- محاضرات خارجية
- /
- ٠32ندوات مختلفة - سراييفو
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.
مطابقة الأقوال للأفعال في الدعوة إلى الله :
قال تعالى:
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
دعا إلى الله بأقواله وأفعاله، وجاءت حركته في الحياة في حله وترحاله، في رخائه وشدته وفق دعوته، لا ترى الناس تناقضاً بين أقوالهم وأفعالهم.
﴿ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
لم يدّع أنه الأوحد.
﴿ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
وكأن الله أراد من الدعاة أن تكون دعوتهم باللسان وبالحركة، ولا يدعون أنهم الأول، بل هم من جملة الدعاة.
الدعوة إلى الله بالدليل و التعليل :
آية ثانية:
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴾
وقال بعض العلماء: على بصيرة أي بالدليل والتعليل، مثلاً:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾
أي الأمر الإلهي معلل، هذا كلام الإمام الشافعي، الأوامر معللة بمصالح الخلق.
﴿ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
لذلك ورد:
(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية. قلت: يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك؟ قال: نعم، أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله))
أي الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، لو سُئلت: لماذا تصلي؟ يقول لك: الصلاة فرض، والدعوة إلى الله فرض، ولكن في حدود ما تعلم ومع من تعرف، حضرت خطبة تأثرت بها لأن الخطيب يشرح آية، ذكرتها لزوجتك، لأولادك، لأقاربك، لزملائك، هذه الدعوة فرض عين على كل مسلم، كالصلاة تماماً، فرض العين واجبة، في حدود ما تعلم ومع من تعرف.
أما الدعوة التي هي فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الكل فهذه الدعوة التي هي فرض كفاية تحتاج إلى تفرغ، وإلى تبحر، وإلى تعمق، وإلى تثبت، بالدليل والتعليل.
خصائص الدعوة إلى الله :
من مسوغات الدعوة، ومن خصائصها الأساسية: القدوة قبل الدعوة، لأن الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم.
مثلاً إن لم يسمع الابن من أبيه كلمة لا تليق، وإن لم تسمع البنت من أمها كذبة واحدة على أبيها، أصبحت القدوة وسيلة فعّالة للدعوة.
إذاً القدوة قبل الدعوة، الأب قدوة، المعلم قدوة، مدير المؤسسة قدوة، أي منصب قيادي قبل أن تقود بلسانك قُد الناس بكمالك، كحقيقة أولى في الدعوة إلى الله القدوة قبل الدعوة.
لذلك هناك سنة قولية، أقواله، وهناك سنة عملية، أفعاله، وهناك سنة إقرارية، صمته، إذا صمت فإن كلامه صحيح.
مرة كان النبي عند أحد أصحابه، في بيت أحد أصحابه الذي توفي، وكان من عادته أن يزور المتوفى قبل دفنه، فسمع امرأة تقول: هنيئاً لك أبا السائب فقد أكرمك الله.
النبي وحده لو سكت لكان كلامها صحيحاً، لأن سنة النبي أقواله، وأفعاله، وإقراره، وصفاته، تشريع.
فقال لها: ومن أدراك أن الله أكرمه؟ قولي: أرجو الله أن يكرمه، وأنا نبي مرسل لا أدري ما يفعل بي ولا بكم.
إذاً القدوة قبل الدعوة.
الثانية: الإحسان قبل البيان، املأ قلب من تدعوه بإحسانك ليفتح لك عقله لبيانك.
الأصول قبل الفروع، إنسان فرنسي أسلم على يد شيخ في مصر، أبقاه في أحكام المياه ستة أشهر، فترك الدين، فالتقى بعالم جليل، فقال له: الماء الذي تشرب منه توضأ منه.
نحن الآن بحاجة ماسة إلى تبسيط هذا الدين، وعقلنته، وتطبيقه، دعك من تفاصيل لسنا بحاجة إليها، لا تقم اعتراضاً بين العقل والنقل، والنقل وحي السماء، والعقل جهاز بالغ التعقيد من صنع الله، فلذلك التناقض بين العقل والنقل مفتعل من أعداء الدين، أما التناقض فهو من قضية العقل لا يقبلها، أو من نقل غير صحيح، بل إن الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط، خط النقل الصحيح، والعقل الصريح، والعاطفة الصادقة، والواقع الموضوعي، نقل صحيح، وعقل صريح، وعاطفة صادقة، وواقع موضوعي.
لذلك نحن بحاجة إلى أن نؤكد على المضامين لا العناوين، يوجد عناوين، و مضامين، يأتي الحاج من الحج، يزين له الدار، يأتيه المهنئون، لكن هل جاء بعد الحج بتوبة نصوح؟ باستقامة تامة؟ هل حصل تغير جذري في حياته؟
فالمضامين لا العناوين، والنقطة الدقيقة: المبادئ لا الأشخاص، ونحن نعرف الرجال بالحق، ولا نعرف الحق بالرجال، كتاب وسنة، فمن جاء بهما فعلى العين والرأس، أما إثم كبير وعلاقات غير صحيحة، لذلك قيل: كل إنسان يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب القبة الخضراء.
من مبادئ الدعوة التدرج لا الطفرة، ما الحكمة من بقاء آيات منسوخة قطعاً في القرآن؟
﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾
هذه آية الطفرة، لماذا بقيت؟ من أجل أن يتعلم الدعاة منها التدرج في دعوتهم، التدبر، أعطِ بندين اثنين، بعد حين أعط بندين آخرين، أما تعطي المبتدئ المحرمات دفعة واحدة فيرفض هذا كلياً.
والله كنت مرة أنتظر دوري عند طبيب الأسنان، وجدت مجلة على الطاولة، ليس لها علاقة بالدين إطلاقاً، علاقتها بالتموين، قرأت مقالة فيها لفتت نظري، عنوانها: التدخل الإيجابي في السوق، أنت كوزير تموين بدل أن تقمع، وأن تطبق الغرامات، وأن تغلق المحلات، افتح أنت استهلاكية كبيرة، بع أطيب بضاعة، بأرخص سعر، بأطيب معاملة، هذا التدخل الإيجابي.
الداعية الصادق يبتعد عن المهاترات، والخصومات، والنقد، يقدم الإسلام بشكل واضح، جلي، هذا الكلام تحت عنوان: التدخل الإيجابي في السوق.
لذلك ليس بخيركم من عرف الخير، ولا من عرف الشر، أي يوجد مسلمات كثيرة؛ الخمر حرام، والزنى حرام، والصدقة واجب، والصلاة فرض، لذلك ليس بخيركم من عرف الخير ولا من عرف الشر، ولكن من عرف الشرين، وفرق بينهما، واختار أهونهما، نحن الآن خيارنا ليس بين حق وباطل، بين شرين.
الداعية متألق في أناقته و هندامه و علاقاته :
لذلك النبي الكريم وجه الدعاة وقال:
(( أصلحوا رحالكم، وحسنوا لباسكم، حتى تكونوا كأنكم شامة بين الناس ))
الجمال، والأناقة، واللباقة مطلوبة، الداعية متألق في أناقته، في هندامه، في علاقاته، وينبغي أن نتمثل قوله تعالى:
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
طبعاً من يعمل موظفاً في وزارة الأوقاف في الشؤون الإسلامية، يأخذ راتبه أحل من حليب أمه، أما إنسان مكتف فإذا قدم إلى الدعوة فهذا لوجه الله.
البر لا يبلى و الشر لا ينسى :
يوجد نقطة دقيقة: من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه، ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجري بالمقادير.
مرة كنت في ماليزيا، وأنا في الفندق يقول لي أخ كريم: امرأة مع زوجها تطلب مقابلتك، كنت متعباً جداً، فلما التقيت بها، قالت: كنت أنا في دمشق قبل اثني عشر عاماً، وقد أصبت بمرض عضال يحتاج إلى عمل جراحي، وتبنيت أنت معالجتي مجاناً، وصرفت لي راتباً شهرياً مع زوجي، جاءت من مسافة مئة كيلو متر كي تشكرني فقط.
((البر لا يَبلى، والشَرَ لا يُنْسَى، والدَّيان لا يموت ))
افعل ما شئت:
(( وكما تدين تدان ))
كان هناك محسن من بلد عربي كبير جداً، وكان إفريقي، امرأة تحمل طفلاً رضيعاً ولد قبل أيام، بحاجة إلى دواء معين، قال لها الطبيب: هذا الطفل يعيش أياماً معدودة، فانكبت على قدمه تقبلها، أعطاها ما تريد، هي بحاجة إلى ثمن قاروة دواء لـثلاثمئة و خمسة و ستين يوماً، عاد بعد عشر سنوات زارته مع هذا الطفل وقد حفظ كتاب الله.
((البر لا يَبلى، والشَرَ لا يُنْسَى، والدَّيان لا يموت))
قصة مؤثرة جداً إنسان يعيش بالقدس، وكل إمكانانته عنده شجر زيتون، قطف الزيتون وعصره، والناتج كان ثلاثاً و ثلاثين صفيحة زيت، عبوة كبيرة، هذا مصروف سنته، طعام، وشراب، وأجرة بيت، ومصروف بيت، ومعالجة، يوجد حاجز، قال له من على الحاجز وهو من أعداء الأمة: هذه العبوات لا تنتقل إلا بثمن، قال له: ما الثمن؟ قال له: أن تسب محمداً، قال له: والله لا أسبه، فجاء بالرصاص على كل عبوة رصاصة واحدة، حتى سال الزيت كله، قال: والله دمائي سالت مع الزيت، فعاد إلى بلدته في الضفة فوجد في البيت ثلاثاً و ثلاثين صفيحة زيت، سمع الناس قصته، قدم كل واحد صفيحة زيت.
هذه أمة لا تموت، تضعف فقط.
(( الخير فيّ وفي أمتي إلى يوم القيامة ))
لا تقلق على هذا الدين، إنه دين الله، ولكن اقلق ما إذا سمح الله لك أو لم يسمح أن تكون جندياً له.
حفظ الله لكم إيمانكم جميعاً، وأهلكم، وأولادكم، وصحتكم، ومالكم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته