وضع داكن
24-04-2024
Logo
الدرس : 32 - سورة الأنعام - تفسير الآية 92 ، القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثاني والثلاثين من دروس سورة الأنعام .


القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه :


 ومع الآية الثانية والتسعين ، وهي قوله تعالى :

﴿  وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) ﴾

[ سورة الأنعام ]

 أيها الإخوة، كما يقولون: الشيء بالشيء يُذكر، الآية الأولى من سورة البقرة : 

 

﴿ الم(1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ(2) ﴾

[  سورة البقرة  ]

 مطلع سورة البقرة أي كلمة يمكن أن تقف عليها : 

﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ يعني إذا كان في الأرض كلها كتاب واحد فيه مبادئ سلامتنا وسعادتنا في الدنيا والآخرة فهو القرآن الكريم ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ .

إن قلت: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ﴾ حقاً هو الكتاب الذي فيه مبادئ سلامتنا وسعادتنا. 

إن قلت: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾ أيضاً يصح أن نقف عند كلمة فيه ، 

أيضاً إذا قلت: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى﴾ أيضاً يصح أن نقف عند هذه الكلمة .

 أما الآية اليوم : 

﴿وَهَذَا كِتَابٌ﴾ هذا الذي بين يديكم، هذا القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه، وسوف أوضح في هذا الدرس إن شاء الله بعضاً من عجائبه.


نزول القرآن الكريم دفعة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا :


 أولاً: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ﴾ قال علماء العقيدة: إن القرآن الكريم أُنزِل دُفعةً واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا .

﴿  إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) ﴾

[  سورة القدر  ]

 أما إذا قلت : 

﴿  نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) ﴾

[  سورة الشعراء  ]

 عندئذٍ نزل مُنجَّماً، آيةً آية، مجموعة آيات مع بعضها في مناسبة معينة في ثلاث وعشرين سنة، إذاً الفرق بين (أَنْزَلْنَاهُ) وبين (نَزَلَ) فرق كبير، أنزلناه بهمزة التعدية، أي أن الله عز وجل أنزل هذا القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة واحدة ، في ليلة مباركة ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾

 أما أن ينزلَ نزلَ ينزلُ القرآن تباعاً منجماً بحسب المناسبات، نزل في ثلاثة وعشرين عاماً بحسب المناسبات، وهناك حديث طويل حول حكمة أنه نزل منجماً .

 أيها الإخوة، أما معنى مبارك قد تقول أنت: بارك الله في الطعام، يعني طعام قليل أكله عدد كبير، وشبعوا، دخل قليل، بارك الله به، انتفعت به انتفاعاً كثيراً، إذا بارك الله لك في مالك، وقد يكون قليلاً تنتفع به كثيراً، وإذا بارك الله لك في صحتك تنتفع بها كثيراً، وإذا بارك الله لك في زوجتك تنتفع بها كثيراً، وإذا بارك الله في أولادك تنتفع بهم كثيراً.

الشيء المبارك: يعني شيء قليل تنتفع به كثيراً، هذا للتقريب، أما كتابٌ مباركٌ، ماذا أقول لكم ؟ الكتب التي في الأرض لا تعد ولا تحصى، أحياناً تمسك بكتاب علمي في آخر الكتاب ثلاث وثمانون صفحة، مراجع ومصادر في موضوع واحد، يعني عدد الكتب التي على سطح الأرض يكاد العقل لا يصدقه، بعض الإحصاءات في اليوم الواحد يُطبع من الكتب ما لا تستطيع أن تقرأه في مئتي عام .


القرآن لكل زمان ومكان وكل حرف فيه يُعدُّ قانوناً :


 الله عز وجل قال : 

﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾ فيه كل مبادئ سلامتنا، فيه كل مبادئ سعادتنا، فيه سلامتنا وسعادتنا في الدنيا، وفيه فوزنا يوم القيامة، وفي الجنة إن شاء الله، فيه قصص الأقوام السابقة، فيه مشاهد من يوم القيامة، فيه أمرٌ وفيه نهيٌ، فيه آيات كونية، على أنه كتاب لا يزيد على ستمائة صفحة، فيه كل الخير، والذين عكفوا على تفسير هذا القرآن ألَّفوا ملايين الصفحات، ولا تنقضي عجائبه حتى الآن، وهناك بعض التفاصيل: لو قرأت كتاباً أُلِّف قبل ألف عام لا يمكن أن تحتمل الأخطاء العلمية التي فيه، بعد ألف عام، تستصغر المؤلِّف والكتاب، أما كتابٌ يُنزِله الله قبل ألف وأربعمائة عاماً، وقفز العلم قفزة خيالية في الخمسين عاماً الأخيرة، يعني تطور العلوم من آدم إلى ما قبل خمسين عاماً في كفة، ومن خمسين عام إلى الآن التطور في كفة ثانية، ومع ذلك لم يظهر في هذا التطور العملاق في العلوم، في الفلك، في الرياضيات، في الطب، في الهندسة، في علم الأجنّة، في التاريخ، في الجغرافيا، مع هذا التطور المذهل الذي يعد انفجاراً في المعلومات، نحن في ثورة المعلومات، نحن في ثورة الاتصالات، يعبرون عن التطور السريع بالانفجار، مع انفجار البحوث العلمية والمكتشفات، في شتى العلوم والفنون والآداب، لا تجد في هذا القرآن كلمة واحدة ينفيها العلم الآن .

 إذاً معنى: ﴿مُبَارَكٌ﴾ أن الخير الذي يأتيك منه في صحتك، في زواجك، في تربية أولادك، في عملك، في سمعتك، في مكانتك، في سلامتك، في سعادتك، في معرفة سر خلقك، في معرفة ماذا بعد الموت؟ وأين كنت قبل الموت؟ ولماذا أتى الله بك إلى الدنيا؟ يعني كمٌّ من الحقائق يسعدك ويطمئنك ويجعلك تضع يدك على سر الوجود، وغاية الوجود، هذا المعنى الأول مبارك، أي صفحات قليلة فيها خير كثير.

صدقوا أيها الإخوة، أحياناً تقرأ قصة، هناك قصة مشهورة حجمها ثمانمائة صفحة تقرأها، حوادث، وتحليل، وعقدة، وحل، كلها تلخص في كلمة واحدة، الإنسان أقوى من أي عقبة تُوضَع أمامه، أما أن تقرأ الحرف الواحد في القرآن يعد قانوناً، الحرف الواحد، الله عز وجل يبين أن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين .


القرآن الكريم هو خاتم الكتب السماوية لذلك ينبغي أن يغطي كل الحالات البشرية :


 فأول شيء الأداء المبارك، أن هذا الكتاب ينفعنا في دنيانا، وفي أُخرانا، وفي نفوسنا، وفي أجسامنا، وفي علاقاتنا، وفي كل شؤون حياتنا، المعنى الآخر أن هذا القرآن جاء في عصر محدود جداً، والمعلومات قليلة جداً، والحياة بسيطة جداً، ولكنه استمر إلى أعقد العصور في تاريخ البشرية، ومع ذلك استمر بقوة، استمر بجِدَّة، ما سر ذلك ؟ 

 الحقيقة هناك شيء دقيق جداً، من هذه الأشياء الدقيقة أن القرآن فيه ألف وثلاثمائة آية تتحدث عن الكون، لماذا امتنع النبي عن تفسيرها؟ ولا حديث يشرح آية كونية، مع أنه في أي موضوع عبادي أكثر من مئتي حديث في البيوع، في الموضوعات التشريعية مئات الأحاديث، فإذا أتيت إلى موضوعات الكون في القرآن لا تجد أي حديث، من ألهم النبي ذلك؟ ذلك لأن الله لو سمح للنبي أن يفسر هذا القرآن تفسيراً بسيطاً لطيفاً مألوفاً يستوعبه أصحابه في عصر محدود جداً من حيث المعلومات لأنكرنا عليه كل هذه التفسيرات، ولشككنا في نبوته، ولو أنه فسره تفسيراً عميقاً يتناسب مع أحدث البحوث العلمية الآن لأنكر عليه أصحابه، فكيف يمكن لكتابٍ ينزل في عصر، ويستمر تأثيره إلى عصور متقدمة جداً دون أن تجد خللاً في كلمة واحدة .

إذاً معنى: ﴿مُبَارَكٌ﴾ المعنى الأول أنه يشمل كل شؤون حياتك، بدءاً من عقيدتك وانتهاء ببعض التوجيهات في طعامك، كلوا من ثمره إذا أينع، فيه تحذير من أن تأكل الثمرة قبل أن تنضج، بدءاً من عقيدتك إلى توجيهات في شؤون طعامك، هذا الكتاب المعجز أيها الإخوة هو الذي يستمر بك إلى ما شاء الله .

بالمناسبة، يتميز هذا الكتاب عن بقية الكتب السماوية، أن الكتب السماوية إنما أُنزِلت لأقوام محدودين، الإنجيل جاء به السيد المسيح، والتوراة جاء بها سيدنا موسى، أما القرآن فهو لكل الشعوب، ولكل المِلل والنِّحل، ولكل البشر، إلى نهاية الحياة، هذا آخر الكتب، كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، كذلك هذا الكتاب القرآن الكريم هو خاتم الكتب السماوية، إذاً ينبغي أن يغطي كل حاجات البشر. يعني مثلاً في القرآن الكريم :

﴿ قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (28) ﴾

[  سورة الشعراء  ]

 واضحة ، تأتي آية :

﴿ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) ﴾

[  سورة الرحمن  ]


الله عز وجل أحياناً يخاطب الأقوام بأسلوب تحتمله عقولهم :


 الآن هناك مشرق واحد، صار هناك مشرقان، تأتي آية :

﴿ فَلَآ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ (40) ﴾

[  سورة المعارج  ]

 يعني هناك معبد في مصر بناه الفراعنة فيه ثلاثمائة وخمس وستون نافذة، وكل يوم تدخل الشمس من واحدة من هذه النوافذ، يعني الله عز وجل حينما أهلك بعض الأقوام ذكّرهم أنه أهلك من هم أشد منهم قوة، كل يوم تدخل الشمس إلى هذا المعبد من نافذة واحدة، يعني زوايا هذه النافذة تتناسب مع أحد أيام السنة، يعني الشمس في يوم من الأيام لها زاوية شروق، في اليوم التالي تنتقل هذه الزاوية، وهكذا.

 إذاً: ﴿رَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾ هذه آية، أي كل يوم هناك مشرق ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ﴾ هناك أقصى مشرق وأقصى مغرب، لو أن إنساناً له بيت مرتفع في جهة الشرق يرى بشكل واضح أن الشمس تشرق في الصيف من القسم الجنوبي، وفي الشتاء من القسم الشمالي، أو بالعكس، في الشتاء من القسم الجنوبي، وفي الصيف من الجهة الشمالية.

فإشارات إلى قضايا علمية الآن عُرفت، أحياناً يخاطب الله الأقوام بأسلوبٍ تحتمله عقولهم، يعني هناك الآن من يزعم أن الأرض مُسطّحة، مع أن الأرض التُقطت صورها من القمر كرة، الآن هناك من يزعم أن الأرض مسطحة، فكيف إذا قال الله للبشر قبل ألف وأربعمائة عام الأرض كرة، الآية الثالثة الأرض كرة يكذّبون هذا القرآن كله ، لكن :

﴿ وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ ۚ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِىٓ أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ ۚ إِنَّهُۥ خَبِيرٌۢ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)﴾

[  سورة النمل  ]

 الأرض إذاً تنطلق في دورة حول الشمس .

﴿ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ بِٱلْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ ٱلَّيْلَ عَلَى ٱلنَّهَارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّهَارَ عَلَى ٱلَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِى لِأَجَلٍۢ مُّسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفّاَٰرُ (5) ﴾

[  سورة الزمر  ]

 لا يتداخل الضوء مع الظلام في شكل هندسي إلا الكرة، المكعب تداخل ما في الضوء يظهر إذا دار المكعب، وفي جانبه منبع ضوئي الضوء يظهر فجأة، ويختفي فجأة، أما الكرة يتداخل ضوء المنبع الضوئي مع الظلام تداخلاً عجيباً، تماماً إذا غابت الشمس يتداخل الضياء مع الظلام إلى أن يأتي وقت العشاء فيغيب الشفق الأحمر .


بعد تقدم العلم اكتُشفت حقائق كانت مخبوءة في بعض الآيات :


 إذاً الله عز وجل ذكر الأشياء العلمية بطريقة تحتمله العقول، لكن بعد حين يتقدم العلم فيكشف حقيقة كانت مخبوءة في بعض الآيات تتضح للعيان، هذا المعنى الجديد المخبوء لا يلغي المعنى الأول، الأول مقبول كيف ؟ الله عز وجل قال :

﴿  وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ(11)  ﴾

[  سورة الطارق  ]

 يعني المعنى البسيط أن هذا الماء الذي في البحار يتبخر، ويصعد إلى السماء فيرجع أمطاراً واضحة، يتقدم العلم ويكتشفون أن هناك طبقة اسمها طبقة الأثير كل الأمواج الكهرطيسية المنطلقة إلى الفضاء الخارجي ترتد إلى الأرض من خلال هذه الطبقة، ولولا هذه الطبقة لما كان هناك إرسال إذاعي إطلاقاً، ولا لاسلكي، ولا حتى تلفزيوني، بفضل هذه الطبقة تنطلق هذه الموجات الكهرطيسية إلى الفضاء الخارجي ثم ترتد إلى الأرض، إذاً المعنى الآخر: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾ ثم يكتشف علماء الفلك أن كل نجم في الكون يدور في مسار مغلق حول نجم آخر، بمعنى أنه يرجع إلى مكان انطلاقه النسبي، وكلما تقدم العلم ظهر معنىً جديد لا يلغي المعنى السابق، من يستطيع أن يُصِيغ الحقيقة صياغة يفهمها كل عصر بحسب معطياته، فإذا جاء عصر آخر وتقدّم العلم كشف عن معنىً جديد لهذه الآية دون أن يلغي المعنى الأول، شيء لا يُصدق .

 إذاً الله عز وجل حينما يخاطب الناس بهذا القرآن الكريم يخاطبهم بطريقة تحتملها عقولهم، فإذا تقدم العلم كشف العلم عن معنىً في القرآن مخبوءٍ فيه تبدّى وقت التقدم العلمي .


أمثلة عن إعجاز الله في الكون كما ورد في بعض الآيات القرآنية :


 جميعنا نقرأ الآيات :

 

﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى(46) ﴾

[  سورة النجم  ]

 الآن العلم كشف أن الذي يحدد نوع الجنين ليست البويضة لكنها النطفة، الله عز وجل قال :

﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ(19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ(20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(21) ﴾

[  سورة الرحمن  ]

 يعني في أثناء صعودهم إلى الفضاء وتصوير البحار وجدوا أن هناك خطّاً بين كل بحرين، هو خط تمايز لونين، فانتبهوا لهذه الظاهرة، علماء البحار بحثوا عنها فاكتشفوا في النهاية أن لكل بحر تركيباً وخصائص يتميز بها، ولا يمكن أن تتداخل مياه البحار فيما بينها. 

﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ﴾ يعني مياه البحر الأحمر لها كثافة، ولها ملوحة، ولها خصائص، ولها مكونات، مع أن البحر الأحمر موصول بالمتوسط، موصول بالبحر العربي (لَا يَبْغِيَانِ) ﴿ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ) (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ .

عندنا في الأرض مكان فيه أشعة شمس ومكان فيه ضوء، ضوء وليس أشعة، السبب أن أشعة الشمس عندما تسلط على ذرات الهواء ذرات الهواء تعكس هذه الأشعة بكل الاتجاهات، فتجد في الأرض الضوء لكن ليس هناك شمس .

 البيت الشمالي فرضاً فيه ضوء، ترى الأشياء في البيت بوضوح، لكن ليس فيه أشعة شمس، هذا اسمه انتثار الضوء. لكن لو صعدت في الفضاء الخارجي ووصلت إلى طبقة انعدام الهواء طبقة الهواء سماكتها خمس وستون ألف كم، بعد هذه المسافة يقول رائد الفضاء: لقد أصبحنا عُمياً لا نرى شيئاً، أما أن تأتي آية قبل ألف وأربعمئة عام يقول الله عز وجل :

﴿  وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ(14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ(15) ﴾

[  سورة الحجر  ]

 فكيف هذا القرآن الكريم : 

﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾ بكل معاني البركة، مباركٌ في أنه يعطيك عطاءات ملايين الصفحات مع أنه بحجم محدود، مباركٌ بما أنه يمتد أثره إلى كل العصور.


كلما تقدم العلم اقترب من حقائق القرآن الكريم :


 إخواننا الكرام، عندنا نعمة كبيرة ينعُم بها المسلمون، أنه لا يمكن أن يظهر حدث أو اكتشاف أو شيء ينقض ما في القرآن الكريم، بالعكس كلما تقدم العلم اقترب من حقائق القرآن الكريم، وأنا أحذّر من أن تُثني على القرآن إذا وافق العلم، بل أؤكد ينبغي أن تثني على العلم إذا وافق القرآن، إن الأصل هو القرآن، فكلما اقترب العلم من حقائق القرآن يكون قد اقترب من الحقيقة المطلقة التي جاءت في القرآن الكريم،  يصف هذا القرآن الكريم بأنه لا تنقضي عجائبه .

﴿ وَٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِۦ لَخَبِيرٌۢ بَصِيرٌ(31) ﴾

[  سورة فاطر  ]

﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ بين يديه التوراة والإنجيل، والقرآن الكريم يصدق ما في التوراة وما في الإنجيل، والذين يعلمون حقيقة الإنجيل والقرآن يرون أن هذه الكتب الثلاث تنطلق من مشكاة واحدة . 

﴿وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ يعني بعضهم يقول : هذا الكتاب للعرب وحدهم والدليل هذه الآية، من قال لك ذلك ؟ ما معنى: ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ الآن النقطة ما هو الذي حولها ؟ حولها دائرة، هذه الدائرة تتسع، وتتسع، وتتسع حتى تشمل أهل الأرض، كما قال الله عز وجل في آية أخرى :

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ ٱلْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ (123) ﴾

[  سورة التوبة  ]

يعني الجهاد لا يقف، كلما فتحت بلداً بقي عليك أن تفتح البلد الذي يليه، معنى ذلك أن الجهاد لا يقف إلى يوم القيامة حتى يعم الحق الأرض كلها .


مكة المكرمة تعد الوسط الهندسي للقارات :


 لكن الشيء الغريب أن هناك مركز بحوث علمية اكتُشِف فيه أن مكة المكرمة مركز الأرض، الوسط الهندسي للأرض. يعني مثلاً لو جئت بمربع ووصلت خطاً بين زاويتيه وخط آخر بين زاويتيه الأخريين يتقاطع الخطان في نقطة، هذه النقطة اسمها الوسط الهندسي لهذا المربع، وقد يكون حجماً، الحجم مكعب، لو أخذت النقاط الثمانية ووصلت بينها بخطوط تتقاطع هذه الخطوط في نقطة في مركز هذا المكعب، هذه النقطة نقول: هي الوسط الهندسي للمكعب، اكتُشف أن مكة المكرمة تقع في الوسط الهندسي للأرض، الدليل: نحن عندنا عالم قديم وعالم جديد، العالم القديم عدا أمريكا، يعني أوروبا، وإفريقيا، آسيا، أستراليا، هذه القارات الأربع لو أخذنا أبعد نقطة فيها من كل الجهات، ثم وصلنا أقطاراً بين كل نقطتين متقابلتين متباعدتين هذه الأقطار تتقاطع في مكة المكرمة، مكة المكرمة تبعد عن أي نقطة نائية في القارات الأربع ثمانية آلاف وخمسمائة كم، لو ضممت العالم الجديد إلى القارات الخمس ضممت أمريكا، تصبح مكة المكرمة وسطاً هندسياً للعالم كله، وتبعد عن أي نقطة في العالمَين ثلاثة عشر ألفاً وخمسمائة كم، يعني أم القرى حقيقة هي في الوسط الهندسي للأرض، والشيء اللطيف أنه لا يقابلها في الطرف الآخر مدينة يقابلها المحيط الهادي، يعني لا يوجد إلا مدينة واحدة هي مكة المكرمة تعد الوسط الهندسي للقارات الخمس، أو للقارات الأربع، لذلك قال تعالى: 

﴿وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ من حولها كقوله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ﴾ هذه الدوائر تتسع، وتتسع، وتتسع، يعني في عهد النبوة مكة والمدينة اتسعت إلى أن وصلت إلى الشام، وإلى المغرب، وإلى الصين، ولا يزال الحق يتسع، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام دققوا في هذا الحديث قال : 

((  ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار  ))

[  رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد عن تميم الداري  ]

 يعني أي مكان في الأرض فيه ليل ونهار الحق سيصل إليه، وأنا سافرت إلى أقصى مدينة في العالم، في أستراليا المدينة التي تقع في أقصى الجنوب؛ ملبورن، وفيها إذاعة إسلامية، والدروس، والقرآن، والشرح، والتفسير، والأناشيد، سبحانك يا رب ( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار) .

  معنى ذلك :﴿وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ ولو ذهبت إلى أقاصي بلاد الغرب؛ لوس أنجلوس يُعقد فيها كل عام مؤتمر إسلامي كبير يضم عشرات الألوف، يُحجز فندق بكل طوابقه الثلاثين لاستقبال زوار هذا المؤتمر من شتى بقاع أمريكا، وتُلقى فيه المحاضرات لأربعة أيام في عيد الشكر عندهم، (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ) .


الإيمان باليوم الآخر وحده هو الذي يحملك على أن تستقيم :


 ﴿وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ أيها الإخوة، هناك ملاحظة هناك من يقول: ما الباعث على أن يأتمر الإنسان لبعض الأوامر؟ ما الباعث على أن يلتزم الإنسان ببعض القيم؟ الصدق قيمة، والأمانة قيمة، والعفة قيمة، والورع قيمة، والعدل قيمة، والرحمة قيمة، والعفو قيمة، والحلم قيمة ما الذي يدفعك على أن تكون عادلاً ومنصفاً ؟ ما الذي يدفعك إلى أن ترحم من حولك؟ الحقيقة هناك نظريات، بعضهم يقول: العقل، الذين يخترعون الأسلحة الفتاكة في العالم، والتي تبيد الجنس البشري هم أذكياء جداً وعقلاء، لكن بالمناسبة ما كلّ ذكيٍّ بعاقل، الذكي ما تفوق بما هو فيه، في اختصاصه فقط، أما إذا غفل عن سر وجوده وغاية وجوده ولم يتعرف إلى ربه فهو مجنون، مع أنه ذكي، من هو العاقل؟ الذي عرف الله، العاقل الذي عرف سر وجوده، عرف غاية وجوده، العاقل الذي ائتمر بالأمر، وانتهى عما نهى الله عنه، العاقل الذي اتصل بالله عز وجل، العاقل هو الذي عمل للآخرة، إذاً : 

﴿وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ إذاً العقل لا يكفي، الآن الضمير، أخي، عنده ضمير حي، الضمير الحي أحياناً ينهار أمام إغراء كبير، أو أمام ضغط كبير، كما ترون وتسمعون، تجد شخصاً في أعلى درجة من الفهم والوعي يقول لك: عنده ضمير مسلكي، بعد هذا وجد أنه مختلس مبالغ فلكية، أين ضميره المسلكي الذي تحدثنا عنه؟ لا يكفي الضمير، ولا يكفي العقل، وهناك مبادئ كثيرة جداً، أنا الذي أراه وأثق بصوابه معتمداً على ما في القرآن الكريم، الإيمان باليوم الآخر وحده هو الذي يحملك على أن تستقيم . 

قال له: بِعني هذه الشاة وخذ ثمنها، قال: ليست لي، قال: قل لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب، قال: والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق وأمين، ولكن أين الله ؟ 


الباعث الوحيد على أن تستقيم أن تؤمن أن الله سيسألك يوم القيامة عن كل شيء :


 يعني أنت لا تستطيع أن تستقيم على أمر الله إلا إذا خفت من يوم الحساب، لو أن واحداً ذهب إلى مدينة مجاورة، وفي نيته أن يشتري أغراضاً كثيرة لبيته، في طريق الذهاب وجد تفتيشاً يفوق حدّ الخيال، لا يُسمَح ولا بدواء، كل ما في جيوبه يضعه على الطاولة، كل حقائبه تُفتَّش حاجةً حاجة، وأكمل إلى المدينة، فوجد غسالة صغيرة، يقول لك: لن تعبر هذه، كلما اشتهى حاجة يرى المنظر الذي رآه في الذهاب، يقول: هذه لن تعبر معي، هذا حال المؤمن، قبل أن يقول كلمة، قبل أن ينبس ببنت شَفة، قبل أن يعطي، قبل أن يمنع، قبل أن يغضب، قبل أن يرضى، قبل أن يصل، قبل أن يقطع، يحاول أن يجيب ربه عن سؤال لماذا فعلت كذا ؟ 

أيها الإخوة، مرة ثانية: الباعث الوحيد على أن تستقيم ـ وهذا كلام واضح كالشمس ـ أن تؤمن أن الله سيسألك يوم القيامة عن كل شيء .

﴿  فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93) ﴾

[  سورة الحجر  ]

﴿  فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8) ﴾

[  سورة الزلزلة  ]

 سوف تُسأل عن كل شيء من دون استثناء، فلذلك الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح.


آيات العفو والمغفرة :


 إياك أن تستجيب لمن يقول لك الله غفور رحيم، اقرأ القرآن في ثماني آيات :

﴿  ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ(119)﴾

[  سورة النحل  ]

 لذلك : 

﴿  نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) ﴾

[  سورة الحجر  ]

﴿  وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ (82﴾ ﴾

[  سورة طه ]

﴿  وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ(50) ﴾

[  سورة الحجر  ]

﴿  قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ(54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ(55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ(56) ﴾

[  سورة الزمر  ]

 كل آيات المغفرة والعفو تعني الذي تاب قبل أن يموت، أما الذي لم يتب فحالته صعبة جداً.

﴿  إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً(27) ﴾

[  سورة الإنسان  ]

 فالإنسان يجب ألا يفهم القرآن على غير ما أراد الله عز وجل .


الصلاة هي الركن الوحيد من أركان الإسلام الذي لا يسقط بأي حال :


 إذاً: 

﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ إخواننا الكرام، أركان الإسلام خمسة، النطق بشهادة لا إله إلا الله، وهذه يُنطق بها مرة واحدة في العمر، والصيام يسقط على المسافر والمريض، والحج يسقط على المريض والفقير، والزكاة تسقط عن الفقير، ماذا بقي من أركان الإسلام كفرضٍ متكررٍ لا يسقط بحال؟ هو الصلاة .

إخواننا الكرام، قال بعض العلماء: في الصلاة جانبٌ من النطق بالشهادة ، أنت في القعود الأوسط والأخير تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وفي الصلاة جانب من الحج ، لأنك تتجه في صلاتك إلى بيت الله الحرام، وفي الصلاة جانب من الصيام ، لأنك في الصلاة فضلاً عن أنك تمتنع عن الطعام والشراب، تمتنع عن الكلام والحركة في غير موضوع الصلاة، وفي الصلاة جانب من الزكاة ، لأن الوقت أصلٌ في كسب المال، عندك محل تبيع مثلاً المرطبات في الصيف، وعليه إقبال شديد، فإذا أردت أن تصلي في المسجد ينبغي أن تغلق هذا المحل، إذاً فاتك ربح كثير في وقت الصلاة، فلذلك الوقت أصلٌ في كسب المال، فأنت حينما تقتطع من وقتك وقتاً لأداء الصلوات كأنك تنفق المال الذي يمكن أن تحصّله من وقت الصلاة، إذاً في الصلاة معنى الزكاة، وفي الصلاة معنى الحج، وفي الصلاة معنى الصيام، وفي الصلاة معنى النطق بالشهادة، وفي الصلاة معنى الاتصال بالله عز وجل، إذاً هو الفرض الوحيد الذي لا يسقط بحال .


حينما تؤمن أنه لا بدّ من أن تحاسب حتماً تستقيم :


 لذلك : 

﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ به﴾ هناك أوامر، وهناك نواهٍ، فإذا لم يؤمن الإنسان بالآخرة حقيقة لا يعبأ بهذه الأوامر، والدليل :

﴿  فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) ﴾

[  سورة الليل  ]

 صدّق أنه مخلوق للجنة، تصديقه هذا حمله على أن يتقي أن يعصي الله، وحمله على أن يعمل الصالحات تقرّباً إلى الله ﴿أَعْطَى﴾ عملاً صالحاً ﴿وَاتَّقَى﴾ أن يعصي الله، لأنه َ(صَدَّقَ بِالْحُسْنَى) ، هذا الإنسان :

﴿  فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) ﴾

[  سورة الليل  ]

 ييسر إلى ما خُلق له من سلامته في الدنيا وسعادته في الآخرة .

﴿  وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) ﴾

[  سورة الليل  ]

 إذا كذب إنسان بالآخرة فعلاً فما مِن داعٍ ليستقيم ، الآن عملياً دعك من أقوال الناس ، أقوال الناس لا تقدم ولا تؤخر، يقول لك: أعوذ بالله، أنا أؤمن بالآخرة، لماذا تكسب المال الحرام؟ لماذا تفعل المعاصي والآثام؟ المؤمن بالآخرة لا يعصي الله، فأنت حينما تؤمن أنه لا بد من أن تحاسب حتماً تستقيم، لذلك قال تعالى : 

﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ هنا معنى يؤمنون به، يؤمنون بالأمر والنهي، يأخذون بالأمر، ويدعون ما نهى الله عنه . 

أنت عندما تكون راكباً مركبة، والإشارة حمراء، وشرطي واقف إلى جانب الإشارة، وشرطي آخر على دراجة، وضابط بسيارة، أنت مواطن من الدرجة الخامسة ليس لك أي قوة، ماذا تفعل ؟ ما في مئة مليون إنسان بهذه الصفة في الإشارة الحمراء، وهناك من يضبطك بمخالفة ولا يرحمك، وأنت لا تقوى على أن ترد هذه المخالفة، فأنت إن آمنت بالآخرة لا يمكن أن تعصي الله، والدليل أن الله عز وجل قال : 

﴿  اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12) ﴾

[  سورة الطلاق  ]

 اختار الله من بين أسمائه اسمين فقط ، اختار اسم القدير واسم العليم ، لأنك حينما تعلم أن الله يعلم وسيحاسب وسيعاقب لا يمكن أن تعصيه، وأنت حينما تعلم أن هذا الشرطي سوف يكتب ضبطاً، وسوف تُسحب منك الإجازة، وسوف تدفع مبلغاً كبيراً وسوف تُحجَز المركبة، وأنك ضعيف لا تقوى على فعل شيء ، حينما تعلم أن علم الله يطولك، وأن قدرته تطولك فلا يمكن أن تعصيه . 


الحياة لا تصح إلا بالإيمان بالله :


 أنا أؤمن ، أؤمن لا بعقل، ولا بمنطق، ولا بتربية بيتية، ولا بضمير حي، ولا بضمير مسلكي، ولا بأي شيء آخر، ليس إلا أن تخاف من الله، آتي لك بمثل بسيط : لو أن الصيام بأمر من دولة، فأعطت أمر بالصيام، كم من إنسان يصوم حقيقة؟ ولا واحد، يدخل إلى البيت ويشرب.

الحياة لا تصح إلا بالإيمان بالله، تجد المؤمن ، قال له: بعني هذه الشاة وخذ ثمنها، قال: ليست لي، قال : قل لصاحبها: ماتت ، قال له : ليست لي ، قال له: خذ ثمنها، قال: والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلت لصاحبها : ماتت ، أو أكلها الذئب لصدقني ، فإني عنده صادق وأمين ، ولكن أين الله ؟ أما أن يأتي إنسان ، ويضع قانون السرعة مئة ، مئة ميل بأمريكا ، ركبت سيارة وجدت فيها صوت جرس، قلت له: ما هذا الصوت ؟ قال لي: رادارات تكشف السرعة الزائدة، أنا اشتريت جهازاً يحذرني من الرادار قبل خمسة كيلومترات، تكون سرعته مئة وثمانين تنزل للمئة، معنى ذلك أن واضع القانون ذكي، والمواطن أذكى .

 الآن الدول تخترع جهازاً يكشف أجهزة السيارات، هذه قضية لا تنتهي، هي حرب بين عقلين، لأن المُشرِّع أرضي، ما دام التشريع أرضيّاً فهكذا الأمر، والله قصص التحايل على القوانين شيء لا تنتهي، لأن المشرع إنسان والمواطن إنسان، هذا عاقل وهذا عاقل، هذا ذكي وهذا أذكى، فيمكن أن تُفرّغ كل القوانين من مضمونها، أما إذا كان التشريع سماويّاً الله معك لا تستطيع ، ولكن أين الله ؟ أنا أرى أنه لا تستقيم الحياة إلا بالإيمان بالله، ولا أقبل أي تعليل للانضباط إلا أن يكون التعليل أن تؤمن باليوم الآخر الآية الكريمة : ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ .

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور