- ندوات إذاعية
- /
- ٠24ندوات مختلفة - إذاعة غزة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الإنسان هو المخلوق الأول رتبة عند الله المكلف و المكرم :
الحقيقة الدقيقة، والرائعة، والحاسمة أن الإنسان هو المخلوق الأول عند الله، لأن الله حينما عرض:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
فلما حملها الإنسان كان عند الله المخلوق الأول رتبةً، والمكرم، والمكلف، مكلف بعبادة الله، والعبادة في أدق تعاريفها طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية.
هذا الإنسان خلق لجنة عرضها السماوات والأرض، والحقيقة الدقيقة قوله تعالى:
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
خلقهم ليرحمهم، ليسعدهم في جنة عرضها السماوات والأرض.
(( فيها ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
هذا الإنسان جيء به إلى الدنيا ليدفع ثمن الجنة، أُعطي كوناً يدل على عظمة الله، ووحدانيته، وكماله، أُعطي حرية ليثمن عمله، أعطي شهوة لتكون قوةً دافعة، أُعطي منهجاً من الله عز وجل، هذا الإنسان مخلوق أول، لكن ليأتي إلى الدنيا ليدفع ثمن الآخرة، وثمن الآخرة الاستقامة على أمر الله، أعطاه عقلاً، وأعطاه شهوة، وأعطاه زمناً ووقتاً.
الإنسان خاسر لأن مضي الزمن وحده يستهلكه :
لذلك الله عز وجل أقسم بالعصر، الإنسان في أدق تعاريفه: هو بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، ولأنه زمن أقسم الله له بمطلق الزمن، قال تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
لماذا الخسارة يا رب؟ قال: لأن مضي الزمن وحده يستهلكه فقط، لأنه زمن أقسم الله له بمطلق الزمن قال:
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا ﴾
رحمة الله في إلا.
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
المذيع:
بعد الاستماع للبشرى لهذا الإنسان، فضيلة الشيخ، ما هي البشرى التي وعد الله سبحانه وتعالى بها عندما نصبر على هذا البلاء؟
الابتلاء قدرنا و علة وجودنا :
الدكتور راتب :
وعدنا بجنة عرضها السماوات والأرض:
(( فيها ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
وعدنا بالأبد، لو وضعنا واحداً بالأرض وأصفاراً للشمس، بينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، لو أننا وضعنا هذا الرقم صورة لكسر عشري، وفي المقام لا نهاية القيمة صفر، نحن خلقنا للأبد، لجنة عرضها السماوات والأرض:
(( فيها ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
الثمن طاعة الله، من هو الله؟ هو الخالق، هو الرب، هو الرحيم، هو المربي، هو القدير، هو الحليم، هو الجميل، طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
إذاً نحن الابتلاء قدرنا، والابتلاء علة وجودنا، والدليل:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
الآية الثانية:
﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
النبي الكريم، سيد الخلق، وحبيب الحق، سيد ولد آدم قال:
(( لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثلاث من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال))
معنى هذا أن الابتلاء علة وجودنا، والابتلاء ثمن الجنة، والابتلاء قدرنا.
الإمام الشافعي سُئل: ندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين؟ فقال: لن تمكن قبل أن تبتلى، فالابتلاء قدرنا، طالب جامعي بجامعة راقية جداً، ويعلق آمالاً كبيرة جداً على هذه الجامعة، الامتحان لابد منه، الامتحان قدر كل طالب، بلا امتحان لا يوجد جامعة، لا يوجد دكتوراه، لا يوجد إجازة، لذلك:
﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
فالابتلاء علة وجودنا، والبطولة ليس ألا نبتلى ولكن أن ننجح في الابتلاء، فلذلك الابتلاء قدرنا، والبطولة أن نتعرف إلى الله، أن نقرأ كتابه، أن نتبع سنة نبيه، أن نكون في وضع يؤهلنا أن ننجح في الابتلاء، لذلك أهل الإيمان إذا اقتربوا من الآخرة أو وصلوا إليها يقولون: لم نرَ شراً قط، امتحنوا، وضاق عليهم الأمر، وعُذبوا أحياناً، ودخلوا السجون أحياناً، لم نر شراً قط، أهل الدنيا الذين شردوا عن الله عز وجل يقولون: لم نرَ خيراً قط، فالابتلاء علة وجودنا.
المذيع:
الآن الابتلاء للمؤمن ولغير المؤمن، ما هو الابتلاء الذي يحصل للمؤمن والابتلاء الذي يحصل لغير المؤمنين؟
بطولة الإنسان أن ينجح في الابتلاء :
الدكتور راتب :
نعم، المؤمن يبتلى أولاً في زواجه، هل اختار امرأة صالحة مؤمنة تقية أم اختار امرأة متفلتة؟ بحرفته يبتلى، هل اختار حرفة تنفع المسلمين أم تؤذيهم أم تدعوهم إلى المعصية؟ فالإنسان مبتلى بزوجته، مبتلى بحرفته، مبتلى بدخله، بإنفاقه، برحلته، بسفره، بلقاءاته، بأوقات فراغه، بسياحته، كل شيء أنت مبتلى فيه، أي ممتحن، الامتحان أخي الكريم معناه حيادي، لأنه يوجد امتحان، ليس معنى هذا أن الامتحان شر، هناك نجاح، ودكتوراه، ووظيفة عالية، وبيت مستقر، ودخل كبير، فالابتلاء لا يعني معنى سلبياً إطلاقاً معناه إيجابي هو:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾
والبطولة ليس ألا نبتلى، بل أن ننجح في الابتلاء.
المذيع:
كيف يمكن أن نقابل الابتلاء؟ كيف يمكن أن ننجح في هذا الامتحان؟
آيات الله هي القنوات الوحيدة السالكة لمعرفته :
الدكتور راتب :
لابد من أن تعرف الله.
(( ابن آدم اطلبنِي تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء))
لذلك الله عز وجل قال:
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
معنى هذا أن الآيات هي القنوات الوحيدة السالكة لمعرفة الله، ما هي القنوات؟ آياته الكونية، آياته التكوينية، آياته القرآنية، آياته الكونية خلقه، الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، بينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، هذه الشمس، وهذه الأرض، هناك آية تقول:
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾
الأرض في دورتها حول الشمس تمر باثني عشر برجاً، أحد هذه الأبراج برج العقرب، كنت في بلد غربي رأيته بالمرصد، هذا البرج فيه نجوم كثيرة، لو وصلنا خطوطاً بين النجوم لكان كالعقرب تماماً، فيه نجم صغير متألق اسمه قلب العقرب، يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، هذا الإله العظيم يعصى؟ ألا يخطب وده؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره؟ فلذلك:
﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
نحن خلقنا للجنة، جيء بنا إلى الدنيا كي نطبق منهج الله، والله هو الصانع، وتعليمات الصانع هي التعليمات الوحيدة التي ينبغي أن نتبعها، لأنها هي الجهة الخبيرة، لذلك نحن ممتحنون في حرفتنا، في زواجنا، في أوقات فراغنا، في المال، في الشدة، في الرخاء، في الغنى، بالفقر، بالقوة، بالضعف، نحن في كل شيء ممتحنون، هو:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
إذاً لابد من طلب العلم.
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، إلا أن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، و يظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
إذاً لا بد من طلب العلم، وطلب العلم فريضة على كل مسلم، لا من أجل تحسين وجودك، بل من أجل تحقيق وجودك، فرق كبير، أنت بالعلم تعرف الله، بالعلم تطيعه، بالعلم تتقرب إليه، بالعلم تسعد بقربه، في الدنيا والآخرة.
المذيع:
الآن الكافر غير المؤمن كيف يبتليه الله سبحانه وتعالى؟ ولماذا؟
الهدى البياني أول سنة من سنن الدفع إلى الله :
الدكتور راتب :
الكافر أساسه دعي إلى الإيمان، الله ما خلقنا لجهنم، خلقنا جميعاً للجنة، هذا الكافر يلفت نظره بمصيبة، بشدة، لعله يعود إلى الله، وآلاف مؤلفة، بل ملايين عقب الشدة عادوا إلى الله.
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
فلذلك الله عز وجل له قوانين، قبل أن نتابع، العلم نهايته القانون، القانون علاقة مقطوع بها، بين متغيرين، تطابق الواقع عليها دليل، يا ترى هل هناك في الدين ما يشبه القوانين؟ نعم، هناك السنن، الله عز وجل قال:
﴿ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ﴾
﴿ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ﴾
ما هي هذه السنن؟ الحقيقة هذه اسمها: سنن الدفع إلى الله، أول شيء الهدى البياني الله عز وجل أنزل هذا القرآن، بعث هذا النبي، يوجد آيات، وأحاديث، وقصص قرآنية، أرقى علاقة مع الله تتم بالهدى البياني، أنت تستمع إلى آية قرآنية، أو إلى خطبة جمعة، أو إلى ندوة إسلامية، أو إلى كتاب تفسير، الهدى البياني الموقف الكامل لكل إنسان الاستجابة، والآية تقول:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾
هذا الموقف أكمل موقف، وأرقى موقف، وأنت مرتاح، لا يوجد عندك أية مشكلة بصحتك، ببيتك، بأهلك، بأولادك، بمن حولك، بدخلك، بكل شيء، الهدى البياني، سمعت درساً، تابعت ندوة إسلامية، قرأت تفسيراً، سمعت خطبة جمعة، تأثرت، طبقت، هذا الهدى البياني أرقى طريقة في الهداية، وأسلم طريقة، أنت بكامل صحتك، بكامل راحتك، بكامل أمورك، فالإنسان إذا ما استجاب، الموقف الكامل أن يستجيب، والدليل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾
الإنسان قد يكون نبضه ثمانين، مثالي، وضغطه 8 ـ 12، مثالي عند الله ميت، الله قال:
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
وصف الله لمن شرد عن الطريق الصحيح :
الآن استمع إلى وصف الله لهذا الذي شرد عن الله، أول وصف:
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
الوصف الثاني:
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
الوصف الثالث:
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
الوصف الرابع:
﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
أي خيارك مع الدين لا خيار تحسيني بل خيار وجودي، أنت المخلوق الأول رتبةً، والمكلف اختياراً، وأنت مصيرك إلى الجنة، إلى جنة عرضها السماوات والأرض، بل:
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
جنة في الدنيا، وجنة في الآخرة، جنة الدنيا جنة القرب.
فـلو شاهدت عيناك من حسننــــا الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعـــى سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنـــــــــــــا
فأيسر مافي الحب للصب قتـلـه وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنـــا
***
فأنت مع الخالق، من هو الله؟ صاحب الجمال، والكمال، والنوال، الله عز وجل عظيم في ذاته، عظيم في أفعاله، عظيم في مكافأته، فلذلك:
(( ابن آدم اطلبنِي تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء))
معية الله عامة و خاصة :
لذلك الله عز وجل قال، القرآن بموضوع المعية، قال:
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ َ﴾
هذه معية عامة، مع المؤمن، مع غير المؤمن، مع الطاغية، مع المستقيم، معهم بعلمه، قال العلماء: معهم بعلمه، لكن:
﴿ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ َ﴾
هذه معية خاصة، المعية الخاصة معهم بالتأييد، معهم بالنصر، معهم بالتوفيق، معهم بالحفظ، فإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا ربي ماذا وجد من فقدك؟ وماذا فقد من وجدك؟
إذاً معية الله هي الأصل، المعية الخاصة، الله مع المؤمنين في كل شيء، لكن:
﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
وعود الله قائمة في كل زمان و مكان و أوان :
بالمناسبة علة وجودنا الابتلاء، والدليل الدقيق الواضح:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
فالابتلاء ما نجا منه الأنبياء، النبي الكريم قال، وهو سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم:
(( لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثلاث من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال))
النبي الكريم هاجر، وأثناء الهجرة تبعه سراقة، طبعاً قريش جعلت لمن يقبض على النبي، ويأتي به إلى مكة حياً أو ميتاً مئة ناقة، والناقة تساوي الآن مرسيدس، شيء غال جداً، هذا سراقة طمع بهذه المكافأة، تبع النبي الكريم، قال له النبي الكريم: كيف بك يا سراقة إذا لبست سوار كسرى ؟ شيء لا يصدق! إنسان ملاحق، إنسان مهدور دمه، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، يقول النبي الكريم لسراقة: كيف بك يا سراقة إذا لبست سوار كسرى؟ معنى ذلك أنا سأصل إلى المدينة سالماً، وسأنشئ دولة ودولة كبيرة، وسوف أقاتل أكبر دولة بالعالم، الفرس، وسوف أنتصر، و لك يا سراقة سوار كسرى، والذي حصل في عهد سيدنا عمر جاءت كنوز كسرى، وقف صحابيان، وأمسكا رمحيهما، والرمح طوله حوالي مترين ونصف، ما تراءت رماحهما، قال: أين سراقة؟ جيء به، ألبسه سيدنا عمر سوار كسرى، قال: بخ بخ، أعيرابي من بني تميم يلبس سوار كسرى، وعود الله قائمة في كل زمان، في كل مكان، في كل أوان، الله عز وجل:
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾
إن نصرته في بيتك، في عملك، في حرفتك، حرفة شريفة، في كسب مالك، في إنفاق مالك، إن نصرته في بر والديك، بمعاملة زوجتك، في تربية أولادك ينصرك الله عز وجل، قوانين الله ثابتة، أي إنسان، بأي مكان، بأي زمان، يطبق القوانين يقطف ثمارها، هذا من أروع ما في الدين، أروع ما في الدين هذه القوانين، القوانين سنن.
﴿ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ﴾
ولا:
﴿ تَحْوِيلاً ﴾
سياسة الله عز وجل في معاملة عباده :
أنت بالهدى البياني كما قلت قبل قليل تتلقى من الله كلامه، من النبي أحاديثه، من العلماء معلوماتهم الدقيقة، إن طبقت نجوت، وسلمت، وسعدت في الدنيا والآخرة، لو أن شخصاً لم يطبق عندنا أسلوب آخر اسمه: التأديب التربوي، قال تعالى:
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
في شبح مصيبة، ضعف بالدخل، إشكال أسري، إشكال بالعمل، هذه المصائب حكمتها أن نعود إلى الله.
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
فالبطولة بالرخاء نستجيب، وبالشدة نتوب، لابد من التوبة، والله عز وجل يحب التوابين، ويحب المتطهرين، والتائب من الذنب كم لا ذنب له.
لذلك أول قانون إن صح التعبير أو أول سنة من هذه السنن: الهدى البياني، سمعت خطبة، سمعت درساً، تابعت برنامجاً إسلامياً، قرأت تفسيراً، سمعت درس دين، هذا الهدى البياني ينبغي أن تستجيب، ما استجبت هناك تأديب تربوي، التأديب التربوي شدة منوعة، بالمال بالصحة، بالمكانة، بالعمل، بالدخل، إلى آخره، الآن الموقف الكامل من التأديب التربوي التوبة، والآية تقول:
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى ﴾
ليس الأعلى، الأدنى.
﴿ لَعَلَّهُمْ ﴾
يهتدون.
﴿ لَعَلَّهُمْ ﴾
يتوبون، لو أنه لم يتب، هناك أسلوب ثالث لكنه صعب، هذا اسمه الاستدراج، تأتي الدنيا فجأة، دخل كبير، مكانة كبيرة، يُمتحن، في الهدى البياني ينبغي أن يستجيب، وفي التأديب التربوي ينبغي أن يتوب، وفي الإكرام الاستدراجي ينبغي أن يشكر، فإذا لم يستجب في الهدى البياني، ولم يتب في التأديب التربوي، ولم يشكر في الإكرام الاستدراجي، بقي القصم.
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾
فلذلك موضوع الدين موضوع خطير.
إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذي مالوا.
لذلك يقع على رأس الهرم البشري، عندنا ثمانية مليارات إنسان، يقع على رأسهم جميعاً زمرتان؛ الأقوياء والأنبياء، الأقوياء ملكوا الرقاب، والأنبياء ملكوا القلوب، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء عاش الناس لهم، والأنبياء عاشوا للناس، الأقوياء يمدحون في حضرتهم، والأنبياء في غيبتهم، والناس جميعاً تبع لقوي أو نبي، فالبطولة أن نكون من أتباع الأنبياء، وأتمنى على كل قوي أن يتخلق بأخلاق النبي، الأقوياء لو تخلقوا بأخلاق الأنبياء نجحوا في الدنيا والآخرة.
فلذلك الهدى البياني، والتأديب التربوي، والإكرام الاستدراجي، ثم القصم:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾
سنن الردع :
الآن عندنا سنن الردع هي المصائب، والحقيقة الدقيقة أن سنن الردع أساسها المصائب، المصائب للأنبياء كشف، هذا النبي الكريم فيه كمالات لا تنتهي، فحينما يصاب بمصيبة كي تكشف حقيقته الراقية، أي كما ذكرت ذهب للطائف، بالطائف كذبوه، وسخروا منه، بل أغروا صبيانهم أن يضربوه، وسال الدم من قدمه الشريف، جاءه جبريل، قال له: يا محمد أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك، لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين، قال: لا يا أخي، اللهم اهدِ قومي إنهم لا يعلمون، الآن هنا امتحن بالمصائب، اللهم صلّ عليه.
لذلك المصائب لها هدف كبير، للأنبياء كشف، هناك كمالات، كمالات، كمالات، لا تبدو إلا بالمصائب.
مرة كنت في بلد بعيد في المغرب، وجئت إلى بلدي سوريا، الطيار كان تلميذاً لي فأجلسني في غرفة القيادة، يوجد مقعد ثالث للضيوف، لما دخلنا إلى سوريا رأيت بعيني طرطوس وصيدا، بينهما خمسمئة كيلو متر، تعلمت من هذا درساً بليغاً، الإنسان كلما ارتقى مقامه اتسعت رؤيته.
فالأنبياء رؤيتهم واسعة جداً، وكذلك المؤمنون، وكلما الإنسان ضاقت دائرته أحب نفسه فقط، أحب بيته فقط، أحب من حوله مرتبته تقل، فالأنبياء كانوا إنسانيين.
وقف النبي الكريم في جنازة، قيل له: هذا ليس مسلماً، قال: أليس إنساناً؟!
نحن عندنا الآن سنن الردع، المصيبة للأنبياء كشف، هناك حقيقة عالية جداً، كمال راق جداً، لا يظهر إلا بوضع استثنائي، فمصائب الأنبياء مصائب كشف، أما المؤمنون فهناك تقصير بالعبادة أحياناً، تقصير بالاستقامة، يأتي شبح مصيبة، المصيبة للمؤمن دفع ورفع، دفع إلى الله، صلى قيام الليل، غض بصره، ضبط الشاشة، ضبط دخله، إنفاقه، علاقاته، سفرياته، هذه للمؤمن دفع إلى الله، وأحياناً رفع، أو دعوة إلى الله، والدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، والدليل:
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
فكل إنسان يتبع النبي الكريم لا بد من أن يدعو، أي سمعت خطبة جمعة رائعة جداً اذكرها لزوجتك، لأولادك، لجيرانك، لإخوانك في العمل، هذه الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، في حدود ما يعلم، ومع من يعرف، هذه فرض عين.
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
فالذي لا يدعو على بصيرة الدعوة التي هي فرض عين ليس متبعاً لرسول الله.
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾
أما الدعوة كفرض كفاية فتحتاج إلى تفرغ، وإلى تبحر، وإلى تعمق، أو تثبت، هذه إذا قام بها البعض سقطت عن الكل، لذلك الدعوة إلى الله، سمعت خطبة أيها الأخ المؤمن الكريم اذكرها لزوجتك، لأولادك، لجيرانك في سهرة، بلقاء، الدعوة فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم، ومع من يعرف، أما كفرض كفاية فهذه تحتاج إلى تعمق، وتبحر، وتفرغ، وتثبت، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل، هذه الدعوة إلى الله عز وجل.
الدنيا دار ابتلاء لا دار تكريم ودار امتحان لا دار عطاء :
لذلك نحن أمام مهمة، نحن في دار ابتلاء لا دار تكريم، دار امتحان لا دار عطاء، العطاء في الآخرة، الإنسان ممتحن بما أعطي.
﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
هذه حظوظ، المال حظ، الصحة حظ، القوة حظ، الوسامة حظ، الغنى حظ، هذه الحظوظ امتحنا بها، فالذي ينجح في هذه الدنيا له الآخرة التي:
(( فيها ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
يأتي المؤمن يمتحن إن كان غنياً يمتحن بالغنى، فينفق ماله لمعاونة الضعفاء، وإن كان فقيراً وصبر، يمتحن أحياناً بالوسامة، فهو يستقيم على أمر الله، يمتحن بالذكاء، يوظف ذكاءه لخدمة المجتمع.
﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
وكما قلت قبل قليل هو:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾
لو أنه فقد ماله، أو فقد شيئاً من دخله، أو فقد شيئاً من صحته، امتحن، فأنت ممتحن فيما أعطيت، ممتحن فيما سلب منك، ممتحن مرة فيما أعطاك، ومرة فيما أخذه منك، من هنا كان الابتلاء علة وجودنا في الدنيا، وهذا الابتلاء قدرنا، وهذا الابتلاء سبب للدخول للآخرة إن شاء الله، هذا الذي أتمنى أن يكون واضحاً، ونحن حينما ننجح في مصيبتنا نكون قد ربحنا، وقالوا: من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر.
هل هناك من سؤال؟
المذيع:
نعم: حالة اليأس التي يصل إليها الناس، وتتابع الابتلاءات، وتتابع المحن، ما هو حل هذه الحالة؟
من استقام على أمر الله صار في حفظه :
الدكتور راتب :
يا أخي! والله أريد أن أقول كلمة لعلها قاسية لكن هي الحقيقة: اليأس والقنوط والتشاؤم والسوداوية تقترب من الكفر، لا تيئس، الله بيده كل شيء، هو الخالق، هو المصور، هو المعطي، هو المانع، هو المغني، هو المحاسب، هو المعاقب، علاقتك أنت مع الله.
عفواً: إذا كان هناك مئة وحش، وحوش جائعة، وكاسرة، ومفترسة، الوحوش كلها مربوطة بأزمة محكمة، بيد جهة رحيمة، عليمة، قديرة، عادلة، علاقة الإنسان مع الوحوش أم مع من يملكها؟ جاوبني، مع من يملكها، لذلك الآية تقول:
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ ﴾
تحدّ.
﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
الوحوش الكاسرة المنحرفة الظالمة بيد الله عز وجل، هذا التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، بيد الله، لذلك الإنسان علاقته مع الله، فإذا استقام على أمر الله أدى الفرائض، طبق منهج الله في بيته، في عمله، في حركاته، في سكناته، هو صار في حفظ الله.
بالمناسبة: إذا أنت تمشي بطريق وجدت لوحة كتب عليها: ممنوع التجاوز، حقل ألغام، بربكم أيها المستمعون والمشاهدون هل تعد هذه اللوحة قيداً لحريتكم أم ضماناً لسلامتكم؟ في اللحظة التي تعتقد يقيناً أن أحكام هذا الدين ليست حداً لحريتنا، بل هي ضماناً لسلامتنا، كنت فقيهاً ورب الكعبة، الأوامر والنواهي لصالحنا، هو غني عنا، وعن عبادتنا، وعن تعذيبنا، لكن الإنسان أعقد آلة بالكون، تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، ولهذه الآلة صانع عظيم، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، فانطلاقاً من حرصنا على سلامتنا وسعادتنا ينبغي أن نتبع تعليمات الصانع.
أحب نفسك، أحب سلامتك، أحب نموك، أحب استمرارك، أحب تألقك، فإذا الإنسان طبق التعليمات يسلم ويسعد، والدليل قال تعالى:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
مستحيل!
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
والآية تقول:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
الإسلام دين فردي و جماعي :
عندنا إسلام فردي، وإسلام جماعي، فأنت كفرد في ثمانية مليارات إنسان، منهم مليارا مسلم، لو طبقت هذا الدين وحدك بثلاث دوائر، نفسك دائرة، بيتك دائرة، عملك دائرة، سلمت وسعدت في الدنيا والآخرة، والآية تقول:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
أما كأمة صار عندنا موضوع ثان.
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
أي يا محمد ما دامت سنتك قائمةً في عملهم، في حياتهم، هم في مأمن من عذاب الله، فالإنسان يحاسب نفسه، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، حاسب نفسك عن دخلك، إنفاقك، علاقاتك، سهراتك، الشاشة منضبطة أم غير منضبطة؟ على لقاءاتك، فكل مكان فيه استقامة فيه حفظ.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾
فلذلك العلاقة مع الله دقيقة جداً، دائماً وأبداً أحكام الشرع ليست قيداً لحريتنا، ولكنها ضمان لسلامتنا.
أرجو الله سبحانه وتعالى أن نفهم هذه الحقائق الدقيقة، والتي تنفعنا في الدنيا والآخرة.
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
المذيع:
سؤال أخير فضيلة الشيخ: في القرآن الكريم أخبار الأمم السابقة كيف قصمها الله سبحانه وتعالى عندما اعتدت على الأنبياء واعتدت على المؤمنين، والآن نرى العدوان من أمم كثيرة على أمة الإسلام، ونرى هذا القصم، وهذا العذاب على هؤلاء الناس.
المؤمن يعيش الآخرة :
الدكتور راتب :
أخي الكريم؛ هذه الحياة كم سنة؟ الإنسان يعيش كم سنة؟ يعيش مئة سنة، صح؟ الأبد كم؟ أقول لك: واحد بالأرض، وأصفار للشمس، بينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، إذا كل ميلي ثانية كم هي المسافة؟ هذا الرقم إذا نُسب للانهاية صفر، أكبر رقم تتصوره، واحد بالأرض وأصفار للشمس، هذا الرقم إذا نُسب للانهاية صفر، فالله وعدنا بالآخرة، وعدنا بجنة عرضها السماوات والأرض:
(( فيها ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
الدنيا طبعاً دار ابتلاء، أنت كطبيب، جاءك مريضان، واحد معه التهاب معدة حاد، هذا الإنسان تخضعه لحمية شديدة جداً، على الحليب فقط ستة أشهر، والذي معه ورم خبيث منتشر قال لك: ماذا آكل؟ قلت له: كُل ما شئت، أيهما أفضل أن نخضع لحمية قاسية من الله نظير أن ننجو يوم القيامة أم أن هذا المرض الذي يعيشه أهل الدنيا مرض مستشر وخطير، مرض خبيث لا يوجد حل؟ الآية واضحة.
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾
فالمؤمن يعيش الآخرة، يعيش مستقبل حياته، يعيش الجنة، المؤمنون إذا شارفوا على نهاية حياتهم يقولون: لم نرَ شراً قط، إطلاقاً، بينما أهل الدنيا الذين غرقوا في ملذاتهم، وعدوانهم على غيرهم يقولون: لم نرَ خيراً قط، فالبطولة بالنهاية، نحن نعيش حاضرنا وماضينا، لكن قلّ من يعيش مستقبله، الآخرة هي الأساس، وهي الهدف الكبير الذي وعدنا الله به.
بارك الله بكم، ونفع بكم، وحفظ لكم إيمانكم، وأهلكم، وأولادكم، وبلادكم.
خاتمة و توديع :
المذيع:
في نهاية هذا اللقاء لا يسعنا إلا أن نشكر فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي، لا أحب أن أقاطعه لأن الحديث عن بعد، ونشكركم أيها الأخوة والأخوات على حسن استماعكم وتواصلكم، ونستودعكم الله على أمل اللقاء بكم في حلقة أخرى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته