- السيرة / ٠1السيرة النبوية
- /
- ٠2فقه السيرة النبوية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
رحلة الطائف وأثرها على النبي:
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، وقد تحدثنا في الدرس السابق عن الإسراء والمعراج، وبينت لكم أن كل محنة تصيب المؤمن وراءها منحة من الله عز وجل، وأن كل شِدة تلم بالمؤمن وراءها شَدة إلى الله عز وجل، فكيف بسيد الأنبياء، وقد وقف بالطائف، وقد بالغ أهل الطائف في تكذيبه والسخرية منه، بل دفعوا صبيانهم إلى إيقاع الأذى المادي فيه، ودعاؤه الذي أُثِر عنه أن يا رب:
(( إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا رب المستضعفين، إلى من تكلني، إلى صديق يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي ))
والحقيقة أن هذه محنة عظيمة، وإذا صح أن الخط البياني للدعوة وصل إلى النهاية الصغرى في الطائف فقد جاء بعد الطائف الإسراء والمعراج، وهو الرد الإلهي مكافأة الله عز وجل، وتسلية النبي عليه الصلاة والسلام عن وحشة أهل الأرض بأنس السماء، لذلك أعلمه الله بالإسراء والمعراج أنه سيد الأنبياء والمرسلين، وأنه سيد ولد آدم، وأنه حبيب رب العالمين، وكل المحن في الدنيا تنقضي ويبقى ثوابها، وكل اللذائذ غير المشروعة في الدنيا تنقضي، ويبقى عقابها.
الإسراء والمعراج بالروح والجسد
أيها الإخوة، من الثابت أن الإسراء والمعراج كانا بالروح وبالجسد، وهؤلاء الذين يتوهمون أن الإسراء والمعراج كانا بالروح فقط وقعوا في وهم الكبير، لأن كلمة ( عبد ) تعني جسمه وروحه، وهو في سدرة المنتهى:
﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾
﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾
الإسراء والمعراج معجزة خارج القوانين
شيء آخر، هناك من يخشى أن يذكر هذه المعجزة، إن الإسراء والمعراج ليسا على قوانين الدنيا، بل هما استثناء من قوانين الله عز وجل، والدليل قوله تعالى:
﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾
كفاية الله أمر المستهزئين بالنبي
بعد الإسراء والمعراج كانت هناك كفاية الله رسولَه صلى الله عليه وسلم أمر المستهزئين، فقد أقام النبي عليه الصلاة والسلام بعد الإسراء والمعراج على أمر الله تعالى صابراً محتسباً.
قرار المؤمن وعدم تأثره بالظروف
فإذا اتخذ مؤمنٌ قراراً مصيرياً بمعرفة الله وطاعته، لا يتأثر لا بالظروف ولا بالأحداث، ولا بإقبال الدنيا ولا بإدبارها، لا بالغنى ولا بالفقر، لا بالتكذيب ولا بالتصديق، هذا اسمه قرار مصيري، والمؤمن الصادق كما قال الله عز وجل:
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾
المؤمن راسخ كالسفينة العملاقة في البحر، بينما المؤمن ضعيف الإيمان كأنه قارب تتلاعب به الأمواج كيف شاءت، فالنبي عليه الصلاة والسلام بعد الإسراء والمعراج أقام على أمر الله تعالى صابراً محتسباً.
مراحل حياة المؤمن
بالمناسبة أيها الإخوة، أبين لكم الحقيقة التالية، وهي: أن في حياة كل مؤمن مرحلة تأديب، ومرحلة ابتلاء، ومرحلة تكريم، هذه المراحل قد تكون متداخلة، وقد تكون متمايزة، فإنه يمكن مثلا أن يؤدب المؤمن في يوم واحد على عمل لا يرضِي الله، ويبتلى، ويمتحن، وهو مستقيم على أمر الله ويكرم، أو أن تكون مرحلة بأكملها مرحلة تأديب، ومرحلة بأكملها مرحلة ابتلاء، ومرحلة بأكملها مرحلة تكريم، لكن أطمئنكم أن حياة المؤمن لا تستقر إلا على التكريم.
معاملة الله للمؤمن
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
هذه آيات كثيرة تبين أن معاملة الله للمؤمن معاملة متميزة، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان مؤدياً إلى قومه النصيحة على ما يلقى منهم من التعذيب والأذى والاستهزاء ، وكان عظماء المستهزئين خمسة نفر، دائماً هناك رؤوس للإيمان، وهناك رؤوس للكفر وهذه سنة الله في خلقه، وأقول لكم مرة ومرة أن معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية لكن قد يسأل سائل لماذا كانت معركة أزلية أبدية ؟ لأن الحق لا يثبت إلا بالتحدي، ولا ينمو إلا بالتحدي، وهذا الذي يؤكده قوله تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ﴾
معركة الحق مع الباطل أزلية
شاءت حكمة الله أن يجعل
﴿ لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ﴾
من النبي ؟ قمة كبرى من قمم البشر، قمة في العلم، قمة في الخلق، قمة في الأدب، قمة في البيان قمة في الجمال، ومع ذلك له عدو من شياطين الإنس والجن.
إذاً معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية، الحكمة أن الحق يقوى بالتحدي.
أضرب مثلا: قد يصدر كتاب فيه انحرافات خطيرة جداً عن منهج الله، وهو يوصف بأنه كتاب إسلامي، ما الذي يحصل ؟ تقوم الدنيا ولا تقعد، طلاب العلم يلجؤون إلى شيوخهم، الدعاة يردون على هذا الكتاب، تنشأ حركة نشطة جداً تثبت دعائم الإيمان، وهذا الذي يحصل من دون أن يشعر هؤلاء الأعداء للدين، ومن دون أن يريدوا يقدمون خدمة لا ندركها سريعاً، يقومون بخدمة سلبية، حينما يثيرون الفتن، يثيرون الشبهات، والناس يردون عليهم، يثبت الإيمان في قلوب المؤمنين، وهذا دور الشيطان ، وله دور إيجابي قد يغيب عن معظم الناس، يلقي وسوسة، ماذا تفعل أنت ؟ تسأل أستاذك، هذا السؤال يدفع الأستاذ إلى توضيح هذه الشبهة في درس عام، معنى ذلك أن هذا الذي توضح يثبت الإيمان في قلوب المؤمنين، إذاً معظم نشاطات المؤمنين الدعوية أساسها أن هناك شبهة طرحت، أو أن هناك ضلالة انتشرتْ.
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ﴾
وحي الشيطان زخرف من القول
الزخرف ؛ المعاصي والآثام أيها الإخوة فيها أخطار مدمرة، يأتي الشيطان فيخفي الآثار المدمرة المهلكة، ويظهر إيجابيات المتعة، يزينها لك، يعرضها بأسلوب مزخرف ، وحينما تتفلت الفتاة تفلتاً كبيراً يسمى هذا حضارة، وتقدماً، وعلماً، ونمط حياة عصريًا، فيه انفتاح، وإدراك، وروح رياضية، هذه كلها كلمات مزخرفة يعبر بها عن الاختلاط الآثم، والشهوات الماجنة باسم فن، باسم فتاة ( سبور )، باسم عقل منفتح، باسم روح رياضية، باسم هذا،
﴿ زُخْرُفَ الْقَوْلِ ﴾
جريمة، وانحراف، وشذوذ، تحت اسم روح رياضية ، ومرونة، وتفهّم، وحياة معاصرة، واقعية،
﴿ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ﴾
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ﴾
ما دام الله سمح به ففيه حكمة بالغة.
﴿ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾
قال:
﴿ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ﴾
من الذي يصغي لهذا الكلام الذي المزخرج، المزخرف ؟ الذي لم يؤمن بالآخرة آمن بالدنيا فقط، دعوة إلى المعصية، دعوة إلى التفلت، دعوة إلى الانحلال، ما في آخرة بذهنه، وكأن الله فرز الناس، لذلك قال تعالى:
﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾
عملية فرز.
الإسراء والمعراج فرز للناس
صدقوا أيها الإخوة أن الإسراء والمعراج فرز، كيف ؟ هناك من كفر بمحمد عليه الصلاة والسلام بعد الإسراء والمعراج، ما صدق به، وما قبِل منه هذا أن يذهب إلى القدس، وأن يعرج إلى السماء، وأن يبلغ سدرة المنتهى، وأن يعود، وفراشه لا يزال ساخناً، ففرز الله عز وجل المؤمنين في الإسراء والمعراج، وفرز المؤمنين في الهجرة، لذلك:
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾
فنحن في دار ابتلاء، وطنوا أنفسكم لا بد من الابتلاء، وهذا الذي يجري الآن في العالم الإسلامي ابتلاء امتحان، إما أن نصمد، وأن نثق بأن الله لا يتخلى عنا، وإما أن نصطلح مع الله عز وجل، وإما أن نقيم الإسلام في نفوسنا، وفي بيتنا، وفي أعمالنا، وإلا نكون قد سقطنا من عين الله.
﴿ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ﴾
يجب أن نكون موحدين، كل شيء يقع أراده الله، وسمح به، لحكمة بالغةٍ بالِغةٍ بالغة عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها.
عظماء المستهزئين بالنبي :
وكان عظماء المستهزئين خمسة، خمسة نفر، وكانوا ذوي شرف في قومهم، وأورد ابن إسحاق رواية عن يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير أنه ذكر فيهما أسمائهم، وهم:
الأسود بن المطلب بن أسد من بني أسد، والأسود بن عبد يغوث من بني زهرة، والوليد بن المغيرة، من بني مخزوم، والعاص بن وائل بن هشام، من بني سهم، والحارث ابن الطلالة، من بني خزاعة.
فلما تمادوا في الشر، وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء أنزل الله تعالى قوله:
﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ* إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾
هذا قانون، لا بد من ابتلاء، لا بد من عدو، وطنوا أنفسكم على أن للحق أعداء وطنوا أنفسكم على أن المؤمن مبتلى، من الذي ابتلاه الله ؟ سيد الخلق وحبيب الحق، هل تتصورون أن نبيه الكريم، وحبيبه، ومن جعله الله سيد الأنبياء والمرسلين يذهب مشياً على أقدامه إلى الطائف ليلقى التكذيب والسخرية والضرب ؟!.
﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً ؟ قَالَ:
(( الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، حَتَّى يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ ذَاكَ، فَإِنْ كَانَ صُلْبَ الدِّينِ ابْتُلِيَ عَلَى قَدْرِ ذَاكَ، فَمَا تَبْرَحُ الْبَلَايَا عَنْ الْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ فِي الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ ))
الله عز وجل كفاه، لذلك الله عز وجل لا يتخلَىعن المؤمنين، لكنه يعالجهم ، ويمتحنهم، يؤدبهم، أو يبتليهم، أو يكرمهم، لابد من ذلك، لكن حينما ترى إصرار النبي عليه الصلاة والسلام على نشر هذا الدين هذا درس لنا، والنبي قدوة لنا أيضاً، النبي عليه الصلاة والسلام يعرض نفسه على القبائل، وكل شيء معروض فيه صعوبة بالغة.
أنت حينما تدخل محلا تجاريًا وأنت مندوب مبيعات تعرض على صاحب المحل بضاعتك، في المئة محل تسعون منهم لا يبالون، لسنا بحاجة، شيء صعب جداً أن تعرض جوهرة ثمينة على من لا يعرف قيمتها.
لذلك الدعاة حينما يعرضون دعوتهم على أناس يرفضونها، بل يستهزئون بها، بل لا يقيمونها تقييماً صحيحاً، يعانون من حالة صعبة جداً، لكن الثواب على قدر المشقة.
حرص النبي على الاجتماع بالناس
حرص النبي عليه الصلاة والسلام على الاجتماع بالناس، النبي لم يكن في برج عاجي فكري، كان مع الناس، كان يمشي في الأسواق، بل من صفات الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين أنهم يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، أي أنهم مفتقرون في وجودهم إلى تناولوا الطعام والشراب، وليسوا آلهة، بل هم يفتقرون ثانية لتأمين ثمن الطعام والشراب فيمشون في الأسواق، فالإنسان حينما يعرف أنه بشر، وأنه تجري عليه كل خصائص البشر، وحينما ينتصر على بشريته، ربما أعلى الله مقامه بين البشر، لا تصدق أن هناك عطاء إلهي إلا بعد ابتلاء.
﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ﴾
ببساطة بالغة، من دون ابتلاء، من دون امتحان، من دون درس قاس، أن تصل إلى أعلى مقام هذا مستحيل، فالنبي عليه الصلاة والسلام عانى ما عانى.
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ ))
أيها الإخوة الكرام، كان عليه الصلاة والسلام في موسم الحج، وفي فترات عقد أسواق العرب حيث كان يلتقي بذوي الشأن من رؤساء القبائل وغيرهم، وكانوا يطالبون الرؤساء بحمايته دون أن يُكرِه أحداً على قبول دعوته.
نحن الآن في بحبوحة كبيرة جداً، نأتي إلى المسجد ونحن آمنون، قرأت البارحة في موقع معلوماتي ببلد إسلامي في شمال إفريقيا كل إنسان يريد أن يصلي يجب أن يصلي في مسجد واحد، ويعطى بطاقة إلكترونية، يجب أن يبرز هذه البطاقة لمسؤول في المسجد ، فإن لم يكن قد ذكر فيها هذا المسجد فممنوع دخوله، مسموح أن يدخل خمس مرات، تريد معاملة طويلة، لا بد لا من بطاقة إلكترونية، وعليها اسمك ورقمك، واسم المسجد، شيء لا يحتمل، من أجل أن تؤدي الصلاة في المسجد، نحن في بحبوحة، يجب أن نعرف فضل الله علينا في ممارسة شعائر الإسلام، ونسأل الله أن يتم فضله علينا، تدخل أيّ مسجد، تحضر أيّ درس علم، تحضر أي خطبة، تحجب فتياتك، لا أحد يحاسبك، تدخل إلى بيتك، تصلي، تقوم الليل، تقرأ القرآن، يجب أن تعلموا إيجابيات ما يعيشه الناس في هذه البلدة، نحن في بحبوحة كبيرة، ولا يعرف قدر هذه البلدة إلا من ذهب إلى بلاد أخرى.
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي، فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ ))
فعليكم بالشام في آخر الزمان، الداخل إليها برضائي، والخارج منها بسخطي.
مباشرة النبي الدعوة في مواسم الأسواق
وقد نقل الإمام أحمد رواية ربيعة بن عباد الدؤلي، وكان من شهود العيان الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواسم الأسواق، وهو يباشر الدعوة: قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم به المجاز يتبع الناس في منازلهم، يدعوهم إلى الله عز وجل .
إخوانا الكرام، لعل أشقى الناس على الإطلاق هذا الذي يقف في خندق معادٍ للحق، تعرض عليه الإسلام بكل أدب، بكل تواضع، بكل وضوح، بكل دليل، يرفض.
(( يتبع الناس في منازلهم يدعوهم إلى الله، ووراءه رجل أحول تتقد وجنتاه، وهو يقول: أيها الناس، لا يغرنكم هذا عن دينكم ودين آبائكم ))
لماذا كان النبي ضعيفا ؟
سؤال: لماذا كان النبي ضعيفاً إلى هذه الدرجة ؟ لو أنه قوي، لو أعطى أمرًا لمشت مسيرة من خمسة ملايين، لكنه ضعيف، ما الحكمة من ذلك ؟ لماذا أراد الله أن يكون الأنبياء ضعافاً في أول دعوتهم ؟ لأن قيمة الإيمان أن تؤمن وأنت حر، هل تتصورون أن النبي عليه الصلاة والسلام يمر على آل ياسر وهم يعذبون، وماتوا تحت التعذيب، يقول: صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة، ما كان يستطيع إنقاذهم، ولا تخفيف العذاب عنهم، لأنه ضعيف، ومع ذلك آمن به من آمن، فقيمة الإيمان أن تؤمن من دون ضغط، لذلك أقول هذا كثيراً: في المجتمع أقوياء وأنبياء، الأقوياء ملكوا الرقاب، لكن الأنبياء ملكوا القلوب، وشتان بين أن تملك رقبة تسيرها كما تشاء، وبين أن تملك قلباً، البطولة أن تملك القلوب، لا أن تملك الرقاب، الأقوياء عاش الناس لهم، والأنبياء عاشوا للناس، الأقوياء أخذوا، ولم يعطوا والأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء يمدحون في حضرتهم، بينما الأنبياء يمدحون في غيبتهم، اذهب إلى العمرة، تجد أمام قبر النبي e عشرات، بل مئات الألوف، من شتى بقاع الأرض يبكون، ولن يلتقوا به، ولم يأخذوا من ماله، ولم ينَلْهم شيء من فضله، لماذا هؤلاء يبكون وقد مضى على وفاته 1400 عام ؟ هؤلاء الأنبياء، هؤلاء الذين جاؤوا الحياة فأعطوا، ولم يأخذوا، فيقول هذا الرجل الأحول الذي تفتقد وجنتاه:
(( لا يغرنكم هذا عن دينكم ودين آبائكم، وأن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من بني مالك ))
النبي ضعيف، يدعو إلى الله، وهناك من يقول له: تباً لك، ألهذا دعوتنا ؟ وكان عليه الصلاة والسلام قد عرض نفسه على كِندة، وبني كلب، وبني حنيفة، وكان ردهم قبيحاً.
أشق الناس من يقف في وجه دعوة الإسلام
والله أيها الإخوة، حينما تقف يوم القيامة أمام رب العزة، ويعرض عليك موقفك من أهل الحق، تفننت في تكذيبهم، تفننت في إهانتهم، تفننت في الافتراء عليهم، وهم أناس أطهار صادقون، هذا أشقى إنسان على وجه الأرض حينما يقف في خندق معادٍ للحق، لذلك هنيئاً لمن كان للحق ناصرا، وويل وألف ويل لمن كان عدواً للحق.
كما عرض نفسه على بني عامر بن صعصعة، ومحارب، وفزارة، وغسان، ومرة، وسليم، وعبس وبني النضر، وبني البكاء وعذرة، وربيعة، وبني شيبان، هؤلاء كذبوه، والوضع صعب جداً أن تعرض حقاً على من لا يريده، أن تعرض شيئاً ثميناً على من لا يعرف قيمته.
وكان عليه الصلاة والسلام مما يقوله في المواسم هل من رجل يحملني إلى قومه ، فإن قريشاً منعوني أن أبلغ كلام ربي عز وجل.
قصة العداء بين أهل الحق وأهل الباطل
إن ملة الكفر واحدة، الكفر هو الكفر من آدم إلى يوم القيامة، الكفر يعادي الحق بلا سبب، بدأ الكفر من قابيل، وهابيل ما فعل شيئًا، ما فعل شيئاً إلا أنه تقرب إلى الله بقربان فقبِله الله، تقرب إلى الله من ثمن ما عنده، هذا هابيل، بينما قابيل قدم قرباناً فلن يتقبل منه:
﴿ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ﴾
ما فعل معك شيئاً، هذه قصة البشرية، الكافر عدو للمؤمن، ولو كان ملكاً، هذه قصة العداء بين أهل الحق والباطل، فكان عليه الصلاة والسلام مما يقوله في المواسم:
(( هل من رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ ؟ فَإِنّ قُرَيْشاً قَدْ مَنَعُونِي أَن أُبَلّغَ كَلاَمَ رَبّي عز وجل ))
الدعوة فيها عقبات
الدعوة مرت بمضائق خطيرة جداً، الدعوة مرة بعقبات كأداء، الدعوة مرت بصعوبات كبيرة جداً، ولكن الله سبحانه وتعالى على هذا الصبر، وعلى هذا الجلد وعلى هذه الهمة العالية، وعلى هذا الحرص على هداية الخلق جعله سيد الأنبياء والمرسلين.
وأنت أيها الأخ حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، حجمك عند الله بحجم دعوتك بحجم حرصك، بحجم رحمتك، بحجم حرصك على هداية الخلق.
تروي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم في سوق ذي المجاز كان يخاطب الناس ويقول:
(( يا أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا ))
حرص النبي على دعوة قومه ورحمته بهم
وكان الناس يزدحمون عليه، غير أنهم لن يتجاوبوا مع دعوته، ومع ذلك فقد كان صلى الله عليه وسلم يواصل الدعوة فلا يسكت، بل يكرر مقولته، هذا هو الثبات، والإنسان أحيانا يتكلم مع إنسان عشر دقائق، يقول لك: ما فيه خير، قطعه وارتاح، لكن النبي عليه الصلاة والسلام في أعلى درجات الحرص على هداية الخلق، الله عز وجل ينتظر منك أن تلح في دعوتك إلى الله، أن تلح في دعوتك إلى الله وأن تقلد النبي عليه الصلاة والسلام في إصراره وفي ثباته، وفي حرصه، وفي رحمته.
﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾
لذلك قالوا: أرحم الخلق بالخلق سيد الخلق، ومع ذلك قال تعالى:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾
رحمة النبي أعلى رحمة بين بني البشر، ومع ذلك ليست بشيء أمام رحمة الله عز وجل.
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ:
(( قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ تَبْتَغِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا، وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ ؟ قُلْنَا: لَا وَاللَّهِ، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ))
أنت حينما تعرف رحمة الله تذوب محبة له، كان عليه الصلاة والسلام يخاطب الناس في سوق ذي المجاز بقوله:
(( يا أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا ))
وكان الناس يزدحمون عليه، غير أنهم لم يتجاوبوا مع دعوته، ومع ذلك كان عليه الصلاة والسلام يواصل الدعوة فلا يسكت، بل يكرر مقولته، وحينما يعرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل كان يقول: يا بني فلان، إني رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئاً، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه، وأن تؤمنوا بي، وتصدقوني، وتمنعوني، حتى أبين عن الله ما بعثني به.
عرض النبي على القبائل وموقفها منه
بعد الإسراء والمعراج، وبعد تخلي قريش عنه، وبعد اضطهادها له، ولا سيما بعد موت زوجته، وعمه أبي طالب، بدأ النبي عليه الصلاة والسلام يعرض نفسه على القبائل، ولا أحد يستجيب، لكن رحمة الله كانت من جهة الأوس والخزرج في المدينة ، فمكث عليه الصلاة والسلام يتبع الناس في منازلهم، وأسواقهم بعكاظ ومجنة، وفي مواسم الحج في منى، حتى إن الرجل ليخرج من اليمن، أو من مضر فيأتيه قومه فيقولون: احذر غلام قريش لا يفتينك، ويمشي بين رجالهم، وهم يشيرون عليه بالأصابع، ماذا فعل ؟ ماذا اقترف ؟ ما الذي فعله حتى يحذر الناس منه ؟ هذه معركة الحق والباطل، إما أن تكون على الحق، والكلمة الثانية قاسية جداً، وإما إنك على الباطل قطعاً، الدليل:
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
موقف أهل يثرب من دعوة النبي :
أيها الإخوة، لقد كان أهل يثرب من الأوس والخزرج أكثر الناس تجاوباً مع دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتعبير العامي: الله جبار الخواطر، وأنا أقول لكم: ما مِن إنسان دعا إلى الله بإخلاص إلا هيأ الله عز وجل له من يقتنع بدعوته، الله جبار الخواطر، الكل أعرض عنه، لذلك قال تعالى:
﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾
الاتصالات الأولى بالأنصار
هنيئاً لمن استجاب إلى الله عز وجل، وكانت الاتصالات الأولى بالأنصار قد تمت في مواسم الحج والعمرة، وقد عرض النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام على سويد بن الصامت، غير أنه لم يعلن إسلامه، كما أنه لم يبعد عنه، وقد استحسن ما سمع من القرآن، ثم انصرف عنه، فقدم المدينة على قومه فلم يلبث أن قتله الخزرج في حرب بعاث، وكان رجال من قومه يقولون: إنه مات مسلماً، ما أجاب النبي e، لكنه اقتنع بالقرآن، ومات بعد حين.
وفد الأوس والخزرج في الحج وعلاقتهم بالنبي e:
ويذكر جابر بن عبد الله الأنصاري مجيء أعداد من الأوس والخزرج إلى الحج ، وعلاقتهم بالرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: فأوينا وصدقناه، فيخرج الرجل منا فيؤمن به، ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله، فيسلمون بإسلامه، حتى لم تبقَ دار من الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام، فجعل الله عز وجل نصرة هذا الدين في المدينة، فكان يأتي الرجل من المدينة إلى مكة يلتقي بالنبي e، ويعلن إسلامه، والنبي يقرئه القرآن، ويعود إلى أهله، فيقنع أهله بالإسلام، فيسلموا، وهكذا.
وكانت الأوس قد سعوا بمحالفة قريش على الخزرج الذين كانوا أكثر منهم عدداً ، فقدم أبو الخير أنس بن رافع في وفد من بني عبد الأشهل لهذا الغرض، فسمع بهم النبي عليه الصلاة والسلام، فجاء ودعاهم إلى الإسلام، وتلا عليهم القرآن، فقال أحدهم، وهو إياس بن معاذ: أيْ قوم هذا ؟ والله خير ممن جئتم له، فانتهره أبو الحيسر فصمت، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، ورجعوا المدينة، وجرت الحرب بين الأوس والخزرج يوم بعاث، ثم مات إياس بن معاذ، وكان قومه يسعونه يهلل الله، ويكبر، ويحمده، ويسبحه حتى مات، فما كانوا يشكون أنه مات مسلماً، فقد استشعر الإسلام في لقائه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك المجلس.
حال المسلمين اليوم وواجبهم في الدعوة
الباطل قوي، والكفر قوي، وهو يملك كل شيء، والإسلام ضعيف، والمسلمون ضعاف، كيف نحن اليوم ؟ نحن ضعاف، والطرف الآخر أقوياء جداً، وكلمتهم هي النافذة، الإعلام لهم، القوة لهم، الأسلحة لهم، القرار لهم، لكن هذا لا يمنع أن نكون صادقين في الدعوة إلى الله، وأن نكون صادقين بأن الله لا يتخلَى عنا، وهذه السيرة فيها إسقاطات كثيرة جداً على واقع المسلمين اليوم.
ومع أن هذين الرجلين من الأوس كانا قد استشعرا الإسلام فإن المصادر لن تذكر قيامهما في الدعوة في وصف قومهما، فإن البداية المثمرة للأنصار حين الاتصال بهم كانت مع وفد الخزرج في موسم الحج عند عقبة منى، الذين لقيهم النبي صلى الله عليه وسلم، وجلس معه، وكلمهم، ودعاهم إلى الله عز وجل، وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، وقد وذكر ابن إسحاق إسلامهم وقيامهم بالدعوة إلى الله.
أيها الإخوة الكرام، ننتقل إن شاء الله تعالى في اللقاء القادم إلى بيعة العقبة الأولى، ويجب أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى لا يتخلَى عن المؤمنين في كل الظروف، وفي كل العصور.