وضع داكن
23-11-2024
Logo
الدرس : سورة التين - تفسير الآيآت 1 - 8 سمو المؤمن إلى أعلى عليين بطاعة الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، وأفضل الصّلاة وأتم التسّليمُ على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.

سورة التين تؤكد أن الإنسان يستطيع أن يسمو إلى أعلى عليين إذا عرف ربه وأطاعه


 أيها الإخوة الكرام، سورة اليوم هي سورة التين.

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ (3) لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدۡنَٰهُ أَسۡفَلَ سَٰفِلِينَ (5) إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعۡدُ بِٱلدِّينِ (7) أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَحۡكَمِ ٱلۡحَٰكِمِينَ (8)﴾

[ سورة التين ]

 قبل الحديث عن معاني الآيات الذي تنطوي عليها هذه السورة، لا بد من تعريف عام لهذه السورة، سورة التين تؤكد أن الإنسان يستطيع أن يسمو إلى أعلى عليين إذا هو عرف ربه وأطاعه وعمل الصالحات تقرّباً له، وإذا ضل عنه وعصاه يهوي إلى أسفل سافلين، فحياة الإنسان إما أن تكون في أعلى عليين، وإما أن تكون في أسفل سافلين، لذلك الإمام علي كرم الله وجهه قال: رُكِّب الملك من عقل بلا شهوة، ورُكِّب الحيوان من شهوة بلا عقل، ورُكِّب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان.
 إما أن تكون في أعلى عليين فوق الملائكة المقربين، وإما أن يكون الإنسان الضال في أسفل سافلين دون أحطِّ الحيوانات قدراً.

عطاء الله تعالى يتجلى بخلق التين والزيتون:


 الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿  إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ(7)﴾

[  سورة البينة ]

 أي خير ما برأ الله.

﴿  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)﴾

[  سورة البينة ]

 أي شر ما برأ الله: ﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٍ*ثُمَّ رَدَدۡنَٰهُ أَسۡفَلَ سَٰفِلِينَ﴾ .
﴿وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ*وَطُورِ سِينِينَ*وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ﴾ التين هو التين الذي نأكله، والزيتون هو الزيتون الذي نعصره، وقد يأكل الإنسان الطعام ولا يفقه ماذا يأكل؟ ولا يعرف قيمة ما يأكل؟ ولا يعرف عظمة الله عز وجل من خلال هذا الذي يأكله، هل نظرت إلى التين؟ إن كل بذرة في التينة يمكن أن تكون شجرة، ما أدق هذه البذرة! فيها رُشيم وفي الرشيم حياة، فإذا ذهبت تعد عدد بذرات التينة الواحدة، كل بذرة يمكن أن تكون شجرة، وإذا ذهبت تعد عدد الثمرات التي تحملها الشجرة في العام وتضربها بعدد البذرات، هذا عطاؤنا.

أحد أنواع الكفر المبطن أن نعزو الإبداع للمادة:


 الله سبحانه وتعالى تفضل علينا بنعمة الإيجاد، وعن طريق التوالد والبذور تفضّل علينا بنعمة الإمداد، نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد. 
انظر إلى التينة وهي خضراء قاسية لو تذوقتها لرأيت لها طعماً حريفاً حاداً انظر إليها وقد اصفرَّ لونها، وسالَ عسلها، وعذب طعمها وصار كالعسل، ولانَ ملمسها، ونمت في الجبال بلا عناية ولا سقي ولا شيء من هذا القبيل، فالله سبحانه وتعالى يرينا بعض آياته.
 ذكر التين وأراد به كل فاكهة نأكلها، هل فكرت فيها كيف صُمِّمت؟ العلماء أحياناً يقعون في شيء اسمه كُفر مبطن، يقول هذه البذرة مبرمجة. قال لي رجل من أهل العلم: أن هذه البذرة مبرمجة بمعنى كل خلية من خلاياها فيها نواة، وفي النواة محفظة فيها تعليمات تسميها كروزومات، تسميها جينات، تسميها مورثات، قال هذا الرجل المتعلم المختص بهذا الموضوع: لو أردنا أن نترجم هذه التعليمات إلى لغة لاضطررنا أن نكتب هذه التعليمات في مجلدات تعادل دائرة المعارف، أي من عشرين إلى ثلاثين مجلد وكل مجلد ألف صفحة.
 بعض العلماء قال هذه التعليمات تزيد عن خمسة آلاف مليون أمر، هذه التعليمات في محفظة في النواة التي في الهيلولة التي في الخلية.
 العالم كلما رأى بذرة يقول لك مبرمجة، أي عندما تزرعها تنبت تيناً لخشبها شكل، لأغصانها شكل، لأوراقها شكل، للأوراق لون خاص، لملمس الأوراق ملمس خاص، ذات طبيعة خاصة وطبع مميز، لها أوقات نضج، تحتمل الحر والقر، تنبت في المرتفعات والمنخفضات، لها طباع، هذا معنى مبرمجة، فهذه البذرة تنتج تيناً، وهذه البذرة تنتج زيتوناً، على مستوى الأزهار ترى الأبصال كلها لون واحد، ومع هذا هذه البصلة تنتج وردة بيضاء، وهذه البصلة زهرتها حمراء قانية، وهذه البصلة زهرتها حمراء غير قانية (زهر) وهذه البصلة بيضاء، أي مبرمجة، هذه البذرة فيها تعليمات. 
تعليقاً على هذا الكلام الذي يقوله العلماء أضرب مثلاً: لو أردنا أن نبني بناءً واستخدمنا مهندسين من أرقى المستويات، وقلنا لهذا المهندس: ضع لنا مخططاً للأساسات، ولهذا: احسب لنا نسب الإسمنت والحديد، ولهذا المهندس: ارسم لنا شكل البناء، ولهذا المهندس: هندِس المجاري، وجمعنا هذه الخرائط الصحيحة الدقيقة التي بذل فيها أصحابها الساعات الطوال والإبداع الرائع، جمعنا هذا الخرائط؛ خرائط الأساسات والنسب والهندسة المعمارية وكل المرافق العامة، ووضعناها فوق بعضها بعضاً متى يظهر البناء؟ أي بناء هذا، هل تكفي البرمجة، هل يكفي أن يكون معك مخطط تفصيلي دقيق جداً فيه آلاف المعلومات عن البناء حتى يظهر البناء؟ اجمع هذه الخرائط وضعها في أرض خاوية وانتظر حتى ينبت البناء، أي بناء هذا ينبت! يحتاج إلى مواد، ائتِ بمئات الأطنان من الإسمنت والحديد والبلاط والدهان والمواسير، وكل ما يحتاجه البناء وضع هذه المواد وانتظر هل يُبنى البناء، إذاً هل يكفي أن تقول بذرة مبرمجة، هل يكفي أن تقول في هذه البذرة تعليمات؟ أي تعليمات هذه؟ هل تكفي التعليمات لتنقلب هذه البذرة إلى شجرة، هل تكفي هذه التعليمات لتنقلب البصلة إلى زهر رائع؟ لا تكفي التعليمات، لا بد مع التعليمات من مواد، ولا بد مع المواد من بناء، لا بد من تعليمات أي مخطط، أي برمجة ولا بد من مواد ولا بد من بنّاء يقوم به، فإذا رأيت فاكهة وقلت: هذه بذرتها مبرمجة، فهذا أحد أنواع الكفر المبطن، أي عزونا الإبداع للمادة.

الله عز وجل إكراماً لنا ورأفة بحالنا ثبت خصائص المواد :


 الله عز وجل إكراماً لنا ورأفة بحالنا ثبّت خصائص المواد، إذا زرعت بذر الفجل ينبت فجلاً، لو كان في الكون فوضى إن زرعت الفجل ينبت الخيار، وأنت لا تريد الخيار، وتزرع الخيار فينبت القثاء، لكن ربنا عز وجل جعل للبذرة صفات ثابتة، لكن الناس حينما بعدوا عن الله عز وجل ظنوا أن هذه البذرة مبرمجة، مع أن الله سبحانه وتعالى حينما أنبتَ هذا النبات أنبته على طريقة ثابتة كي نطمئن.
 حدثني أخ يعمل في حقل الأزهار قال لي: في بعض الأنواع من الأزهار الغرام الواحد من بذورها يعد سبعين ألف بذرة، البذرة التي هي جزء من سبعين ألف من الغرام فيها رُشيم، ومع الرشيم مواد غذائية تكفي لإنباته وإنبات جذوره.
 أحضِر حبة فاصولياء وضعْها في قطن بعد أيام ينبت برعم وجذير، أمسِك الفاصولياء تراها فارغة، من أين نبت البرعم والجذير؟ من الغذاء الذي في الفاصولياء، ربنا عز وجل حينما خلق البذرة خلق لها رشيماً وخلق مواد غذائية تكفي لإنبات البراعم، السويق، ولإنبات الجذير، إلى أن تستطيع البذرة أن تأخذ غذاءها من التربة يكون هذا المستودع الغذائي قد انتهى، لو أخذت حمصة وزرعتها في قطن إلى أن ينبت السويق والجذير تجد هذه الحمصة فارغة، هذه المواد التي في الحمصة قد انتهت، إذاً في كل بذرة رشيم ومواد، ومخطط تفصيلي، أية يد بنت هذا البناء؟ أية يد أنبتت هذا النبات؟
 التين له شكل معين، وأوراقه لها شكل معين، وأغصانه لها شكل معين، ولحجم فاكهته حجم معين، وله لون معين، وله طعم معين، وله بذور معينة، وله طِباع معينة، وله وقت نضج معين، ربنا قال: ﴿وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ﴾ على جبل واحد تينة وزيتونة، هذه دائمة الخضرة، وهذه متساقطة الأوراق، هذه تنضج في الصيف، وتلك تنضج في أوائل الشتاء، هذه ذات طعم مر، وهذه ذات طعم حلو كالعسل. سبحان الله! بَون واسع بين التين والزيتون، قد تزرع تينة إلى جنب زيتونة على أرض واحدة، ويسقيها ماء واحد، ويعتني بها مزارع واحد، ولهذه صفاتها ولتلك خصائصها.

ما من فاكهة على وجه الأرض إلا ولها علامة نضج وهذه من نعمة الله عز وجل:


 قال بعض المفسرين: ما أراد الله عز وجل من هذه الآية التين والزيتون فقط، أراد كل ما تأكله، فهذان النوعان والصنفان على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، هل فكرت أيها الإنسان في التين والزيتون، هل فكرت في المشمش، في التفاح، في الكمثرى، في الدراق، في العنب، في البلح، في الموز، في هذا الذي خلقه الله سبحانه وتعالى؟ كل فاكهة لها طعم، لها نكهة، لها قِوام، لها قشر، لو أن التين طال ذنبها لسقطت، لكن قصر ذنبها يعين على تماسكها على الشجرة، وهذه من حكمة الله عز وجل، لو أن هذه التينة بقيت ذات لون أخضر، لا تعرف أنت أية ثمرة قد نضجت، تقطف ثمرة غير ناضجة لا تؤكل، لكن الله سبحانه وتعالى تفضل علينا فجعل الثمرة الناضجة صفراء اللون، وأعطاك إشارة أخرى وهي نقطة عسل في مؤخرتها، هذه نضجت اقطف هذه ودعْ تلك، قال ربنا عز وجل:

﴿ وَعَلَٰمَٰتٍۢ ۚ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ(16)﴾

[  سورة النحل ]

 ما من فاكهة على وجه الأرض إلا ولها علامة نُضج، وهذه من نعمة الله عز وجل، حتى البطيخ، الذي يملك حقل بطيخ يجنيه خلال أشهر ثلاثة، كيف يعرف أن هذه البطيخة قد نضجت؟ هل يحملها وهي على أمها ويتفحصها؟ هذه عملية معقدة هل عليه أن يضربها أم يشدّ عليها أم يقطعها؟ وإذا قطف البطيخ من دون معرفة قد يأتي كله أبيض اللون لا يُباع، ربنا عز وجل جلّت حكمته جعل على طرف البطيخ حلزوناً إذا كان يابساً فالبطيخة قد نضجت، وإذا كان أخضر اللون يدعها على حالها، (بارومتر) ما من فاكهة من الفواكه إلا ولها علامة لذلك قال الله عز وجل: ﴿وَعَلَٰمَٰتٍۢ ۚ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ كلمة ﴿وَعَلَٰمَٰتٍۢ﴾ مطلقة، علامة لنضج الثمار والخضراوات والمحاصيل والفواكه والثمار وكل شيء.

المحاصيل لحكمة بالغة جعلها الله عز وجل تنضج في وقت واحد:


 ربنا عز وجل جعل هذا التين لا ينضج في وقت واحد، مع أنه تلقى شروطاً واحدة، حراً في وقت واحد، قَرّاً في وقت واحد، سُقي في وقت واحد، الظروف المحيطة بالشجرة واحدة، يجب في المنطق أن تنضج الثمرات في يوم واحد، فلو أن هذه الشجرة نضجت دفعة واحدة الإنتاج كله سوف يُباع في الأسواق والإنسان لن يستطيع أن يستهلكه في يوم واحد، يستهلك واحد من تسعين من حجمه والباقي يُتلَف، لكن الله سبحانه وتعالى جلت حكمته جعل نضج التين، والتفاح، والكمثرى، والدراق، والبطيخ بالتدريج.
لولا أن هناك إلهاً عظيماً لجعل القمح ينضج بالطريقة نفسها، هذه مشكلة، تمسك السنبلة واحدة وَاحدة فترى هل نضجت أم لم تنضج؟ أي يمضي الصيف كله بجني القمح، فالمحاصيل لحكمة بالغة جعلها الله عز وجل تنضج في وقت واحد. 
فربنا يقول جلّ من قائل: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴾ أي هل فكرت أيها الإنسان بهاتين الآيتين؟ يجب على الإنسان ألا يكون كالبهيمة يأكل ويشرب كما تأكل الأنعام، الأنعام تأكل ولا تعرف ماذا تأكل، ولا قيمة ما تأكل، ولا عظمة الخالق فيما تأكل، ولا روعة الخلق، ولا العلم المنطوي بهذه الفاكهة: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴾  وعلى الإنسان أن يجول فكره في ملكوت السموات والأرض.

الله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق لنعرفه من خلال الخلق:


 ربنا سبحانه وتعالى يقول:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ(28)﴾

[  سورة فاطر ]

 أي العلماء وحدهم يخشون الله، كلما زدت المخلوقات فكراً زادتك معرفة بالله عز وجل، والأصح من ذلك أن الله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق لنعرفه من خلال الخلق. قال:

﴿  اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً(12)﴾

[  سورة الطلاق ]

 فهذه اللام لام التعليل لتعلموا: ﴿وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ*وَطُورِ سِينِينَ﴾ هناك تفسيرات كثيرة لآية ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾ بعض هذه التفسيرات أن التين والزيتون ينبتان في الجبال، الطور هو الجبل، وسينين هو الجبل الذي فيه أشجار مثمرة، أي الجبل الأخضر، منظر جميل وعطاء كريم، في بلادنا جبال كثيرة كلها زيتون، هناك إحصاء قديم من عشر سنوات أنه يوجد أكثر من خمسة عشر مليون زيتونة. جبال خضراء وفوق جمالها وخضارها تدرّ على الناس عطاءً كثيراً. 
ومعنى آخر أن هذا الجبل الذي ينبت هاتين الشجرتين من تربة واحدة قد يكون الجبل كلسياً، قد يغلب على تربته الحديد ومع ذلك ترى طعم الزيتون يختلف عن طعم التين، وبعض المفسرين قالوا: الطور من قوله تعالى:

﴿  مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً(13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً(14)﴾

[  سورة نوح ]

 من الطَّور، والطَّور مرحلة في النمو، مرحلة في التطور، هذه البذرة لتصبح شجرة تمرُّ في مراحل من مرحلة الرشيم لمرحلة إنبات الرشيم، لظهور الجذير، لنمو الساق، لنمو الأغصان، لنمو الأوراق، لنمو الأزهار، لانعقاد الثمرة، لنضج الثمرة، لحجم الثمرة وتلوّنها، هذه الأطوار طور وراء طور، ما الذي يصنعه في هذه الشجرة من قوة خفية؟ لذلك قال بعض الفلاسفة: البذرة شجرة بالقوة، وبذرة بالفعل.

معنيان مختلفان لكلمة (طور) :


 ربنا عز وجل قال: ﴿وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ*وَطُورِ سِينِينَ﴾ هذا التطوير في النبات والحيوان والإنسان، فالطفل ينمو صغيراً، يمشي، يتكلم، يدرك، يحاكم، يفكر، يتذكر، يكبر، تنبت لحيته، ويخشن صوته، يصبح شاباً، يزداد عقله، يقل طيشه، ثم يصبح كهلاً، يعقل، يفكر في مستقبله، يتزن في كلامه، أطوار ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً* وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾ كذلك الحيوان، كذلك النبات، كذلك الأشجار المثمرة تبدأ بذرة، ثم فسيلة، ثم شجيرة، ثم شجيرة لا تثمر بعد ذلك، تثمر وتبشّر، بعدئذ تنمو وتكبر ثم تعطي عطاءها الكبير، منها من يعمّر، هذه تعيش ألف عام، هذه تعيش عشرة أعوام، هذه قصيرة العمر، وهذه طويلة العمر، هذه الأطوار طواها الله سبحانه وتعالى كلها في قوله ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾.
 إما أن نفهم الطور الجبل المبارك الذي تكسوه الأشجار الخضراء؛ تربة واحدة، مكان واحد، ظروف جوية واحدة، أمطار واحدة، وبَون شاسع بين التين والزينون، وإما أن نفهم الطور هذا الإمداد الإلهي الذي يجعل الأشياء تمرُّ من طَور إلى طور. 
قبل يومين رأيـت الناس متحلقين في أحد شوارع المدينة، اقتربت فإذا إنسان مُلقى على الرصيف، سألت: ماذا به؟ قالوا: وقع ميتاً، قبل دقائق كان يمشي ويتحرك؛ أعصاب، عضلات، رؤية، سمع، بصر، محاكمة، تفكير، نطق، كلام، هضم، دوران، سيالة عصبية، جهاز إفراز الفضلات، جهاز بول، كل هذه الأجهزة المعقدة كانت تعمل دفعة واحدة توقفت عن العمل، فإذا هو جثة هامدة.
 ما الذي فقده هذا الإنسان، فقد هذا الإمداد الإلهي، هذا الإمداد الذي يُمِدّ الأجهزة بالحركة والعمل، للتقريب؛ جهاز معقد جداً يعمل على الكهرباء إذا قطعت عنه التيار يقف، يصبح كتلة من حديد. قبل قليل كان كمبيوتر، وعقل إلكتروني يعطيك المعلومات ويعمل، فقطعت عنه الكهرباء فأصبح كتلة من الحديد، فها الإمداد، الله سبحانه وتعالى يمدنا بالحياة، ما الموت؟ القوة الإلهية المُمِدّة بالحياة توقفت فإذا الإنسان هو لحم وعظم يتفسخ بعد حين.

ثبات خصائص المواد هذه نعمة كبرى ولا يعلمها إلا العالمون:


 قال تعالى: ﴿وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ*وَطُورِ سِينِينَ*وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ بعضهم قال: البلد الأمين مكة المكرمة، وإذا حمّلنا هذه الآية على أنها مكة المكرمة تكون بعيدة عن السياق العام، مع أن مكة مكرمةٌ عند الله عز وجل مشرفةٌ، وزادها الله شرفاً وتعظيماً، لكن البلد الأمين إذا راعينا السياق العام هذه الأرض التي نحن عليها، اركب طائرة هل تحس بالأمن المطلق، لا، لعل جهازاً تعطل فيها، لا بد من قلق ولو بالمئة واحد، لعل الوقود تسرب من بعض الخزانات، لعل الأشخاص المكلفون بتنسيق الحركة في المطارات غافلون، لعل هناك اصطداماً بين طائرتين، وهذا حدث. فالإنسان إذا ركب مركبة في الفضاء يظل يشعر بالقلق، لكن وأنت على سطح الأرض في طمأنينة بالغة، الأرض لن تصطدم بكوكب آخر، قال تعالى:

﴿ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)﴾

[  سورة يس ]

 لكل كوكب مسار خاص، الأرض لن يتعطل فيها بعض الأجهزة، لن ينفد الوقود، لن تختل الجاذبية، هناك أمن، هناك أمن على بقائها، وأمن على استمرارها، وعلى حركتها، وعلى طاقتها. 
والشمس كل يوم تشرق، أنت مطمئن، لولا أن الله سبحانه وتعالى تفضل علينا وجعل للحديد صفات ثابتة فأحوالنا صعبة، بعد أن أشدت البناء طرأ تعديل على بنية الحديد فوقع البناء، الحديد له صفات ثابتة، الإسمنت له صفات ثابتة، ثبات خصائص المواد هذه نعمة كبرى ولا يعلمها إلا العالمون، أنت في هذا البلد على هذه الأرض تحتاج إلى الماء، الماء موفور في البحار والينابيع، وفي الأنهار، وفي باطن الأرض، والمياه معدنية فيها نسب من الكلور معينة، ومن اليود معينة، هذه النسب لها علاقة بأجهزة الإنسان الداخلية، وبغدده الصماء، حتى أن وحدات التحلية التي صنعها الإنسان لتحلية مياه البحر هكذا بلغني؛ أن المشرفين على هذه الوحدات يضيفون إليها بعض مياه الآبار؛ لأن هذه التحلية تعطينا ماءً صِرْفاً وليس معدنياً، وهذا يؤذي بالصحة، لذلك تُحفَر الآبار ويُؤخَذ منها بعض الماء القليل ويُخلَط مع مياه التحلية حتى يصبح الماء معدنياً، فأنت إذا شربت كأس الماء من هذا البلد الأمين الذي جعل الله عز وجل كل الحاجات متوافرة فيه.

البلد الأمين أي كل الحاجات موفرة خلقها الله سبحانه وتعالى وجعلها لنا:


 أنت بحاجة إلى الهواء، قد لا تصبر على فقد الماء أكثر من أيام، لذلك الماء موزع في المدن والقرى، لكن الهواء لن تستطيع أن تصبر على فقده إلا دقائق، إذاً هو في كل مكان، الهواء لا يحتاج إلى قسائم، فهو موجود في كل مكان لا يُباع ولا يُشترى، ولا يُقنَّن ولا يُحتَكر ولا يُستَغل؛ لأن حاجتك للهواء مستمرة، فالله سبحانه وتعالى جعله في كل مكان.
 أنت بحاجة إلى أن تنام جعل لك الليل سباتاً أميناً، وجعل المخلوقات كلها تخلد إلى النوم في مثل هذا الوقت. أنت بحاجة إلى ثياب تقيك الحر جعل القطن يمتص العرق، بحاجة إلى ثياب تقيك القَرّ جعل الصوف تدفأ به. أنت بحاجة إلى طعام فيه بروتين جعل اللحوم، ونوَّعها لك، فتأكل لحم غنم تارة ولحم سمك تارة، ولحم طير تارةً أخرى.
 أنت بحاجة إلى فواكه ذات ألياف سيللوزية، أنت بحاجة إلى بيت جعل لك موادَّ للبناء تجبِلها تصبح سائلة ثم تجف تصبح قاسية، مَن خلقها لك؟ مَن أعطى للإسمنت خواصّه، من أعطى خواصّ المواد التي صُنِع منها الإسمنت؟
 أنت بحاجة إلى طفلٍ يؤنس وَحشتك ثم يعينك في كِبرك، فجعل نظام الزواج، تحتاج إلى إنسان تسعد به قال تعالى:

﴿  وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(21)﴾

[ سورة الروم ]

 ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ أي كل الحاجات موفورة، تحتاج إلى طعام وشراب ومشروبات أخرى، هذه الفاكهة إذا عصرتها، والشاي والقهوة، مَن خلقها؟ الله سبحانه وتعالى جعلها لنا.

الله عز وجل خلق الإنسان في أحسن تقويم:


 ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ هنا تجاوزنا التين والزيتون، ﴿وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ﴾ نموذجَين، ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾ هذه الجبال الخضراء الجميلة ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ الأرض كل شيء فيها.
 أنت بحاجة إلى لِيف لتستحم به، يوجد ليف طبيعي له وجه ناعم وآخر خشن، شيء جميل، مهما صنع الإنسان من أشياء لتستحمّ بها، هذا اللِّيف الطبيعي نبات من الداخل خشِن، ومن الخارج ناعم، ويبقى فترة طويلة، أنت بحاجة إلى نباتات حدودية، هناك نباتات خاصة للحدود بينك وبين جيرانك، أنت بحاجة إلى نباتات للزينة، أنت بحاجة إلى شجر ليكون لك مظلة أمام بيتك، هناك أشجار مظلات كأنها مظلة، دائمة الخضرة، ذات أوراق لطيفة، تتحرك مع الهواء حركة جذابة ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ أي شيء تريده موفور لك. 
وأنت في النهاية ﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٍ﴾ أي في أبدع ما يكون، هل تستطيع -يا أخي الكريم- أن تقترح على الله عز وجل تعديلاً لخلق الإنسان؛ كأن تطول اليدان ستة سم زيادة، انظر إلى وضع اليدين؛ الإبهام، الأصابع، هذه التجاعيد، هذه الأطوال المتباينة، هذه الأظافر، هنا لا يوجد شعر، هذه الخطوط، هذا الظفر يأتي هنا من أجل أن تمسك الأشياء بقوة، هذا الإبهام، هذا المفصل الكروي، هذا المفصل الأُنسي، من هذا المكان بالذات، هذا المفصل الآخر، طول اليدين، طول المفاصل، العضلات، والأعصاب، والأوردة، والشرايين، لو فُتحت اليد ورُسمت لرأيت عجباً عجاباً، هو: 

﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(3)﴾

[ سورة الحديد ]

هذا الجذع، هذا الرأس كيف يتحرك ويدور؟ من جعل هذا المفصل دائرياً؟ هذا الفك هو المتحرك، والرأس هو الثابت لو كان العكس... مكان العينين، الشعر، الأنف، الفم، الشفتان، الأسنان، منها قواطع، ومنها أنياب وأضراس، لو عُكست الآية وكانوا سناً واحداً وأصابه نخرٌ لكانت القضية صعبة، لو أن هذه الأسنان تنمو باستمرار، ماذا نفعل؟ من هو القابض؟ نمَتْ ونمت ثم توقفت، من أوقفها عند حدها؟ لو لم تقف عند حدها ماذا نعمل؟ فالغذاء موجود، والإمداد موجود، النمو مستمر، لانكسر حنك الإنسان، وماذا نفعل لو أن الله سبحانه وتعالى لم يوقف النمو عند حد معين؟ نمو العظام، نمو الأسنان، من جعل هذه الجمجمة ذات مفاصل منكسرة من أجل امتصاص الصدمات؟ من جعل بين الدماغ والجمجمة سائلاً من أجل أن يقي الإنسان ارتجاج الدماغ؟ من جعل هذه الأنسجة حول الدماغ؟ من جعل في الدماغ مئة وأربعين مليار خلية استنادية لم تُعرَف وظيفتها بعد؟ من جعل على سطح الدماغ أربعة عشر مليار خلية سمراء من أجل المحاكمة؟ ﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٍ﴾ من جعل في هذه العين مئة وثلاثين مليون عصية وسبعة ملايين مخروط من أجل أن ترى أدق الأشياء وأجملها؟ من جعل العين تفرق بين ثمانمئة ألف درجة من لون واحد؟
 من جعل هذا الأنف يعرف الروائح، وفي الذاكرة أرشيف للروائح، يشم هذه الرائحة يقول: انتظر هذه الرائحة كذا، ماذا حصل في الدماغ؟ أن هذه الرائحة عُرضت على قائمة طويلة من الروائح واحدة وَاحدة فلما وصلت إليها قلت هذه كذا، عندك ذاكرة روائح وذاكرة أصوات، وذاكرة طعام، تقول مثلاً: وضعوا كموناً في هذا الطعام، فكيف عرفت أن فيه كموناً؟ من الذاكرة، الذاكرة شيء عجيب. ﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٍ﴾

إعجاز الله تعالى يتجلى في خلق الإنسان :


 الله عز وجل أعفاك من التنفس والدوران، لو أن الله سبحانه وتعالى أوكلَ إليك التنفس ماذا تعمل؟ هل تنام؟ ينام الإنسان فيموت، يجب أن يسهر حتى يتنفس، لو أن الله سبحانه وتعالى أوكل إليك ضربات القلب لا نوم، النوم معناه الموت، لو أن الله سبحانه وتعالى أوكل إلينا الهضم تحتاج أربع ساعات تضع المواد الهاضمة والعصارات وكلور الماء، البنكرياس والمرارة وتتفرغ خمس ساعات بعد الأكل، إذاً خمس عشرة ساعة لهضم طعام ثلاث وجبات كل يوم.
﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٍ﴾ جعلك تنام وترتاح في النوم، جعلك تتكلم، كل حرف سبع عشرة عضلة تسهم في صنعه، فتتكلم كثيراً دون أن تحسب حساباً لعدد الكلمات، وهناك عضلات معقدة تعمل في الكلام.

﴿ ٱلرَّحۡمَٰنُ (1) عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ (2) خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ (3) عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ (4)﴾

[ سورة الرحمن ]

 جعل الحركة لا إرادية، إذا الإنسان شاهد أفعى في بستان يصفرّ لونه، ويدق قلبه، ويزداد وجيب رئتيه، تفحص الدم تجد فيه مواد سكرية زائدة، خلال ثوان ما الذي حدث؟ قال: العين رُسمت في شبكيتها صورة الأفعى، والعين نقلت هذه الصورة إلى ملك الجملة العصبية الدماغ، والدماغ يملك أرشيفاً فيقول أفعى هذه، وهذا يسمى الإدراك، العين تحس أما الدماغ يدرك، الدماغ أعطى أمراً إلى ملكة الجهاز الهرموني الغدة النخامية، وحجمها كالعدسة في الدماغ، هناك خطر، الغدة النخامية أعطت أمراً إلى الكظر هناك خطر تصرف.
 المراكز العليا تعطي أمراً صغيراً موحداً، أما الدنيا معها تفصيلات، الكظر أعطى أمراً إلى كل الشرايين بتضييق لمعتها لتوفير الدم، الخائف يصفر، أمر ثان إلى القلب ليزداد وجيبه حتى ينتقل الدم بسرعة، أمر ثالث للرئتين فيزداد خفقانهما حتى تتوافق مع القلب، أمر رابع للكبد يفرز مواد سكرية إضافية في الدم خلال ثوان.

كل الخلايا في الجلد تتجدد وهذه من نعمة الله على الإنسان إلا خلايا الدماغ:


 ﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٍ﴾ الله عز وجل خلق مثانة، لولا المثانة لضاعت كرامتنا، كل عشرين ثانية يوجد نقطتي بول، لو كان من الكليتين للخارج مباشرةً يحتاج إلى فوط، فتنشأ لدينا أزمة، ربنا جعل مثانة، جعل حالبين، جعل عضلات إخراج البول والغائط بإرادتك، عضلات قابضة وهي مشدودة إلى أقصى حد أنت مرتاح، هاتان العضلتان فيهما عظمة لا حدود لها.
﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٍ﴾ هذا عن خلق جسمه، انظر إلى إنسان فقدَ عقله في الطريق، حدثني أخ عنده رجل مسن فقدَ تفكيره، قال لي: نربط له يديه حتى لا يأكل من نجسه، فانظر إلى الإنسان العاقل كيف يكون.
 ألا نظرت في الطريق إلى إنسان مجنون كيف يتكلم؟ كيف يتصرف؟ هناك قصص يقشعر لها الجلد، تراه صحيح الجسم قوياً ولكنه بلا عقل، فإذا فقدَ الإنسان عقله فقد كل شيء لأن قِوام الرجل عقله.
﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٍ﴾ تتكلم الكلام المناسب بالوقت المناسب أحياناً تتكلم، أحياناً تسكت، أحياناً تعلّق تعليقاً مثمراً، أحياناً تعتذر، أحياناً تغضب غضباً مناسباً في وقت مناسب، فعقلك يتحكم في المواقف كلها.
﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٍ﴾ عقلاً وجسماً وروحاً ونفساً وفطرةً وأجهزةً، لو أن الله عز وجل وضع في الشعر أعصاباً حسية لاحتاج الإنسان إلى عمل جراحي في المستشفى ليجري عملية حلاقة، لأنها تحتاج إلى مخدر لوجود أعصاب حس، أما ربنا عز وجل ﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٍ﴾ فالشعر والأظافر ليس فيها أعصاب حس، تقص أظافرك بنفسك، ولا تحتاج إلى مخدر ولا غرفة تخدير، ولا أي شيء. 
﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٍ﴾ كل الخلايا في الجلد تتجدد، وهذه من نعمة الله على الإنسان، لكن الله عز وجل حكيم، لو أنه طبّق هذا القانون على كل شيء وتجدد الدماغ تفقد كل خبراتك ومعلوماتك، وشهادتك، كنت طبيباً ونسيت كل شيء لأنه الدماغ تجدد، أما خلايا الدماغ ثابتة لا تتبدل، خلايا الدماغ التي وُلدتَ بها هي كما هي حتى آخر ساعة من حياتك، فيها خبرات، فيها المعارف، فيها الذكريات والمعلومات، والأساليب، كلها في الدماغ، كيف تنمو خبرة الإنسان؟ تتراكم كلها، ربنا عز وجل جعل الدماغ لا يتبدل والقلب كذلك، وما سوى ذلك كل شيء بجسمك كل خمس سنوات يتجدد، فعظم اليد مثلاً بعد خمس سنوات كل شيء فيه يصبح جديداً، وهناك أشياء تتبدل كل أربع سنوات، الشعر يتبدل كله بثلاث سنوات، أطول عمر للشعرة ثلاث سنوات. أما الخلايا التي تموت في الأمعاء الدقيقة تتبدل كل ثمان وأربعين ساعة.

خلقنا الله عز وجل في أحسن تقويم لنكون في أعلى عليين:


 قال تعالى: ﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٍ﴾ لماذا خلقناه في أحسن تقويم؟ ليكون في أعلى عليين قال تعالى:

﴿  وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً(70)﴾

[ سورة الإسراء ]

 خلقنا الله عز وجل في أحسن تقويم لنكون في أعلى عليين، فإذا ضلّ الإنسان عن ربه، عصاه، نسي لماذا خلقه، نسي الآخرة قال تعالى: 
﴿ثُمَّ رَدَدۡنَٰهُ أَسۡفَلَ سَٰفِلِينَ﴾ أحقر المخلوقات في الأرض الإنسان العاصي دونها بكثير ﴿أَسۡفَلَ سَٰفِلِينَ﴾ عندما يغفل الإنسان عن الله عز وجل ويعطي لنفسه شهواتها، فيطغى على حقوق الناس، ويأخذ ما ليس له، ويستعلي عليهم، ويبني مجده على أنقاضهم، وغناه على فقرهم، وأمنه على خوفهم، هذا في طريقه إلى مرتبة سفلى، إلى أسفل سافلين، هكذا قال الله عز وجل، بعضهم فسّر هذه الآية بأنها أرذل العمر، إذا الإنسان لم يعرف الله عز وجل يُرَد إلى أسفل سافلين.

موت الفجاءة للكافر نقمة وللمؤمن نعمة :


أنت كمؤمن في صعود إلى أبد الآبدين، الموت نقطة على هذا الخط الصاعد، المؤمن في صعود دائم مكانة وعلماً ومعرفة ومحبة ونشاطاً، لذلك المؤمن من إكرام الله له أن قبضه إليه يكون قبضاً يسيراً، يبقى بكامل صحته ثم يتوفاه الله، انتُزع من أهله انتزاعاً تألموا له كثيراً، لكن لو تركه الله سبحانه وتعالى في الفراش عشر سنوات أقرب الناس إليه يدعو الله صباح مساء أن يقبضه، وأن يخفف عنه، فقدَ مكانته، وصار عبئاً على أهله. لذلك موت الفجاءة للكافر نقمة، يتابع مسلسلاً فجاءه ملك الموت، لم يكمل المسلسل، فهذا قُبض في وضع سيئ، أما المؤمن وهو بكامل صحته يقبضه الله عز وجل إليه، يكون خفيف الظل. 
﴿ثُمَّ رَدَدۡنَٰهُ أَسۡفَلَ سَٰفِلِينَ﴾ لكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليسوا كذلك، ربنا قال: ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ هؤلاء خُلِقوا في أحسن تقويم، وهم في أعلى عليين، ولن ينزل خطهم البياني أبداً هم سائرون، نحو الأمام، نحو الأعلى، نحو سعادة أشد، وعطاء أكبر، وأمن أكثر، وسرور وتوازن وما شاكل ذلك.
﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٍ﴾ أجر غير ممنون أي غير مقطوع، الأجر الذي يعطيه الله سبحانه وتعالى للمؤمنين لا يُقطَع؟ ماذا يُستنبَط؟ أن كل عطاء ينتهي بالموت ليس عطاءً، فالمال الوفير، والمنزل الفخم، والمكانة الاجتماعية الرفيعة مادام هناك موت هذا لا يسمى عطاء.
فلينظرْ ناظرٌ بعقله أن الله أكرم محمداً أم أهانه حين زوى عنه الدنيا، فإن قال: أهانه فقد كذب، وإن قال: أكرمه فقد أهان غيره حيث أعطاه الدنيا.
 

الله سبحانه وتعالى أعدّ للمؤمن عطاء لا ينقضي، هذا معنى:


﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122)﴾

[ سورة النساء ]

 إلى الأبد، ولكي يعرف الإنسان معنى الأبد ليحضر كيساً من الطحين يزن مئة كيلو، وليضع إصبعته في الكيس وضعاً رفيقاً ويتذوق منه، إلى كم مرة يحتاج حتى ينتهي الكيس! أعتقد أنه لا يستطيع أن يحصي العدد، إذا كل ذرة مليون سنة، فهذا الكيس كم مليون سنة! ومع ذلك تلك السنوات تنتهي، أما الأبد لا نهاية له. فإذا وضعنا رقم الواحد في دمشق وأصفار إلى حلب وجعلناهم صورة (البسط) لكسر مخرجه (مقامه) لا نهاية، قيمة هذا الكسر صفر، كل عدد مهما كان كبيراً إذا نسب إلى اللانهاية قيمته الصفر، فإذا عاش الإنسان في الدنيا ألف مليون مليون مليون، قل مليون لسنة كاملة، أمام الأبد هي صفر، لا شيء، ذاك هو العطاء.

((  أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. ))

[  متفق عليه  ]


البكاء على الدنيا ضعف في التفكير :


 قال تعالى:

﴿ لِمِثْلِ هَٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَٰمِلُونَ(61)﴾

[  سورة الصافات ]  

﴿ خِتَٰمُهُۥ مِسْكٌ ۚ وَفِى ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَٰفِسُونَ (26)﴾

[ سورة المطففين ]

ابكِ على الآخرة ولا تبكِ على الدنيا، البكاء على الدنيا ضعف في التفكير. 

(( لو كانت الدُّنيا تعدِلُ عند اللهِ جناحَ بعوضةٍ ما سقَى كافرًا منها شرْبةَ ماءٍ. ))

[ أخرجه الترمذي ]

 ليس لها قيمة يعطيها لمن يحب ولمن لا يحب، خذها، قال تعالى:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44)﴾

[ سورة الأنعام  ]

 ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٍ﴾ كلمة غير ممنون أي غير مقطوع، عطاء سرمدي أبدي، لا خوف ولا قلق، ولا مرض، ولا شعور بالحزن، حياة سعيدة إلى ما شاء الله، هذه الحياة نزهد بها ونطمع في الدنيا! هذا هو ضعف التفكير، لذلك:

(( كنتُ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عاشِرَ عَشرةٍ، فذكر حديثًا طويلًا، فيه: فقال فتًى: يا رَسولَ اللهِ، أيُّ المؤمنينَ أفضَلُ: قال: أحسَنُهم خُلُقًا، قال: فأيُّ المؤمِنينَ أكيَسُ؟ فقال: أكثَرُهم للموتِ ذِكرًا وأحسَنُهم له استِعدادًا. ))

[ صحيح ابن ماجه ]

﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعۡدُ بِٱلدِّينِ﴾ (ما) بمعنى من أو بمعنى ما، ما الشيء الذي يدعو إلى التكذيب بالدين؟ كل هذا الكون ومع ذلك تكذب بالدين! الله عز وجل له شهادات، هذا الكون خلْقه، اعرِفْه من خلال الكون، أتكذب بوجوده أم بأسمائه الحسنى أم بوعده أم بجنته أم بناره وهذا الكون أمام عينيك! الشمس والقمر والنجوم والمجرات والليل والنهار والجبال والوديان والبحار، وخلْق الإنسان، والأجهزة والعضلات، كل شيء أمامك ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعۡدُ بِٱلدِّينِ﴾ .

أقصى أنواع التكريم أن الله سبحانه وتعالى خلقنا على صورته:


 قال تعالى:
﴿وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ*وَطُورِ سِينِينَ*وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ*لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٍ*ثُمَّ رَدَدۡنَٰهُ أَسۡفَلَ سَٰفِلِينَ*إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٍ*فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعۡدُ بِٱلدِّينِ﴾ ما الذي يدعوك أن تكذب بالدين، بما وعد الله به، بالجنة والنار، بالحساب الدقيق، بالتوفيق في الدنيا، بالتعسير في الدنيا، هذه الوعود التي وعد الله بها كيف تكذب بها؟ كيف لا تأخذها مأخذ الجد؟ كيف تستخف بها؟ يقول بعض الناس: لا تبالِ، ولا تهتم، هذه معصية، ربٌ يقول لك اترك هذا، تفعله أنت؟
﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعۡدُ بِٱلدِّينِ*أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَحۡكَمِ ٱلۡحَٰكِمِينَ﴾ النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا قرأ هذه السورة قال: بلى، كان يجيب ربه سبحانه وتعالى إذا قرأ هذه السورة. 
﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٍ﴾ فيه معنىً جديد هو أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان مختاراً، وخلقه مفكراً، وخلقه متكلماً، وخلقه سميعاً، وخلقه بصيراً، وخلقه حكيماً عاقلاً، وخلقه متميزاً ليس هناك إنسان آخر يشبهه، وهذه كلها أسماء الله الحسنى، الله سميع وخلق الإنسان بهذه الصفة مع التفاوت الكبير، لكن الله سميع وجعل للإنسان سمعاً، لذلك هذا يفسر قول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ  ))

[ متفق عليه  ]

 أنت مخلوق مكرم جداً، أسماء الله الحسنى، الله عز وجل فرد، وجعلك فرداً ليس في الأرض إنسان يشبهك في الشكل، ولا في طريقة المشي، ولا في طريقة الانتعال، ولا في طريقة التكلم، ولا في طريقة التفكير، نسيج وحدك، تكريم من الله عز وجل. الله عز وجل يفعل ما يشاء أعطاك حرية الاختيار، الله عز وجل سميع وجعل لك سمعاً تسمع به، وبصير وجعلك بصيراً، الله سبحانه وتعالى خلق آدم على صورته، هذا أعلى تكريم، الله سبحانه وتعالى يحكم بين عباده، وكذلك جعل الناس مراتب بعضهم أعلى من بعض ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، فلذلك أقصى أنواع التكريم أن الله سبحانه وتعالى خلقنا على صورته.

النبي الكريم يعد الإنسان الأول في الكون الذي بلغ قمة الكمال الإنساني:


 ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ فإذا الله عز وجل أعطاناً سمعاً وبصراً وفكراً ومحاكمة ونطقاً وبياناً، يجب أن تكون أخلاقنا مستمدة من أسماء الله الحسنى، أن نكون رحماء كرماء نعفو عن بعضنا بعضاً، نحلم على بعضنا بعضاً، هذه الأسماء الحسنى يجب أن نتمثّلها بسلوكنا، لذلك النبي الكريم يعد الإنسان الأول في الكون الذي بلغ قمة الكمال الإنساني.
﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ﴾ بعضهم قال: من هذا الإنسان الذي يكذبك وقد ظهر الحق؟ ما الشيء الذي يدعو إلى التكذيب؟ 
﴿أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَحۡكَمِ ٱلۡحَٰكِمِينَ﴾ بعضهم فسّر هذه الآية أن الشمس تحكم الأرض بالجاذبية، والأرض تحكم القمر بالجاذبية، والشمس تبخر الماء، والسحاب تحكمها الرياح، وكل مادة لها مادة مضادة ومادة مؤثرة، الكون كله هكذا، الذئب يحكم الغنم لأن الغنم تخاف من الذئب، لخوفها من الذئب تبقى مع القطيع حِفظاً لها، والهرة تحكم بعض القوارض رحمةً بنا، مَن جعل المخلوقات يحكم بعضها بعضاً؟ هو الله عز وجل، هو أحكم الحاكمين، هو الذي أعطى كل شيء ما يستطيع أن يسيطر به على شيء آخر ﴿أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَحۡكَمِ ٱلۡحَٰكِمِينَ﴾ هذا معنىً من معاني أحكم الحاكمين، كل شيء يحكم الشيء الآخر، والله سبحانه وتعالى فوق الجميع، هو الذي رتّب هذا الترتيب، والله سبحانه وتعالى أيضاً حكيم، احكم الخاكمين، حكمته ظاهرة في خلقه، وفي تصرفاته، وفي مشيئته، وفي إرادته، وفي كل ما خلق من مخلوقات صغيرة وكبيرة.
﴿وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ*وَطُورِ سِينِينَ*وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ*لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٍ*ثُمَّ رَدَدۡنَٰهُ أَسۡفَلَ سَٰفِلِينَ*إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٍ*فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعۡدُ بِٱلدِّينِ* أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَحۡكَمِ ٱلۡحَٰكِمِينَ﴾ الملخص أنك أيها الإنسان تستطيع أن تصل إلى أعلى عليين، وتسبق الملائكة المقربين إذا عرفت رب العالمين، وإن غفلت عنه تهوي إلى أسفل سافلين، أي مخلوق خلقه الله عز وجل هو فوق الإنسان الكافر.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور