الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتمُّ التسليم على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما عَلمتنا وزِدنا علماً، وأرِنا الحقَّ حقّاً وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
التناسب بين القسَم والمُقسَم عليه:
سورة اليوم سورة الشمس، الله سبحانه وتعالى يقول: بسم الله الرحمن الرحيم:
﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)﴾
أين جواب القسَم؟
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9)﴾
ما هذا الجواب الذي أقسم الله عزَّ وجل من أجله بـ: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا(2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) المُقسَم عليه: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) .
لا بُدَّ من أن يكون هناك تناسبٌ بين القسَم والمُقسَم عليه، هل يُعقل أن تُقسِم بالله العظيم لموضوعٍ تافه أو سخيف، لموضوعٍ مالي لا يزيد عن قروش، أن تقسِم بالله والله وتالله وبالله غير معقول! لا بُدَّ من تناسب بين القسَم والمُقسَم عليه، الله سبحانه وتعالى كما قلت من قبل إذا أقسَم فبالنسبة إلينا، وإن لم يقسِم فبالنسبة إليه.
الشمس من آيات الله عزَّ وجل:
(وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) هذا المجلس ما كان له أن ينعقد لولا نعمة الشمس، لأنَّ الشمس إذا انطفأت أصبحت الأرض قبراً جليدياً للأحياء، وانخفضت الحرارة إلى درجة ثلاثمائة وخمسين تحت الصفر، فربنا عزَّ وجل قال في آياتٍ كثيرة عن الشمس:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)﴾
معنى من آياته أي علامات دالةٌ على عظمة الله عزَّ وجل، الآية الدليل والآية العلامة، من أدلة عظمته عزَّ وجل الشمس: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ) ،الشمس سبب والله هو المُسبِّب، فربنا سبحانه وتعالى يقول: (وَالشَّمْسِ) أي هل فكرّتم في هذه الآية؟ وهل وقفتم عندها؟ وهل دقَّقتم فيها؟ وهل تأملتم في ظاهرتها؟
الذي يفكر في الشمس لا بُد من أن يعرف الله عزَّ وجل:
هذا الذي يُفكِّر في الشمس لا بُدَّ من أن يعرف الله عزَّ وجل، لأن الناس يفكرون بالدرهم والدينار، فإذا فكرت بالدرهم والدينار فقد تُحصِّل الدنيا أو لا تحصلها، ولكنك إذا فكرت بهذه الآية الدالة على عظمة الله عزَّ وجل فسوف تعرف المُسبِّب من خلال السبب، وسوف تعرف الخالق من خلال المخلوق، وسوف تعرف الله سبحانه وتعالى عن طريق هذه الآية الكبيرة (وَالشَّمْسِ) .
أي الإضاءة التي صنعها الإنسان تكلِّفه باهظاً، إضاءة شارعٍ طويل قد لا تحتمله نفقات الدولة أحياناً، وطريق طوله ثلاثمائة كيلومتر لا يُضاء، يُضاء طريقٌ قصير، فإضاءة طريقٍ طويل وإضاءة مدينةٍ بأكملها، لا يعلم إلا الله كم تستهلك المدينة من أجل أن تُضاء، فلو تصوّرنا أن الشمس لن تُشرق كيف يكون حال الأرض؟ إذا أردت أن تعرف الشيء فتصوَّر عدمه واختفاؤه، ربنا عزَّ وجل قال: (وَالشَّمْسِ) .
الشمس تبعد عن الأرض مائة وستة وخمسون مليون كيلو متر، طبعاً هذا رقم قد لا يعني شيئاً، لكن من أجل أن يكون قريباً من أذهانكم، لو أن هناك إلى الشمس طريقاً مُعبَّداً وأنت تركب سيارةً سرعتها مئة كيلومتر، فلن تصل إلى الشمس قبل مائتي وعشر سنوات، حتى تستطيع أن تصل إلى الشمس عن طريق سيارة، وهل يستطيع عُمُر الإنسان أن يوصله إلى الشمس؟ هذه هي المسافة، إذا أطلقنا قذيفةً باتجاه الشمس، وسارت القذيفة بسرعة كيلومتراً في الثانية فإن هذه القذيفة سوف تصل بعد سبع سنين، وعلى الرغم من هذه المسافة الطويلة فإن أشعة الشمس تبعث الدفء في الجسم، بل إنها إذا زادت أصابت الإنسان بمرضٍ قاتل اسمه ضربة الشمس، ما هذه الطاقة التي تختزنها الشمس؟! إن الأرض لا يصيبها من الشمس إلا واحد على ملياري جزء من طاقتها، الله سبحانه وتعالى في آياتٍ كثيرة ذكر الشمس، ذكر الشمس في اثنتين وثلاثين آية في كتاب الله.
الإنسان أحياناً يتعلَّق بالسبب ويجب أن يتعلَّق بالمسبِّب:
ربنا عزَّ وجل في قصة الملكة بلقيس قال الهُدهُد:
﴿ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)﴾
الإنسان أحياناً يتعلَّق بالسبب وينبغي أن يكون تعلّقه بالمُسبِّب، ينبغي أن يفكر بالذي خلق الشمس، ربنا عزَّ وجل قال:
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)﴾
العلماء قالوا: عمر الشمس خمسة ألاف مليون سنة وإنها ستستمر - وهذا رجمٌ بالغيب - إلى خمسين ألف مليون سنة قادمة، هذه الشمس لو جئنا بمائة وتسع كرات أرضية، ووضعناها إلى جانب بعضها لكان هذا قطر الشمس! يعني قطر الشمس يتسع لمائة وتسع كرات أرضية، أمّا جوف الشمس فيتســع لمليون وثلاثمائة كرة أرضية، أي أن الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمائة مرة! وبُعدها عن الأرض مئة وستة وخمسون مليون كيلومتر! أمّا حرارتها على سطحها فتزيد عن ستة آلاف درجة، وأمّا حرارتها في أعماقها فتزيد عن عشرين مليون درجة، بحيث لو أُلقيت الأرض في الشمس لتبخرت في ثانيةٍ واحدة، منذ خمسة آلاف مليون سنة وإلى فترةٍ لا يعلمها إلا الله، في عِلم الله:
﴿ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)﴾
بُعد الشمس عن الأرض بُعدٌ دقيق وفيه حكمةٌ بالغة:
هناك حساباتٌ دقيقة، لو أنها ابتعدت لبردت الأرض، ولو أنها اقتربت لاحترقت، ولو أنها اقتربت لذابـت الكتل الثلجية في القطبين، ولارتفع مستوى البحر تسعين متراً فغمر معظم المُدن الساحلية وما حولها من تلال، إذاً بُعد الشمس عن الأرض بُعدٌ دقيق وفيه حكمةٌ بالغة.
﴿ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)﴾
فربنا عزَّ وجل، هذه الشمس التي سخرها الله لنا، هذه الكرة الهائلة من الغاز، وحتى تعرفوا كيف تصدر هذه الطاقة المستمرة؟ إنه يجري فيها تفاعلٌ كتفاعل القنبلة الهيدروجينية تماماً، تفاعل مستمر يعطي هذه الطاقة، لها ألسنةٌ من اللهب تزيد عن نصف مليون كيلومتر، أي خمسمائة ألف كيلومتر طول بعض ألسنة اللهب التي تصدر من الشمس! وهناك صورٌ حقيقية لهذه الألسنة في حالة الكسوف الكامل، ربنا عزَّ وجل يقول: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) .
في كل يوم تفقد الشمس من كتلتها ثلاثمائة وستين ألف مليون طن، من يعوِّض هذه الكتلة المفقودة؟ الله سبحانه وتعالى.
الشمس تنشر طاقةً في الثانية الواحدة، تعادل إحراق أكثر من ألفين مليون طن من الفحم الحجري، يعني إذا أحرقنا ألفين مليون طن من الفحم الحجري هذا ما يساوي طاقة الشمس في ثانيةٍ واحدة!
﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)﴾
ذلكم الله القوي القدير العليم الحكيم.
إذا وقف إنسان فرضاً على سطح الشمس وكان وزنه على الأرض خمسة وستين كيلو غراماً لصار وزنه على سطح الشمس ألفاً وسبعمائة كيلو غراماً، لتفاوت الجاذبية، وكما قلت قبل قليل لو انطفأت الشمس لأصبحت الأرض قبراً جليدياً، ولهبطت الحرارة إلى ثلاثمائة وخمسين درجةً تحت الصفر.
يجب ألا يكون عمل الإنسان قبراً له:
عندما يقول ربنا عزَّ وجل: (وَالشَّمْسِ) أي يا عبادي فكِّروا في هذه الآية ودققوا فيها وتأملوا، ولا تُلهكم أموالكم ولا أولادكم عن آيات الله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(9)﴾
لا يكن عمل الإنسان قبراً له، ولا تكن شهوة الإنسان قبراً له.
﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (22)﴾
﴿ قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ (101)﴾
﴿ وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)﴾
ربنا عزَّ وجل جعل الكون تجسيداً لأسمائه:
ومع ذلك فالشمس نجمٌ متوسط، هنالك نجوم تكبُرها بآلاف المرات، ولكن لبُعدها الشديد تُرى نجوماً صغيرة متألقة، وما شمسنا إلا نجمٌ متوسط، ولا تنسوا أنَّ في مجرتنا أكثر من عشرة آلاف مليون نجم، وفي الكون رقم تقديري حديث، أكثر من مليون ملْيون مجرة.
الشمس تبدو كبيرةً لقربها مِنّا، ربنا عزَّ وجل جعل الكون تجسيداً لأسمائه، اسم العليم يتضح من الشمس، اسم الحكيم، اسم القدير، اسم المُعطي، يتضح من الشمس، قد يرتفع سعر البيت إذا كانت تدخله الشمس، فهذا المبلغ الذي دفعه صاحب البيت ثمن ماذا؟ ثمن أشعة الشمس، شيءٌ ثمينٌ جداً، تبعث الدفء، وتبعث الحرارة، وتطهِّر، وتعقِّم، وينتظم الكون، وتُعرَف الأوقات، وقد كتب أمير الشعراء أحمد شوقي مقالةً عن الشمس فقال: << سل الشمس: من رفعها ناراً، ونصبها مناراً، وضربها ديناراً، ومن علّقها في الجو ساعة، يدب عقرباها إلى يوم الساعة، ومن ذا الذي آتاها معراجها، وهداها أدراجها، وأحلها أبراجها، ونقل في السماء الدنيا سراجها؟ الزمان هي سبب حصوله، ومنشعب فروعه وأصوله، وكتابه بأجزائه وفصوله، ولد على ظهرها، ولعب على حجرها وشاب في طاعتها وبرها، لولاها ما اتسقت أيامه، ولا انتظمت شهوره وأعوامه، ولا اختلف نوره وظلامه>> .
عندما يقول ربنا عزَّ وجل: (وَالشَّمْسِ) أي يا عبادي يجب أن يكون لكم جلساتٌ تتفكرون فيها بالشمس، هذه الآية الكبرى الدالة على عظمة الله.
(وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) قال بعض المفسرين: (وَضُحَاهَا) قَسَمٌ ثانٍ، الشمس آية، وضحاها آيةٌ ثانية، فكلمة ضحاها تعني شيئين:
1 ـ الأرض تدور حول نفسها ولولا دورانها حول نفسها لما ظهرت الشمس:
تعني أن الأرض تدور حول نفسها ولولا دورانها حول نفسها لما ظهرت الشمس لأن ضَحى بمعنى ظَهر(وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) ، لو أن الأرض واقفة فالذين في الطرف الآخر لا يرون الشمس ، فليس الضُحى لهم آية، ولكن الأرض تدور، وبدورانها تظهر الشمس بشكلٍ يومي، لكن هذا الدوران بمحورٍ مائل، فلو أنَّ محور الأرض موازٍ لمستوى دوران الأرض حول الشمس لكان دورانها كوقوفها، إن دارت هكذا الأرض والشمس من هنا فالطرف الذي لا يقابل الشمس يبقى مظلماً، ليس الدوران وحده، ولكن الدوران مع محور، لو أنَّ المحور هكذا قائمٌ على مستوى الدوران لكان هذا المكان صيفاً إلى أبد الآبدين، وهذا المكان شتاءً أو خريفاً، وهذا المكان شتاءً إلى أبد الآبدين، لثبتت الفصول، دورانٌ وميل محورٍ بدرجةٍ دقيقة، بحيث تتبدل الفصول، ولو أنَّ المحور مائلٌ لهذه الدرجة الدقيقة ثلاث وثلاثون درجة، والأرض لا تدور حول الشمس لبقيت الفصول ثابتة.
إذاً من دورة الأرض حول الشمس، ومن دورتها حول نفسها، ومن ميل محورها كان هذا الذي ترون، صيفٌ، وشتاءٌ، وربيعٌ، وخريفٌ، نملُّ الشتاء فيأتي الربيع، ثم يأتي الصيف، نملُّ الصيف فيأتي الخريف وبعده الشتاء.
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190)﴾
في أيامٍ يكون الليل طويلاً وفي أيامٍ أُخرى يكون الليل قصيراً وهذا من آيات الله عزَّ وجل، (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) ، معنى (ضحاها) أن دورة الأرض حول نفسها وحول محورٍ مائلٍ ودورتها حول الشمس هي التي تسبب الليل والنهار المختلفيـن، والفصول الأربعة الجوالين، (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) .
2 ـالشمس تَظهر عن طريق دورة الأرض حول نفسها وهي نفسها تُظهر حقيقة الأشياء:
المعنى الآخر أنَّ الشمس تظهر عن طريق الأرض، والشمس تُظهر الأشياء، فلو ذهبت إلى بلدةٍ ووصلتها ليلاً، ودخلت أحد فنادقها وكان في الغرفة نافذةٌ تُطل على منطقةٍ واسعةٍ جداً، في الليل ماذا ترى؟ هل ترى الجبال الخضراء؟ هل ترى السهول؟ هل ترى القرى القابعة على سفوح الجبال؟ كل هذا لا تراه في الليل ولكن تراه في النهار، فالشمس تَظهر عن طريق دورة الأرض حول نفسها، وهي نفسها تُظهِر حقيقة الأشياء، لا تتضح الأمور إلا في النهار، ولا تعرف حقيقة اللون إلا تحت ضوء الشمس، فكثيرٌ ممن يشترون القماش يعرضه تحت ضوء الشمس حتى يتأكد من لونه الصحيح،(وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) ، فالشمس آية وضحاها آيةٌ ثانية.
الطريق الوحيد الموصل إلى الله أن تفكر بآياته والطريق الآخر طريق الجهل:
ربنا عزَّ وجل قال:
﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)﴾
لا يوجد طريقٌ آخر، الطريق الوحيد الموصل إلى الله عزَّ وجل أن تفكِّر بآيات الله، والطريق الآخر طريق الجهل.
(وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا) تغيب الشمس في الأيام البيض من الغرب فإذا القمر في الشرق، يتلوها بحجمٍ كبير وبدرٍ وسيم، يطلع فيُضيء بما يعادل واحد على ثماني عشرة مرة من إضاءة الشمس، (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا) في الشروق، أي إذا ناب عنها في الليل كان ضوءه لطيفاً، يفيد ولا يؤذي، يرى المار طريقه ولا يتأذى من شدة الإضاءة لأن الليل سكنٌ.
الشمس والقمر أداتان للحساب وتقويمان يشيران للساعة واليوم:
وشيءٌ آخر إذا كانت الشمس ساعةً يومية، فالقمر تقويمٌ شهري، والجميع يقول: الشمس أشرقت، الشمس عَلَت، الآن ضُحى، والآن اقترب وقت الظهيرة، وقاربنا من أذان العصر، اقتربت من المغيب، الشمس ساعة، سَاعةٌ في كبد السماء، والقمر تقويمٌ شهري كذلك في كبد السماء، الشمس والقمر أداتان للحساب وتقويمان يشيران للساعة واليوم: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) .
لولا القمر لأصبح النهار ساعتين، والليل ساعتين، لولا القمر لدارت الأرض حول نفسها في أربع ساعات، فالقمر له علاقةٌ بالمد والجزر، لو اقترب القمر أكثر من هذا لتضاعف المدّ والجزر ستين ضعفاً، أي إلى مسافة ألف ومائتي متر، كل هذه الأماكن يغمرها الماء في ساعاتٍ مُعيِّنة وينحسر عنها في ساعاتٍ ثانية، لكن الشمس والقمر بحسبان.
﴿ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5)﴾
بُعد القمر عن الأرض يجعل المد والجزر لا يزيد عن عشرين متراً، والمد والجزر له فوائد كبيرة في الملاحة، ولا يزال الإنسان عاجزاً عن فهم الفائدة الكبرى للقمر، وكلما تقدَّم العِلم يكشف بعض الفوائد، أمّا القمر آيةٌ كبرى من آيات الله، حينما صعد على سطحه رواد الفضاء، وجدوا تربة القمر تشبه الزجاج تربةً رماديةً عاكسة، فهذا القمر البدر الجميل بفضل هذه التربة التي صنعت خصيصاً ليكون مصباحاً عاكساً للأرض،(وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا) ، في المرتبة، وفي الإضاءة، وفي الدوران، وفي الحركة.
الحكمة من أن الله عزَّ وجل ثبَّت إشراق الشمس ولم يثبِّت هطول المطر:
(وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا) ، يعني الشمس، معنى تجلت: أي ظهرت، ما الذي أظهرها؟ أنك على سطح الأرض، والأرض دارت فأصبحت مقابلاً لها، وهذه لها علاقةٌ بالضُحى، ولولا أنك تدور على سطح الأرض لما رأيت الشمس.
(وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا) ،النهار يُظهِر أشعة الشمس ونستفيد منها، ولم يسمع أحدٌ في حياته بأنَّ الشمس في أحد الأيام لم تشرق؟ ليس هناك دعاء شروق الشمس، فالله عزَّ وجل ثبَّتها، عندما يقلق الإنسان على شيء، الله عزَّ وجل هو الذي خلق القلق، وكان بالإمكان أن تكون كمية الأمطار ثابتة طوال آلاف القرون، مثلاً: منطقة الشام كمية الأمطار فيها تقدَّر بألفي ميليمتر، كيف أنَّ الشمس تشرق كل يوم، كل يوم من دون قلق، فالله عزَّ وجل ثبَّت إشراق الشمس، ولم يثبِّت هطول المطر كي يكون العباد على صِلةٍ بالله عزَّ وجل، ولو أنه لم يثبِّت شروق الشمس لأصبحت الحياة فوضى، فاليوم أشرقت واليوم ما أشرقت، واليوم عطلة فُجائية لعدم شروق الشمس، هذا شيءٌ مستحيل، ربنا عزَّ وجل لحكمةٍ بالغةٍ ثبَّت شروق الشمس، ولم يثبِّت هطول المطر من أجل أن يكون للعباد سببٌ للدعاء: "اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين"، إذاً عندما يعطي ربنا عزَّ وجل فهو القدير، ولمّا خلق الإنسان ضعيف خلقه لحكمةٍ بالغة، كما أنه ثبَّت شروق الشمس وكان بالإمكان أن يخلق الإنسان بلا مرضٍ إطلاقاً، فلماذا المرض إذاً؟ من أجل أن يكون هناك اتصالٌ وثيق بين العبد وربه:
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (28)﴾
لو خلقَه قوياً لاستغنى بقوته فشقيَّ باستغنائه، خلقَه ضعيفاً، وخلقَه هلوعاً
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)﴾
وخلقَه من عَجَل.
النهار والليل من آيات الله:
(وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا) تكون الأرض مشرقة والجبال واضحة وكل شيء متألق ظاهر وصارخ، يأتي الليل فيُغشّى كل هذه الأشياء ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا) أي غطّاها، فأين الشمس؟ أين النهار إذا جاء الليل؟ يكون الإنسان في منطقةٍ جميلةٍ، جبال ووديان ومناظر رائعة، تغيب الشمس فكل هذه المناظر غابت وانمحت وانسدلت، ولم يبقَ منها شيء، فينام الإنسان في الليل وتضيق نفسه، تشرق الشمس فبإشراقها يُشرق في نفسه الأمل، في النهار هناك أُنس، سِر في غابةٍ ليلاً تشتوحش، وسِر فيها نهاراً تطمئن، اصعد جبلاً ليلاً تخاف واصعده نهاراً تطمئن، فالنهار والليل من آيات الله، (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا) .
نظام التجاذب وحده أعظم دليل على عظمة الله:
(وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا) بعض العلماء قالوا: هذه (ما) بمعنى مَن، أي والسماء ومَن بناها؟ هل سألت هذا السؤال؟ هل فكرت في خالق الكون؟ السماء أوسع، الشمس نجم، القمر كوكب، الأرض كوكب، أمّا السماء فيها مليون ملْيون مجرة، وفيها نظام رائع جداً، نظام التجاذب، والآن إذا سألنا أستاذ رياضيات مثلاً عن كتلتين مغناطيسيتين متساويتين حجماً، إذا أردنا أن نضع كرةً حديديةً في مكانٍ بينهما بحيث لا تنجذب هذه الكرة لا إلى هذه الكتلة ولا إلى هذه الكتلة، طبعاً سيأخذ خطاً بينهما ويأخذ منتصفه على مستوى الميليمترات، وقد يكون المستوى أعشار الميليمتر، فلو وضعت في مسافةٍ أقرب نصف ملم لانجذبت إلى إحدى الكتلتين، ولو أتينا بثلاث كُتلٍ بحيث تشكل هذه الكُتل مثلثاً متساوي الأضلاع، فأين المكان الذي ينبغي أن توضع الكرة الحديدية بحيث لا تنجذب لا إلى هذه الكتلة، ولا إلى هذه ولا إلى تلك؟ نأخذ منصفات الزوايا، مركز تقاطع منصفات الزوايا فهنا تستقر الكرة، وإلى الآن القضية سهلة، فإذا كان هذا المثلث مختلف الأضلاع فسوف تحتاج إلى حسابات صعبة جداً، وقد لا تهتدي إلى مكان استقرار الكرة، فإذا كان المثلث مختلف الأضلاع والكُتل مختلفة الحجوم، فأصبح الحساب أصعب بكثير، فإذا كانت بعض هذه الكُتل متحركة، فالحساب مستحيل، وإذا كان هناك ألف كتلة وكل كتلة لها حركةٌ مستقلةٌ عن الثانية ولها مدار وعليك أن تُحقِّق استقراراً بين كل هذه الكُتل، فهذا لا يستطيعه بشرٌ، ولكن هذه المجرات المليون مليون مجرة وفي كل مجرة عشرة آلاف مليون نجم، وكل هذه النجوم متفاوتة بالحجم مختلفة بالمسافات، وكلها متحركة، والمحصلة استقرار.
﴿ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)﴾
هذه عظمة الله عزَّ وجل، نظام التجاذب وحده أعظم دليل على عظمة الله.
التجاذب يتبدل بحسب الكتل ويتبدل بحسب المسافات:
كما تعلمون فإن التجاذب متعلِّق بمربع المسافة والكتلة، وكلما كبرت الكتلة ازدادت الجاذبية، فالإنسان على الأرض وزنه ستون كيلو غراماً، وعلى القمر وزنه عشرة كيلوغرامات، فالقمر أصغر، فأنت كتلة والقمر كتلة، وعلى الشمس وزنه ألف وسبعمائة كيلو غراماً، فالتجاذب يتبدل بحسب الكُتل ويتبدل بحسب المسافات.
الأرض تدور حول الشمس، والمدار بيضوي ومعنى بيضوي أي هناك للشكل البيضوي مركزان، أي هناك قطرٌ أقصى وقطرٌ أدنى، فإذا وصلت الأرض للمسافة الدُنيا، لو أنها حافظت على سرعتها، فالمسافة بينها وبين الشمس قلَّت، إذاً التجاذب ازداد، ربما انجذبت الأرض إلى الشمس وارتطمت بها وانتهت الحياة، أين حكمة الله عزَّ وجل؟ فالله سبحانه وتعالى في هذه المنطقة التي تصغر فيها المسافة بين الأرض والشمس تزداد سرعة الأرض لينشأ من هذه الزيادة قوةٌ نابذة تُكافئ القوة الجاذبة، وبهذا تستقر الأرض في مسارها حول الشمس، والمسار ليس دائرياً بل بيضوياً، والحكمة الثالثة أنَّ الله سبحانه وتعالى لو رفع هذه السرعة فجأةً لانهدم كل شيءٍ على سطح الأرض، تقول هنا كانت مدينة اسمها باريس، لو أنَّ هذه السرعة ارتفعت أو ازدادت فجأةً، فلما ربنا عزَّ وجل قال:
﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)﴾
العملية لا تكلِّف أكثر من ازدياد السرعة فجأةً، كل شيءٍ على سطح الأرض ينهدم.
الكون وما فيه من آيات الله الدالة على عظمته:
(وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا) أي مَن بناها؟ مَن بنى هذا البناء؟ من جعل هذا النظام؟ مطار صغير لا بُدّ من خبراء ومهندسين وتسيير للطائرات لئلا ترتطم طائرتان مع بعضهما، ولكل طائرة خط، مطار صغير لولا وجود قيادة موحدة وأوامر مركزية لحدث تصادم بين الطائرات، وهذا الكون المليء بالنجوم والمجرات، ألا يحدث فيه تصادمٌ واحد؟ (لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) .
إذاً: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا) بمعنى ومَن بناها؟ وهناك معنى آخر، (ما) مصدرية، والسماء وما هذا البناء الرائع الذي بُنيت على أساسه، أي والسماء وبنائها، أول معنى والسماء ومَن بناها، المعنى الثاني والسماء وبنائها، هذا البناء المُحكم المُطلق على إطلاقه، وبنائها القوي، هناك منطقة في الفضاء اسمها الثقوب السوداء، من منكم يُصدِّق أن الأرض بأكملها لو دخلت إلى هذا الثقب لأصبحت كالبيضة، الأرض بأكملها تُضغط وتزول كل الفراغات البينية بين ذرّاتها، وتصبح الأرض كالبيضة وهي بوزنها الحقيقي، تصوَّر بيضة وزنها بوزن الأرض، ما هذه القوى؟ مع أنَّ متراً مكعباً من الماء حتى هذه الساعة لا يستطيع بنو البشر ضغطه، لو وضعت فوق هذا الماء ألف مليون طن لا يُمكن ضغطه ولا ميلي واحد.
الماء هذا السائل العذب الفرات، الماء لا ينضغط وإذا أراد أن يتمدد لا يستطيع أقسى معدن أن يحول بينه وبين تمدده، ضعه بأقسى أنواع الفولاذ وجمده داخل الفولاذ يتشقق الفولاذ، فإذا دخلت الأرض في هذا الثقب الأسود ما هذه القوى الهائلة في هذا الثقب؟! تصبح كالبيضة بوزنها الحقيقي، (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا) يعني مَن بناها، والسماء وما هذا البناء الذي بُنيت عليه؟!
الأرض وما فيها من آيات الله الدالة على عظمته:
(وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا) مَن جعلها مُمددة؟ مَن جعلها مُنبسطة؟ ومَن جعل فيها تربة؟ لو أننا وصلنا إلى أرضٍ صخرية هل تستقيم حياتنا إن كانت الأرض صخرية؟ ماذا نأكل؟ ومن جعل سطح الأرض تربةً؟ يوجد أماكن في العالم قليلة الأرض صخرية، هناك منطقة قبل حلب كلها صخر، ومنطقة في الجنوب بالمحافظات الجنوبية كلها صخور لا تربة فيها.
(وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا) مَن جعلها ممهدة؟ مَن جعلها منبسطة؟ مَن جعلها صالحة للزراعة؟ مَن جعل الطبقة الكتيمة في الأسفل والطبقة النفوذة في الأعلى؟ فلو أنَّ الطبقة الكتيمة في الأعلى والنفوذة في الأسفل لما كانت هناك ينابيع، لكن ربنا عزَّ وجل مثلاً يقول لك: ليبيا تعيش على بحرٍ من الماء العذب، الله عزَّ وجل جعل هذه الطبقات نفوذة وجعل تحت الطبقات النفوذة طبقاتٍ كتيمة فجمعت الماء.
(وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا) مَن هيأها؟ مَن رتَّبها؟ مَن نظَّمها؟ مَن مهَّد لك الحياة فيها؟ مَن جعل الينابيع والأنهار الوديان؟ هذه تربة كلسية تنبُت فيها نباتاتٌ مُعيَّنة، وهذه تربة الحديد فيها مرتفع يصلح لبعض أنواع الفاكهة، من نوَّع التُرب؟ نوَّعها في البنية، ونوَّعها في العمق، ونوَّعها في الإرواء.
النفس الإنسانية لها قوانين:
(وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا) فكلمة (ما) تصلح مَن طحاها والأرض وطحّيها، ونفسٍ ومَن سوَّاها والنفس وتسويتها، أي سترى شيئين، التسوية والمُسوّي، التسوية مع المُسوّي والبناء مع الباني (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاها) .
مَن جعل هذه النفس تخاف؟ ولأنها تخاف تتعرف إلى الله كي تطمئن، مَن جعل هذه النفس تمرض؟ ولأنها تمرض تتعرف إلى الله فتطمئن، مَن جعل هذه النفس تُحبُّ من أحسن إليها؟ وقد قيل أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَى دَاوُد عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ: << ذَكِّرْ عِبَادِي بإحْسَانِي إلَيْهِمْ، لِيُحِبُّونِي، فَإِنَّهُمْ لَا يُحِبُّونَ إلَّا مَنْ أَحْسَنَ إلَيْهِمْ >> .
(( جُبِلتِ القلوبُ علَى حبِّ مَن أحسنَ إليها، وبُغضِ من أساءَ إليها ))
[ الألباني السلسلة الضعيفة ]
من جعلها تُحبُّ التملُّك؟ كي تحافظ على مكتسباتها، النفس الإنسانية لها قوانين، تُحبُّ السلامة، هذا دافعٌ كبير كي تنجو من عذاب الله، تُحبُّ السعادة فهذا دافعٌ آخر، تُحبُّ من أحسَن إليها هذا دافعٌ ثالث، تخاف.
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)﴾
ضعيفة تُحبُّ أن تكون في حماية القوي، (وَنَفْسٍ( هذه غير بنية الجسم وغير الأجهزة، والجهاز العظمي، والعضلي، والقلب، والأوردة، والشرايين، والرئتان، والأمعاء، وجهاز الهضم، والغدد الصماء، والدماغ، والجهاز العصبي، والعضلات، غير هذا البناء المحكم، النفس لها قوانين، النفس البشرية تخاف، ترجو، تطمع، تُحب، تكره، تستعطف.
التسوية كمال الخلق:
(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا) معنى سواها أي جعلها على أكمل وجه، الباب كله مُسوّى كي يكون مكاناً لهذه السيارة، فالتسوية كمال الخلق، (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا) أي ربنا عزَّ وجل جعل هذا المفصل، ولولا هذا المفصل لاضطر الإنسان أن يضع الصحن على الأرض، وأن يأكل منه بلسانه وشفتيه كالقطة ولا يوجد طريقة ثانية:
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)﴾
لك مِفصل، ولك أصابع، ولك إبهام، ولك عينان، وأذنان، وأنف، ولسان، وفم، (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا) كلمة نفس تعني بناء الجسم، وتعني قوانين النفس، من أودع في الإنسان هذا الفكر؟ الإنسان لا يفهم شيئاً من دون سبب، وهذا مبدأ السببية في الفكر، ولا يفهم شيئاً من دون غاية، من له تعامل مع الآلات لو رأى ظاهرة في الآلة لا يفهمها إلى أن يعرف غايتها، في الفكر نجد مبدأ السببية، مبدأ عدم التناقض، ومبدأ الغائية، فمن أودع هذا الفكر؟ هذه الأنظمة، هذه القوانين؟
الله عز وجل ألهم الإنسان عن طريق الملائكة أن هذا العمل فجور وأن هذا العمل تقوى:
(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) أروع تفسيرٍ لهذه الآية: أن الله عزَّ وجل ألهم الإنسان عن طريق الملائكة أنَّ هذا العمل فجور، وأنَّ هذا العمل تقوى، فعندما يسير الإنسان في الطريق الصحيح ترتاح نفسه، وينشرح صدره، ويطمئن قلبه، ويتوازن، ويُسرّ، ويتفاءل، ويسعد، ألهمها تقواها.
فإذا انحرف شعر بالضيق وشعر بنداءٍ ملائكي: يا عبد الله:لا تفعل، إياك أن تفعل، إذا كانت أذنه صحيحة تسمع النداء، وإذا كانت أذنه غير صحيحة يُحس بضيقٍ وانقباض، وهذا معنى قوله تعالى:(فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) أي إذا فجرت عرَّفها بأنه فجور، إمّا من ضيق النفس أو من الإلهام، وإذا اتقت عرَّفها بتقواها، فالقسَم الإلهي بـ:
(وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)) جاء الجواب: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ) فالفالح، أو الذكي، أو المتفوق، أو الذي ينجو، أو العالي في نظر الناس، هو الذي زكَّى نفسه وهذا هو الذكاء.
الذكاء والفلاح والنجاح والتفوق هو أن تزكّي نفسك:
﴿ لِمِثْلِ هَٰذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)﴾
﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)﴾
بماذا أثنى الله على نبيه الكريم؟ بالخلق العظيم
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾
فالذكاء والفلاح والنجاح والتفوق هو أن تزكّي نفسك، لأنك إذا زكّيت نفسك عشت في رحاب الله إلى أبد الآبدين، في سعادةٍ لا توصف.
(( قالَ اللَّهُ: أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ. ))
وهناك دفعات على الحساب في الدنيا، سرور، وطمأنينة، توفيق في الأعمال:
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)﴾
فالذي يُزكّي نفسه يؤهلها لدخول الجنَّة، والجنَّة ما أخذت الدنيا من الآخرة إلا كما يأخذ المخيط إذا غمس في مياه البحر، هكذا قال عليه الصلاة والسلام:
(( واللهِ ما الدنيا في الآخرةِ إلا مثلُ ما يجعلُ أحدُكم إصبعَه في اليمِّ ، فلينظر بم يرجعُ ))
الدنيا بكل ما فيها من جمالٍ طبيعي، ومن مالٍ، ومن مباهج، ومن عز، ومن غنى، ومن طعام لذيذ، ومن شيءٍ تتوق إليه النفس، وكل ما فيها لا يعادل أن يغمس مخيطٌ في مياه البحر، فبمَ يرجع؟!
متاع الدنيا ومتاع الآخرة كما ورد في القرآن الكريم:
لذلك:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)﴾
آيةٌ ثانية:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚ وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)﴾
آيةٌ ثالثة:
﴿ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾
﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُونَ (18)﴾
(أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ)
﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)﴾
الله تعالى لا يعطي الآخرة إلا لأحبابه:
ولذلك:
﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)﴾
هذا عطاء الله الكبير
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) ﴾
(( إن اللَّهَ قسَّمَ بينَكُم أخلاقَكُم، كما قسَّمَ بينَكُم أرزاقَكُم، وإنَّ اللَّهَ يُعطي الدُّنيا مَن يحبُّ ومن لا يحبُّ، ولا يعطي الدِّينَ إلَّا لمن أحبَّ، فمَن أعطاهُ اللَّهُ الدِّينَ فقد أحبَّهُ، والَّذي نَفسي بيدِهِ، لا يُسلِمُ عبدٌّ حتَّى يسلمَ قلبُه ولسانُهُ، ولا يؤمنُ حتَّى يأمنَ جارُه بوائقَهُ . قالوا : وما بوائقُهُ يا نبيَّ اللَّهِ ؟. قالَ : غشمُه وظلمُهُ ، ولا يَكْسبُ عبدٌ مالًا من حرامٍ فينفقَ منهُ فيباركَ لَهُ فيهِ، ولا يتصدقُ فيقبلَ منهُ، ولا يترُكُهُ خلفَ ظَهْرِهِ إلَّا كانَ زادَهُ إلى النَّارِ، إنَّ اللَّهَ لا يمحو السَّيِّئَ بالسَّيِّئِ، ولَكِن يمحو السَّيِّئَ بالحسنِ، إنَّ الخبيثَ لا يمحو الخبيثَ ))
قد يُعطيها لأعدائه وقد يعطيها لمن لا يطيعه، ولكن الآخرة لا يُعطيها إلا لأحبابه.
أمراض تفتك بالنفس فتجعل الحياة جحيماً وتجعل الجنَّة مستحيلة عليها:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ (14)﴾
التزكية لها بحثٌ طويل إن شاء الله أوسِّع فيها في الدرس القادم، كيف يُزكّي الإنسان نفسه؟ وكيف يتخلص من أمراضه النفسية؟ من الكِبر، من الأنانية والأثرة، من حب الذات، من الحسد، من الاستعلاء، من الحقد، من البغضاء، وهذه الأمراض التي تفتك في النفس، فتجعل الحياة جحيماً، وتجعل الجنَّة مستحيلةً عليها.
(( لا يدخلُ الجنةَ من كان في قلبِه مثقالُ حبةٍ من خردلٍ من كِبْرٍ ولا يدخلُ النارَ من كان في قلبِه مثقالُ حبةٍ من إيمانٍ ))
إذاً: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) .
﴿ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)﴾
فلو ترك إنسان ألف مليون (وَلَا بَنُونَ) وثمانية أولاد أطباء تركهم
﴿ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)﴾
من زكّى نفسه يُعد فالحاً وذكياً وناجحاً:
إذا الإنسان تفقَه بمعنى:(قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) ، والله الذي لا إله إلا هو، لو أنَّ إنساناً فهم هذه الآية وصدَّقها لحُلَّت كل مشكلاته، ولسعد في الدنيا والآخرة، الإنسان قد يرى الفلاح في جمع المال، وقد يرى الفلاح في النزهات مثلاً، قد يرى الفلاح في الاستمتاع بالمُتع الدنيوية، قد يرى الفلاح بأن يكون رفيع الشأن في الدنيا، هكذا قد يرى الفلاح ولكن الله سبحانه وتعالى يقول: (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ) الذي نجح، والذي ارتقى، والذي يُعد فالحاً وذكياً وناجحاً هو من زكَّى نفسه
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)﴾
إذاً:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)﴾
هو المُقسَم عليه، يعني: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)
فإذا كانت الآيات في نظرك عظيمة، فجواب هذا القسَم أن تزكّي نفسك، كيف؟ وما الطريق؟ وما السبب؟ وما الوسيلة؟ هذا ما سيُشرح في درسٍ قادمٍ إن شاء الله تعالى.
الملف مدقق
والحمد لله ربِّ العالمين.