الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه، وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الأكارم، سورة اليوم هي سورة العصر؛ سورة قصيرة، يقول الله سبحانه وتعالى:
﴿ وَٱلۡعَصۡرِ (1)إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ (2) إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ (3)﴾
المعنى الأول: عصر النبي بمعنى عمره:
يقسم بالعصر؛ وما العصرُ؟ قال بعض العلماء: هو عصر النبي عليه الصلاة والسلام؛ بل قال بعضهم: إنه عصر النبي بمعنى عُمره، هذا العمر الثمين؛ كان من نتائجها أنها قلبت وجه البشرية؛ نقلت البشرية من الشَّقاء إلى السعادة، ومن الضَّياع إلى الهدى، ومن الرذائل إلى الفضائل، من الظُّلمات إلى النور، من الوحول إلى الدرجات العُلى، عمُرٌ ثمين، ماذا فعل؟ اشترى بيتًا، شيء جميل! ماذا فعل؟ استلم محلاًّ تجاريًّا، توظّف، فالبشرية جمعاء هدايتها في صحيفة النبي عليه الصلاة والسلام، أرسله للناس كافَّة، لا يكُنْ الإنسان خمولاً بل يجب أن يكون طموحاً، لا يكن قنوعًا في الدنيا بدخلٍ يسير، وببيت واسع وبزوجة تَرُوقُ له، ويقعد، سيدنا عمر رضي الله عنه أدخل شاعراً السجنَ لأنه هجا رجلاً وقال له:
دع المكارمَ لا ترحل لبُغيَتها واقعُدْ فإنك أنت الطعم الكاسي
دخل صاحب هذا البيت السجنَ؛ لأن هذا البيت عدته العرب أهجى بيتٍ قالتهُ العربُ فأما الآن فيُعَدُّ شعار كلِّ إنسان، إذا حقَّق الإنسان دخلاً يسيراً، وبيتاً مُريحاً، ومركباً وطيئاً، ومحلًّا تجاريًّا رائجاً فعلى الدنيا السَّلام، فإذا جاء ملَكُ الموت يُقال له: ماذا فعلتَ في الدنيا؟ ماذا فعلتَ من أجلي؟ هل واليتَ فيَّ وليًّا؟ وهل عاديتَ فيَّ عدوًّا؟ لذلك النبي عليه الصلاة والسلام عرف كيف يستغلُّ العصر، عرف كيف يستغلُّ حياته، عرف كيف يستغلّ كل وقت من أوقاته، وكل ساعة من ساعاته، كل دقيقة من دقائقه، لذلك هذا العمر الثمين أثمرَ هدًى وصلاحًا للبشرية جمعاء ﴿وَٱلۡعَصۡرِ﴾ .
المعنى الثاني: مطلق الزمن:
المعنى الآخر من معاني العصر، مطلق الزمن، يعني لو دقَّقتَ في هذه الحياة لوجدتَ أن أثمن شيء هو الزمن، لو قلنا إن إنساناً ما، أو زيدًا من الناس سيعيش أربعاً وسبعين عاماً، اضرِبْ هذه الأعوام في الأيام واضربها بالساعات واضربها بالدقائق يصبح معك رقمٌ كبير، هذا هو عمر الإنسان؛ لو يعلم الإنسانُ أنَّ كل دقيقة من حياته إذا ذكر الله فيها ارتقى عند الله في جنة عرضها السموات والأرض وإلى أبد الآبدين، لذلك فإن أشدَّ أنواع الحسرات يوم القيامة على ساعة مضت هدرًا لا جدوى منها، فانظر إلى حياتنا كيف نقضيها؟ سهرةٌ إلى الساعة الواحدة في كلام فارغ، لا أمرٌ بالمعروف ولا نهيٌ عن المنكر ولا تذكير بالله ولا فهم لكتاب الله، ولا فهم لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن حديث فارغ لا طعم له ولا جدوى منه، ولا فائدة منه، هذه الساعات الخمس كيف أمْضَيْتها؟ وهذا الشهر كيف أمْضَيْتَهُ؟ هذا اليوم كيف أمْضَيْتَهُ؟ وهذا العمر كيف أمْضَيْتَهُ؟ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاهُ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا وَضَعَهُ وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ. ))
[ سنن الدارمي عن معاذ بن جبل ]
بعضهم قال: "ما مضى فات، والمُؤَمَّل غيبٌ، ولك الساعة التي أنت فيها" ماذا تَمْلِكُ أنت؟ لا تمْلِكُ إلا شيئاً واحِداً، هذه الساعة التي أنت فيها، الذي مضى مضى؛ إنْ خيراً فَخَيْر، وإنْ شرًّا فَشَر، إن ضَيَّعْتَ الوقت أمْ لم تُضَيِّعْهُ مضى، الحديث عن الماضي تضْييعٌ للوَقْت ولا جَدْوى منه؛ يا لَيْتني كنت مؤمناً! مضى، ويا لَيْتني قَدَّمْتُ لِحياتي! مضى، يا لَيْتَني عَرَفْتُ الله باكِراً! مضى، يا لَيْتَني أنْفَقْتُ من مالي! مضى، ما مضى فات، والمُؤَمَّلُ غيب؛ سأفْعَلُ كذا، من يدْري أَتَصِلُ لِهذا اليوم أو لا تصِل؟ في أوَّل الصَّيْف سأَقْرأُ القرآن، حينما أنْتَهي من الفَحْص سأَحْضُرُ مجالِسَ العِلْم، هذا كلامٌ فارغ، والمؤمل غيب، لا تملك الغيب، لا تمْلكُ أنْ تصل لِهذا اليوم، ولا يمْلِكُ هذا اليوم أن يصِلَ إليك، لا تدري ماذا يُفْعَلُ بك ولا بي، ولك الساعة التي أنت فيها؛ لا تمْلِكُ إلا هذه الساعة، فإذا قُلْتُ لكم إنَّ أثمَنَ ما في الحياة الوقْتُ! لا أُبالِغ، الإنسانُ بِضْعَةُ أيامٍ كلما انْقضى يومٌ انْقَضى بضعٌ منه، جَلَسْتَ لِتَقْرَأ قِصَّة ما جدواها؟ القِصَصُ كلها موْضوعٌ واحد؛ وصْفٌ للعلاقات البشَرِيَّة، قد يكون هذا الوصْفُ مُبْتَذَلاً فَهِيَ القِصَصُ الرخيصة، وقد يكون أدَبِيًّا ولكنَّ الفِكْرة لا تزيدُ عن علاقَةٍ تَمَّتْ بين شَخْصَيْن وانْتَهَتْ بِالوِفاق أو الفِراق، ولكن لو قرأتَ آيَةً قُرْآنِيَّة ورأيْتَ ما فيها من سعادَةٍ وصِحَّة لِمَن طَبَّقَها، ثمَّ طبَّقْتها سَعِدْتَ بها، لو وَعَظْتَ إنْساناً بآيَةٍ فأَخَذَتْ منه مَأخَذاً بليغاً وانْطَلَقَ في تطْبيقِها لَسَعِدْتَ وأسْعَدْتَ، لذلك ربنا عز وجل أقْسَمَ بالزَّمَن، لأنَّ أخطر شيءٍ في حياتك هو الزمن، فالله عز وجل خلقنا لِسَعادَةٍ أَبَدِيَّة، هذه السعادة التي تبْدأ بيوم القِيامة وليس لها نِهاية فيها فُرْصَة أُعْطيتَها في الدنيا، مجْموعة سنوات، مجموعة أشهر، مجموعة أيامٍ، مجموعة ساعات، مجموعة دقائِق، إذا عَرَفْتَ كيف تعرف الله فيها وكيف تسْتَقيمُ على أمْرِهِ، وكيف تتقَرَّبُ منه كانت هذه الأيام وتلك الساعات والشهور زاداً لك إلى الأبد، لذلك ﴿وَٱلۡعَصۡرِ﴾ قبل أنْ تسْتَهْلِك الوقت اسْتِهْلاكاً رخيصاً، قبل أنْ تسْتَهْلِكَ الساعات، وقبل أنْ تقول سأَذْهَبُ معكم إلى هذه النُّزْهة، هؤلاء من؟ هل يُرْضيهِم الحديث عن الله عز وجل؟ اِذْهَبْ معهم إذاً، لا يُرْضيهم ذلك دَعْهُمْ ولا شأنَ لك بهم، قبل أنْ تقول سآتي لأسْهر معكم، من هؤلاء؟ هل هم من الذين يُحِبُّون الله ورسوله، وهل يُرْضيهِم الحديث عن الله؟ لا، إذاً لا شأنَ لك بِهِم، هذه الساعة ثمينة تَعَلَّم فيها آية، تعلم حديثاً، اُدْعُ إلى الله، كُنْ آمِراً بالمعْروف ناهِياً عن المنْكر، قال تعالى:
﴿وَٱلۡعَصۡرِ﴾ يُقْسِمُ الله تعالى بِمُطْلق الزمن، لأنَّه أثْمَنُ ما تمْلِكُه، ما مضى فات والمُؤَمَّل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها، أو يُقْسِمُ الله سبحانه وتعالى بِعُمُر النبي الثمين الذي ما ضَيَّعَ منه ثانِيَة، في بعض الإحْصاءات أنَّ كُتُبَ الحديث تَضُمُّ ما يزيد على مئة ألف حديث، ما نطقَ كلِمَةً إلا حقًّا، ما من إشارة ولا عبارة، ولا إقْرار، ولا مُلاحظة حتى مُزاحهُ صلى الله عليه وسلَّم كان لا يمْزَحُ إلا حقّاً، كانَ يُوَجِّه، ولم يسكت عن باطل، ولم يدَع فُرْصَةً إلا أمر بالمعْروف ونهى عن المنكر، فكلامه ثمين، بينما نحن كلامنا، كم من هذا الكلام يصح أن يُكتَب؟ أو أنْ يُذاع بين الناس؟ كُلُّهُ كلامٌ فارغ، النبي صلى الله عليه وسلَّم كُلُّ كَلِمَةٍ قالها في حياته الخاصَّة، وفي حياته مع أصْحابه هي قانون، مبْدَأٌ ثابِت، وقاعِدَة أساسِيَّة في الحياة، اسْتَغَلَّ عُمُرَهُ الثمين، واسْتَغَلَّ الليل، قال تعالى:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ (1) قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)﴾
واسْتَغَلَّ النهار، واستغل آيات الكون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالأَمْنِ والإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ والإِسْلامِ، رَبِّي ورَبُّكَ اللَّه، هِلالُ رُشْدٍ وخَيْرٍ. ))
ذَكَّرنا أنَّ هذا الهِلال له وظيفتان؛ وظيفةٌ مادِيَّة يُضيءُ لنا بالليل، ووظيفةٌ إرْشادِيَّة يُعَرِّفُنا بِرَبِّنا سبحانه وتعالى، فإذا قِسْنا أعْمارنا بِعُمُر هذا النبي العظيم نَجِدُها تافهة، إذا قسنا أوقاتنا بالأوقات التي استغلها نجد أن أوقاتنا رخيصة علينا، ولا قيمة لها، لذلك نُمْضيها كيفما اتَّفَق، والله الذي لا إله إلا هو لو عَرَفْنا يوْمَ القِيامة، وهذا نعْرِفُهُ؛ لو عَرَفْنا قبل فوات الأوان قيمة الزَّمَن بِشَكْلٍ مُطْلق لمَا هَدَرْنا منه ثانِيَة، ولما ضَيَّعْنا منه دقيقة، ولما غَفَلْنا عن الله عز وجل، أحْياناً يغْفل الإنسان عن ربِّه عز وجل؛ أُسْبوع أُسْبوعين وهو غافل؛ أكل وشُرْب ونوم ومزاح وسهَرات، وطلعات، إذا صحا من يضْمنُ لي أنَّني سأعيش إلى الشهْر القادِم؟
(( من عَدَّ غداً من أجَلِهِ فقد أساء صُحْبَةَ الموت. ))
[ البيهقي في شعبه بسند ضعيف ]
﴿وَٱلۡعَصۡرِ﴾ كلام إله، وكلامُ ربِّ العالمين، وكلام رافِعِ السماوات بِغَيْر عمَدٍ، كلام الخالق، يقول سبحانه وتعالى : ﴿وَٱلۡعَصۡرِ *إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ﴾ يقول لك: يا أخي هذا معه مئة مليون! هذا خَسْران؛ عنده أحد عشر ولداً كُلُّهُم أطِباء ومُهَنْدسون، خسران، وعنده أرض صار ثمنها ثلاثين ضعفاً، هكذا قال ربنا عز وجل ﴿إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ﴾ الإنسان الضال، والعاصي والجاهل، والذي ما عرف الله، وما عرف لماذا خلقه الله، وما عرف الهدف من خلقه إنسان خاسِرٌ ورَبِّ الكعْبة، فإما أنْ نُصَدِّق أو لا نُصَدِّق، لكن إنْ لم نُصَدِّق فَسَوْفَ نُصَدِّق، هذا امْتِحانٌ لنا، هل لك رؤْيا مُطابقة لِهذه الرؤيا؟ هل ترى إنساناً مُتَفَوِّقاً في هذه الحياة ذكي، دخْلُهُ كبير، ويشْغل منصباً رفيعاً، ويده طُولى في الحياة؛ هل تراهُ خاسِراً؟ هل تراهُ خاسِراً خسارَةً كُبْرى لأنه ما عرف الله؟ هل عندك تصوُّر لإنسانٍ نال أعلى الشهادات (بورد) ونال أعلى مكانة اجتماعية، ثمَّ رأيتَه لا يُصلي هل تعُدُّه خاسراً؟ واللهِ لقد قابلتُ إنساناً يحمل شهادتي دكتوراه؛ دكتوراه في العلوم ودكتوراه في الآداب، ويحتلُّ منصباً علميًّا رفيعاً جدًّا، وفي نظري كبير فقال لي: أنا وابني لا أُصلِّي، ولكن زوجتي وابنتيها يصلين، واللهِ الذي لا إله إلّا هو بهذه الكلمة هبط من نظري إلى الحضيض، لا تُصلي! ولديك هذا العلم! ماذا درستَ إذاً؟ هذا الذي درستَه آيات باهرات، لذلك الله تعالى قال: ﴿وَٱلۡعَصۡرِ *إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ﴾ تقول: هذا غني، الغِنى ينتهي بالموت، تقول: هذا صاحب مكانة اجتماعية، والمكانة الاجتماعية تنتهي بالموت، الفرق أن جنازته تكون على مستوى عالٍ، لكن إلى القبر، فالميت بعد أن يدخل القبر إن تكلفوا وأنفقوا على اللازمة أم لم ينفقوا سواء، لو رافقته عشرون مركبة محملة بالزهور لما فادته، أحياناً تجد جنازة متواضعة لا أحد فيها، سيارة واحدة فقط، هذا شيءٌ لا يقدِّم ولا يؤخر، ﴿وَٱلۡعَصۡرِ *إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ﴾ ، فالإنسان بين عَشِيَّةٍ أو ضُحاها يكون إنساناً يصير خبراً، يكون إنساناً ملءَ السمع والبصر؛ له أعداء، له أصدقاء وهناك من يخافه، وهناك من يرْجوه، وهناك من يطمع بِماله، هناك من يخاف سطوته، يتعطل جهاز بسيط فينفجر شريان في الدماغ، أعرف رجلاً له مكانة واسعة، وصِيتٌ عريض، ومال وفير فقد ملك الدنيا من أطرافها، كان جالساً بمحله التجاري فتوفي فجأة إثر انفجار شريان في الدماغ، قبل دقيقة كان السيِّد فلان بعد دقيقة صار المرحوم فلان، ترك أموالاً طائلة، ماذا أخذ معه؟ ﴿وَٱلۡعَصۡرِ﴾ فالإنسان لما يتغافل عن ساعة اللِّقاء؛ أو يغفل عنها، يجْهَلُها أوْ يتجاهلها فسوف يُحِسُّ بِمَدى خسارته، ومدى غَبْنِهِ، غُبِنَ غبْناً شديداً، ضيَّعَ شيئاً كثيراً، ﴿وَٱلۡعَصۡرِ﴾ هذه السورة يقرؤها الناس ولا يفقهون معناها، ولو فَقِهوا معْناها لانْقَلَبَتْ حياتهم، ولَغَيَّروا خَطَّهُم في الحياة، ولَتابوا ولأصْلحوا ولتَصَدَّقوا، ولاسْتقاموا، ولصَلُّوا، ولَصاموا، ولفعلوا الخير، ﴿وَٱلۡعَصۡرِ﴾ كلام ربِّ العالمين يُقْسِمُ لكم إنَّ الإنسان الكافر إنسانٌ خاسِرٌ، قال تعالى:
﴿ فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِۦ ۗ قُلْ إِنَّ ٱلْخَٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ(15)﴾
وقال تعالى :
﴿ قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ (53)وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (54)وَٱتَّبِعُوٓاْ أَحۡسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ بَغۡتَةٗ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ (55)أَن تَقُولَ نَفۡسٞ يَٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنۢبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّٰخِرِينَ (56)أَوۡ تَقُولَ لَوۡ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَىٰنِي لَكُنتُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ (57)أَوۡ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلۡعَذَابَ لَوۡ أَنَّ لِي كَرَّةٗ فَأَكُونَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (58)بَلَىٰ قَدۡ جَآءَتۡكَ ءَايَٰتِي فَكَذَّبۡتَ بِهَا وَٱسۡتَكۡبَرۡتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ (59)وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسۡوَدَّةٌۚ أَلَيۡسَ فِي جَهَنَّمَ مَثۡوٗى لِّلۡمُتَكَبِّرِينَ (60)وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ بِمَفَازَتِهِمۡ لَا يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوٓءُ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ (61) ﴾
لما الإنسان تأتيه ساعة اللِّقاء، ويُحِسُّ أنَّه صفر اليدين، وليس له عمل صالح وعليه سيِّئات ومخالفات ومعاصٍ، ساعتئذٍ واجِه الحضرة الإلهية؛ واجِه أسئلتها لماذا فعلتَ كذا؟ لماذا عصيتَني؟ لماذا ظلمتَ فلاناً ولماذا بغيتَ على حقَه؟ قال تعالى: ﴿وَٱلۡعَصۡرِ *إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ﴾ خاسرٌ، خسارة بيِّنة، خسارة واضحة، خسارة صارخة، الآن الامتحان لنا؛ إن رأيتَ أهل الدنيا خاسرين فأنتَ مؤمن، وإن رأيتهم أذكياء، قد نالوا الدنيا من أطرافها، وعرفوا كيف يعيشون، وعرفوا كيف يكسبون المال، وكيف ينفقون، وكيف يتنزَّهون، وكيف يسكنون، وكيف يقومون بالمشاريع، إنهم يُحقِّقون أرباحاً طائلة، وينفقون على أهليهم نفقات كبيرة، ويأكلون ما لذَّ وطاب، ويسكنون في البيوت الفاخرة؛ إن رأيتهم كذلك فأنت لا تصدِّق هذا الكلام، قد تقول: صدق الله العظيم؛ ويقولها الناس جميعاً، ولكن واللهِ الذي لا إله إلاَّ هو إن لم تكن لك رُؤيةٌ تطابق هذا الكلام فلو قلتَ في نهاية القراءة: صدق الله العظيم، إن تصوُّراتِك تُكَذِّبُ هذا الكلام، قال تعالى:
﴿ إِنَّ قَٰرُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَءَاتَيْنَٰهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُۥ لَتَنُوٓأُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِى ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُۥ قَوْمُهُۥ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ(76)﴾
هؤلاء الذين يفرحون بالدنيا لا يُحبُّهم الله سبحانه وتعالى، لماذا لايحبُّهم؟ لأنهم سُخفاء، لأنهم ضيِّقو الأُفق، فإذا كنتَ أبًا ولك ولدٌ ذكيٌّ نجيبٌ ووضعْتَه في مدرسة راقية، ورأيتَه يفرح بلعبة ويُهمل دروسَه وكتبَه وامتحاناتِه تستصغرُه وتحتقرُه، أهذا الذي يفرحك! إن رأيتَه يبكي لشيء سخيف فقَدَه، ويضحك لشيء أسخفَ منه مَلَكَه، ولا يأبَهُ للدراسة وللعلم فإنك تحتقره، لذلك قال تعالى: ﴿لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ﴾ وقال تعالى :
﴿ وَٱبْتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِى ٱلْأَرْضِ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ(77) قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِيٓۚ أَوَ لَمۡ يَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَهۡلَكَ مِن قَبۡلِهِۦ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مَنۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرُ جَمۡعٗاۚ وَلَا يُسۡـَٔلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ (78)فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِۦ فِى زِينَتِهِۦ ۖ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا يَٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِىَ قَٰرُونُ إِنَّهُۥ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍۢ (79)﴾
الآن يكثر حديث الناس عن الأغنياء، قال تعالى:
﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَيۡلَكُمۡ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيۡرٌ لِّمَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحًاۚ وَلَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلصَّٰبِرُونَ (80) فَخَسَفۡنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلۡأَرۡضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُنتَصِرِينَ (81)﴾
﴿وَٱلۡعَصۡرِ *إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ﴾ اُنظُرْ إلى التاريخ؛ أين فرعون؟ قال تعالى في حقِّه:
﴿ وَجَٰوَزْنَا بِبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُۥ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِىٓ ءَامَنَتْ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسْرَٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ(90) ءَآلْـَٰٔنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ(91)﴾
أين نيرون؟ أين هؤلاء الطُّغاة؟ أين هؤلاء الكفار الملحدون الذين أنكروا وجود الله عز وجل، وسعَوْا في الأرض فساداً، أين هم؟ هم رهائن أعمالهم.
أربع صفات إذا توافرت في الإنسان فهو من الرابحين:
لذلك يقول الله عز وجل: ﴿وَٱلۡعَصۡرِ *إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ*إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ﴾ أربع صفات إذا توافرت في حياتك فأنت من الرابحين، ولستَ من الخاسرين، معرفةٌ وعملٌ ودعوةٌ وصبرٌ.
﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ فلما يحضر الإنسان مجلس علم فهو تحت بند ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾، إذا حضر خطبةً فهو تحت بند ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ أو قرأ كتاب الله فهو تحت بند ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ إذا فكَّر في آيات الله؛ جلس ليفكر في الشَّمس وفي القمر، في عينه، في أذنه، في هذا المولود الصغير مَن خلقه ومن كوَّنه ومن صوَّره؟ كيف كان نطفة ثم علقة فمُضغةً فإنساناً سويًّا، إذا فكَّر في كأس الماء، في الحليب، في البيضة، في هذه الفاكهة، في البحار، في الجبال، فهو تحت بند ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ صراحة يجبُّ أن تكون حياتكُم مُقنَّنةً وفق هذه البنود، عندك أربعة بنود، بند ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ كل أنواع المعارف الدينية من فقه إلى حديث إلى قرآن إلى تفسير، إلى معرفة بالله، إلى قراءة موضوع علمي استعظمتَ الله من خلاله، إلى دعوة إلى الله، إلى إقناع الناس، وتذكيرهم بآيات الله، فكل نشاط علمي فكري معرفي استدلالي، تأمُّلي، تفكُّر، فأنتَ تحت بند ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ .
الآن ﴿وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ﴾ ؛ فإذا أدَّيتَ واجبك كزوج فهذا تحْتَ بند ﴿وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ﴾ كسبتَ قُوتَ يومك من طريق مشروع ، أحضرتَ لأهلك طعامهم وأمَّنْتَ لهم كِساءهم، أخذتَ مريضهم إلى الطَّبيب، وأمَّنْتَ له الدَّواء، هذا عملٌ صالح ولو كان لأُسرتك، أطعمتَ فقيراً، أعنتَ ضالًّا، علَّمتَ جاهلاً، شفعتَ لمؤمن عند إنسان تعرفه فحُلَّتْ مشكلتُه، أمَطْتَ الأذى عن الطريق، وقفتَ لامرأة عاجزة في السيارة العامة، أنت تحت بند ﴿وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ﴾ فبند العمل الصالح واسعٌ جدًّا،
(( إِنَّكم لا تَسَعُونَ الناسَ بأمْوالِكم، ولكِنْ لِيَسَعْهُمْ منكُمْ بسطُ الوجْهِ، وحسنُ الخلُقِ. ))
فإذا أمطتَ الأذى عن الطريق كُتبت لك صدقة، وإذا أرشدتَ رجلاً في أرض الضلال هو لك صدقة، سألك أين المحل الفلاني؟ خذه بيده، فأبواب الأعمال الصالحة مفتوحة أعلاها الدعوة إلى الله، وهي صنعة الأنبياء، ولكنك لن تنال أعلاها إلا إذا فعلتَ أدناها، يقول: أنا فقط أدعو إلى الله، يجبُ أن تخدم الناس في كل حاجاتهم، لن تنال أعلى الأعمال إلّا إذا قبلتَ أن تفعل أدناها، يجب أن تقف للعاجز، ويجب أن تقدِّم كل ما تملك للناس من إمكانيات وخبرات ومعرفة ومعلومات، فقد تدعى إلى عمل صالح ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ﴾ البند الثاني.
﴿وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ﴾ فيجب أن ينطق هذا اللسان بالحق، ويجب أن يدعوَ إلى الحق، ويجب ألّا يُحابي أحداً وألا ينافق وألا يداهن وألا يتملَّق، وألا يقول شيئًا لستَ قانعًا به، ويجب ألا يسكتَ على باطل، ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ﴾ يجب أن تكون صادقاً جريئاً؛ هذا اللسان لا تأخذُه في الله لومةُ لائمٍ، كلمة الحق لا تقطع رزقاً ولا تُقرِّب أجلاً.
﴿وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾ لو كان في النفس خللٌ واحتاجت إلى المُعالجة فيجب أن تصبر وتدعُوَ غيرك أن يصبر، هذا معنى، يجب أن تصبر على معالجة الله عز وجل، انظُر إلى الإنسان الراشد إذا ذهب إلى طبيب الأسنان، وبدأ الطبيب بحفر سِنِّه، ويبدو أن المُخدِّر لا يناسبه، عنده مرض السكر؛ فقال له الطبيب عليك أن تتحمل، وبدأ بحفر سنِّه وعندما وصلت الآلة إلى العصب وشعر بآلام لا تُحتملُ تراه لا يتكلم، ولكنه يمسك الكرسيَ بشدَّةٍ بالغة حتَّى يتحمَّل الألم، هو قنوع أن هذا الألم لمصلحته، وأن هذا الطيبب يعمل بخبرة فائقة، وأن هذا لابد منه، وأن هذا الألم لن يدوم، هكذا حالة المؤمن مع الله عز وجل، إذا ابتلاه الله بالفقر أو بالضيق أو فقد ابناً، أو فقد شيئاً ثميناً أو ضيَّقَ عليه أحد من الناس، لا يرى الناس، ولكن يرى ربَّ الناس، ويرى أن الله سبحانه وتعالى يعالجه، لذلك فهو يصبر على معالجة الله له، ويدعو غيره كي يصبر، هذا معنى، وقد تصبر على الاستيقاظ باكراً، وقد تصبر في كظم الغيظ، فالصبر واسع، يُلخَّص بكلمتين؛ صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، على وعن.
هذه السورة كمعنى فهو سهل، المعنى واضح جداً كالشمس، ولكن البطولة أن تملكَ رُؤيةً تنطبِقُ على هذه الرُؤيةِ، فالله يقول: ﴿إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ﴾ أنت ماذا ترى؟ إذا كنتَ مع صديق على مقعد واحد في الدِّراسة، وشاءت المقادير لهذا الصديق أن يصبح من كبار الأغنياء، وأن تكون أنت مُوظَّفًا ذا دخلٍ محدودٍ لا يكفيك دخلُك نصفَ الشَّهر؛ وفي ضائقة شديدة، وكنتَ مُطيعاً لله عز وجل، وهذا الصديق عاصٍ لله، يعني إذا خطر ببالك أن هذا الصديق مُرتاح في حياته، يُعطيه الله فهو يحبه، هذا الصديق أذكى مني على معصيته وعلى طاعتك، فهذه السورة لستَ في مُستواها ولو عرفتَ معناها، البطولة لا أن تعرف معنى السورة، بل أن تكون في مستواها، أن تُحِسَّ بغِنَى الإيمان، بكى سيدنا عمر رضي الله عنه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( دخلتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو على حصيرٍ قال: فجلستُ، فإذا عليه إزارُه، وليس عليه غيرُه، وإذا الحصيرُ قد أثَّر في جنبِه، وإذا أنا بقبضةٍ من شعيرٍ نحوَ الصَّاعِ، وقَرظٍ في ناحيةٍ في الغرفةِ، وإذا إهابٌ مُعلَّقٌ، فابتدرت عيناي، فقال: ما يُبكيك يا بنَ الخطَّابِ؟ فقال: يا نبيَّ اللهِ وما لي لا أبكي! وهذا الحصيرُ قد أثَّر في جنبِك وهذه خِزانتُك لا أرَى فيها إلَّا ما أرَى، وذاك كسرَى وقيصرُ في الثِّمارِ والأنهارِ، وأنت نبيُّ اللهِ وصفوتُه وهذه خِزانتُك. قال: يا بنَ الخطَّابِ أما ترضَى أن تكونَ لنا الآخرةُ ولهم الدُّنيا. ))
هل أنت قانعٌ بما أعطاك الله؟ قانعٌ بصحَّتك، قانع بدخلك، بزوجتك، بأولادك، قانعٌ ببيتك؟ هل ترى أن الدنيا مُؤَقَّتةٌ، لا تحتاج إلى كل هذا الإعداد؟ أحدهم سنةٌ ونصف بعد ما اشترى بيتين بلاطة واحدة، وكسَّر كل الكسوة لأنها لم تعجبه رغم كلفتها الكبيرة، وجاء بالعمال فكسروها كلها، وجاء ببلاط يناسب ذوقه، غيَّر الترتيبات كلها وجاء بالإضاءة المخفية، والتدفئة المركزيَّة، والتكييف، وجعل الغرف متداخلة فأزال الجدران لتكون على النظام الأمريكي، وجاء بالمناظر الطبيعية، وجاء بالأثاث الفخم الإيطالي، حينما انتهى البيت وبقيَ دَرَجُ البناء غير منتهٍ جاءه مَلَكُ الموت، سبحان الله لم يرتَحْ بعدُ، حان الأجل؛ قال تعالى: ﴿وَٱلۡعَصۡرِ *إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ*إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾ دائِماً اسْأل نفْسَكَ هذا السؤال: ماذا فعلتُ من أجل الله، قال عليه الصلاة والسلام:
(( هل عَرَفْتَ الربّ؟ قال: نعم، فقال: ماذا صَنَعْتَ في حَقِّهِ؟ ))
والله سؤالٌ يَقصمُ الظهْر، سلْ نفْسَكَ هذا السؤال: هل تعْرِفين الله؟ تقول لك: نعم إنَّهُ خالق الكون، ماذا فَعَلْتِ من أجْله؟ في بيتك الكثير من المخالفات والتقصير والمعاصي، الزوْجة تفعل ما تشاء ولا رادع، والبنت تعيش كما تريد، وهناك الكثير من الملهيات، والدَّخْل فيه شُبهة، ويوجد أكل مال حرام وتقصير، ما هذه المَعْرِفَة؟ (هل عَرَفْتَ الربّ؟ قال: نعم، فقال: ماذا صَنَعْتَ في حَقِّهِ) ؟ هذا هو السؤال المطْروح، اسأل نفسك هذا السؤال: ماذا صنعت في حق الله؟ هل وَالَيْتَ فيّ وَلِيًّا؟ لا، لا أريد أن أوجع رأسي، هل عادَيْتَ فيّ عَدُوًّا؟ لا، أحب كل الناس، ونسهر معهم كل سهرة للساعة الواحدة ونحن في غاية السرور، لكن هؤلاءلا يصلون، فيجيب: الدين لا علاقة له بالصداقة، فهؤلاء أصدقاء، هل وَالَيْتَ فيّ وَلِيًّا؟ هل عادَيْتَ فيّ عَدُوًّا؟ إذاً أنت لا تعْرِفُهُ، سيِّدُنا عمر قال له: هل سافَرْتَ معه فقال: لا، فقال له: هل جاوَرْتَهُ؟ فقال: لا، فقال له: هل حاكَكْتَهُ بالدِّرهَمِ والدِّينار؟ فقال: لا، قال عمر: فأنت لا تعْرِفُهُ.
أقول لكم قِياساً على هذا الحديث؛ إنْ كان لك معْصِيَة لله، هذا يساوي أنك لا تعرف الله، لا ترجو رحمته لا تعرفه، لا تخاف عذابه لا تعرفه، هناك عذابٌ في الدنيا يشيب له الوِلْدان، رجُلٌ ملءُ السمع والبصر يبْكي كالأطْفال، قال تعالى:
﴿ وَأَنَّهُۥ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ(43)﴾
يبكي الرجال الله عز وجل، رجل ملء السمع والبصر يبكيه، يُسَلِّطُ عليه امْرأة لا ترْحَمُهُ فَيَعْجَز، تقْسو عليه في الكلام والمُعاملة؛ يبْكي، وتتَخَلى عنه ابنته، ويغيب عنه ابنه، أقرب الناس إليه يتَهَرَّبون منه، يجْعله يبْكي، فإذا كُنْتَ لا ترْجو رحمته فأنت لا تعرفه، ولا تخافُ عذابه فأنت لا تعْرِفُهُ، لا ترجو ما عنده في الآخرة أنت لا تعرفه، لا تخافُ النار فأنت لا تعْرِفُه، ألا تخْشى في الدنيا من مَرَضٍ عُضال! أنت لا تعرفه، إذا غفل الإنسان عن الله عز وجل فماذا في الدنيا؟ كلام صريح وإن كان قاسياً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( بادِروا بالأعمالِ سبعًا؛ ما تنتظِرونَ إلَّا فقرًا مُنسِيًا، أوْ غِنًى مُطغِيًا، أوْ مرضًا مُفسِدًا، أوْ هَرَمًا مُفنِدًا، أوْ موْتًا مُجهِزًا، أوِ الدَّجَّالَ؛ فإنَّهُ شرُ مُنتظَرٍ، أوِ الساعةَ، والساعةُ أدْهَى وأمَرُّ. ))
أحْياناً الفقْر الشديد يُنْسي الإنسان ربَّهُ وآخِرَته، (أوْ غِنًى مُطغِيًا، أوْ مرضًا مُفسِدًا، أوْ هَرَمًا مُفنِدًا، أوْ موْتًا مُجهِزًا، أوِ الدَّجَّالَ؛ فإنَّهُ شرُ مُنتظَرٍ، أوِ الساعةَ، والساعةُ أدْهَى وأمَرُّ) إذا كان الإنسان حسب الظاهر يعمل طيلة حياته حتى استطاع أن يشتري بيتاً صغيراً، ثمَّ خطب امرأة تروق له، وأسس البيت وبذل كل جهده ليكون كل شيء جاهز من غرفة الضيوف إلى غرفة النوم، ثمَّ تزوَّجَ فهل في يومِ عُرْسِه ينْزَعِج؟ يقول لك: تعبتُ هذه السنين من أجل هذه الساعة، والله الذي لا إله إلا هو هذا حال المؤمن، كُلُّهُ تعبٌ، والدنيا كلها تعَبٌ؛ دَعْوَةٌ إلى الله يخاف أنْ يزيغَ قلبه، وأن يكون في عَمَلِهِ تقْصير، يخاف أن يكون في نيته خللٌ، أو اضْطِرابٍ بالإخْلاص، يخاف من الشرك الخفي، يخاف على نفسه كثيراً، أو أنْ يكون من المُقصِّرين مع أوْلاده ومع زوْجَتِه أو إخْوانه، يخاف ألا يكون على المستوى المطلوب، وأن يكون عِلْمُهُ أكثر من عمَلِه، وألا يكون من مستوى المؤمنين الراقيين، حياته كُلُّها قَلَقٌ فجاء الموت، وكُشِفَ له مقامه عند الله عز وجل، وكان الله راضِياً عنه، حينها يسْعَدُ سعادَةً ما بعْدَها سعادة، الشيءُ الذي يُضْحك أنَّ أهله يبْكون وهو يضْحك، قال تعالى:
﴿ قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَٰلَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ(26)﴾
كم أنا في سعادة، أحياناً المُلَقِّنُ يُلَقِّنُ كلاماً للمَيِّتِ هو في الحقيقة لنا: اللهم أبْدِلْهُ أهْلاً خيراً من أهْله، وبيْتاً خيراً من بيْته، وإذا كان مؤمناً حقيقة أبدله الله أهلاً خيراً من أهله، وبيتاً أحسن من بيته، وزوجة خيراً من زوجته، قال تعالى:
﴿ ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (32)﴾
وقال تعالى:
﴿ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيٓـًٔۢا بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِى ٱلْأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ(24)﴾
قال تعالى:
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15 (آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ (16)﴾
وقال تعالى:
﴿ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ ۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ(28)﴾
ساعات اللِّقاء هي ساعات الفَوْز بالجنَّة، والبعد من عذاب جَهَنَّم، قال تعالى:
﴿ كُلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ (185)﴾
وقال تعالى:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا فِى ٱلْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ(38)﴾
قال تعالى :
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚ وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ۗ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا(77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) ﴾
والله حقائق صارِخَة إذا فَكَّر الإنسان فيها وجعلها نُصْبَ عَيْنَيْه سَعِدَ في الدنيا والآخرة، فهذه سورة قصيرة: ﴿وَٱلۡعَصۡرِ﴾ الزمن، دائِماً راقِبِ الزمن؛ من أمْضى عُمُرَهُ بالنوم أتى يوْمَ القِيامة مُفْلِساً، يقول: أخي أنا أنام بعد الظهر ثلاث ساعات، هكذا اعتدت، لا بأس، وأنام مساء في الساعة العاشرة وأستيقظ في الساعة التاسعة أو العاشرة حتى أرتاح، ما هذه الحياة! كلها نوم! من أمْضى عُمُرَهُ بالنوم أتى يوْمَ القِيامة مُفْلِساً.
فَقُمَ نحْوَنا في الليل لا تخْشَ وحْشَةً؛ سِرْ إلى بيوت الله واسْتَيْقِظ؛ دَعِ الفِراش الوثير قال تعالى:
﴿ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ(16)﴾
صراحة المؤمن لا يهنأ بالنوم خوفاً من ضياع صلاة الصبح، وإذا نام عصراً يخاف من ضياع صلاة المغرب، لا يقدر، دائِماً خائِف على الصلاة، وهذه هي حال المؤمن قال تعالى: ﴿تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾
هذه السورة: ﴿وَٱلۡعَصۡرِ *إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ﴾ غَنِيّ وقوِيّ، صاحب شهادات عليا، وتحْتلّ منصباً رفيعاً، ومكانتك رفيعة في المجتمع، الناس يبجلونك، فأنت في خُسْر ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾ لذلك عندك في ذِهنك أربعة بُنود؛ هذا العمل تحت أي بند؟ تحت الإيمان؟ لا هذا ليس إيماناً، عمل صالح؟ لا، نزهة مع أصحاب السوء، دعوة إلى الحق؟ لا، صبر؟ لا، دعه إذاً، إذا ما انضوى العمل تحت هذه البنود فدعه، لأنه خسارة، هذا الوقت خسارة لك، كل عمل تقوم به افرزه تحت أي بند يأتي؟ إذا كان ينْضَوي تحت أحد هذه البنود؛ اِفْعَلْهُ، أما إذا كان لا ينْضَوي تحت أحد هذه البنود فلا تفْعَلْهُ، وقْتُه أثمن منه، بِعالَمِ التِّجارة؛ يقول لك: هذه الصَّفْقَة ثمنها مئة ألف، ولك يجب أن تجمّد ثمنها سنتين، وربما تبيعها بمئة وعشرة آلاف، يقول: فقط؟ يجيبه: نعم، وإن صار هناك بعض المشاكل قد نضع عشرة آلاف مصاريف، ذهب الربح، لا أريد هذه الصفقة، انظر إلى التجار ماذا يفعلون، فإذا كان الربح قليلاً، وهناك احتمال أن يذهب بالمصاريف والمال مجمّد لسنتين يستغني عن الصفقة، ففيها تعب وشقاء واستلام بضاعة وبيعها وأخذ ثمنها وتسليمها ومسؤوليتها وفواتيرها، وبالنهاية أرباحها قليلة، ومصاريفها أكثر منها! فالتاجر الذي يرضى بهذه الصفقة يكون أحمق، لماذا بأمور التجارة تحسب كل شيء بدقة؟ لماذا بأمور استثمارات الأموال تعرف كل شيء عن الأرباح، وكل تكفي النسبة أم لا؟ حتى لا يخسر، فيقول لك: يوجد تضخم نقدي 17% سنوياً، فكل شيء يحسبه، أم الآخرة فلا يحسب لها حساباً.
﴿وَٱلۡعَصۡرِ *إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ*إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾ هذه السورة يجب أنْ نعْقِلَها، دائِماً ضَعْها في ذِهْنِك، وكُلُّ عَمَلٍ صَنِّفْهُ تحت أيِّ بُنْد؟ إذا لم يكن له مكان في البنود السابقة فَدَعْهُ؛ جلوسك مع زَوْجَتِك عملٌ صالح، وجلَسْتَ مع أوْلادك؛ هذا عملٌ صالح، دَعَوْتَهُم إلى الله، وآنَسْتَهُم؛ هذا كُلُّهُ عملٌ صالح، كسِبْتَ رزقك؛ هذا عملٌ صالح، نَصَحْتَ في عملِك، هذا عملٌ صالح، ودَعَوْتَ إلى الله، وأمَرْتَ بالمعْروف، ونَهَيْتَ عن المنكر، عدت مريضاً، وصَلْتَ رحِمك؛ كُلُّ هذه الأعمال طَيِّبَة وتَعَلُّمٌ، ودَعْوَةٌ إلى الله، وصَبْرٌ على الطاعة، وعن المعْصِيَة، وعلى المعالَجَة، على وعن وعلى، على الطاعة، وعن المعصية، وعلى المعالجة، إنْ كنت كذلك فأنت رابِحٌ، وإن كنت غير ذلك فأنت خاسِرٌ، ولا يعْرِفُ ما نقول إلا من اقْتفى أثر الرسول، ولا تعْرِفُ هذه الحقيقة تماماً إلا عند ساعة اللِّقاء، عندها تعْرِفُ ما إذا كنت خاسِراً أم رابِحاً.
الملف مدقق