عن المؤمن، والمعْنى الآخر أنَّ الإنسان في الدنيا قد يكون في نعيمٍ مُقيم لكن يُداخِلُهُ قلقٌ عميق، يخشى أن يزول عنه هذا النعيم؛ أن يُفارق هذا البيت، أن يُفارق هذه الزوْجة، أن يُضطَّر لبيْع هذه السيارة، أن يفارق الصحة، هذا القلق يُدَمِّرُ سعادته، أما ربنا عز وجل لما قال: ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾ أيْ هذا الشيء الذي معه في الجنَّة راضٍ عنه، ومعنى راضٍ عنه أنَّهُ ملازِمٌ له، ولا ينْفكُّ عنه، ليس مُسَخَّراً بل هو طوعاً ملازم لهذا الإنسان، وهذا هو معنى قوْله تعالى: ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾ ﴿فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ*فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾ .
بركات الجنَّة وبركات النار:
﴿وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ﴾ مثلاً - ولو أنَّ الإيداع بالمَصْرف غير وارد - إذا إنسان أوْدَعَ لَيْرَتَين، ثماني ليرات، عشر ليرات، في مصرف ثم غاب سَنَتَيْن ثمَّ رجع فأراد كشْفَ حِسابه فإذا بِه يجد أن حِسابه اثْنتا عشرة لَيْرة، هذا حساب طفيف، أما لو أوْدَعَ الإنسان مئتي ألف كلّ يوم، ثمَّ غاب عشر سنوات فإذا أراد كشْفَ حِسابه بعد العَوْدة، أَعْطَوا له دَفْتر كشْف حساب لأنَّه لا تكْفي ورقة واحدة! فعندما يكون للإنسان عملٌ كبير بالدنيا؛ له دعوة إلى الله، يعين الفقراء، له صدقات، زكاة، هدى ضالاً، أعان مريضاً، ساهم في خِدْمة إنْسان، أحْسَنَ لِزَوْجَتِهِ وأوْلاده وجيرانه، هذه أعْمال ضَخْمة وثقيلة يوم القِيامة، قال تعالى:﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ *فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ*وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ *فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٌ﴾ كلمة أُمّ مَبْعَثُ الحنان، مَلْجأ وملاذ وهذه من بلاغة القرآن الكريم، قال تعالى:
﴿ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً(29)﴾
يريد أن يشرب، الماء تغلي ولا يوجد غيرها للشرب.
﴿ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(24)﴾
﴿فَأُمُّه﴾ التي يأوي إليها، ويَطمئن في كَنَفِها، ويرْتاحُ في حِجْرِها هي النار، ﴿فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٌ﴾ معنى هاوية: يَهْوي بها، لذلك قالوا: درجات الجنَّة ودركات النار، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً(145)﴾
﴿فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٌ﴾ أي يؤمّ إلى النار، أحياناً تقول: لقد افْتَرَشَ الأرض والْتَحَف بالسماء، أي ليس لديه شيء.
﴿وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ *فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٌ*وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا هِيَهۡ﴾ هذه الأُمّ التي يؤم إليها هي ﴿نَارٌ حَامِيَةٌ ﴾.
النص مدقق